الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واسعاً أمام الأولياء الجاهلين للتحكم في زواج بناتهم إذا لم يوافقوا على مكانة عائلة الخاطب وثروته وغير ذلك.
الثاني: عدم مهر المثل، فاذا زوجت الفتاة نفسها بأقل من مهر مثلها كان لأبيها أو لأوليائها فسخ العقد لأنه مما تلحقهم فيه المعرة.
ولا شك أن تطور الحياة الاجتماعية يقتضي تغيير النظرة الى هذه المسألة تغييراً أساسياً، ولذلك عالجها قانوننا للأحوال الشخصية معالجة موفقة.
فمن حيث الكفاءة أقر القانون اشتراط الكفاءة بين الزوجين، هذا من حيث المبدأ لضمان سعادتها وتفاهمهما، ولكنه ترك تحديد الكفاءة الى عرف البلد الذي يجري فيه العقد، وهذا إجراء حكيم مرن يمكن تطبيقه في كل وقت بما يكفل هناءة الأسرة.
وجعل القانون من حق الأب الذي تزوجت فتاته في سن الزواج القانوني بغير رضاه أن يعترض لدى القاضي بعدم الكفاءة فحسب، فان تحقق القاضي عدم الكفاءة فسخ العقد وإلا أجراه.
وبهذا حال القانون دون تعنت الآباء أو الأولياء في زواج فتياتهم.
وبقي في القانون مشكلة على مذهب أبي حنيفة، وهي ما إذا عقدت فتاة في السادسة عشرة من عمرها زواجاً من كفءٍ ولم يوافق أبوها على ذلك، فان هذا العقد لا يستطيع القاضي إجراءه بحسب نصوص القانون، وهو صحيح على مذهب أبي حنيفة قولاً واحداً.
أما مهر المثل فقد ألغى القانون اعتباره تماماً، ولم يجعل للأب حق الاعتراض بسببه، وقد أحسن القانون في ذلك صنعاً، فان المهر في الاسلام رمز لاكرام المرأة والرغبة في الاقتران بها، والتعيير بنقصانه صنيع البيئات الجاهلة التي تغفل الحكمة من مقاصد الزواج وحكمة المهر فيه، ومثل هذا لا يقيم له الاسلام وزناً، وبذلك قال الأئمة المجتهدون غير أبي حنيفة.
5 - الشروط في عقد الزواج
قد تكون للزوجة مصلحة في اشتراط أمر معين في عقد الزواج، فما هو موقف الشريعة حينئذ؟
إن الشريعة تنظر الى مصالح الناس بلا ريب، وتسعى الى تحقيق ما لا
يتنافى منها مع مقاصد الشريعة أو مبادئ النظام العام، أو مصلحة الجماعة بوجه عام.
وللفقهاء مسالك معروفة في الشروط في العقود، ما بين متشددين في عدم السماح بها إلا في نطاق ضيق، وما بين متسامحين في قبول كل شرط إلا ما خالف مبادئ الشريعة وأنظمتها، وهؤلاء هم الحنابلة، ولكل مذهب ادلته التي استند اليها في تحديد الشروط التي يقبلها أو يرفضها.
أما في عقد الزواج فالاجماع منعقد على أن كل شرط فيه يخالف نظامه الأساسي يعتبر لغوا وباطلاً، وذلك كاشتراط أن لا تدخل في طاعته، أو أن لا ينفق عليها.
واختلفوا فيما وراء ذلك، والذي عليه فقهاء الحنفية وهو الذي كان معمولاً به في المحاكم الشرعية عندنا قبل صدور قانون الأحوال الشخصية عام 1951 أن كل شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائم نظامه، ولم يرد نص خاص بجوازه، وليس مما جرى به العرف، فهو شرط فاسد، بمعنى أن العقد صحيح والشرط لاغ لا قيمة له ولو تراضيا عليه في العقد.
وعلى هذا فلو اشترطت عليه أن لا يسافر بها من بلدها، أو أن لا يتزوج عليها صح العقد ولغا الشرط، وله بعد ذلك أن يسافر بها، وأن يتزوج عليها، وإن كان الأولى أن يفي بما ارتضاه عند العقد، لأن الله رغب في الوفاء بالعهود والمواثيق.
لقد كان ينشأ من تطبيق هذا المبدأ ضرر بالغ بالمرأة، وتغزير خطير بها فهي ما أقدمت على العقد إلا بناء على ما اشترطته فيه لمصلحتها، وقد قبل الزوج بذلك، فعدم وفائه بعدئذ بالشرط الذي اتفقا عليه إخلاف لما وعد به الزوج به، وتغرير منه.
لذلك عالج قانون الأحوال الشخصية هذا الموضوع بما يحفظ حقوق الزوجة، ويمنع الزوج من التغرير بها، فاختار مبدأ الحنابلة أساساً في قبول الشروط، ولكنه قسمها تقسيماً جديداً توخى فيه مصلحة الزوج والزوجة على السواء.
فقد قسم القانون الشروط الى ثلاثة أقسام:
1 -
شروط باطلة لا يحق الوفاء بها، ويكون العقد معها صحيحاً، وذلك
بأن يقيد عقد الزواج بشرط ينافي نظامه الشرعي، كاشتراط عدم المهر، أو انفاق الزوجة على الزوج، أو بشرط ينافي مقاصده الشرعية، كاشتراط الاستمتاع الزوجي، أو أن يلتزم فيه ما هو محظور شرعاً، كاشتراط المرأة أن تسافر وحدها.
فهذا النوع من الشروط باطل، والعقد صحيح، ولا يجوز الوفاء بالشرط وقد قدمنا أن هذا حكم متفق عليه في المذاهب الاجتهادية، ولا نعلم فيه خلافاً.
2 -
شروط صحيحة يلزم الزوج بالوفاء بها، بمعنى أن القضاء يجبر الزوج على تنفيذها، وهي الشروط التي تكون فيها مصلحة مشروعة للزوجة، ولا تمس حقوق غيرها، ولا تقيد حرية الزوج في أعماله الخاصة المشروعة، كأن لا يسافر بها، أو أن لا ينقلها من دار أبيها أو بلدها، فهذا الشرط صحيح ولا يستطيع الزوج أن يسافر بزوجته، فان أصر على السفر بها منعه القاضي من ذلك.
وهذا مأخوذ من مذهب أحمد رحمه الله.
3 -
شروط صحيحة، ولكنها غير ملزمة للزوج بمعنى أن القضاء لا يجبر الزوج على تنفيذها، وذلك في الحالتين التاليتين:
أ -
…
أن تشترط الزوجة في عقد الزواج ما فيه تقييد لحرية الزوج في أعماله الخاصة المشروعة، كأن تشترط عليه أن لا يسافر، أو لا يتوظف، أو لا يشتغل في السياسة! أو لا يتزوج عليها.
ب - أن تشترط ما يمس حقوق غيرها، كاشتراطها أن يطلق زوجته الأخرى.
فالشرط في مثل هاتين الحالتين شرط صحيح، ولكن لا يلزم الزوج الوفاء بسلطة القضاء، فاذا لم يف كان للزوجة طلب فسخ النكاح.
وهذا متفق مع مذهب أحمد رحمه الله أيضاً، الا في اشتراط تطليق الضره، فان للحنابلة رأيين: أحدهما يقول بجوازه، والآخر، لا.
ومن هنا تبين أن القانون قد أعطى الزوجة حق اشتراط ما تشاء من الشروط التي لا تنافي نظام عقد الزواج، وأن هذه الشروط منها ما تستطيع ان تجبر الزوج على تنفيذه بسلطان القضاء، ومنها ما يعطيها الحق بطلب فسخ النكاح اذا نكل الزوج عن الوفاء به.
وبهذا رفع غبن كبير عن المرأة كانت تئن تحت وطأته بسبب التقيد بمذهب أبي حنيفة قبل صدور القانون.
غير أن الحق فسح المجال كثيراً أمام شروط الزوجة قد يعود بالضرر البالغ على الزوج، خذ لذلك مثلاً: اشتراطها أن لا يسافر بها من بلدها، ان الزوج قد يجد نفسه مضطراً للسفر، كأن يكون موظفاً صدر الأمر بنقله الى بلد آخر، فاذا أصرت الزوجة على عدم السفر معه، لم يكن أمامه إلا أن يتركها تعيش وحدها، ويعيش هو وحده، وفي هذا من تشتت للأسرة، وتعرض الحياة الزوجية لعدم الاستقامة، وإما أن يضطر الى طلاقها، وفي هذا خراب بيته، وانهيار حياته الزوجية، وتعريضه لهزات عنيفة ليس من اليسير تلافيها.
إني أرى اعادة النظر في مثل هذه الشروط بحيث لا يعنت الزوج، ولا تعنت الزوجة، والحياة الزوجية ليست شركة مادية يحاول كل طرف فيها أن ينال أكبر كسب ممكن، بل هي شركة معنوية، لا بد أن يتنازل فيها كل واحد للآخر عن بعض حقه. حتى يتم الوئام والانسجام والاستقرار.
بقيت هنا نقطتان لا بد من الاشارة اليهما:
الأولى: أن فقهاء الحنفية يقررون أنه اذا اشترطت الزوجة في العقد جعل حق الطلاق بيدها بحيث تطلق نفسها متى شاءت، فان هذا شرط محترم، ويكون من حقها أن تطلق نفسها في أي وقت تريد، وهم يحرّجونه لا على أنه من قبيل الشرط حتى يكون فاسداً كما هي قاعدتهم، بل على أن الزوج قد ملّكها حقاً يملكه بعد العقد متى يشاء، فله أن يعجل بتمليكها هذا الحق عند العقد. وليس في هذا ما ينافي القواعد العامة.
الثانية: أن قانون حقوق العائلة قد نص على أن الزوجة اذا اشترطت أن لا يتزوج عليها، واذا تزوج كانت هي أو ضرتها طالقة، فالعقد صحيح والشرط معتبر (المادة 38) وهذا ليس من قبيل الشروط الفاسدة، بل هو من قبيل تعليق الطلاق بشرط، وهو صحيح كما اذا قال لها: إن ذهبت الى مكان كذا فأنت طالق. ثم ذهبت فالطلاق واقع قولاً واحداً.