الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى نقيض ذلك يرى الدكتور ليبون Lepon أن القوانين الأوروبية سوف تجيز التعدد.
ويذهب الأستاذ اهرنفيل Ehrenbel إلى حد القول بأن التعدد ضروري للمحافظة على بقاء "السلالة الآرية".
ثم يعقب وستر مارك بترجيح الاتجاه الى توحيد الزوجة إذا سارت الأمور على النحو الذي أدى الى تقريره (1).
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات -
ضرورات التعدد الاجتماعية
وإذا نحن حاكمنا الموضوع محاكمة منطقية بعيدة عن العاطفة وجدنا للتعدد حسناته وسيآته. وحسناته ليست من حيث التعدد ذاته، فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب الى الفطرة، وأحصن للأسرة، وأدعى الى تماسكها، وتحاب أفرادها، ومن أجل ذلك كان هو النظام الطبيعي الذي لا يفكر الانسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات، وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن، وتضفي عليه الحسنات. والضرورات هنا تنقسم الى إجتماعية وشخصية.
ضرورات التعدد الاجتماعية:
أما الضرورات الاجتماعية التي تلجئ إلى التعدد فهي كثيرة نذكر منها حالتين لا ينكر أحد وقوعهما:
1 -
عند زيادة النساء على الرجال في الأحوال العادية، كما هو الشأن في كثير من البلدان كشمال أوروبا، فإن النساء فيها في غير أوقات الحروب وما بعدها تفوق الرجال بكثير، وقد قال لي طبيب في دار للتوليد في هلسنكي (فنلندا) أنه من بين كل أربعة أطفال أو ثلاثة يولدون يكون واحد منهم ذكراً والباقون إناثاً.
ففي هذه الحالة يكون التعدد أمراً واجباً أخلاقياً واجتماعياً، وهو أفضل بكثير من تسكع النساء الزائدات عن الرجال في الطرقات لا عائل لهن ولا بيت يؤويهن، ولا يوجد إنسان يحترم استقرار النظام الاجتماعي يفضل انتشار
(1) العقاد: المرأة في القرآن الكريم ص 134 طبع دار الهلال.
الدعارة على تعدد الزوجات، إلا أن يكون مغلوباً على هواه، كأن يكون رجلاً أنانياً يريد أن يشبع غريزته الجنسية دون أن يحمل نفسه أي التزامات أدبية أو مادية نحو من يتصل بهن، ومثل هؤلاء خراب على المجتمع، واعداء للمرأة نفسها، وليس مما يشرف قضية الاقتصار على زوجة واحدة أن يكونوا من أنصارها، وحياتهم هذه تسخر منهم ومن دعواهم.
ومنذ أوائل هذا القرن تنبه عقلاء الغربيين إلى ما ينشأ من منع تعدد الزوجات من تشرد النساء وانتشار الفاحشة وكثرة الأولاد غير الشرعيين، وأعلنوا أنه لا علاج لذلك إلا السماح بتعدد الزوجات.
فقد نشرت جريدة (لاغوص ويكلي ركورد) في عددها الصادر بتاريخ 20 نيسان 1901 نقلاً عن جريدة (لندن تروث) بقلم إحدى السيدات الإنجليزيات ما يلي:
"لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر الى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وإن شاركني فيه الناس جميعاً!! لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة، ولله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكامل الشفاء وهو "الاباحة للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة" وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محال وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة".
"إن هذا التحديد بواحدة هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن الى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة".
"أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاً وعاراً وعالة على المجتمع، فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب الهُون، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن .. إن إباحة تعدد الزوجات تجعل كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين (1) ".
(1) مجلة المنار للسيد رشيد رضا: المجلد الرابع ص 485 - 486.
وتدل الاحصائيات التي تنشر في أوروبا وأمريكا عن ازدياد نسبة الأولاد غير الشرعيين زيادة تقلق الباحثين الاجتماعيين، وهؤلاء ليسوا إلا نتيجة عدم اقتصار الرجل على امرأة واحدة، وكثرة النساء اللاتي لا يجدن طريقاً مشروعاً للإتصال الجنسي.
2 -
عند قلة الرجال عن النساء قلة بالغة نتيجة الحروب الطاحنة، أو الكوارث العامة. وقد دخلت أوروبا حربين عالميتين خلال ربع قرن، ففني فيهما ملايين الشباب، وأصبحت جماهير من النساء ما بين فتيات وما بين متزوجات، قد فقدن عائلهن، وليس أمامهن - ولو وجدن عملاً - إلا أن يتعرفن على المتزوجين الذي بقوا أحياء، فكانت النتيجة أن عملن باغرائهن على خيانة الأزواج لزوجاتهن، أو انتزاعهم من أحضان زوجاتهن ليتزوجن بهم.
وقد وجدت النساء المتزوجات في هذه الأحوال من القلق وتجرع الهجر والحرمان ما يفوق مرارة انضمام زوجة أخرى شرعية الى كل واحدة منهن، وقامت في بعض بلاد أوروبا - وبخاصة في ألمانيا - جمعيات نسائية تطالب بالسماح بتعدد الزوجات، أو بتعبير أخف وقعاً في أسماع الغربيين وهو "إلزام الرجل بأن يتكفل امرأة أخرى غير زوجته".
وضرورات الحروب ونقصان الرجال فيها لا تدع مجالاً للمكابرة في أن الوسيلة الوحيدة لتلافي الخسارة البالغة بالرجال هو السماح بتعدد الزوجات.
وهذا الفيلسوف الانجليزي "سبنسر" برغم مخالفته لفكرة تعدد الزوجات، يراها ضرورة للأمة التي يفنى رجالها في الحروب.
يقول "سبنسر" في كتابه "أصول علم الاجتماع":
إذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب ولم يكن لكل رجل من الباقين إلا زوجة واحدة، وبقيت نساء عديدات بلا أزواج، ينتج عن ذلك نقص في عدد المواليد لا محالة، ولا يكون عددهم مساوياً لعدد الوفيات، فاذا تقاتلت أمتان مع فرض أنها متساويتان في جميع الوسائل المعيشية وكانت إحداهما لا تستفيد من جميع نسائها بالأستيلاد، فإنها لا تستطيع أن تقاوم خصيمتها التي يستولد رجالها جميع نسائها، وتكون النتيجة أن الأمة الموحدة للزوجات تفنى أمام الأمة المعددة للزوجات (1) " هـ.
(1) دائرة معارف فريد وجدي: 4/ 692 في مادة (زوج).