المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بخطر المجاعة من تكاثر السكان .. لست أدري بماذا أصفه - المرأة بين الفقه والقانون

[مصطفى السباعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌مقدمة المحاضرة

- ‌مقدمة تاريخية - تطور حقوق المرأة عبر التاريخ

- ‌عند اليونان

- ‌عند الرومان

- ‌في شريعة حمورابي

- ‌عند الهنود

- ‌في أمثال الأمم القديمة

- ‌عند اليهود

- ‌عند المسيحيين

- ‌عند العرب قبل الاسلام

- ‌موقف الإسلام

- ‌ مبادئ الإسلام في المرأة

- ‌أولاً:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثاً:

- ‌رابعاً:

- ‌خامساً:

- ‌سادساً:

- ‌سابعاً:

- ‌ثامناً:

- ‌تاسعاً:

- ‌عاشراً:

- ‌الحادي عشر:

- ‌الثاني عشر:

- ‌موقف الإسلام - بعض الفوارق (في الشهادة - في الميراث - دية المرأة - رئاسة الدولة)

- ‌1 - في الشهادة:

- ‌2 - في الميراث:

- ‌3 - دية المرأة:

- ‌4 - رئاسة الدولة:

- ‌الخلاصة:

- ‌حقائق يحسن أن نذكرها:

- ‌وضع المرأة المسلمة عبر التاريخ

- ‌في عصور الازدهار:

- ‌في عصور الانحطاط:

- ‌الحاجة إلى الإصلاح

- ‌طريقان للاصلاح:

- ‌نواحي الاصلاح:

- ‌في الأحوال الشخصية

- ‌1 - في الزواج

- ‌1 - منع زواج الصغار دون سن البلوغ

- ‌2 - تحديد سن الزواج

- ‌ الزواج المبكر

- ‌3 - منع الفرق الكبير في السن بين الزوجين

- ‌4 - منع تحكم الولي في الزواج:

- ‌5 - الشروط في عقد الزواج

- ‌ في تعدّد الزوجات

- ‌ فكرة التعدد

- ‌ ضرورات التعدد الاجتماعية

- ‌ ضرورات التعدد الشخصية

- ‌سؤال غريب

- ‌ مساوئ التعدد

- ‌ التعدد نظام أخلاقي

- ‌ تعدد الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني

- ‌شغب الأوروبيين

- ‌ تشريع التعدد في القرآن

- ‌ فهم خاطئ متهور

- ‌ أثر الاصلاح الاسلامي في التعدد

- ‌ المسلمون اليوم والتعدد

- ‌ محاولات لمنع التعدد أو تقييده

- ‌في مصر:

- ‌في تونس

- ‌في الباكستان

- ‌مناقشة للمنع

- ‌مناقشة التقييد:

- ‌ في الطلاق

- ‌مبادئ عامة في الطلاق

- ‌ لماذا جعل الطلاق في يد الرجل

- ‌اعتراض وجوابه:

- ‌اعتراض آخر وجوابه:

- ‌ الاصلاحات التشريعية في الطلاق

- ‌1 - جعل الطلاق رجعياً

- ‌2 - الطلاق الثلاث بلفظة واحدة

- ‌3 - طلاق السكران والمكره والمدهوش

- ‌4 - اليمين بالطلاق

- ‌5 - اشتراط المرأة جعل الطلاق بيدها

- ‌6 - الطلاق للغيبة:

- ‌7 - الطلاق لعدم الانفاق:

- ‌8 - الطلاق المعلل:

- ‌في قانوننا:

- ‌9 - التفريق للشقاق:

- ‌10 - الطلاق التعسف:

- ‌الخلاصة:

- ‌في الحقوق السياسية

- ‌الوضع السياسي للمرأة في السابق

- ‌ المرأة والسياسة في عصرنا الحديث

- ‌حق الانتخابات

- ‌حق النيابة

- ‌كلمة صريحة:

- ‌في الشؤون الاجتماعية

- ‌1 - حق التعلم

- ‌2 - حق التوظف

- ‌3 - العمل

- ‌تفكك الأسرة نتيجة اشتغال المرأة

- ‌شكوى الغربيين وتذمرهم

- ‌4 - الإختلاط

- ‌حجة المنادين بوجوب اشتغال المرأة

- ‌الخطر المرتقب:

- ‌خطر أدباء الجنس:

- ‌التضليل باسم التحرير

- ‌الخاتمة

- ‌خلاصة رأينا في قضية المرأة:

- ‌كلمة أخيرة

- ‌الملاحق

- ‌ تمهيد

- ‌ المرأة قبل الاسلام

- ‌ بيع الزوجات في أوروبا

- ‌يبيع زوجته ثم يقتل المشتري

- ‌ في انصاف الاسلام وتقديره للمرأة

- ‌ رأي زعيمة الحركة النسائية في الشرق في نصيب الأنثى من الميراث

- ‌ حول تعدد الزوجات

- ‌ يشجعون تعدد الزوجات

- ‌ تعدد الزوجات عند الغربيين

- ‌ التعدد في نظر المنصفين من المسيحيين

- ‌ الغربيون يطالبون بما يشبه تعدد الزوجات

- ‌ نتائج منع تعدد الزوجات في الغرب

- ‌ حول طائفة "المورمون

- ‌ رأي في تفسير آيات التعدد

- ‌ تناقص عدد النائبات في البرلمانات الغربية

- ‌ من فوائد اشتغال المرأة بالسياسة

- ‌ أقوال الغربيين في المساواة

- ‌ تمرد المرأة الغربية

- ‌ آراء المفكرين الغربيين في ضرر اشتغال المرأة

- ‌ تبرم الغربيين من نتائج عمل المرأة خارج بيتها

- ‌ الزواج يهدد النظام المدرسي - الهاربون من زوجاتهم

- ‌ أثر اشتغال المرأة في انتشار البطالة

- ‌ ندامة النساء في الغرب على اشتغالهن خارج المنزل

- ‌ المرأة الغربية تفضل الزواج على العمل

- ‌ كاتب غربي يؤيد تفرغ المرأة لشؤون البيت وانفاق الزوج عليها

- ‌ اضطراب الحياة العائلية في الغرب نيتجة لاشتغال المرأة

- ‌ اعلان الحرب على المرأة العاملة

- ‌ أثر حرية المرأة على الاخلاق- محاولات الحد من تبرج المرأة في أوروبا

- ‌ حنين المرأة الغربية الى حياة الأسرة - في مشكلة الجيل الجديد في الغرب

- ‌ المرأة في الحضارة الغربية

- ‌ نسبة الانتحار عند الفتيان والفتيات في تصاعد مستمر

- ‌ زعماء الشرق يجمعون على عدم اشتغال المرأة خارج بيتها

- ‌ رأي شبابنا في المرأة الحديثة المتأثرة بالحضارة الغربية

- ‌ من نتائج توظيف المرأة في بلادنا

- ‌1 - الزوجة الشاكية:

- ‌2 - الزوج الشاكي:

- ‌ نتائج الاختلاط والتبرج في ازدياد نسبة الطلاق

- ‌ عمل الأمهات خارج البيوت من مشكلات الحضارة الغربية

- ‌القسم الأول

- ‌القسم الثاني

- ‌القسم الثالث

- ‌ إقدام البريطانيات على الانتحار

- ‌ على الرجل ان يبقي زوجة في البيت لتتفرغ لشؤون الأسرة

- ‌ طالب عربي في جامعات الغرب يتحدث عن الأسرة هناك

- ‌ دناءة استغلال الرجل الغربي للمرأة عندهم

- ‌ آثار أدب الجنس في الغرب

- ‌ طبيب يعلن النفير العام للأطباء لانقاذ العاملات

- ‌ حول ملكات الجمال

- ‌ أزمة الحضارة الغربية يرجع أكثرها الى تفكك الأسرة وشيوع أدب الجنس

- ‌ نصيحة أشهر ممثلة في الاغراء للمراهقات بعد انتحارها

- ‌ انهيار الشباب في الغرب نتيجة لأدب الجنس

- ‌ يوصي بسكرتيرته ويحرم زوجته

- ‌ حول خوف المجاعة تزايد سكان العالم

- ‌ من أمثلة الانحلال الخلقي عند الغربيين

- ‌ الحنين الى العهد الماضي

- ‌ سقوط الحضارة الغربية

- ‌ المرأة الموظفة عندنا تتمنى العودة الى البيت

الفصل: بخطر المجاعة من تكاثر السكان .. لست أدري بماذا أصفه

بخطر المجاعة من تكاثر السكان .. لست أدري بماذا أصفه - على قلة خبرتي في هذا الموضوع - ولكني أحس احساساً عميقاً بأن مثل هذا الكلام لا ينبغي أن يقال لنا، وان جهات استعمارية أو صهيونية تروجه، ولا ينبغي لنا أن نصغي اليه قبل أن نستنفذ كل امكانيات ارضنا الطيبة الخيرة الغنية

إننا في سورية مثلاً نشكو من قلة السكان بالنسبة لأراضينا الواسعة الشاسعة التي لم تستثمر بعد، فهل يجوز التفكير بمنع تعدد الزوجات، والتعدد يمدنا حتما باعداد من الأيدي العاملة لا يمنحنا اياها نظام الزوجة الواحدة!

وأعتقد أن ما يقال عن بلادنا في سورية يقال عن كثير من بلادنا في غيرها فقد أعلن مدير البنك الدولي أن ثروات العراق تكفي لأن يعيش فيها سبعون مليونا في مستوى من العيش لا يقل عن أمريكا هذا مع العلم بأن عدد سكان العراق حالياً سبعة ملايين فقط ....

فالتسرع في سن التشريعات التي تؤدي الى اضرار بالغة في مستقبل الأمة عدديا أو عسكريا أو وطنيا أو غير ذلك، تسرع فهو في مصلحة خصومنا الذين لهم مؤسسات علمية خفية منبثة لا يشعر بها كثير من المسؤولين. فليتقوا الله فإن المؤامرات كثيرة، والأعداء ايقاظ، والحيل واسعة، والخداع محكم، والمتنبهين قليلون.

‌مناقشة التقييد:

ليست هنالك قيود يمكن أن توضع لتعدد الزوجات وهي مستقاة من الشريعة إلا قيدين اثنين:

القيد الأول: العدل بين الزوجات، وهذا كما رأينا شرط صريح في القرآن لإباحة التعدد، لا لصحته، باجماع العلماء، وقد مر بنا قول الاستاذ الامام محمد عبده في ذلك.

فلو جعل شرطاً قانونياً لسماح القاضي بالزواج بامرأة ثانية لمن عنده زوجة واحدة، كيف يمكن للقاضي أن يتحقق من ذلك؟

هل للعدل أمارات سابقة؟ هل يمكن أن يثبت ذلك بالشهادة؟ هل يكتفي فيه بيمين الزوج أنه سيعدل؟ هل هو مما تجري فيه الفراسة؟ وهل يكون القضاء بالفراسة؟ هل يسأل القاضي أقرباء الزوج وأصدقاءه عن خلق الزوج في العدالة وعدمها؟ وهل يمكن أن يحكم القاضي بشهادتهم في ذلك؟ ثم كيف

ص: 92

يمكن أن نمنع عقداً لمحظور لم يوجد بعد! ولا سبيل الى التحقيق من وجوده في المستقبل؟

نحن مع الأستاذ الجليل أبي زهرة في أن العدل الذي جعل شرطاً دينياً لا يمكن أن يجعل شرطاً قانونياً يتوقف عليه السماح بالتعدد أو عدمه (1).

القيد الثاني: القدرة على الانفاق على الثانية مع الأولى والقدرة على الانفاق على أولاده منهما أو منهن.

وقد قلت إن هذا الشرط يستفاد ضمناً من قوله تعالى {ذلك أدنى ألا تعولوا} على تفسيرها بألا تكثر عيالكم كما ذهب الى ذلك الشافعي رحمه الله.

ويستفاد أيضاً منه اشتراط العدالة، فان الذي لا يستطيع الانفاق على زوجتيه وعلى أولاده منهما لا بد له من أن ينفق على احداهما دون الأخرى، فتنتفي بذلك العدالة المشروطة ديناً، ولا بد له من أن يهمل الانفاق على بعض أولاده وهذا تفريط يحال بينه وبين أسبابه.

إن هذا الشرط ممكن، ويستطيع القاضي أن يتأكد منه، بالسؤال عن قدرته المالية، ومعرفة دخله وإيراده، فاذا وجده قادراً على الانفاق على زوجتيه وأولادهما لم يكن هنالك مانع من السماح له باجراء هذا العقد.

ونحن في هذا نخالف الاستاذ الجليل أبا زهرة في ادعائه بأنه شرط لا يمكن التحقق منه كالعدالة، فالواقع أن هناك فرقاً واضحاً بينهما، ذلك أن العدالة أمر معنوي مغيب لا يعرف إلا عند المعاملة، أما القدرة المالية فهي أمر مادي يمكن أن تعرف حالاً، ولها أدلة تثبتها بكل سهولة، ودعوى الاستاذ أبي زهرة بأنه لم يؤثر عن النبي وصحابته أنهم تحروا في القدرة على الانفاق يجاب بأن المعيشة في عصورهم كانت بسيطة، وكانت الأرزاق على الأولاد وغيرهم جارية فلا خوف من الضياع.

ونرى في هذا الشرط منعاً لاساءة استعمال التعدد في بعض حالاته، حين يقدم بعض الناس على التزوج بأكثر من واحدة، لشهوة عارمة، أو رغبة في التفكه أو الانتقام من زوجته الأولى، وهو غير قادر على الانفاق على البيتين معاً، فتضيع الزوجتان، ويهمل الأولاد، وتتشرد الأسرة.

(1) انظر محاضرات في عقد الزواج وانحلاله: 129.

ص: 93

إن مثل هذه الحالة سفه محض، وتستطيع الدولة أن تمنعها دون أن تقف مكتوفة الأيدي، كما تتدخل في أمر كل سفيه فتحد من تصرفاته، وتمنع عنه وعن غيره الضرر والأذى.

وبعد هذه المناقشة أرى أن موقف القانون السوري هو أعدل المواقف وأحكمها وقد وقف في ذلك موقفاً وسطاص بين المانعين، وفي ذلك ما فيه من العدوان على شريعة الله والتضييق على مصلحة الأمة وبعض الأفراد، وبين المطلقين الذين يمنعون أي قيد فيه، وفي هذا ما فيه من فسح المجال لبعض السفهاء باستعمال هذا الحق في غير موضعه، فتضيع الزوجات والأولاد.

ولست أرى الذهاب الى أبعد من ذلك في هذا الموضوع، والعناية بالتربية الدينية وتنمية الوعي الاجتماعي كفيلان بحسن استعمال هذا الحق حين يستعمل عند الضرورة، دون إضرار بالمجتمع أو اساءة الى وحدة الأسرة وتماسكها.

إنني أنا شخصياً ممن لا يفكر في الزواج إلا بزوجة واحدة، وقد قلت في بعض ما كتبت (1):

"أقوى الناس على تحمل المتاعب من يتزوج اثنتين، وأسرع الناس الى الهلاك من يتزوج ثلاثاً، وأقرب الناس على الجنون من يتزوج أربعاً، وليس في اباحة الله لنا ذلك، ما يحملنا على التعرض للمتاعب من غير ضرورة ملجئة".

وشريعة الله حين أباحت التعدد إنما تركت الباب مفتوحاً لمعالجة الضرورات الفردية والاجتماعية ولم ترغب في ذلك ولم تنفر، لأن طبيعة الانسان تغني عن الترغيب او التنفير من ذلك، ففي فطرة كل انسان ان لا يتحمل طائعاً مختاراً إلا زوجة واحدة، وان لا يهدأ ولا يستقر إلا بذلك، ولكن التشريع الخالد ما وجد فيه الناس جميعاً حاجاتهم، وما وجدت فيه الأمم طلباتها في مختلف ظروفها وأحوالها.

فليس في ترك التعدد مباحاً كما هو في الشريعة ترغيب للناس في ذلك، وهذا هو الواقع المشاهد، ولكن في تضييقه أو منعه حيلولة دون معالجة مشكلات خاصة تجد علاجها في التعدد، ومنع الأمة في ظرف من

(1) من كتاب "هكذا علمتني الحياة".

ص: 94

الظروف الطارئة من حل مشكلة من مشكلاتها لا علاج لها إلا بالتعدد، والتشريع الحكيم هو الذي يترك الباب مفتوحاً لمعالجة المشاكل ولا يوصد الباب دونها.

إذا كانت بعض الأمم تفكر في الاستفادة من نظام التعدد عندنا لمعالجة أخطر مشكلاتها الاجتماعية بعد الحرب، أفلسنا نحن معرضين لمثل ما تعرضت له هذه الأمم؟ ألسنا نتهيأ - حكومات وشعوبا - لخوض معارك طاحنة مع اسرائيل، ونحن نعلم أننا لن نخوضها مع اسرائيل وحدها، وقد لا نخوضها نحن وحدنا، فالحرب المقبلة ربما كانت أخطر حروب تخوضها أمتنا في تاريخها الطويل، إنها ستكون أخطر من معاركنا مع التتار، ومن معاركنا مع الصليبيين، ومن معاركنا مع الفرس والروم، وأنا لا أشك أن أمتنا بعد هذه الحروب أو في هذه الحروب، ستجد في نظام التعدد أكبر عون لها على بقائها صامدة في المعركة، تمدها بقوافل المجاهدين عشرات فعشرات، وتعوض بعد الحرب ما أفنته الحرب من شباب ورجال .. لست أقول هذا خيالاً، إنني أرى بوادره منذ الآن، وليس من الحكمة أن نضع أيدينا على أعيننا لئلا نرى الحقائق.

أرى خلل الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون لها ضرام

ومن ناحية أخرى نرى اسرائيل تحاول أن تحشر في الأرض المحتلة من فلسطين - على ضيق رقعتها - عشرات الملايين. وهي غير حاسبة لمشكلة معيشة هذه الملايين حسابا، مع أن امكانياتها الزراعية ضيقة. بل كل همها أن تكثر من تعداد سكانها، ضاربة بعضر الحائط كل ما يقال عن وجوب تحديد النسل احتياطاً لمعيشة سكان الأرض، حيث يرى بعض خبراء التغذية أن الأرض ستصبح في يوم ما عاجزة عن تأمين القوت لسكان كوكبنا الأرضي .. إنها وهي ذات الرقعة الضيقة والموارد الزراعية المحدودة لا تهتم إلا بحشر أكثر عدد ممكن فيها من يهود العالم لأغراض سياسية عدوانية

فكيف نستجيز لأنفسنا - نحن سكان البلاد العربية خاصة - أن نخدع بالنظريات التي يروجها علماء من اليهود أنفسهم، حول وجوب تحديد النسل، مع أن أراضينا واسعة، تتسع لعشرة أضعاف سكانها الحاليين - حتى مصر يقال إن مشكلة تكاثر السكان فيها يحتم التفكير في منع تعدد الزوجات والأخذ بمبدأ تحديد النسل - اذا استخدمت ثرواتها الطبيعية الظاهرة والدفينة، وحشدت

ص: 95

كل طاقات امكانياتها البشرية والفكرية، وأقيمت الصناعات المختلفة ما بين مدنية وعسكرية.

ومثل ذلك يقال عن باكستان بالنسبة لجارتها الهند التي يبلغ سكانها خمسة أضعاف سكان باكستان أو أكثر، وهي في مشكلات مع الهند لا يؤمن معها يوماً أن تقع الحرب بينهما. فأية جريمة هذه التي يحاول المسؤولون فيها أن يضعوا عراقيل تؤدي الى منع تعدد الزوجات بدلاً من أن يفكروا في الوسائل التي تؤدي الى كثرة سكانها مع رفع مستواهم المعيشي؟ وليس ذلك بمستحيل إذا صدقت العزائم واستخدم العلم في تنمية الثروة القومية.

وأرى أن أختم هذا البحث بكلمة قيمة للأستاذ العقاد.

قال في كتابه "المرأة في القرآن الكريم (ص 137):

وحسب الشريعة أن تقيم الحدود، وتوضح الخطة المثلى بين الاختيار والاضطرار، وأما ما عدا ذلك من التصرف بين الناس، فشأنه شأن جميع المباحات التي يحسن الناس وضعها في مواضعها، أو يسيئون العمل والفهم فيها، على حسب أحوال الأمم والمجتمعات من الارتقاء والهبوط، وعلى المعرفة والجهل، ومن الصلاح والفساد، ومن الرخاء والشدة، ومن وسائل المعيشة على التعميم.

فالمباحات الاجتماعية والفردية كثيرة تأذن بها الشريعة، ولكنها لا تأخذ بأيدي الناس ليحسنوا تناولها والتصرف فيها، فليس أكثر من الطعام المباح، وليس أكثر من اضرار الطعام بمن يستبيحونه على غير وجهه، وبالزيادة أو النقص في مقداره، وبالخلط بين ما يصلح منه للسليم، وما يصلح منه للمريض، وما يطيب منه في موعد، ولا يطيب في موعد سواه، وإنه لمن الشطط على الشرائع - وعلى الناس - أن ننتظر من الشارع حكماً قاطعاً في كل حالة من هذه الحالات، لأن الضرر من فرضها على من يتولاها بغير بصيرة، أوهم وأعظم من تركها للتجربة والاختيار.

إن الممنوع من تعدد الزوجات لا حيلة فيه للمجتمع إلا بنقض بناء الزواج، وإهدار حرماته جهرة أو في الخفاء

أما المباح من تعدد الزوجات، فالمجتمعات موفورة الحيلة في اصلاح

ص: 96

عيوبه على حسب أحوالها الكثيرة من أدبية ومادية، ومن اعتدال أو اختلال في تكوين أسرها وعائلاتها وسائر طبقاتها.

فالتربية المهذبة كفيلة بالعلاقة الصالحة بين الزوج والزوجة، فلا يحمد الزوج نفسه علاقة بينه وبين امرأته لا تقوم على العطف المتبادل والمودة الصريحة، والمعاونة الثابتة في تدبير الأسرة، ولا يتهيأ له جو البيت على المثال الذي يرتضيه مع زوجتين تدعوه الى الجمع بينهما داعية من دواعي الأثرة والانقياد للنزوات.

وقد ينشأ المانع لتعدد الزوجات في حالتي الغنى والفقر على السواء.

فالغني يستطيع ان ينفق على بيوت كثيرة، ولكنه لا يستطيع أن يجد غنياً مثله يعطيه بنته، ليجمع بيناه وبين ضرة تنازعها، ولو اعتزلتها في معيشة أخرى، وقد يشق عليه أن ينفق على الزوجات الغنيات بما تتطلبه هذه النفقة من السعة والاسراف، وإذا وجد النساء الفقيرات فلعلها حالة لا تحسب إذ ذاك من أحوال الاضطرار بالنسبة لمن يقبلن عليها من الزوجات.

والفقير قد يحتاج الى كثرة النساء والأبناء لمعاونته على العمل - ولا سيما العمل الزراعي - ولكنه يهاب العالة، ويحجم عما يجهده من تحصيل النفقة والمأوى.

والمجتمع يحق له أن يشترط الكفاية في الزوج لتربية أبنائه، ويتوخى لذلك دستورا يحافظ على حرية الرجال والنساء، ولا يخل بحقوقهم في التراضي على الزواج متى اتفقت رغبتهم عليه، وليس من العسير تسويغ ذلك الدستور من جانب المجتمع، لأن الأزواج المقصرين يجنون عليه، ويحملونه تبعات كل كفالة للأبناء، يعجز عنها الآباء والأمهات.

ومن حسنات السماح بتعدد الزوجات عند الضرورة، أن يكون ذريعة من ذرائع المجتمع لدفع غوائل العيلة والفاقة عند اختلال النسبة العددية بين الجنسين، فاذا كان هذا العارض من العوارض التي يخطر لرجل في علم "ليبون" أنه يستلزم القوانين لتداركه، فليس افتراضه في الشريعة باطلا يقضي عليه بالعبث في جميع الظروف، ويحق للمجتمع أن يرجع اليه في تقدير تلك الظروف، فلا تصطدم عقائد الدين ودواعي المصلحة بين جيل وجيل" اهـ.

وأخيراً فإنني أعلن بكل صراحة أنني من أعداء منع تعدد الزوجات تشريعاً

ص: 97

وقانوناً، أو وضع العقبات في طريقه، وإن كنت من أنصار وحدة الزوجية في حياتي الشخصية. ولا غرابة في ذلك ولا تناقض، فإن الانسان العاقل يختار الحياة الأفضل، والمتشرع الحكيم يختار لأمته القانون الأشمل.

فأنا لا أدعو الى أن يعدد كل متزوج الآن زوجاته، ولكنني أدعو جعل مبدأ التعدد مسموحاً به من غير قيود - ما عدا قيود القدرة على الانفاق - ليستطيع من تلجؤه ظروفه الخاصة الى التعدد، ولتستطيع الأمة في حالة الحروب والأزمات التي يقل فيها الرجال ويكثر النساء أن تستفيد من تشريع التعدد بما يسد به نقص الرجال، وتكفل به حياة النساء، ويحال بينهن وبين التشرد والتسكع، وإغواء المتزوجين، وإغراء غير المتزوجين. وبذلك تحفظ كرامتهن، ويصان المجتمع من كثرة الفواحش وازدياد الأولاد غير الشرعيين كما يقع الآن تماماً في أوروبا. فقد أصبحت مشكلة تكاثر الأولاد غير الشرعيين مشكلة اجتماعية وإنسانية حملت كثيراً من المفكرين عندهم على أن ينادوا بوجوب الاعتراف بهؤلاء وإلحاقهم بآبائهم وأن يكون لهم في القانون حقوق الأولاد الشرعيين .. ولو أنهم أباحوا التعدد لما وصلوا الى هذه الحالة.

***

ص: 98