الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع الامتناع عن الانفاق عليها إضرار بالغ بها.
وذهب أبو حنيفة الى عدم جواز التفريق لعدم الانفاق، لأن الزوج لا يخلو من أن يكون معسراً أو موسراً، فإن كان معسراً فلا ظلم منه بعدم الانفاق، والله تعالى يقول:{لينفق ذو سعة من سعته، ومن قُدر عليه رزقه (ضُيق) فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا} [الطلاق: 07] وإذا لم يكن ظالماً فلا يجوز أن نظلمه بإيقاع الطلاق عليه، وإن كان موسراً فهو بلا شك ظالم في امتناعه، ولكن دفع ظلمه لا يتعين بالتفريق بينهما، بل هنالك وسائل أخرى لرفع الظلم، منها: بيع ماله جبرا عنه للانفاق على زوجته، ومنها حبسه لإرغامه على الانفاق، وأيا ما كان فان الظلم لا يدفع بالظلم.
كان العمل قديماً بمذهب أبي حنيفة، ولكن قانوننا أخذ بمذاهب الأئمة الثلاثة حفظاً للزوجة من الضياع، وصيانة لها عن الانحراف، وقد فصل القانون في هذه الحالة تفصيلاً ليس هذا محله.
8 - الطلاق المعلل:
الأصل في الزواج أن يكون لسكن النفس واطمئنانها، ومما يؤثر في ذلك وينغض الحياة الزوجية وجود العلل والأمراض في أحد الزوجين فما مصير الزواج اذا اكتشف أحدهما علة في الآخر بعد الزواج؟.
تنقسم الى قسمين:
1 -
علل جنسية تمنع من الاتصال الجنسي كالحَبب والسُعنة والخصاء في الرجل، والرَتق والقرن في المرأة.
2 -
علل لا تمنع من الاتصال الجنسي ولكنها منفرة أو معدية أو ضارة بحيث لا يمكن المقام معها إلا بضرر، كالجذام والبرص والجنون والسل والزهري.
وتختلف مذاهب العلماء في حكم هذه العلل بالنسبة للزواج.
فذهبت الظاهرية إلى أنه لا يحق لأحد من الزوجين طلب التفريق بسبب
علة من العلل مطلقاً، ولو كانت عللاً جنسية. وهذا بعيد عن حكمة التشريع، ولذلك لم يوافق عليه أحد من أئمة الاجتهاد.
وذهب فريق من العلماء - منهم ابن شهاب الزهري وشريح وأبو ثور - إلى جواز طلب التفريق من كل عيب مستحكم، سواء كان في الزوج أو الزوجة، لأن العقد قد تم على أساس السلامة من العيوب، فاذا انتفت السلامة فقد ثبت الخيار، وهذا قول قريب جداً من حكمة التشريع.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف الى أن العيوب الجنسية ان كانت في المرأة فلا خيار للرجل في فسخ النكاح، لأنه يملك تطليقها في أي وقت يشاء
…
وإن كانت العلل الجنسية في الرجل فللمرأة حق طلب فسخ النكاح في ثلاثة منها فحسب، وهي: الجَب، والخصاء، والعنة.
أما العلل غير الجنسية فلا خيار للرجل ولا للمرأة في حق الفسخ. ومعنى ذلك أنه لا حق في طلب الفسخ من مرضٍ كالسل أو الزهري أو غيرهما من الأمراض المعدية أو المنفرة.
وهذا بعيد عن حكمة التشريع في الزواج.
وذهب محمد الى أن العيوب إن كانت في المرأة فلا حق للرجل في طلب الفسخ جنسية أم غير جنسية، لأن الرجل يملك التطليق حين يريد.
وإن كانت في الرجل فلها طلب الخيار في العيوب الجنسية، وفي غير الجنسية إذا كانت لا يمكن المقام معها إلا بضرر.
هذا هو الصحيح من مذهب محمد (1) خلافاً لما توحيه عبارات بعض فقهاء الحنفية.
وذهب مالك والشافعي وأحمد الى أن لكل من الرجل والمرأة طلب التفريق اذا وجد أحدهما بالآخر عيباً جنسياً أو منفراً بحيث لا يمكن المقام معه إلا بضرر.
وهذا هو أقرب الآراء الى حكمة التشريع في الزواج، وإلى منع الضرر عن الرجل والمرأة على السواء.
(1) انظر السراج الوهاج شرح القدوري للحدادي.