المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌12 - باب المبتدأ - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ١

[ابن عقيل]

فهرس الكتاب

- ‌1 - باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلق به

- ‌2 - باب إعراب الصحيح الآخر

- ‌3 - باب إعراب المعتل الآخر

- ‌4 - باب إعراب المثنى والمجموع على حده

- ‌5 - باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح

- ‌6 - باب المعرفة والنكرة

- ‌7 - باب المضمر

- ‌8 - باب الاسم العلم

- ‌9 - باب الموصول

- ‌10 - باب اسم الإشارة

- ‌11 - باب المعرف بالأداة

- ‌12 - باب المبتدأ

- ‌13 - باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر

- ‌14 - بابُ أفعال المقاربة

- ‌15 - باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر

- ‌16 - باب لا العاملة عمل إنَّ

- ‌17 - باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر

- ‌18 - باب الفاعل

- ‌19 - باب النائب عن الفاعل

- ‌20 - باب اشتغال العامل عن الاسم السابق بضميره أو بملابسه

- ‌21 - باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌22 - باب تنازع العاملين فصاعداً معمولاً واحداً

- ‌23 - باب الواقع مفعولاً مطلقاً من مصدر وما يجري مجراه

- ‌24 - باب المفعول له

- ‌25 - باب المفعول المسمى ظرفاً ومفعولاً فيه

- ‌26 - باب المفعول معه

- ‌27 - باب المستثنى

الفصل: ‌12 - باب المبتدأ

‌12 - باب المبتدأ

(وهو ما عدم حقيقةً أو حكماً عاملاً لفظياً) - فيما يشمل الاسم الصريح، والمقدر نحو:"وأن تصوموا خيرٌ لكم" أي صومكم، والفعلُ المضارعُ المجردُ من جازم أو ناصب، والمُخْبَرُ عنه نحو:" زيدٌ قائمٌ، والوصفُ المستغني عن الخبر نحو: أقائمٌ الزيدان؟ ، فهذه كلها عَدِمَتْ عاملاً لفظياً حقيقةً، والذي عدمه حكماً هو المبتدأ المجرور بِمنْ أو الباء الزائدتين نحو: هل مِنْ خالقٍ غير الله"؟ ، وبحسبك درهمٌ، وكذلك المبتدأ المجرور برب نحو: رُبَّ رجلٍ عالمٌ، فرجل وحسبك وخالق في موضع رفع بالابتداء، وهي عادمةً عاملاً لفظياً حكماً لا حقيقةً، وذلك أن مِنْ والباء زائدتان فلا أثر لدخولهما، ورب في حكم الزائد لأنها لا تتعلق بشيء

ص: 203

كالزائد. وقيد العامل بكونه لفظياً تحرزاً من المعنوي، فإن المبتدأ لم يعدمه، إذ هو مرفوع بالابتداء كما سيأتي.

(من مُخْبَرٍ عنه) - بيان لـ "ما". وأخرج بهذا الفعل المضارع المجرد من جازم أو ناصب نحو: يقوم زيدٌ، وهو يشمل ما أخبر عن لفظه نحو: قام ثلاثي، وعن مدلوله نحو: زيدٌ قائمٌ.

(أو وصفٍ) - والمرادُ به ما كان كضاربٍ ومضروبٍ من الأسماء المشتقة أو الجاري مجراها باطراد. وهو تتمة بيان "ما".

(سابقٍ) - وهذا يشمل اسمَ الفاعل نحو: أقائمٌ الزيدان؟ واسمَ المفعول نحو: ما مضروبٌ العَمْران، والصفة المشبهة نحو: أخواك خارجٌ أبوهما، فخارج خبر لا مبتدأ، إذ لم يسبق.

(رافع ما انفصل) - يشمل ما رفع الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله، كما سبقن وشمل قوله:"ما انفصل" الظاهر نحو قوله:

(196)

أقاطن قومُ سلمى أم نولوا ظعناً

إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا

والضمير المنفصل نحو: أقائمٌ أنتما؟ ومنع هذا الكوفيون، وأجازه البصريون، وهو الصحيح، قال الشاعر:

(197)

خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما

إذا لم تكونا لي على من أقاطعُ

وقال:

ص: 204

(198)

ما باسطٌ خيراً ولا دافعٌ أذى

من الناس إلا أنتم آل دارم

وخرج بقوله: "ما انفصل" الضميرُ المتصلُ، فلا تقول في: أقائمٌ زيدٌ أو قاعدٌ؟ إن قاعداً مبتدأ والضمير المستتر فيه فاعل سد مسد الخبر.

(وأغنَى) - أي وأغنى ذلك المنفصلُ عن الخبر كما سبق. واحترز من نحو: أقائمٌ أبواه زيدٌ؟ فقائم ليس مبتدأ، إذ لا يغني مرفوعه وهو أبواه عن الخبر من جهة أنه لا يحسن السكوت عليه، فيتعين كون زيد في المثال المذكور مبتدأ. وقائم خبره تقدم عليه وأبواه مرفوع بقائم.

(والابتداءُ كون ذلك) - وهو ما عدم حقيقة أو حكماً عاملاً لفظياًز

(كذلك) - أي عادماً حقيقةً أو حكماً لفظياً.

(وهو) - أي الابتداءُ.

(يرفع المبتدأ، والمبتدأ الخبر) - وهذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين. قال سيبويه: وأما الذي ينبني عليه شيء هو هو فإن المبنيَّ عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء، وذلك قولك: عبد الله منطلقٌ.

(خلافاً لمن رفعهما به) - أي رفع المبتدأ والخبر بالابتداء. وهو مذهب الأخفش وابن السراج والرماني، وهو ضعيف، لأن الأفعال أقوى العوامل، وليس فيها ما يعملُ رفعين دون إتباع، فالمعنى أولى بأن لا يعمل رفعين.

ص: 205

(أو بتجردهما للإسناد) - أي تعرى المبتدأ والخبر من العوامل اللفظية، وهو مذهب الجرمي وكثير من البصريين. ويُرَدُّ بما رُدَّ به ما قبله.

(أو رفع بالابتداء المبتدأ، وبهما الخبر) - الضمير في بهما للمبتدأ والابتداء. وهذا قول أبي إسحاق وأصحابه، ونسب إلى المبرد. وقيل إن قول المبرد كقول سيبويه. ورُد هذا المذهب بأنه يقتضي منع تقديم الخبر لأنه لا يتقدم إذا كان العامل غير لف ظمتصرف.

(أو قال: ترافعا) - فرفع المبتدأ الخبر، والخبر المبتدأ. وهذا مذهبُ الكوفيين. ورُد بأن المبتدأ قد يرفع غير الخبر، والخبر قد يرفع غير المبتدأ نحو: القائمُ أبوه ضاحكٌ أخوه. فلو ترافعا لعمل الاسمُ رفعَيْن دون إتباع.

(ولا خبر للوصف المذكور لشدة شبهه بالفعل) - فإذا قلت: أقائمٌ الزيدان؟ فالزيدان فاعلٌ مُغْنٍ عن الخبر كما تقدم، وليس ثم خبرٌ محذوفٌ، خلافاً لبعضهم، وذلك لتمام الكلام بدون تقدير، كما في قولك: أيقوم الزيدان؟

(ولذا) - أي لشدة شبه هذا الوصف المجعول مبتدأ بالفعل.

(لا يُصَغرُ) - فلا تقول: أضويربٌ الزيدان؟ ولا أمضَيرِبٌ البكران؟

(ولا يوصف) - فلا يقال: أضاربٌ عاقلٌ الزيدان؟

(ولا يُعرَّفُ) - فلا يقال: القائمُ أخواك؟ قال ابن السراج: لأن المعارف لا تقوم مقام الأفعال.

(ولا يثنى ولا يُجْمَعُ إلا على لغة: "يتعاقبُون فيكم ملائكةً") - فلا

ص: 206

يقال: أقائمان الزيدان؟ ولا أقائمون الزيدون؟ على أن ما بعد الوصف مرفوع بالفاعلية، بل على أن الوصف خبر مقدم وما بعده مبتدأ. إلا على لغة: أكلوني البراغيثُ، وعليها خرج المصنف قوله صلى الله عليه وسلم:

"يتعاقبُون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار". ومن ورودها في الوصف قوله عليه السلام: "أو مُخْرِجيَّ هم" على ذلك خرجه أبو محمد بن حوط الله، وفيه نظر.

(ولا يجري ذلك المجرى) - وهو أن يكون مبتدأ، وما بعده مرفوعٌ به مُغْن عن الخبر.

(باستحسانٍ إلا بعد استفهامٍ أو نفيٍ) - وهذا مذهبُ جمهور البصريين. وشمل قوله كل أداة استفهامٍ أو نفيٍ، فتقول: أين قائمٌ الزيدان؟ وكذا باقيها، وتقول: ليس قائمٌ الزيدان، فيسد الزيدان مسد خبر ليس، وكذلك تقول في "ما" إن جعلتها حجازية. ودلَّ قوله: باستحسان على أنه يجوز كون الوصف مبتدأ رافعاً ما سد مسدَّ الخبر وإن لم يعتمد. لكنه ليس باستحسان. ونسبه المصنفُ إلى سيبويه. قال: ومن زعم أن سيبويه يمنعه فقد قوله ما لم يقل. وعلى هذا يقال: قائمٌ الزيدان. وجعل منه قوله:

(199)

فخيرٌ نحنُ عند الناس منكم

إذا الداعي المثوبُ قال يالا

ص: 207

فخيرٌ مبتدأ ونحن فاعل سد مسد الخبر، ولا يجوز كون نحن مبتدأ وخيرٌ خبراً مقدماً، للزوم الفصل بالمبتدأ بين أفعل التفضيل ومِنْ، ولا يُفْصَلُ به بينهما.

(خلافاً للأخفش) - ومن تبعه في عدم اشتراط اعتماد الوصف المذكور، فيجيزون، قائمٌ الزيدان أو الزيدون، قياساً، وهو ضعيفٌ لقلة ما ورد من ذلك أو لعدمه.

(وأجر] في ذلك غير قائمٍ ونحوهُ مجرى ما قائمٌ) - فتقول: غيرُ قائم الزيدان، فيسدُّ الزيدان مسدَّ خبرِ غيرٍ، وهو مرفوع بقائم، إجراءً لغير قائم مُجْرَى ما قائم، ومنه قوله:

(200)

غيرُ لاهٍ عداك فاطرح اللهْـ

ـو ولا تغترر بعارض سلْمِ

فعِداك مرفوع بلاهٍ وقد سد مسد خبر غير.

(ويُحذفُ الخبرُ جوازاً لقرينةٍ) - نحو: أن يقال: مَنْ عندك؟ فتقول: زيدٌ. أي زيدٌ عندي، ونحو: زيدٌ قائمٌ وعمروُ. أي وعمروٌ قائمٌ.

(ووجوباً بعد لولا الامتناعية غالباً) - لولا زيدُ لأتيتك. أي لولا زيدُ موجودُ، فحُذِفَ للعلم به، ووجب حذفه لسد الجواب مسده. وهذا إذا كان الخبر كوناً مطلقاً، فإن كان كوناً مقيداً، وعليه استظهر بقوله: غالباً وقد أسقطها في بعض النسخ - فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره نحو: لولا

ص: 208

زيدُ سالمنا ما سَلِمَ. ومنه قوله عليه السلام: "لولا قومُك حديثُو عهْدٍ بكفْرٍ لبنيتُ الكعبة على قواعد إبراهيم" وإن دل عليه دليل جاز إثباته وحذفه، ومنه قول المعري:

(201)

يُذيبُ الرُّعبُ منه كل غضبٍ

فلولا الغمدُ يمسكه لسالا

قال المصنف بعد هذا الكلام: وهذا الذي ذهبتُ إليه هو مذهب الرماني والشجري والشلوبين، وغفل عنه أكثر الناس. قال: ومِنْ ذكرِ الخبر بعد لولا قول أبي عطاء السندي:

(202)

لولا أبوك ولولا قبله عمر

ألقت إليك معدٌ بالمقاليد

وأشار بقوله: وغفل عنه أكثر الناس إلى ما عليه الجمهور من إطلاق القول بوجوب حذف الخبر بعد لولا بناء على أنه لا يكون إلا كوناً مطلقاً، وتأويل ما ورد بخلاف ذلك.

(وفي قسم صريحٍ) - نحو: لعمرُك، وايمُ الله لأفعلن، أي لعمرُك قسمي، فحُذف الخبرُ للعلم به، ووجب حذفُه لسد الجواب مسده. واحترز بصريح من مبتدأ غير صريح في القسم، وهو ما يصلح لغيره نحو: عَهْدُ الله لأفعلن، أي علي عهدُ الله .. فيجوز حذفُ علي وإثباتُه، لأن عهد الله

ص: 209

مستعمل في القسم وفي غيره، فلا يشعر بالقسم.

(وبعد واو المصاحبة الصريحة) - نحو: كل رجلٍ وضيعتُه. أي مقرونان. فحُذِفَ الخبرُ لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية، وهذا مذهب الجمهور. واحترز بالصريحة من واو تحتمل المصاحبة ومطلق العطف، فإنه لا يجب معها الحذف. فإذا قلت: زيدٌ وعمرو، مريداً بذلك مع عمرو، فهذا غير صريح في المعية، فلك أن تأتي بالخبر فتقول: مقرونان، ولك الحذف اتكالاً على أن السامع يفهم من اقتصارك عليها معنى المصاحبة والاقتران.

_وقبل حالٍ، إن كان المبتدأ أو معمولُه مصدراً عاملاً في مفسر صاحبها) - فمثال المبتدأ: ضربي زيداً قائماً، ومثال معموله: أكثرُ شُربي السويق ملتوتاً. فقائماً وملتوتاً حالان، وضربي وشربي مصدران، وضربي عامل في زيد وهو مفسر صاحب الحال، فإن صاحبها ضمير مستتر فيما تقدره من الخبر، وهو: إذا كان، أو ضربه، كما سيأتي. فمضير كان أو ضربه هو صاحب الحال، ومفسر هذا الضمير هو زيد. وكذا الكلام على شربي السويق. وأصل المسألتين: ضربي زيداً إذا كان، أو ضربه قائماً، وأكثر شربي السويق، إذا كان، أو شربه، ملتوتاً. واحترز بقوله: عاملاً في مفسر صاحبها من نحو: ضربي زيداً قائماً شديدٌ، فإن المبتدأ فيه مصدرٌ غير عاملٍ في مفسر صاحب الحال، بل في صاحب الحال نفسهِ، وهو زيدٌ،

ص: 210

فيعمل في الحال، فلا تغني عن الخبر لأنها من صلته.

(أو مؤولاً بذلك) - أي أو كان معمولُ المبتدأ مؤولاً بذلك، أي بالمصدر نحو: أكثر ما شربتُ السويق ملتوتاً، وأخطبُ ما يكون الأميرُ قائماً. فهذه ثلاث مسائل. وفُهم من تقرير كلامه منع أن يكون المبتدأ نفسُه مؤولاً بمصدر فلا يجوةز: أن تضرب زيداً قائماً، ولا أن ضربت. وهذا مذهب الجمهور، وأجازها بعض الكوفيين.

(والخبر الذي سدتْ) - أي الحال.

(مسده مصدرٌ مضافٌ إلى صاحبها) - فالتقدير في: ضربي زيداً قائماً، وأكثر شربي السويق ملتوتاً، ضربي زيداً ضربُه قائماً، وأكثر شربي السويق شربه ملتوتاً. فضربُه خبرُ ضربي، وهو مضاف إلى صاحب الحال وهو الهاء.

(لا زمانٌ مضافٌ إلى فعله) - والتقدير على هذا: ضربي زيداً إذا كان قائماً، وأكثر شربي السويق إذا كان ملتوتاً. هذا إن أردت الاستقبال، وإن أردت المضي فالتقدير. إذ كان، والخبر في الحقيقة على هذا ما يتعلق به الظرف من وصف أو فعل، كما في قولك: زيدٌ عندك.

(وفاقاً للأخفش) - وإنما وافق الأخفش في جعل الخبر مصدراً، وخالف سيبويه وجمهور البصريين في جعله زماناً لقلة الحذف على تقدير كونه مصدراً. إلا أنه يلزم الأخفش حذف المصدر وإبقاء معموله. وأكثر النحاة على منعه، ونص سيبويه على منعه.

(ورفعُها خبراً بعد أفعل مضافاً إلى ما موصولة بكان أو يكون جائزٌ) - أي رفعُ ما ينتصبُ حالاً جائز بعد كذا، فتقول: أخطبُ ما يكون الأميرُ قائمٌ، أو أخطبُ ما كان الأميرُ قائمٌ. برفع قائمٌ خبراً عن

ص: 211

أخطب تَجوُّزاً للمبالغة، وهذا مذهب الأخفش والمبرد والفارس، ومع ذلك سيبويه.

(وفِعْلُ ذلك) - أي رفعُ ما نصب حالاً.

(بعد مصدرٍ صريحٍ دون ضرورةٍ ممنوعٌ) - فلا تقول: ضربي زيداً قائمٌ. برفع قائم. فإن أدتْ ضرورةً إلى رفعه جُعلَ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقدير، ضربي زيداً وهو قائم، والجملة حال تسدُّ مسدَّ الخبر. ولا يجوز كونُه مرفوعاً على أنه خبر ضربي، لأن قائماً من صفات الأعيان. وإنما جاز ذلك بعد أفعل ما يكون، أو ما كان، وعنه احترز بقوله: صريح، لأنه لما فتح باب المبالغة بأول الجملة عضدت بآخرها، وهذا غير موجود في: ضربي زيداً.

(وليس التالي لولا مرفوعاً بها) - وهذا يشمل قولين: أحدهما ما حكاه الفراء أنه مرفوع بها لنيابتها مناب لو لم يوجد. ورده بأنك تقول: لولا زيدٌ لا عمروٌ لأتيتُك. ولا يعطف بلا بعد النفي. واثاني ما اختاره الفراء من أنه مرفوع بلولا لا لذلك.

(ولا بفعلٍ مضمرٍ) - وهذا مذهب الكسائي، والتقدير: لولا وُجِدَ زيدٌ لأتيتك.

(خلافاً للكوفيين) - أي في المقالتين. وقد عرفت القائل بكل. ويُبطِلُ قول الفراء أن لولا لو كانت عاملةً لكان الجرُّ بها أولى من الرفع. لأن القاعدة أن كلُ حرفٍ اختص بالاسم ولم يكن كالجزء منه أن يعمل الجر.

ص: 212

وأما قول الكسائي ففيه حذف الفعل فارغاً. قال الأبدي: إضمارُ الخبر أكثر من إضمار الفعل فارغاً. فرجح مذهب سيبويه.

(ولا يُغني فاعلُ المصدرِ المذكورِ عن تقدير الخبر إغناء المرفوع بالوصف المذكور) - وهذا مذهبٌ لبعض النحويين. زعم أن قولك: ضربي زيداً قائماً لا يحتاج إلى خبر؛ لأن المصدر فيه بمعنى الفعل، فيكون نظير: أقائم الزيدان؟ فكما أن هذا الوصف استغنى بفاعله عن الخبر، لأنه بمعنى: يقوم الزيدان، كذلك يستغنى هذا المصدر بفاعله عن الخبر، لأنه بمعنى ضربت أو أضرب. ورُد بأنه لو كان مثله لاقتصر فيه على الفاعل كما في: أقائمٌ الزيدان.

(ولا الواو والحال المشار إليهما، خلافاً لزاعمي ذلك) - فإذا قلت: كلُّ رجلٍ وضيعتُه. فالخبر محذوف كما سبق ذكره، لتوقف الفائدة عليه، خلافاً لمن زعم أنه كلام تام لا يحتاج إلى تقدير لإغناء الوالو. وهو مذهب ابن خروف، واختاره ابن عصفور في شرح الإيضاح. ونسب بعضهم الأول للبصريين، والثاني للكوفيين، وكذا إذا قلت: ضربي زيداً قائماً. فالخبرُ محذوفٌ كما سبق، للحاجة إلى تمام الكلام؛ وذهب الكسائي والفراء وهشام وابن كيسان إلى أن الحال بنفسها هي الخبر. وهو ظاهر الضعف.

(ولا يمتنع وقوعُ الحال المذكورة فعلاً، خلافاً للفراء) - لورود السماع بذلك، قال الشاعر:

ص: 213

(203)

ورأي عيني الفتى أباكا

يُعطى الجزيل، فعليك ذاكا

والجواز مذهب الأخفش وهشام. ونقل عن يبويه المنع كالفراء.

(ولا جملة اسمية بلا واو، وفاقاً للكسائي) - فتقول: ضربي زيداً هو قائمٌ. أي وهو قائمٌ. فحذفت الواو لأنه موضع اختصار. ومنع هذا الفراء وقال: السماع إنما ورد بالواو. قال الشاعر:

(204)

خيرُ اقترابي من المولى حليف رضى

وشر بعدي عنه وهو غضبان

وفي هذا أيضاً خلاف. ونقل عن سيبويه والأخفش منعُه. وعن الكسائي إجازته، وهو الصحيح، بل قال ابن كيسان: إنَّ قولك: ضربُك أخاك هو قائمٌ. جائز في كل الأقوال.

(ويجوز إتباعُ المصدر المذكور، وفاقاً له أيضاً) - أي للكسائي، فتقول: ضربي زيداً الشديدُ قائماً، وشربي السويق كله ملتوتاً، وحجتُه اتباعُ القياس، وحجةُ المنع أن الموضع موضع اختصار.

(ويُحذفُ المبتدأ أيضاً جوازاً لقرينةٍ) - نحو أن يقال: كيف زيد؟ فتقول: طيبٌ، ونحو قوله:

(205)

إذا ذُقْتَ فاها قلت: طعم مدامةٍ

معتقةٍ مما يجيء به التجْرَ

ص: 214

التجر جمع تاجر. والعربُ تسمى بائع الخمر تاجراً، ونحو قوله تعالى:"مَنْ عمِلَ صالحاً فلنفسه" أي فصلاحُه لنفسه.

(ووجوباً كالمخبر عنه بنعتٍ مقطوع لمجرد مدح) - نحو: الحمدُ للهِ الحميدُ.

(أو ذَمَّ) - نحو: مررت بزيدٍ الكذابُ.

(أو ترحُّمٍ) - نحو: مررتُ بخالدٍ المسكينُ. فالمبتدأ في النعت المقطوع إلى الرفع واجبُ الحذف في هذه المواضع الثلاثة. لأنهم لما قصدوا الإنشاء جعلوا الإضمار علامةً عليه، فلو كان النعتُ لغير ذلك كالتخصيص جاز الإظهارُ. نحو: مررتُ بزيدٍ هو الخياطُ، والحذفُ نحو: مررتُ بزيدٍ الخياطُ. وعن هذا احترز بقوله: لمجرد مدح.

(أو بمصدرٍ بدلٍ من اللفظ بفعله) - نحو: سمعٌ وطاعةٌ. أي أمري. وكقول بعضهم، وقد قيل له: كيف أصبحت؟ حمد الله وثناء عليه. أي أمري حمد الله. والأصلُ فيه النصب، لأنه مصدرٌ جيء به بدلاً من الفعل، والتزم حذف ناصبه، لئلا يجمع بين البدل والمبدل منه. ثم رفع فحُمِلَ الرافعُ على الناصب في التزام الحذف.

(أو بمخصوص في باب نعم) - نحو: نعم الرجلُ زيدٌ، وساء رجلاً بكرُ. أي هو زيدُ، وهو بكرٌ، فحُذِفَ هو وجوباً.

(أو بصريحٍ في القسم) - نحو: في ذمتي لأفعلن: أي في ذمتي ميثاقٌ فحذف المبتدأ. قاله الفارسي، ومنه قوله:

ص: 215

(206)

تسور سوارا إلى المجد والعلا

وفي ذمتي لئن فعلت ليفْعَلا

(وإن ولي معطوفاً على مبتدأ فعل لأحدهما واقعٌ على الآخر صحت المسألة، خلافاً لمن منع) - وذلك نحو: عبد الله والريح يباريها. واختُلف في هذه المسألة. فمنعها قوم، وأجازها آخرون، ومن أجازها من البصريين جعل خبر المبتدأ محذوفاً، والتقدير. عبد الله والريح يجريان يباريها، ويباريها حال، ومن أجازها من الكوفيين جعل يباريها هو الخبر، إذ المعنى يتباريان، لأن من باراك فقد باريته. وشرط جوازها كون العطف بالواو.

ويقال: فلان يُباري فلاناً أي يعارضه ويفعل مثل فعله، وهما يتباريان، وفلان يباري الريح سخاء.

(وقد يُغْنِي مضافٌ إليه المبتدأ عن معطوفٍ فيطابقهما الخبر) - كقول بعض العرب: راكب البعير طليحان. أي راكب البعير والبعيرُ طليحان، فحذف المعطوف لوضوح المعنى، وأجاز المسألة الكسائي وهشام.

يقال: طلح البعير أعيا فهو طليح.

(والأصل تعريف المبتدأ) - لأنه مسندٌ إليه، فوجب أن لا يكون مجهولاً، والأصلُ فيما يرفع الجهالة التعريفُ.

_وتنكيرُ الخبر) -قال المصنف: لأن نسبته من المبتدأ نسبةُ الفعل من الفاعل، والفعلُ يلزمه التنكيرُ، فرجح تنكيرُ الخبر على تعريفه.

(وقد يُعرفان ويُنكران بشرط الفائدة) - نحو: "الله ربُّنا" وأفضلُ

ص: 216

من زيدٍ أفضل من عمرو.

(وحصولها) - أي حصول الفائدة.

(في الغالب عند تنكير المبتدأ) - استظهر بقوله: في الغالب، على ما ندر من حصول الفائدة فيه والمخبر عنه نكرة خالية مما سيذكر. كقول من خرقت له العادة برؤية شجرة ساجدة أو سماع حصاة مسبحة: شجرةٌ سجدت وحصاةٌ سبَّحتْ. قيل: ويتخرج على أنه مما ابتدئ فيه بالنكرة، لأن فيها معنى التعجب نحو: عجبٌ لزيد، لأن الناطق بذلك تعجب من هذا الخارق العظيم. ولم يعد المصنفُ هذا في المسوغات، وغيره عده.

(بأن يكون وصفاً) - كقول العرب: ضعيف عاذ بقرملة. أي إنسان أو حيوان ضعيف التجأ إلى ضعيف. والقرملة شجرة ضعيفة.

(أو موصوفاً بظاهرٍ) - كقوله تعالى: "ولعبدُ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ".

(أو مُقدَّرٍ) - نحو قولهم: السمنُ منوان بدرهم. أي منوان منه.

(أو عاملاً) - نحو: "أمر بمعروفٍ صدقة، ونهي عن منكر صدقة". ونحو: "خمسُ صلواتٍ كتبهن الله على العباد".

(أو معطوفاً) - نحو: زيدٌ ورجلٌ قائمان.

ص: 217

(أو معطوفاً عليه) - كقوله تعالى: "طاعةٌ وقولٌ معروفٌ" أي أمثل لكم. وكقوله:

(207)

غرابٌ وظبي أعضب القرن باديا

بصرم وصردان العشي تصيحُ

ابتدأ بغراب لعطف ظبي الموصوف بأعضب عليه. يقال: كبش أعضب وشاه عضباء، وهي المكسورة القرن الداخل وهو المشاش، والمشاش جمع مشاشة وهي رءوس العظام اللينة التي يمكن مضغها. ويقال: العضباء هي التي انكسر أحد قرنيها، وقد عضبت بالكسر وأغضبتُها أنا. والصرم بالفت مصدر صرمت الرجل أي قطعت كلامه. وبالضم الاسم. والصردان جمع صرد وهو طائر.

(أو مقصوداً به العموم) - كقول ابن عباس: "تمرةٌ خيرٌ من جرادة".

(أو الإبهام) - نحو: ما أحسن زيداً.

(أو تالي استفهامٍ) - نحو: أخبر عندك؟

(أو نفيٍ) - نحو: ما فرسٌ عند زيدٍ.

(أو لولا) - كقوله:

(208)

لولا اصطبار لأودي كل ذي مقةٍ

لما استقلت مطاياهُن بالظَّعُن

ص: 218

يقال: أودى فلان أي هلك، والمِقَة المحبَّة. والهاء عوض من الواو. وقد ومِقَه يَمِقُه بالكسر فيهما أي أحبه فهو وامق. واستقل القومُ مضوا وارتحلوا. ويقال ظعن أي سار ظعناً وظعناً بالتحريك. وقرئ بهما:"يوم ظعنكم".

(أو واوِ الحالِ) - كقوله:

(209)

سرينا ونجم قد أضاء فمُذ بدا

محياك أخفى ضوءه كل شارق

والمحيا الوجه.

(أو فاء الجزاء) - نحو: إن يذهب عيرٌ فعيرٌ في الرهط. عير القوم سيدهم، ورهط الرجل قومه وقبيلته، والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة.

(أو ظرفٍ مختص) - نحو: أمامك رجلٌ. فلو كان غير مختص لم يجُزْ نحو: أماماً رجلٌ.

(أو لاحقٍ به) - وهو الجار والمجرور نحو: في الدار رجلٌ. ولا يجوز: في دارٍ رجلٌ، والجملة المشتملة على فائدة نحو: قصدك غلامُه رجلٌ.

(أو بأن يكون دعاءً) - نحو: "سلامٌ على إلياسين" ونحو "ويلٌ

ص: 219

للمطففين".

(أو جواباً) - نحو: درهمٌ، في جواب من قال: ما عندك؟ أي: درهمٌ عندي. فيقدرُ الخبرُ متأخراً ليطابق الجواب السؤال.

(أو واجب التصديرِ) - نحو: مَنْ عندك؟ وكم عبدٍ لزيدٍ! .

(أو مقدراً إيجابه بعد نفي) - نحو: شرٌّ أهرَّ ذا نابٍ. أي ما أهرَّ ذا نابٍ إلا شرٌّ، وكذلك، شيء جاء بك. قال سيبويه: إنما جاز أن يبدأ به لأنه في معنى: ما جاء بك إلا شيء. وهرير الكلب صوته. يقال: هر هريراً وأهره غيره.

(والمعرفة خبرُ النكرة عند سيبويه في نحو: كم مالك؟ واقصدْ رجلاً خيرٌ منه أبوه) - قال المصنف: وإنما حكم سيبويه على كم بالابتدائية وإن كانت نكرة وما بعدها معرفة، لأن أكثر ما يقع بعد أسماء الاستفهام النكرة والجمل والظروف، ويتعينُ إذ ذاك أن يكون اسم الاستفهام مبتدأ نحو: مَنْ قائمٌ؟ ومَنْ قام؟ ومَنْ عندك؟ فحكم على كم بالابتدائية حملاً للأقل على الأكثر؛ والكلام على أفعل التفضيل كالكلام على أسماء الاستفهام.

(والأصلُ تأخيرُ الخبر) - ولهذا امتنع: صاحبها في الدار.

(ويجوز تقديمه إن لم يوهمْ ابتدائية الخبر) - نحو: قائمٌ زيدٌ. فإن أوهم بأن كانا معرفتين أو نكرتين لكل منهما مُسَوِّغ ولا مبين للمبتدأ من

ص: 220

الخبر، فأيهما قدمت فهو المبتدأ نحو: زيدٌ أخوك، وأفضل من زيد أفضل من عمرو. فإن وجد مبين جاز تقديمُ الخبر كقوله:

(210)

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فبنونا خبرٌ مقدم، وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر.

(أو فاعلية المبتدأ) - نحو: زيدٌ قام. فلو قُدم قام لأوهم أن زيداً فاعل، ولهذا إذا برز الضمير نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا، يجوز التقديم في الأصح.

(أو يُقْرَنْ بالفاء) -نحو: الذي يأتيني فله درهم، لأن الفاء دخلت لشبهه بالجزاء، والجزاء لا يتقدم على الشرط.

(أو بإلا لفظاً) - كقوله تعالى: "وما محمدٌ إلا رسولٌ"، إنْ أنت إلا نذيرٌ".

(أو معنى) - كقوله تعالى: "إنما الله إلهٌ واحدٌ".

(في الاختيار) - وهذا تنبيهٌ على أنه قد جاء الخبرُ المقرونُ بإلا في غير الاختيار مقدماً، كقوله:

(211)

فيارب هل إلا بك النصر يُرتجى

عليهم، وهل إلا عليك المعول؟

ص: 221

والأصل: وهل المعمول إلا عليك؟

(أو يكنْ لمقرونٍ بلام الابتداء) - نحو: لزيدٌ قائمٌ. فلا يجوز: قائمٌ لزيدٌ.

(أو لمضير الشأن) - نحو: هو زيدٌ المنطلقُ. فلو أخر هو لاحتمل الشأنية والتأكيد.

(أو شِبْهِه) - نحو: كلامي زيدٌ منطلقٌ. فلو أخر كلامي لم يبق له فائدة لعلمه بذكرك زيدٌ منطلقُ أولاً أنه كلامك.

(أو لأداة استفهامٍ) - نحو: أيُّ الرجال عندك؟

(أو شرطٍ) - نحو: أيُّهم يقم أقمْ معه.

(أو مضافٍ إلى إحداهما) نحو: غلامُ أيهم عندك؟ وغلامُ أيهم يقمْ أقم معه.

(ويجوزُ نحو: في داره زيدٌ إجماعاً) - لأن الخبر منويُّ التأخير، والمفسر مقدمٌ نيةً. ونقل الصفار عن الأخفش منعها إذا رُفع زيدٌ بالمجرور.

(وكذا في داره قيامُ زيدٍ، وفي دارها عبدُ هندٍ، عند الأخفش) - أجاز الأخفش تقديم الخبر المشتمل على ضمير ما أضيف إليه المبتدأ، سواء أكان المضاف صالحاً للحذف كالمثال الأول، أو غير صالح له كالمثال الثاني. واختاره المصنف، وهو قول البصريين. ومنعهما

ص: 222

الكوفيون. ومن الأول، وهو أسهل من الثاني قولهم: في أكفانه دَرْجُ الميت.

(ويجب تقديم الخبر إن كان أداة استفهامٍ) - نحو: كيف أنت؟ فإن لم يكن الخبر نفسه استفهاماً، بل مصحوباً به نحو: زيدٌ هل ضربته؟ لم يجب تقديم الخبر بل يجوز.

(أو مضافاً إليها) - نحو: صبيحة أي يوم سفرك؟ وصُبْحَ أي يوم السفرُ؟

(أو مصححاً تقديمه الابتداء بنكرةٍ) - نحو: في الدار رجلٌ. وعندك امرأةٌ.

(أو دالاً بالتقديم على ما لا يُفْهَمُ بالتأخير) - نحو: لله درك. فلو أخر الخبر لم يُفْهَمْ منه التعجب الذي يفهم مع تقديمه.

(أو مسنداً دون أما إلى أنَّ وصلتها) - كقوله تعالى: "وآيةً لهم أنا حملنا". ولا يجوز: أنك فاضل عندي. قيل: ل ئلا يلتبس بالمكسورة، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، وأجازه الأخفش قياساً على: أن تقوم يعجبني، فإن وجدت أما جاز التقديم فتقول: أما أنك فاضل فعندي: ومنه قوله:

(212)

دأبي اصطبارً وأما أنني جزعٌ

يوم النوى فلوجدٍ كاد يبريني

ص: 223

وما ذكره من لزوم تقديم الخبر إذا كان المبتدأ أن وصلتها ولم توجد أما، شرطه، كما قال ابن عصفور، أن يكون الخبرُ ملفوظاً به، فإن كان محذوفاً لم يلزم تقديره قبلها نحو: لولا أن زيداً قائم لقمت.

(أو إلى مقرونٍ بإلا لفظاً أو معنى) - نحو: ما في الدارِ إلا زيد. والثاني نحو: إنما في الدار زيدٌ.

(أو إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر) نحو: عند هندٍ مَنْ يحبها، وكذا قوله:

(213)

أهابُك إجلالاً وما بك قدرةٌ

علي: ولكن ملءُ عين حبيبها

(وتقديمُ المفسر إن أمكن مصححٌ، خلافاً للكوفيين إلا هشاماً) - أجاز البصريون وهشام من الكوفيين: زيداً أجلُه مُحْرِزٌ، وزيداً أجلُه أحرز. لتقدُّم صاحب الضمير المتصل بالمبتدأ، ومنعها جمهور الكوفيين، والحجة عليهم قوله:

(214)

خيراً المبتغيه حاز وإن لم

يُقضَ فالسعيُ في الرشاد رشادُ

(ووافق الكسائي في جواز نحو: زيداً أجله محرزٌ، لا في نحو: زيداً أجله أحرزَ) - فوافق في مسألة اسم الفاعل وخالف في مسألة الفعل. والبيت حجة عليه. ولولاه لأمكن الفرق بأن اسم الفاعل جائز التقديم فجاز تقديم معموله، والفعل والحالة هذه واجب التأخير فمُنع تقديمُ معموله.

ص: 224

(فصل): (الخبرُ مفردُ) - وهو ما لعوامل الأسماء تسلط على لفظه. نحو: زيدٌ قائمٌ. وعمروٌ ضاحكٌ. وبشرٌ منطلقٌ أبو.

(وجملةً) - وهو ما تضمن جزءين بإسناد وليس لعوامل الأسماء تسلط على لفظيهما أو لفظ أحدهما نحو: زيد أبوه مطلقٌ، أو حضر غلامه.

(والمفرد مشتق) - وهو الدال على متصف، مصوغاً كان من مصدر مستعمل كضارب ومضروب وحسن وأحسن، أو مصدر مقدر كربعة.

(وغيره) - وهو ما كان بخلاف ما تقدم كأسد وحجر.

(وكلاهما) - أي المشتق وغيره.

(مُغاير للمبتدأ لفظاً متحد به معنى) - نحو: زيدٌ ضاربٌ، وهذا زيدٌ.

(ومتحدٌ به لفظاً دال على الشهرة وعدم التغيرُّ) - كقول بعض طيء:

(215)

خليلي خليلي دون ريب وربما

ألان امرؤ قولاً فظُن خليلا

أي خليلي من لا أشك في صحة خلته، ولا يتغير في حضوره ولا غيبته؛ وقول أبي النجم:

(216)

أنا أبو النجم وشعري شعري

ص: 225

أي: شعري على ما ثبت في النفوس من جزالته.

(ومغايرٌ له مطلقاً، دال على التساوي) - أي على التساوي في الحكم.

(حقيقةً) - كقوله تعالى: "وأزواجُه أمهاتهم" أي أزواجه صلى الله عليه وسلم في التحريم والاحترام مثل أمهات المؤمنين.

(أو مجازاً) - كقوله:

(217)

ومجاشع قصب هوتْ أجوافها

لو يُنْفَخُون من الخؤورة طارْوا

يقال: خار الرجل يخور خؤورة ضعف وانكسر.

(أو قائمٌ مقام مضافٍ) - كقوله تعالى: "ولكن البر من آمن بالله" أي: برُّ مَنْ آمن بالله، وقوله تعالى:"هُمْ درجاتٌ عند الله" أي ذوو درجات.

(أو مُشْعِرٌ بلزوم حالٍ تُلْحِقُ العين بالمعنى) - نحو: زيدٌ صومٌ. جعلته نفس الصوم مبالغةً. ولا يصح أن يكون التقدير: ذو صوم، لأن هذا يصدق على من صام ولو يوماً، وذاك إنما يصدق على المدمن.

(والمعنى بالعين) - نحو: نهارُه صائم. ومنه قوله تعالى: "والنهار مُبصراً".

ص: 226

(مجازاً) - راجع إلى مسألة العين بالمعنى والمعنى بالعين.

(ولا يتحملُ غيرُ المشتق ضميراً) - فإذا قلت: هذا زيدٌ. فلا ضمير في زيد، إذ لا إشعار له بفعل.

(ما لم يؤول بمشتق) - أي فيتحملُ إنْ أول بمشتق، نحو: زيدٌ أسدٌ. أي شجاع، ففي أسد ضمير مستتر. وكذلك في البُلسُكاء في قوله:

(218)

تُخبرنا بأنك أحوذي

وأنت البلسكاء بنا لصوقا

والبلسكاءُ حشيشة تلصق بالثياب كثيراً، والأحوذيُّ الخفيف في الشيء يحذقه، عن أبي عمرو، وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور، القاهر لها، الذي لا يشذُّ عنه شيء منها.

(خلافاً للكسائي) - في قوله إن الجامد يتحمل الضمير وإن لم يؤول بمشتق، ونقل ابن العلج هذا القول عن الكوفيين كلهم وعن الرماني، وهو دعوى لا دليل عليها.

(ويتحمله المشتق خبراً) - نحو: زيدٌ منطلقٌ.

(أو نعتاً) - نحو: مررتُ برجلٍ كريمٍ.

(أو حالاً) - نحو: جاء زيد راكباً.

(ما لم يرفع ظاهراً لفظاً) -نحو: الزيدان قائمٌ أبوهما.

(أو محلاً) - نحو: زيدٌ مرورٌ به.

ص: 227

(ويستكن الضمير إن جرى متحملُه على صاحب معناه) - نحو: زيدٌ هندٌ ضاربتُه. أي هي، وظاهر كلامه وجوب استتاره حينئذ، وعلى هذا إذا قلت: ضاربته هي كان هي تأكيداً للضمير المستتر، ولا يجوز كونه فاعلاً بالصفة، وقد أجاز سيبويه في نحو: مررتُ برجلٍ مكرمك هو، الوجهين.

(وإلا برز) - أي وإلا يجر متحمله على صاحب معناه، بل على غيره برز، سواء أخيف اللبسُ نحو: زيدٌ عمروُ ضاربه، أم أمن نحو: زيدٌ هندٌ ضاربُها، وليس المرادُ بقوله: برز وجوب بروزه فيكون هذا مذهب البصريين، لأن قوله بعد هذا: وقد يستكن

إلخ برفعه، بل المرادُ جوازُ بروزه لقوله: وقد يستكن.

وهذا البارز في الصورتين مرفوعٌ بالصفة على الفاعلية، وليس توكيداً، وليس يتم هذا إلا على طريقة البصريين، وأما على طريقة الكوفيين فيتعين هذا عند خوف اللبس، وأما عند الأمن فينبغي أن يجوز كونُه مرفوعاً بالصفة على الفاعلية، وكونه توكيداً للضمير المستتر فيها، لأنهم يجيزون الاستتار فيقولون: زيدٌ هندٌ ضاربُها. فإذا أتيت بهو احتمل كونه ذلك المستتر، واحتمل كونه توكيداً له. وتظهر فائدة هذا في التثنية والجمع، فعلى طريقة البصريين، تقول: الهندان الزيدان ضاربتهما هما، والهنداتُ

ص: 228

الزيدون ضاربتُهم هُن. فإفراد ضارب لرفعه الظاهر. وعلى طريقة الكوفيين إن رفعت الضمير البارز على الفاعلية فكمذهب البصريين، وإن رفعته توكيداً للمستتر قلت: ضاربتاهما هما، وضارباتهم هُن لكن المسموع من لسان العرب الإفراد، إلا في لغة: أكلوني البراغيث. وينبغي أن يحمل قول المصنف: متحمله، على ما هو أعم من الصفة والفعل، وقد صرح هو في شرحه بوجوب الإبراز في الفعل عند خوف اللبس نحو: غلامُ زيدٍ يضربه هو، إذا أردت أن زيداً يضرب الغلام. وما قاله هو الحق، إذ لا فرق بين الصفة والفعل.

وأما ما قاله غيره من أنه لا يجب إبرازه، بل إذا خيف اللبس أزيل بتكرير الظاهر الذي هو الفاعل نحو: زيدٌ عمرو يضربه زيدٌ، فضعيف، لأن وضع الظاهر موضع المضمر في غير موضع التفخيم ضعيف.

(وقد يستكن إن أمن اللبسُ، وفاقاً للكوفيين) - فتقول: زيدٌ هندٌ ضاربُها هو، وزيدٌ هندٌ ضاربها، بدون هو. ومن الأول قوله:

(219)

لكل إلْفَيْن بينٌ بعد وصلهما

والفرقدان حجاه مقتفيه هما

حجا كل شيء ناحيته. ونحوه:

(220)

غيلانُ ميةُ مشغوفٌ بها هو مُذْ

بدتْ له فحجاه بان أو كربا

ومن الثاني ما حكى الفراء عن العرب. كل ذي عين ناظرةٌ إليك. أي

ص: 229

هي؛ فناظرة خبر كُل، وهي لعين، واستتر الضمير، وعليه قوله تعالى:"فظلت أعناقُهم لها خاضعين". فخاضعين لأصحاب الأعناق وجرى على الأعناق، واستتر الضمير، أي خاضعين هم. وهذا الحكم ثابت للضمير الجاري متحملهُ على غير مَنْ هو له، سواء كان خبراً أو نعتاً أو حالاً.

(والجملة اسمية وفعلية) - نحو: زيدٌ أبوه منطلقٌ، أو ما أبوه منطلقٌ، أو مَنْ يقم أقم معه، ونحو: زيدٌ قام أو يقوم أو سيقوم أو سوف يقوم، أو إن يقم أقم أو أيهم تكرم أكرم.

(ولا يمتنع كونها طلبيةً، خلافاً لابن الأنباري وبعض الكوفيين) - فيجوز زيدٌ اضربْه، خلافاً لهم، والحجة عليهم السماع؛ قال الشاعر، وهو رجل من طيء:

(221)

قلبُ منْ عيل صبرُه كيف يسلو؟

صالياً نار لوعةٍ وغرام

ومعنى عيل صبره غُلب صبره من عالني الشيء يعولني إذا غلبني.

(ولا قسمية، خلافاً لثعلب) - فتقول: زيدٌ لأضربنه. والحجة عليه القرآن، قال الله تعالى:"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبُلنا"، "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهُم". وقول الشاعر:

ص: 230

(222)

جشأتْ فقلتُ اللذْ خشيت ليأتينْ

وإذا أتاك فلات حين مناص

يقال: جشأت نفسي جشوا إذا نهضت إليك، وجاشت من خوف أو فزع.

(ولا يلزمُ تقديرُ قول قبل الجملة الطلبية، خلافاً لابن السراج) - فإذا قلت: زيدٌ اضربه. فالتقدير عنده: زيدٌ أقول لك: اضربه. وذلك القول المقدر هو الخبر، وهذا المذكور معموله، وذلك حتى لا تجعل الجملة الطلبية خبراً، لأن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب، وهو ضعيف، لأن لفظ الخبر مشترك بين ما ذكر وبين ثاني جزءي الجملة الاسمية؛ وقد أجمع على وقوع هذا مفرداً، وهو لا يحتمل الصدق والكذب، نحو: زيدٌ قائمٌ، وكيف زيدٌ؟ والجملة واقعة موقعه، فلا يمتنع كونها مثله.

(وإن اتحدتْ بالمبتدأ معنى هي) - أي الجملة.

(أو بعضها) - أي أو اتحد بعض الجملة بالمبتدأ معنى.

(أو قام بعضها مقام مضاف إلى العائد، استغنتْ عن العائد) - فالأول نحو: هِجِّيرَى أبي بكر: لا إله إلا الله. أي قوله في الهاجرة، ونحو: هو زيدٌ مُنْطَلِقٌ؛ والثاني كقوله تعالى: "ولباسُ التقوى ذلك خيرُ"، "والذين يُمسِّكُون بالكتاب وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر

ص: 231

المصلحين"، ونحو: "وأصحابُ اليمين ما أصحابُ اليمين"، والثالث كقوله تعالى: "والذين يُتَوفَّون منكم ويذرون أزواجاً يتربصنَ بأنفسهن"، المعنى: يتربصن أزواجهم، فأقيم ضمير الأزواج مقام الأزواج المضاف إلى ضمير الذين.

(وإلا فلا) - أي وإلا تتحد الجملة بالمبتدأ معنى، لا هي ولا بعضها، ولا يقم بعضها مقام مضافٍ إلى العائد، لا تستغني عن العائد، نحو: زيدٌ أبوه منطلقٌ، أو انطلق أبوه.

(وقد يُحذفُ) - أي العائد من الجملة.

(إن عُلمَ) - تحرز من نحو: زيدٌ ضربته في داره. فلا يجوز حذف هاء ضربته، إذ لا يُدْرَى أحُذِفَ شيءٌ أم لا.

(ونُصِبَ بفعلٍ) - نحو:

(223)

ثلاثٌ كلهن قتلت عمداً

فأخزى الله رابعةً تعودُ

أي قتلتهن، واحترز مما رُفع بفعل، فإنه لا يحذف، نحو: الزيدان قاما،

ص: 232

أو بغيره نحو: زيدٌ هو قائمٌ.

(أو صفةٍ) - فتقول: الدرهم أنا معطيك، أي معطيكه. ومنه قوله:

(224)

غني نفسي العفاف المغني

والخائف الإملاق لا يستغني

أي غنى نفسي العفاف المغنيه، فيحتمل كون العفاف غني نفسي، ويحتمل كون غنى نفسي مبتدأ لإضافته، والعفاف مبتدأ ثانياً، والمغنيه خبره، والجملة خبر غني، والمغني: غني نفسي العفاف يغنيه.

وفُهم من قوله: ونُصب بفعل أو صفةٍ أن المنصوب بغيرهما لا يُحذف، وهو المنصوب بحرف نحو: زيدٌ إنه قائمٌ.

(أو جر بحرف تبعيض) - نحو: السمن منوان بدرهم، أي منوان منه، وكقول الخنساء:

(225)

كأن لم يكونوا حمى يُتقى

إذ الناس إذ ذاك من عز بزا

أي من عز منهم، بزه يبزه بزا سلبه، وفي المثل: مَنْ عز بز، أي من غلب أخذ السلب.

(أو ظرفيةٍ) - كقوله:

(226)

فيومٌ علينا، ويومٌ لنا

ويومٌ نساءُ، ويومٌ نسرُّ

ص: 233

أي نساء فيه ونسر فيه.

(أو بمسبوق مماثل لفظاً ومعمولاً) - كقوله:

(227)

أصخ فالذي توصي به أنت مفلح

فلا تك إلا في الفلاح منافسا

أي أنت مفلح به، فحذف به لسبق به في: توصى به، أصاخ استمع.

(أو بإضافة اسم فاعل) - كقوله:

(228)

سبل المعالي بنو الأعلين سالكة

والإرث أجدر مَنْ يحظى به الولد

أي سالكتها. وفُهم من كلامه أن المجرور بإضافة غير صفة لا يحذف كالمجرور بحرف غير ما ذكر، وذلك نحو: زيدٌ أبوه قائمٌ، وزيدٌ مررتُ.

(وقد تُحذف بإجماع إن كان مفعولاً به والمبتدأ كل) - كقراءة ابن عامر: "وكل وعد الله الحسنى" أي وعده.

(أو شبهُه في العموم والافتقار) - وذلك كل مفتقر أعم من موصول وغيره نحو: أيهم سألني أعطي، ونحو: رجلٌ يدعو إلى خيرٍ أجيب. أي أعطيه، وأجيبه.

(ويضْعُفْ) - أي الحذفُ.

ص: 234

(إن كان المبتدأ غير ذلك) - كقراءة السلمي: "أفحكم الجاهلية يبغون" برفع حكم. أي يبغونه.

(ولا يُخصُّ جوازه بالشعر، خلافاً للكوفيين) - للقراءة السابقة. وحاصل كلامه: أنه يجوز اختياراً، ولكنه ضعيف، وزعم أن هذا مذهبُ البصريين، وأن الكوفيين لا يجيزون حذفه مع بقاء الرفع إلا في الاضطرار.

(ويُغني عن الخبر باطرد ظرف) - نحو: زيدٌ عندك، والقتالُ يوم الجمعة.

(أو حرف جر) - زيدٌ في الدار.

(تامٌّ) - كما مثل. وتحرز من الناقص وهو ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معموله ما يتعلقُ به، نحو: زيدٌ بك أو فيك، من قولك: زيدٌ واثق بك أو راغب فيك. فهذا لا يغني عن الخبر، إذ لا فائدة فيه.

(معمولٌ في الأجود لاسم فاعل كون مطلق) - فكل من الظرف والجار والمجرور المخبر بهما متعلق بمحذوفٍ. واختار المصنف كونه وصفاً، فالتقدير: زيدٌ كائن عندك أو في الدار. وذلك لأن الأصل في الخبر الإفرادُ، وأيضاً فلما صرح به كان كذلك، كقوله:

(229)

فأنت لدى بحبوحة الهون كائنُ

ونبه بمطلقٍ على أن اسم فاعل كون مقيدٍ كضارب لا يُغني عنه مجردُ

ص: 235

ذكر الظرف.

(وفاقاً للأخفش تصريحاً، ولسيبويه إيماء) - وهو القول الصحيح، لما سبق.

(لا لفعله) -ونُسب إلى سيبويه، وهو قول الفارسي والزمخشري والتقدير عندهم: زيد استقر عندك، أو في الدار، لأن الأصل في العمل للأفعال.

(ولا للمبتدأ) -ونسبه ابن أبي العافية وابن خروف إلى سيبويه، وهو ضعيف، لأن الناصب إما فعلٌ أو شبهه، والمبتدأ لا يشترط فيه ذلك.

(ولا للمخالفة) - وهو قول الكوفيين، وهو ضعيف، لأن المخالفة لو اقتضت النصب لانتصب زيدٌ في: زيدٌ خلْفَك.

(خلافاً لزاعمي ذلك) - لما سبق ذكره.

(وما يُعْزَى للظرفية من خبرية وعمل فالأصح كونُه لعامله) - وهذا مذهب ابن كيسان، وظاهر كلام السيرافي؛ فإذا قلت: زيدٌ خلفك، أو في الدار، فالخبرُ في الحقيقة عاملُ هذا الظرف. وتسمية هذا خبراً تجوز، لأن ذلك المحكوم به حقيقة. وكذا لو قلت: خلفك أبوه، أو في الدار أبوه، فرفعت بعد الظرف فالمرفوع معمولٌ للمحذوف حقيقة، لأن الأصل في العمل للأفعال أو للأسماء المأخوذة منها. ونسبةُ العمل إلى الظرف تجوُّز. وهذب أبو علي وابن جني إلى انتقال الحكم إلى الظرف والجار والمجرور. والمرادُ بقول المصنف، الظرف، يشمل الظرف والجار والمجرور، إذ كل

ص: 236

حكم ثبت للظرف ثبت للجار والمجرور.

(وربما اجتمعا لفظاً) - كقوله:

(230)

لك العزُّ إن مولاك عز وإن يهنْ

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن

البحبوحة الوسط، يقال: هو في بحبوحة الدار أي في وسطها.

(ولا يغني ظرفُ زمان غالباً عن خبر اسم عين) - فلا يقال: زيدٌ اليوم، لعدم الفائدة. وهذا بخلاف اسم المعنى نحو: القتالُ اليوم، وبخلاف ظرف المكان نحو: زيدٌ خلفك. واستظهر بقوله: غالباً، على ما جاء فيه الإخبارُ باسم الزمان عن العين وليس مما سيذكره، كقول امرئ القيس، اليوم خمرٌ وغداً أمرٌ.

(ما لم يُشبه اسم المعنى بالحدوث وقتاً دون وقت) - كقولهم: الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع، والطيالسة ثلاثة أشهر.

(أو تعم إضافة معنى إليه) - أي إلى العين. وفي بعض النسخ: أو تنوي إضافة معنى إليه. وذلك نحو: أكل يوم ثوب تلبسه. أي تجدد ثوباً، ومنه:

(231)

أكل عامٍ نعمٌ تحوونَهْ

يلحقه قومٌ وتنتجونَهْ

أي إحراز نعم. يُلْقِحُه قومٌ مجاز من قولهم: ألقح الفحلُ الناقة، والريحُ

ص: 237

السحابة. ويقال: نُتجت الناقةُ على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجاً، وقد نتجها أهلها نتجاً. قال الكميت:

(232)

وقال المذمر للناتجين

متى ذمرتْ قبلي الأرجل

التذميرُ أن يُدخِلَ الرجلُ يده في حيا الناقة - أي رحمها، وجمعُه أحيية، لينظر أذكر جنينها أم أنثى، والمذمر من الكاهل والعنق وما حوله إلى الذفرى وهو الذي يذمر المذمر.

(أو يعم. واسمُ الزمان خاص) - نحو: نحن في شهر كذا.

(أو مسئولٌ به عن خاص) - نحو: في أي الفصول نحن؟

(ويُغْنِي) - أي ظرفُ الزمان.

(عن خبر اسم معنى مطلقاً) - أي سواء أوقع المعنى في جميعه أم في بعضه.

(فإن وقع في جميعه أو أكثره وكان نكرة رُفع غالباً) - كقوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً"، وقوله تعالى:"الحج أشهر معلوماتٌ".

فإن كان معرفة جاز الرفعُ والنصبُ باتفاق من البصريين والكوفيين، نحو: قيامُك يوم الخميس أو اليوم، والغالبُ النصبُ.

(ولم يمتنع نصبه ولا جره بفي، خلافاً للكوفيين) - فيجوزُ عند

ص: 238

البصريين في المنكر مع الرفع النصبُ والجر بفي، قال المصنف: ويمنعُ الكوفيون النصب والجر بفي، ومستندهم صون اللفظ عما يوهم التبعيض مما يُقصدُ به الاستغراقُ. وهذا مبني على قول بعضهم إن في للتبعيض، حكاه السيرافي، وليس بصحيح، فإن في للظرفية بحسب الواقع في مصحوبها، ولهذا صح: في الكيس درهم، وفي الكيس ملؤه من الدراهم.

(وربما رُفع خبراً الزمانُ الموقوعُ في بعضه) - أي سواء كان معرفة أو نكرة. نحو: الزيارة يوم الخميس أو يوم والنصب أجودُ، وأكثرُ من الرفع، وهما جائزان اتفاقاً.

(ويُفَعَلُ ذلك) أي الرفعُ.

(بالمكاني المتصرفِ) - تحرز من غير المتصرف نحو: عندك، فإن رفعه ممتنع.

(بعد اسم عين؛ راجحاً إن كان المكاني نكرة) - نحو: المسلمون جانب والمشركون جانب. وراجحاً حال من ذلك. والكوفيون كالبصريين في إجازة الرفعوالنصب في هذا؛ وناقل لزوم رفعه عن الكوفيين واهم.

(ومَرْجُوحاً إن كان معرفةً) - نحو: زيدٌ خلفك، وداري خلف دارك. فيجوزُ رفع خلفك ونحوه عند البصريين، والمختارُ عندهم نصبه، ولا فرق بين كون المخبر عنه اسم مكان أو ذات غيره كما سبق تمثيله. وإعرابُ مرجوح كإعراب راجح.

(ولا يُخصُّ رفعُ المعرفة بالشعر أو بكونه بعد اسم منكان، خلافاً للكوفيين) - منع الكوفيون الرفع في المثال الأول ونحوه في غير الشعر.

ص: 239

وأجازوه في المثال الثاني ونحوه مطلقاً.

(ويكثُر رفعُ المؤقت) - وهو المحدود كيوم ويومين وفرسخ وميل.

(المتصرف) - تحرز من غيره كضحوة معيناً.

(من الظرفين) - أي ظرف الزمان وظرف المكان.

(بعد اسم عينٍ مُقدرٍ إضافةُ بُعدٍ إليه) - نحو: زيدٌ منا يومان أو فرسخان، أي بُعْدُ زيدٍ.

(ويتعين النصبُ في نحو: أنت مني فرسخين. بمعنى: أنت من أشياعي ما سرنا فرسخين) - وذلك لأن مني خبرُ أنت. أي كائنٌ مني. أي من أتباعي وأشياعي، كقوله تعالى:"فمَنْ تبعني فإنه مني". وحينئذ يتعينُ نصبُ فرسخين على الظرفية، بخلاف: زيدٌ مني فرسخان. على تقدير: بُعْدِ زيدٍ مني فرسخان. وقول المصنف: ما سرنا فرسخين، تفسير معنى لقول سيبويه: ما دُمْتَ تسيرُ فرسخينْ. والناصبُ للظرف الخبرُ، لا هذا المذكور، كحذف الموصول وصلته وإبقاء المعمول.

(ونصبُ اليوم إن ذُكر مع الجمعة ونحوها مما يتضمن عملاً) - كالسبت والعيد والفطر، لأن في الجمعة معنى الاجتماع، وفي السبت معنى القطع، وفي العيد معنى العوْد، وفي الفطر معنى الإفطار.

(جائزٌ) - فتقول: اليوم الجمعة، واليوم السبت. بنصب اليوم، وكذا الباقي اتفاقاً، لأن ذكرها منبهٌ على عملٍ يقعُ في اليوم.

(لا إنْ ذُكر مع الأحد وغيره مما لا يتضمنُ عملاً) - كالاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس. فتقول: اليوم الأحدث، برفع اليوم، وكذا الباقي، ولا

ص: 240

يجوز النصب.

(خلافاً للفراء وهشام) - في إجازتهما النصب على معنى الآن الأحد وهو ضعيف، لأن الأحد بمنزلة الأول والاثنين بمنزلة الثاني، والثلاثاء بمنزلة الثالث والأربعاء بمنزلة الرابع، والخميس بمنزلة الخامس، فيتعين الرفع؛ لئلا يخبر بظرف الزمان عن العين.

(وفي الخلفِ مخبراً به عن الظهر رفع ونصب) - فمن قال: ظهرك خلفك. برفع خلفك. فوجهه أن الخلف في المعنى الظهر، ومن نصبه جعله ظرفاً.

(وما أشبههما كذلك) - فتقول: رجلاك أو نعلاك أسفلك. برفع أسفل ونصبه على ما تقدم. وقرئ: "والركبُ أسفل منكم" بالرفع والنصب.

(فإن لم يتصرف كالفوق والتحت لزم نصبه) - فتقول: رأسُك فوقك، وتحتك رجلاك. بنصب فوق وتحت، لأنهم لم يستعملوهما إلا ظرفين.

(ويُغني عن خبر اسم عين باطراد مصدرٌ يؤكده مكرراً) - نحو: زيدٌ سيراً سيراً. والأصل: يسيرُ سيراً. فحذف الفعل، واستغنى بمصدره، وجعل تكريره بدلاً من اللفظ بالفعل، فلزم إضمارُه.

(أو محصوراً) - نحو: إنما أنت سيراً، أو السير، أو سير البريد، وما أنت إلا سيراً، أو السير، أو سير البريد. والأصل: تسيرُ سيراً، فحذف، وأقيم الحصرُ مقام التكرار في سببية التزام الإضمار.

(وقد يُرفعُ خبراً) -فيقال: زيدٌ سير سيرٌ، وما زيدٌ إلا سير. بالرفع، على جعل الأخير هو الأول مبالغةً.

ص: 241

وقد يُغني عن الخبر غيرُ ما ذكر من مصدرٍ) - نحو: زيدٌ سيراً. أي يسير سيراً.

(أو مفعول به) - نحو قول بعض العرب: إنما العامري عمامته. أي يتعهد عمامته؛ ومنه قوله تعالى: "والذين اتخذوا مِنْ دونه أولياء ما نعبُدهم" أي يقولون: ما نعبدهم.

(أو حال) - أي مغايرة للسابقة في مسألة: ضربي زيداً قائماً. وذلك نحو ما حكى الأخفش من قول بعضهم: "زيدٌ قائماً - أي ثبت أو عُرف قائماً، ومنه قراءة رويت عن علي رضي الله عنه: "ونحنُ عصبةُ" بالنصب.

(وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعداً بعطفٍ) - نحو: زيدٌ فقيهٌ وكاتبٌ وشاعرٌ. ولا خلاف في هذا.

(وغير عطفٍ) - كقوله تعالى: "وهو الغفورُ الودودُ ذو العرش المجيد فعالٌ لما يريدُ". ومَنْ منع تعدد الخبر في مثل هذا قدر لكل خبرٍ غير الأول مبتدأ أو جعل الثاني صفة للأول.

(وليس من ذلك ما تعدد لفظاً دون معنى) - نحو: هذا حلوٌ حامضٌ، وهذا أعسرُ أيسرُ. أي أضبط. وهو الذي يعمل بكلتا يديه، فتسميته هذين خبرين تجوز، وإنما هما خبرٌ واحدٌ، لأن الإفادة لا تحصل إلا بالمجموع، بخلاف الأول، ولذا امتنع في هذا العطف بخلاف ذاك.

ص: 242

(ولا ما تعدد لتعدد صاحبه حقيقة) - نحو: بنو زيدٍ فقيهٌ وكاتبٌ ونحويٌّ. ومنه:

(233)

يداك يد خيرها يُرتجى

وأخرى لأعدائها غائظة

(أو حكماً) - كقوله تعالى: "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد"، وتعدد هذا إنما هو لتعدد المخبر عنه، ولا يستعمل دون عطف.

(وإن توالتُ مبتدآت أخبر عن آخرها مجعولاً هو وخبرُه خبر متلوه، والمتلوُّ مع ما بعده خبر متلوه، إلى أن يُخْبَر عن الأول بتاليه مع ما بعده، ويضاف غير الأول إلى ضمير متلوه) - نحو: زيدٌ عمُّه خاله أخوه أبوهُ قائمٌ. والمعنى: أبو أخي خالِ عم زيدٍ قائمٌ.

(أو يُجاءُ بعد خبر الآخر بروابط المبتدآت، أول لآخر، وتالٍ لمتلو) - نحو: بنُوك الزيدان هند الدرهم أعطيته إياها عندهما في دارهم.

(فصل): (تدخل الفاءُ على خبر المبتدأ وجوباً بعد أما) - نحو: أما زيدٌ فمنطلقٌ. ومنه: "فأما الذين آمنوا فيعلمون".

(إلا في ضرورةٍ) - كقوله:

(234)

فأما القتالُ لا قتال لديكمْ

ولكن سيراً في عراض المواكب

ص: 243

(أو ندورٍ أو مقارنة قول أغنى عنه المقولُ) - كقوله تعالى: "فأما الذين اسودتْ وجوههم أكفرتم" أي فيقال لهم: أكفرتم؟

(وجوازاً بعد مبتدأ واقع موقع مَنْ الشرطية أو ما أختها وهو ال الموصولةُ بمستقبلٍ عام) - كقوله تعالى: "والسارق والسارقةُ فاقطعوا أيديهما". وهذا مذهب الكوفيين والمبرد، وجمهور البصريين يمنعون دخول الفاء في خبر المبتدأ، المصدر بال الموصولة. وخرجوا الآية ونحوها على حذف الخبر. أي: فيما يتلى عليكم السارق والسارقة

أي حكم السارق والسارقة، فلو قُصد بصلةِ ال مضي أو عهد فارق ال شبه من وما، ولم يؤت بالفاء.

(أو غيرُها) - أي من الموصولات.

(موصولاً بظرفٍ) - كقوله:

(235)

ما لدى الحازم اللبيب معاراً

فمصُونٌ. وما له قد يضيع

(أو شبهه) - كقوله تعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله".

(أو بفعل صالح للشرطية) - كقوله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم". ويدل على أن ما موصولة لا شرطية سقوط الفاء في

ص: 244

قراءة نافع وابن عامر. وأشار بقوله: فعل إلى أن الموصول بجملة اسمية لا تدخل الفاء في خبره، نحو: الذي أبوه مُحْسِنٌ مكرمٌ. وبقوله: صالح إلى أن ما لا يصلح، لا تدخل الفاء معه، كالماضي معنى، وكالمصاحب لما يمنعه من الشرطية نحو: الذي لو حدث صدق مُكْرَمٌ، والذي ما يكذبُ مفلحٌ.

(أو نكرةٌ عامةٌ موصوفةٌ بأحد الثلاثة) - وهي الظرف وشبهه والفعل الصالح للشرطية نحو: رجلٌ عنده حزمٌ فسعيدٌ، وعبد لكريمٍ فما يضيعُ، ونفسٌ تسعى في نجاتها فلن تخيب.

(أو مضاف إليها مشعرٌ بمجازاة) - نحو: كل رجل عنده حزمٌ فسعيدٌ، وكل عبدٍ لكريمٍ فما يضيعُ، وكل نفس تسعى في نجاتها فلن تخيب.

(أو موصوف بالموصول المذكور) - كقوله تعالى: "والقواعدُ من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جُناحٌ"، وقوله:

(236)

صلوا الحزم بالخطب الذي تحسبونه

يسيراً فقد تلقوه متعسراً

(أو مضاف إليه) - نحو: غلامُ الذي يأتيني فله درهم، ومنه قول زينب بنت الطثرية ترثي أخاها:

(237)

يسرك مظلوماً ويرضيك ظالماً

فكل الذي حملته فهو حامل

ص: 245

(وقد تدخل على خبرٍ كل مضافاً إلى غير موصوفٍ) - نحو: ما جاء في بعض الأخبار المأثورة عن بعض السلف، وهو "بسم الله ما شاء الله، كل نعمةٍ فمن الله. ما شاء الله، الخيرُ كله بيد الله. ما شاء الله، لا يصرفُ، السوء إلا الله. ما شاء الله، لا قوة إلا بالله".

(أو إلى موصوف بغير ما ذكر) - كقوله:

(238)

كل أمر مباعدٍ أو مُدانٍ

فمنوط بحكمة المتعال

(وعلى خبر موصول غير واقع موقع من الشرطية ولا ما أختها) - كقوله تعالى: "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله"، فدخلت والفعلُ ماضٍ معنى، ومَنْ منع ذلك احتاج إلى التأويل، وأولتْ على معنى التبيين، أي ما يتبين إصابة إياكم، كما قيل في قوله تعالى: "إن كان قميصُه قُدَّ

".

(ولا تدخل على خبر غير ذلك، خلافاً للأخفش) - في إجازته دخولها في خبر مبتدأ لا يشبه أداة الشرط نحو: زيدٌ فمنطلقٌ؛ إذ لا يقتضيه القياس. ولا حجة في قوله:

ص: 246

(239)

وقائلةٍ خولانُ فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيين خلوُ كماهيا

لاحتمال كون التقدير: هذه خولان. وخولان قبيلة من اليمن، والأكرومة من الكرم كالأعجوبة من العجب.

(وتزيلها نواسخ الابتداء إلا إن وأنَّ ولكن على الأصح) - فلا يقال: كان الذي يأتيني فله درهم، ولا ظننت الذي يأتيني فله درهم، ولا ليت الذي يأتيني فله درهم. وذلك لزوال شبه المبتدأ حينئذ بأداة الشرط. ويجوز: إنَّ الذي يأتيني فله درهم. وكذلك أن بالفتح ولكن، وذلك لأنها لم تغير المعنى الذي كان مع الابتداء؛ ومنع بعضهم ذلك لزوال شبه المبتدأ باسم الشرط يعمل ما قبله فيه، وهو محجوج بالسماع، قال الله تعالى:"إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يُقبل من أحدهم"، وهو كثير. وقال تعالى:"واعلموا أنما غنمتُم من شيء فان لله خمسه"، وقال الشاعر:

(240)

بكل داهيةٍ ألقى عداك وقد

يُظن أني في مكري بهم فزعُ

كلا، ولكن ما أبديه من فرقٍ

فكي يُغروا فيغريهم بي الطمع

ص: 247