الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما في اسبارطة فقد توسعوا في اعطائها شيئاً من الحقوق المدنية فأعطوها شيئاً من الحق في الارث والبائنة (الدوطة) وأهلية التعامل، وما كان ذلك عن سماحة منهم واعتراف بأهلية المرأة، وإنما كان لوضع المدينة الحربي حيث كان أهلها في حرب وقتال، فكان الرجال يشتغلون بالحرب دائماً ويتركون التصرف في حال غيبتهم للنساء، ومن هنا كانت المرأة في اسبارطة أكثر خروجاً الى الشارع وأوسع حرفة من أختها في اثينا وسائر مدن اليونان، ومع هذا فقد كان أرسطو يعيب على أهل اسبارطة هذه الحرية والحقوق التي أعطوها للمرأة ويعزو سقوط اسبارطة وانحلالها الى هذه الحرية والحقوق.
وفي أوج حضارة اليونان تبدلت المرأة واختلطت بالرجال في الأندية والمجتمعات، فشاعت الفاحشة حتى أصبح الزنى أمراً غير منكر، وحتى غدت دور البغايا مراكز للسياسة والأدب، ثم اتخذوا التماثيل العارية باسم الأدب والفن، ثم اعترفت ديانتهم بالعلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة، ثمن آلهتهم "افروديت" التي خانت ثلاثة آلهة وهي زوجة إله واحد وكان من أخدانها رجل من عامة البشر فولدت "كيوبيد" إله الحب عندهم! ثم لم يشبع غرائزهم ذلك حتى انتشر عندهم الاتصال الشاذ بين الرجل والرجل، وأقاموا لذلك تمثال "هرموديس وارستوجتين" وهما في علاقة آثمة، وكان ذلك خاتمة المطاف في حضارتهم فانهارت وزالوا.
عند الرومان
أما عند الرومان فقد كان الأمر عندهم في العصر القديم أن الأب ليس ملزماً بقبول ضم ولده منه الى أسرته ذكراً كان أو أنثى، بل كان يوضع الطفل بعد ولادته عند قدميه، فاذا رفعه وأخذه بين يديه كان دليلاً على أنه قبل ضمه الى أسرته، وإلا فإنه يعني رفضه لذلك، فيؤخذ الوليد الى الساحات العامة أو باحات هياكل العبادة فيطرح هناك، فمن شاء أخذه اذا كان ذكراً، وإلا فان الوليد يموت جوعاً وعطشاً وتأثراً من حرارة الشمس أو برودة الشتاء.
وكان لرب الأسرة أن يدخل في أسرته من الأجانب من يشاء، ويخرج منها من أبنائه من يشاء عن طريق البيع، ثم قيد قانون الانثي عشر لوحاً حق البيع بثلاث مرات، فاذا باع الأب ابنه ثلاث مرات متوالية كان له الحق في التحرر من سلطة رئيس الأسرة، أما البنت فكانت تظل خاضعة لرب الأسرة ما دام حياً.
وكانت سلطة رب الأسرة على أبنائه وبناته تمتد حتى وفاته مهما بلغ سن الأبناء والبنات، كما كانت له سلطة على زوجته وزوجات أبنائه وأبناء أبنائه، وكانت هذه السلطة تشمل البيع والنفي والتعذيب والقتل، فكانت سلطته سلطة ملك لا حماية، ولم يلغ ذلك إلا في قانون جوستنيان (المتوفي 565 م) فان سلطة الأب فيه لم تعد تتجاوز التأديب.
وكان رب الأسرة هو مالك كل أموالها فليس لفرد فيها حق التملك، وإنما هم أدوات يستخدمها رب الأسرة في زيادة أموالها، وكان رب الأسرة هو الذي يقوم بتزويج الأبناء والبنات دون ارادتهم.
أما الأهلية المالية فلم يكن للبنت حق التملك، وإذا اكتسبت مالاً أضيف الى أموال رب الأسرة ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها وفي العصور المتأخرة في عصر قسطنطين تقرر أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تتميز عن أموال أبيها. ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها، وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين.
وفي عهد جوستنيان قرر أن كل ما تكتسبه البنت بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر غير رب أسرتها يعتبر ملكاً لها، أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكاً له، على أنها وإن أعطيت حق تملك تلك الأموال فإنها لم تكن تستطيع التصرف فيها دون موافقة رب الأسرة.
واذا مات رب الأسرة يتحرر الابن اذا كان بالغاً، أما الفتاة فتنقل الولاية عليها الى الوصي ما دامت على قيد الحياة، ثم عدل ذلك أخيراً بحيلة للتخلص من ولاية الوصي الشرعي بأن تبيع المرأة نفسها لولي تختاره. ويكون متفقاً فيما بينهما أن هذا البيع لتحرزها من قيود الولاية فلا يعارضها الولي الذي اشتراها في أي تصرف تقوم به.
وإذا تزوجت الفتاة أبرمت مع زوجها عقداً يسمى "اتفاق السيادة" أي بسيادة الزوج عليها، وذلك باحدى ثلاث طرق:
1 -
في حفلة دينية على يد الكاهن.
2 -
بالشراء الرمزي أي يشتري الزوج زوجته.
3 -
بالمعاشرة الممتدة بعد الزواج الى سنة كاملة.
وبذلك يفقد رب الأسرة سلطته الأبوية على ابنته وتنتقل هذه السلطة الى الزوج. وعلى الجملة فقد تحولت السلطة على المرأة - في عهد الازدهار العلمي للقانون الروماني - من سلطة ملك الى سلطة حماية ولكنها مع ذلك ظلت قاصرة الأهلية.
فبينما كانت قوانين الألواح الاثني عشر تعتبر الأسباب الثلاثة الآتية أسباباً لعدم ممارسة الأهلية وهي: السن، والحالة العقلية، والجنس أي الأنوثة وكان فقهاء الرومان القدامي يعللون فرض الحجر على النساء بقولهم: لطيش عقولهن، جاء قانون جوستنيان ينص على أنه يشترط لصحة التعاقد أهلية حقوقية وأهلية فعلية واقعية.
أما الأهلية الحقوقية فيعتبر فاقداً لها:
1 -
الرقيق.
2 -
الأجانب في العقود الوطنية كالعقود الشفهية بالوعد كالعهود الكتابية الخاضعة لسلطة رئيس أسرة وهن البنات والزوجات.
وأما الأهلية الفعلية الواقعية فيعتبر فاقداً لها:
1 -
الأولاد (الصغار) والمعتوهون.
2 -
السفهاء في الحالة التي يصبحون فيها مدينين.
3 -
البنات والسيدات البالغات الخاضعات لسلطة رئيس أسرة (أب وزوج) وذلك في الحالات التي يصبحن فيها مدينات دون اذن من سيدهن.
4 -
النساء البالغات المستقلات، وذلك في الحالة التي يصبحن فيها مدينات دون إذن من الوصي عليهن.
غير أن هذه الحالة الأخيرة من فقدان الأهلية قد زالت مع زوال الوصاية على النساء في الامبراطورية السفلى، لكن هؤلاء النساء البالغات المستقلات ظللن فاقدات الأهلية عند تحمل دين الغير دون نفع لهن، فلسن أهلاً لأن يتحملن ديناً عن أزواجهن ولا أي واحد من الناس (1).
(1) انظر في: المدخل الى تاريخ الحقوق الرومانية للدكتور معروف الدوالبي والمرأة عند اليونان، والمرأة عند الرومان للدكتور محمود سلام زناتي.