الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاضرة (حالة المرأة) لم تكن غير بقية من همجية القرون الوسطى (عند الغربيين): حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة، ولرأيت معي وجوب اشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسين غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير، وتعليمها الدين، وابعادها عن الشعر والسياسة، وعن قراءة كل كتاب يبحث في غير الدين والطباخة (1) ".
أقول: إن ديننا لا يسمح بوصف النساء بما وصفهن شوبنهور، ولكن ذكرته للعظة والاعتبار.
وكتب الأستاذ (جيوم فريرو) في المجلد الأول من مجلة المجلات ما يلي:
إن العلامات المنذرة بقرب حلول الأزمة النهائية لهذا الشكل من المدنية الذي تعيش فيه كثيرة جداً "بحيث لا يمر يوم حتى يقف الباحث على إنذارات جديدة فيه، فلنعط نحن أيضاً أنفسنا وظيفة الطبيب، ولنجتهد في مساعدة ما شخصه الأطباء من هذا المرض الاجتماعي في زماننا هذا بدرس الشكل الجديد من الرهبنة التي مع عدم استنادها الى دين تهددنا بأنها ستصل الى الحد الذي وصلت إليه الرهبنة الدينية في زمن من أزمنة القرون الوسطى".
إلى أن يقول:
"إن الشروط الاجتماعية الحالية تستدعي عفة المرأة في عزوبتها، والعفاف يقتضي حذف وظيفة الأمومة وهي الوظيفة التي خلقت المرأة لأجلها جسما وروحاً، لا شك إذاً أن في هذه الحالة يجب أن تفسد شخصيتها فسادا ذريعاً، ولا شك أيضاً في أن عدداً كبيراً من هذه النسوة يحدثن آثاراً هائلة على الهيئة الاجتماعية (2) ".
حجة المنادين بوجوب اشتغال المرأة
لا بد لنا من أن نتعرض لأهم حجة يستند إليها المتحمسون في بلادنا لاشتغال المرأة خارج بيتها، وهي أن إشتغالها يزيد في الثروة القومية للبلاد، وان البلاد تخسر كثيرا بقصر عمل المرأة على أعمال البيت، عدا ما فيه من تعويد على الكسل وقتل وقتها بما لا يفيد، ويتندر بعضهم بسمن النساء في
(1) الاسلام روح المدنية للغلاييني: 248 من الطبعة الجديدة.
(2)
دائرة معارف حدين: 8/ 611.
بلادنا سمناً لا يوجد مثيله في البلاد الغربية التي يشتغل فيها نساؤها.
ودحض هذه الحجة "الاقتصادية" سهل إذا تذكرنا الحقائق التالية:
1 -
إن اشتغال المرأة يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً، باعتبار أن إشتغالها فيه مزاحمة للرجل في ميدان نشاطه الطبيعي، مما يؤدي الى نشر البطالة في صفوف الرجال، كما وقع في بلادنا منذ أخذت المرأة طريقها الى وظائف الدولة فقد أصبح عدد كبير من حملة الشهادات الثانوية والعليا عاطلين عن العمل، يملؤون المقاهي، ويقرعون أبواب الحكومة طلباً للوظائف، بينما تحتل أمكنتهم فتيات لا يحملن غالباً مثل مؤهلاتهم وكفاءاتهم.
ومثل ذلك يقع الآن في أمريكا فقد أدت مزاحمة المرأة للرجل إلى بطالة متفسية في الرجال تزداد يوماً بعد يوم، وسترى في "الملاحق" ما يؤيد هذا.
2 -
إذا ثبت أن إشتغال المرأة يؤدي الى بطالة الرجل، كان من المحتمل أن يكون هذا الرجل الذي زاحمته زوجها أو أباها أو أخاها، فأي ربح إقتصادي للأسرة، إذا كان اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة عميدها والمكلف بالانفاق عليها؟
3 -
إن مصالح الشعوب لا تقاس دائماً بالمقياس المادي البحت، فلو فرضنا أن اشتغال المرأة يزيد في الثروة القومية، إلا أنه من المؤكد أن الأمة تخسر بذلك خسارة معنوية واجتماعية لا تقدر، تلك هي خسارتها بانسجام الأسرة وتماسكها، فقد ذكرنا فيما مضى - وسترى ذلك في الملاحق - أن الغرب خسر كثيراً باشتغال المرأة، حيث انهار صرح الأسرة، وفسدت أخلاق الأولاد، فأي الخسارتين أبلغ ضرراً في الأمة؟ الخسارة المادية! أم الخسارة الاجتماعية!
إن الذين يلحون على ضرورة إشتغال المرأة خارج بيتها لتكسب البلاد نتيجة عمل المرأة، لا يبالون بما تخسره البلاد من تفكك الأسرة، وفقدان الرقابة والرعاية على تربية أبنائها وبناتها، ومثل هؤلاء يتبنون فلسفة مادية بحتة - وهذا ما تفعله الشيوعية تماماً - ولكن المجتمع لا تتم سعادته إذا نظر الى القيم الأخلاقية والروحية والعائلية نظرة ثانوية أو نظرة ازدراء، ومجتمعنا مجتمع متدين تسيّر سلوكه المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها أديانه، فلا يمكن أبداً أن ينظر إلى الأسرة بالمنظار الذي تنظر به الشيوعية والحضارة الغربية المادية اليها،
وإلا كان ذلك خراباً للمجتمع في نظر أديانه ومبادئه ومثله الخلقية، ورسالته الانسانية.
إن النظر الى كل فرد في المجتمع كآلة منتجة لا تهتم الدولة إلا بزيادة إنتاجها، هو رجوع بالانسان الى الوراء .... إلى عهود الرق والعبودية والسخرة
…
وهذا ما لا ترضاه الانسانية الكريمة في انسان مجتمعنا المتدين الراقي بعواطفه وأخلاقه ومثله العليا
…
4 -
على أن هذه النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية نفسها، فهنالك - في كل مجتمع - فئات معطلة عن الانتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد، دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال أن هذا تعطيل للثروة البشرية يؤدي الى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟ أم إن هؤلاء المنادين باشتغال المرأة خارج بيتها يوافقون على حرمان الأمة من جهود أفراد الجيش الاقتصادية في سبيل مصلحة أعلى وأثمن من المنفعة الاقتصادية؟ وإذا كان كذلك فهل يكون التفرغ لشؤون الأسرة أقل فائدة للأمة من تفرغ الجيش لحماية البلاد؟ أم يريدون أن ترهق المرأة بالعملين معاً؟
إن حياة الناس - أي ناس كانوا - ليست كلها تحسب بحساب الربح والخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء، وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، ولكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الانسانية.
وليست صيانة الأسرة، ورعاية الطفولة، وتربية الأولاد بأقل شأناً في نظر الانسان الراقي المعتز بانسانيته من تلك القيم الاخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت.
وأخيراً فإن خوض الأمة معارك الدفاع عن حياتها أو انتزاع استقلالها من أيدي المغتصبين، ترحب به كل أمة، بل لا تستطيع أي أمة كانت أن تفعل غيره، فكم تحلق بالأمة من خسائر مادية وبشرية في سبيل الدفاع المشروع؟ وهل يجرؤ أحد على أن يدعو الأمة الى تسريح جيشها، وعدم شراء الأسلحة والذخائر أو صنعهما، وعدم مقاومة المغيرين المعتدين بحجة أن في ذلك كله خسارة مادية، واضراراً بالانتاج القومي والثروة العامة في البلاد؟.