الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل عليه أن يعاملها باللطف والحسنى بما استطاع، عسى أن يصلح قلبها ويكسب مودتها.
وقد فهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية كما ذكرناه، فكان حين يعدل بين زوجاته يقول:"اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يعني بذلك حبه لعائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته.
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات -
فهم خاطئ متهور
وقد حاول بعض الناس ممن لا علم لهم بالشرع، ولا بالكتاب والسنة أن يزعموا أن القرآن يمنع التعدد في آيتيه السابقتين، لأن الآية الأولى تشترط إباحة التعدد بالعدل بين الزوجات، والآية الثانية تقطع باستحالة العدل بينهن، فكأن التعدد مشروط بما يستحيل امكانه، فهو ممنوع.
ولا ريب في أن قليلاً من النظر يرد هذه الدعوى لأمور كثيرة منها:
أولاً- إن العدل المشروط في الآية الأولى وهو غير العدل المقطوع باستحالته في الآية الثانية.
فالعدل المشروط في الأولى هو العدل الذي يمكن للزوج أن يفعله وهو العدل المادي في مثل المسكن والمبيت واللباس والطعام وغير ذلك.
والعدل المقطوع بعدم استطاعته هو العدل الذي لا يمكن في الواقع للزوج أن يفعله، وهو العدل المعنوي في الحب والمكانة القلبية، فما تزوج الثانية إلا وهو معرض عن الأولى بسبب من الأسباب، فكيف يعدلها بها ويساويها معها في حبه وعواطفه!
وعلى هذا فلا تعلق بين العدلين في الآيتين، الا من حيث أنه عدل بين الزوجات! ويكون تعليق التعدد بالعدل المادي بين الزوجات لا يزال مشروطاً وقائماً، فمن علم أنه لا يعدل بينهن كان آثماً في التعدد، وإذا تزوج فلم يعدل كان آثماً.
وأما عدم عدله في حبه بينهن فلا يؤاخذه الله عليه إلا إذا أفرط في الجفاء، وبالغ في الانصراف.
ثانياً- إن نص الآية الثانية قاطع بالمراد من العدل الذي لا يستطيعه الانسان، وهو الحب، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعد أن علم طبيعة النفس
الانسانية وأنها لا تستطيع العدل بين الأولى والثانية، خاطبه بما يستطيع، فنهاه عن أن يميل عن الأولى "كل" الميل، فيذرها كالمعلقة ومعنى ذلك أن الميل "بعض" الميل جائز، بل هو الذي لا بد أن يقع وهو مما لا يحاسب الله عليه الزوج. ولذلك ختم الآية الكريمة بقوله:{وأن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً} وهذا حث آخر للزوج أن يصلح الوضع فيما بينه وبين زوجته الأولى، ويتقي الله في أمرها فلا يهجرها ويسيء عشرتها، وأنه إن فعل ذلك فإن الله يغفر له ما يكون منه من ميل الى زوجته الثانية أكثر من الأولى، وأن الله رحيم بتلك الزوجة، بما سيلقي في قلب زوجها من وجوب العدل معها وحسن معاملته لها.
ثالثاً- لو كان الأمر كما زعمه هؤلاء لما كان لقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} معنى، ولا أدى الى غرض ولكان الأولى أن يمنع التعدد رأساً بلفظ واحد، لا أن يبيح التعدد ويعلقه بشرط مستحيل، فهذا عبث من الكلام يصان عنه أي واحد من العقلاء فكيف بكلام رب العالمين، الذي هو الذروة العليا من الفصاحة والبلاغة والبيان العربي المبين؟
…
أليس مثل ذلك - في دعواهم - كمثل من قال: أبحت لك أن تسلك هذه الطريق أوهذه الطريق، أو هذه الطريق، ولكن من المستحيل عليك أن تسلك إلا طريقاً واحداً لكذا وكذا؟ ما معنى مثل هذا الكلام؟ وما فائدته؟ وهل يقع في مثل هذا في قانون؟ أو دستور أو كتاب علمي؟ فضلاً عن كتاب رب العالمين.
رابعاً- من المعلوم في الدين بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم مفسر لكتاب الله، وأنه لا يفعل حراماً، ولا يسمح بحرام ولا يقر عليه، وقد ثبت أن العرب الذين دخلوا في الاسلام كان منهم كثيرون تحتهم أكثر من أربع زوجات، منهم من كان عنده ست، ومنهم من كان عنده ثمان، ومنهم من كان عنده عشر، ومنهم من كان عنده ثماني عشرة
…
وهكذا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار كل واحد أربعاً من زوجاته ويفارق سائرهن، ولو كان التعدد حراما بنص هاتين الآيتين لأمرهم أن يختاروا واحدة منهن ويفارقوا سائرهن.
ومن الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عدد زوجاته، وأن أصحابه قد عددوا الزوجات في حياته وعلى مسمع منه وعلم، ولم ينكر عليهم، فاذا قيل إن تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم خاص به - مع أن خصوصيته في الزيادة على الأربع لا