الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر
وهذا قول الجمهور، وقال السهيلي: هي كأعطى بدليل: ظننتُ زيداً عمراً، ورُد بالرفع عند الإلغاء نحو: زيدٌ قائمٌ ظننتُ.
(الداخل عليهما كان) - وقد سبق بيان ذلك في كان.
(والممتنع دخولها) - أي دخول كان.
(عليهما) - أي على المبتدأ والخبر.
(لاشتمال المبتدأ على استفهام) - فيجوز: أيهم ظننت أفضل منك؟ وغلام من ظننت عندك؟ ولا تدخل كان على هذه.
(فتنصبهما مفعولين) - هذا قول الجمهور، وزعم الفراء أن الثاني حال. ورد بوقوعه مضمراً نحو: زيدٌ ظننتكه.
(ولا يحذفان معاً أو أحدهما إلا بدليل) - فلا يجوز في: ظننت زيداً قائماً، ونحوه أن يقال: ظننتُ، ولا ظننت زيداً، ولا ظننت قائماً، إلا أن دل على الحذف دليلٌ كقوله:
(400)
بأي كتاب أم بأية سنة
…
ترى حبهم عاراً علي وتحسبُ
أي: وتحسب حُبهم عاراً علي، وقوله:
(401)
ولقد نزلت فلا تظني غيره
…
مني بمنزلة المحب المكرم
أي فلا تني غيره كائناً، وقوله:
(402)
كأن لم يكن بين إذا كان بعده
…
تلاقٍ، ولكن لا إخال تلاقيا
أي لا إخال الكائن تلاقياً.
(ولهما من التقديم والتأخير ما لهما مجردين) - فالأصل تقديم المفعول الأول وتأخير الثاني، وقد يعرض ما يوجب البقاء على الأصل كتساويهما تعريفاً أو تنكيراً نحو: ظننت زيداً صديقك أو خيراً منك فقيراً إليك. أو ما يوجب الخروج عن الأصل كحصر الأول نحو: ما ظننت بخيلاً إلا زيداً. وأسباب البقاء والخروج مستوفاة بالابتداء، وإن لم يعرض موجب لأحدهما جاز الأمران نحو: ظننت زيداً قائماً.
(ولثانيهما من الأقسام والأحوال ما لخبر كان) - وقد سبق ذلك مستوفي في كان.
(فإن وقع موقعهما) - أي ذكر بعد إسناد هذه الأفعال إلى فاعلها.
(ظرف) - نحو: ظننتُ عندك.
(أو شبهه) - نحو: ظننتُ لك.
(أو ضميرٌ) - نحو: ظننتُه.
(أو اسم إشارة) - نحو: ظننتُ ذلك.
(امتنع الاقتصارُ عليه) - أي على أحد المذكورات من الظرف وما بعده.
(إن كان) - أي أحد المذكورات.
(أحدهما) - أي أحد المفعولين، لما سبق أنه لا يجوز حذف أحد المفعولين إلا لدليل، ولا دليل.
(لا إن لم يكنه) - أي إن لم يكن أحد المفعولين - والحاصل أن الاقتصار على عندك ونحوه جائز إن جُعل ظرفاً لحصول الظن، وغير جائز إن جُعل مفعولاً ثانياً، والآخر حذف اقتصاراً، وكذا إن جعلت لك علة لحصول الظن اقتصرت عليه، أو ثانياً فلا، وإن جعلت هاء الضمير أو اسم الإشارة المصدر اقتصرت عليهما، أو أحد المفعولين لم يجز.
(ولم يُعلم المحذوفُ) - أي إنما يمتنع الاقتصار على المذكور إن كان أحدهما ولم يُعلم المحذوف، فإن علم بأن دل دليل جاز الاقتصار، كقول من قيل له: أظننت زيداً صديقك؟ ، نعم ظننته، وكذا الباقي.
(وفائدة هذه الأفعال في الخبر ظن أو يقين أو كلاهما أو تحويل) - فهذه أربعة أنواع: نوع مختص بالظن، ونوع مختص باليقين، ونوع صالح للظن وصالح لليقين، ونوع للتحويل، وهي كلها مشتركة في أن منصوباتها لا تستغني عن ثان، ويميزها من الأفعال التي يقع بعدها منصوبان على غير هذا الحد، وقوع ثاني منصوبيها بعد ضمير الفصل كقوله
تعالى: "ويرى الذين أوتوا العِلْمَ الذي أنزل إليك من ربك هو الحق".
(فللأول) - وهو الظن فقط.
(حجا يحجو) - كقوله:
(403)
قد كنت أحجو أبا عمروٍ أخاتقةٍ
…
حتى ألمت بنا يوماً مُلمات
(لا لغلبةٍ ولا قصدٍ ولا رد ولا سوق ولا كتم ولا حفظ) - فإن كانت حجا بمعنى غلب في المحاجاة أو قصد أو رد أو ساق أو كتم [أو حفظ] تعدت إلى مفعول واحد.
(ولا إقامةٍ ولا بخلٍ) - فإن كانت حجا بمعنى أقام أو بخل كانت لازمة.
(وعد) - نحو:
(404)
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى
…
ولكنما المولى شريكك في العُدم
(لا لحُسبانٍ) - فإن كانت بمعنى حسب بفتح العين تعدت إلى واحد، وحُسبان مصدره، يقال: حسبته بالفتح أحسبه بالضم حسباً وحساباً وحُسباناً وحسابةً إذا عددته.
(وزعم) - نحو:
(405)
فإن تزعُميني كنت أجهل فيكم
…
فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
ومصدر زعم هذه زَعْمٌ وزِعْمٌ وزُعْمٌ.
(لا لكفالة ولا رئاسة) - قال المصنف: يقال زعم بمعنى كفل وبمعنى رأس فيتعدى إلى مفعول واحد مرة وبحرف جر أخرى. انتهى. وقال الجوهري: زعمت به أزعم زعماً وزعامة أي كفلت.
(ولا سمن ولا هُزال) - يقال: زعمت الشاة بمعنى سمنتْ وبمعنى هزُلت ولا يتعدى.
(وجعل) - كقوله تعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثاً"، أي اعتقدوهم.
(لا لتصيير) - وسيأتي.
(ولا إيجاد) - كقوله تعالى: "وجعل الظلمات والنور" أي أوجد.
(ولا إيجاب) - نحو: جعلتُ للعامل كذا أي أوجبت.
(ولا ترتيب) - نحو: جعلتُ بعض متاعي على بعض أي ألقيت.
(ولا مقاربة) - وسبقت بباب كاد.
(وهبْ) - بصيغة الأمر للمخاطب.
(غير متصرف) - نحو:
(406)
فقلت أجرني أبا خالدٍ
…
وإلا فهبني أمراً هالكاً
ولا تستعمل إلا بصيغة الأمر للمخاطب، ولذا قال: غير متصرف، فلا تستعمل بصيغة الماضي ولا المضارع ولا اسم الفاعل ولا يكون أمراً بالالم.
(وللثاني) - وهو اليقين فقط.
(علم) - نحو:
(407)
علمتك الباذل المعروف فانبعثتْ
…
إليك بي واجفاتُ الشوق والأمل
(لا لِعُلْمةٍ) - يقال: علم الرجلُ يعلم علماً وعُلمةً إذا صار أعلم وهو المشقوق الشفة العليا.
(ولا عرفان) - نحو: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً". ويتعدى حينئذ إلى واحد.
(ووجد) - نحو: "تجدوه عند الله هو خيراً" ومصدرها وجدان عن الأخفش، ووجود عن السيرافي.
(لا لإصابة) - ويتعدى حينئذ لواحد. يقال: وجد فلان ضالته وجداناً ووجوداً.
(ولا استغناء ولا حزن ولا حقدٍ) - ولا يتعدى حينئذ يقال: وجد فلان أي استغنى وجداً ووجْداً ووُجْداً وجدةً، ووجد موجدةً غضب، ووجداً حزنَ.
(وألفى مرادفتُها) - أي مرادفة وجد المتعدية إلى اثنين كقوله:
(408)
قد جربوه فألفوه المغيث إذا
…
ما الروع عم فلا يلوى على أحد
واحترز من التي بمعنى وجد بمعنى أصاب، فإنها تتعدى لواحد نحو: ألفيتُ الشيء وجدتُه.
(ودرى) - نحو:
(409)
دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط
…
فإن اغتباطاً بالوفاء حميدُ
وأكثر ما تستعمل معداة بالباء نحو: دريت به، فإذا نقلت بالهمزة تعدت لواحد بنفسها، ولثان بالباء نحو:"ولا أدراكم به".
(لا لِخَتْل) - فإنها تتعدى حينئذ لواحد. يقال: درى الذئبُ الصيد إذا استخفى له ليفترسه. والختلُ مصدر ختل، يقال ختله وخاتله أي خدعه.
(وتعلمْ بمعنى اعلمْ غير متصرفٍ) - نحو:
(410)
تعلم شفاء النفس قهر عدوها
…
فبالغ بلطفٍ في التحيل والمكر
ولم يستعمل لها ماضٍ ولا مضارع ولا اسمُ فاعل ولا مفعول ولا مصدر، هذا إذا كانت بمعنى اعلم المتعدية إلى اثنين. فإن كانت تعلم أمراً من تعلمتُ الحساب أتعلمه تعدتْ إلى واحدٍ وتصرفتْ.
(وللثالث) - وهو الظن واليقين.
(ظن) - ففي غير المتيقن وهو المشهور فيها: "إنْ نظن إلا ظناً، وما نحن بمستيقنين"، وفي المتيقن وهو كثير فيها:"الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم".
(لا لتهمة) - فإذا أريد بظن معنى اتهم تعدت إلى واحدٍ.
(وحسب) - ففي غير المتيقن وهو المشهور: "وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً"، وفي المتيقن وهو قليل:
(411)
شهدت، وفاتوني، وكنت حسبتني
…
فقيراً إلى أن يشهدوا وتغيبي
والمضارع يحسب بالكسر والفتح، والمصدر محسبة ومحسبة وحسبان بالكسر.
(لا للون) - تحرز من قولهم: حسب الرجل إذا احمر لونه وابيض كالبرص، وكذا إذا كان ذا شقرة فإنه فعل لازم.
(وخال يخال) - ففي غير المتيقن وهو المشهور فيها نحو:
(412)
إخالُك إن لم تغضض الطرف ذا هوى
…
يسومك ما لا يُستطاع من الوجد
وفي المتيقن وهو قليل:
(413)
ما خلتني زلتُ بعدكم ضمناً
…
أشكو إليكم حموة الألم
أي ما زلت بعدكم ضمناً خلتُني كذلك، والمصدر خيل وخال وخيلة ومخيلة ومخالة وخيلولة وخيلان، ويسومك معناه يليك ويدور عليك من قولهم: سمتُه خسفاً أي أوليتُه إياه وأدرتُه عليه.
(لا لعُجْبٍ ولا ظلع) - تحرز من خال الرجل يخال تكبر، والفرسُ ظلع أي غمز في مشيته.
(ورأي) - كقوله تعالى: "إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريباً" أي يظنونه، ونعلمه.
(لا لإبصار) - نحو: رأيت الشيء أي أبصرته.
(ولا رأي) - نحو: رأيت رأي فلان أي اعتقدته.
(ولا ضرب) - نحو: رأيت الصيد أي أصبته في رئته. وهي في هذه الأحوال الثلاثة متعدية إلى واحد.
(وللرابع) - وهو التحويل.
(صير وأصار) - وهما منقولان من صار أخت كان، نقل الأول بالتضعيف والثاني بالهمزة.
(وما رادفهما من جعل) - نحو: "فجعلناه هباء منثوراً".
(ووهب غير متصرف) - نحو ما حكى ابن الأعرابي: وهبني الله فداك أي جعلني، ولا يستعمل وهب كصير إلا بصيغة الماض].
(ورد) - نحو:
(414)
فرد شعورهن السود بيضاً
…
وردُ وجوههن البيض سُوداً
(وترك) - نحو:
(415)
وربيته حتى إذا ما تركته
…
أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه
(وتخذ) - نحو:
(416)
تخذتُ غُراز إثرهم دليلاً
…
وفروا في الحجاز ليُعجزوني
(واتخذ) - نحو: "واتخذ الله إبراهيم خليلاً"
(وأكان) -قال المصنف: ألحق ابن أفلح بأصار أكان المنقولة من كان بمعنى صار، وما حكم به جائز قياساً لكن لا أعلمه مسموعاً.
(وألحقوا) - أي العرب.
(برأي العلْمية) - أي في نصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.
(الحلمية) - أي رأي الحُلمية نحو: "إني أراني أعصرُ خمراً".
(وسمع المعلقة بعين) - نحو: سمعتُ زيداً يتكلمُ. واحترز من المعلقة بمسموع، فإنها لا تتعدى إلا إليه نحو: سمعتُ كلاماً، ومنه:"لا يسمعوا دعاكم".
(ولا يُخْبَرُ بعدها) - أي بعد سمع.
(إلا بفعل دال على صوت) - نحو يقرأ ويتكلم وشبههما.
(ولا يُلحقُ ضرب مع المثل على الأصح) - وقوله تعالى: "واضربْ لهم مثلاً أصحاب القرية" ليستْ ضرب فيه بمعنى صير، ومثلا المفعول الثاني، وأصحاب القرية الأول، خلافاً لبعضهم، كقوله تعالى:"يا أيها الناس ضُرب مثل"، وذلك لاكتفائها بالمرفوع، ولا يُفعل هذا بشيء من أفعال هذا الباب.
(ولا عرف وأبصر، خلافاً لهشام، ولا أصاب وصادف وغادر، خلافاً لابن درستويه) - فقائماً في نحو: عرفتُ زيداً قائماً، وأبصرتُه قائماً، وأصبتُه قائماً، وصادفته قائماً، وغادرته قائماً، منصوب على الحال، وكذلك ما أشبهه إذ لم يثبت كون هذه الأفعال يتعدى إلى أكثر من واحد، وقد لزم تنكير المنصوب الثاني، فلا يكون مفعولاً ثانياً، خلافاً لمن ذكر.
(وتسمى المتقدمة على صير) - وهي حجا ورأى وما بينهما وهي أربعة عشر فعلاً.
(قلبيةً) - وسميت بذلك لقيام معانيها بالقلب.
(وتختص متصرفاتُها) - وهي ما عدا هبْ وتعلمْ، وأما هبْ وتعلم فلما لم يتصرفا في أنفسهما لم يُتصرف فيهما بالإلغاء، بل أقرا على أصل الأفعال من العمل.
(بقُبْح الإلغاء) - وهو تركُ العمل لفظاً ومعنى لغير مانع.
(في نحو: ظنتُ زيدٌ قائمٌ) - أي إذا وقعت متصدرةً. ومذهبُ البصريين أنه يمتنع الإلغاء حينئذ، وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنه جائز، لكن الإعمال عندهم أحسن.
(وبضعْفِه) - أي ضعف الإلغاء.
(في نحو: متى ظننت زيدٌ قائمٌ، وزيدٌ أظن أبوه قائمٌ) - والمراد ما إذا لم تتصدر وتقدمتْ على المفعولين كالمثالين المذكورين. قال المصنف: حكم سيبويه بقبح إلغاء المتقدم نحو: ظننتُ زيدٌ قائمٌ، وبتقليل قبحه بعد معمول الخبر، نحو: متى ظننت زيدٌ قائمٌ، وفي درجته الإلغاء في نحو: زيدٌ أظن أبوه قائمٌ.
(وبجوازه) - أي جواز الإلغاء.
(بلا قبح ولا ضعف في نحو: زيدٌ قائمٌ ظننتُ، وزيدٌ ظننتُ قائمٌ) - والمراد إذا تأخرت عن المفعولين أو توسطت بينهما.
(وتقدير ضمير الشأن أو اللام المعلقة في نحو: ظننتُ زيدٌ قائمٌ أولى من الإلغاء) - لأن في هذا التقدير إبقاء ظننت على عملها وهي متصدرة، فإذا قدرت ضمير الشأن كان هو المفعول الأول، والجملة المذكورة المفعول الثاني. قال المصنف: ويكون هذا نظير قول العرب: إن بك زيد مأخوذ، على
تقدير. أنه، وإذا قدرت اللام كانت الجملة في موضع المفعولين، وتكون ظننتث معلقة. قال المصنف: أجاز سيبويه: أظن زيدٌ قائمٌ، على تقدير: أظن لزيدٌ قائمٌ، وعلى ذلك حمل قول الشاعر:
(417)
وإخال إني لاحق مستتبع
بالكسر أي إني للاحقٌ.
(وقد يقع الملغي بين معمولي إن) - كقوله:
(418)
إن المحب علمتُ مصطبرُ
…
ولديه ذنبُ الحب مغتفرُ
(وبين سوف ومصحوبها) - كقوله:
(419)
وما أدري وسوف إخال أدري
…
أقوم آلُ حصن أم نساء
(وبين معطوف ومعطوف عليه) - نحو:
(420)
فما جنة الفردوس أقبلت تبتغي
…
ولكن دعاك الخبر أحسب والتمرُ
(وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه جائزٌ) - فتقول: قام أظن زيدٌ، ويقوم أظن زيدٌ، برفع زيدٍ ونصبه، وهذا مذهب البصريين، فإذا نصب فالفعل المتقدم وضميره المستتر في موضع المفعول الثاني، وأما الرفعُ فظاهر.
(لا واجب، خلافاً للكوفيين) - فلا يجوز عندهم نصب زيد في المثالين، والسماع يرد عليهم، قال الشاعر:
(421)
شجاك أظن ربع الظاعنينا
…
فلم تعبأ بعذل العاذلينا
ينشد برفع ربع ونصبه.
(وتوكيد الملغي بمصدر منصوب قبيح) - نحو: زيد ظننت ظناً منطلق.
(وبمضاف إلى الياء ضعيف) - فيزيل بعض القبح عدم ظهور النصب نحو: زيد ظننتُ ظني منطلقٌ.
(وبضمير أو اسم إشارة أقل ضعفاً) - فيكتسي بعض الحسن يكون المصدر ضميراً، نحو: زيدٌ ظننته منطلق، أو اسم إشارة نحو: زيدٌ ظننتُ ذاك منطلقٌ.
(وتؤكد الجملة بمصدر الفعل بدلاً من لفظه منصوباً فيلغي وجوباً) - فتقول: زيدٌ منطلق ظنك، وزيد ظنك منطلقٌ. فظنك مصدر مؤكد للجملة، وهو نائب مناب الفعل، ويجب حينئذ إلغاؤه، فلا يقال، زيداً ظنك منطلقاً، خلافاً للمبرد - والزجاج وابن السراج.
(ويقبحُ تقديمُه) - قال المصنف: لأن ناصبه فعل تدل عليه الجملة، فقبح تقديمُه كما قبح تقديم حقاً من قولك: زيدٌ قائمٌ حقاً، ولذلك لم يعمل، لأنه لو عمل وهو مؤكدٌ لاستحق التقديم بالعمل والتأخير بالتوكيد، واستحقاق شيء واحد تقديماً وتأخيراً في حال واحد مُحال. انتهى. وأجاز الأخفش وغيره التقديم، فتقول: ظنك زيدٌ منطلقٌ، والصحيح عند أكثر من أجاز التقديم أنه لا يجوز إعماله.
(ويقل القبح في نحو: متى ظنك زيدٌ ذاهبٌ؟ ) فكما قل القبحُ بتقديم متى في: متى تظن زيد ذاهب؟ قل في: متى ظنك زيد ذاهب؟ ولهذا أجازه ابن عصفور هنا ومنعه هناك.
(وإن جُعل متى خبر الظن رُفع وعمل وجوباً) - فتقول: متى ظنك زيداً منطلقاً؟ برفع ظن على الابتداء، وجعل متى خبراً عنه، ونصب المفعولين، لأنه حينئذ غير مؤكد للجملة، وإنما هو مقدر بحرف مصدري والفعل.
(وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام) - وذلك لأنهما يطلبان الفعل، فتقول: ظنك زيداً منطلقاً، أي ظُن ظنك، ومتى ظنك زيداً منطلقاً؟ أي متى ظننت ظنك؟
(وتختص أيضاً القلبية المتصرفة بتعديها معنى لا لفظاً إلى ذي استفهام) - نحو: علمت أزيدٌ عندك أم عمرو، "وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون"، وعلمت أيهم أخوك، "ولتعلمُن أينا أشد عذاباً" فالجملة
في موضع نصب بالفعل قبلها، فهو متعد إليها معنى لا لفظاً، وكذا الحكم مع غير الاستفهام من المعلقات، وتحرز بالمتصرفة من هبْ وتعلم فإنهما لا يُعلقان كما لا يُلْغَيان.
(أو مضاف إليه) - نحو: علمتُ غلام أيهم عندك.
(أو تالي لام الابتداء) -: علمتُ لزيدٌ عندك، "ولقد علموا لمن اشتراه".
(أو القسم) - نحو:
(422)
ولقد علمت لتأتين منيتي
…
إن المنايا لا تطيش سهامُها
(أو ما أو إن النافيتين) - نحو: "وظنوا ما لهم من محيص".
"وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً".
(أو لا) - نحو: أظن لا يقوم زيدٌ؛ والمغاربة لم يعُدوا "لا" في المعلقات، وذكرها النحاس، ومن أمثلة ابن السراج، أحسبُ لا يقوم زيدٌ.
(ويسمى تعليقاً) - أي يسمى تعديها معنى لا لفظاً تعليقاً. فالتعليقُ هو إبطالُ العمل لفظاً لا محلاً على سبيل الوجوب، وسُمي تعليقاً
لأنه إبطال في اللفظ مع تعليق العامل بالمحل وتقدير إعماله.
(ويشاركهن فيه) - أي في التعليق.
(مع الاستفهام نظر) - سواء أريد به نظر العين أو القلب نحو: "فلينظر أيها أزكى طعاماً" ونحو: " فانظري ماذا تأمرين".
(وأبْصر) - نحو: "فستبصر ويبصرون. بأيكم المفتون".
(وتفكر) - نحو:
(423)
حُزق إذا ما القوم أبدوا فكاهةُ
…
تفكر آإياهُ يعنون أم قردا
والحُزق القصيرُ الذي يقارب الخطو، وكذلك الحُزقة أيضاً.
(وسأل) - نحو: "يسألون أيان يوم الدين؟ ".
(وما وافقهن) - نحو: أما ترى أي برقٍ ها هنا؟ بمعنى أما تبصر؟
حكاه سيبويه، ونحو:"ويستنبئونك أحق هو؟ ".
(أو قاربهن) - نحو: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً".
(لا ما لم يقاربهن، خلافاً ليونس) - في إجازته تعليق ما لم يوافقهن ولم يقاربهن، وجعل منه:"ثم لننزعن من كل شيعةٍ أيهم أشدُّ".
ومذهبُ سيبويه أن ضمُةَ أي للبناء، وهي موصولة، وقد سبق ذلك بباب الموصول.
(وقد يُعلق نسي) - كقوله:
(424)
ومن أنتم إنا نسينا من أنتمُ
…
وريحكم من أي ريح الأعاصر
وعُلق لأنه ضد علم، والضد قد يُحمل على الضد.
(ونصبُ مفعول نحو: علمتُ زيداً أبو مَنْ هو) - والمراد به ما تقدم فيه أحدُ المفعولين على الاستفهام كالمثال.
(أولى من رفعه) - لأن العامل متسلط عليه بلا مانع: ويجوز رفعه لأنه والذي بعد الاستفهام واحد في المعنى، فكأنه في حيز الاستفهام، وروى قوله:
(425)
فوالله ما أدري غريم لويته
…
أيشتد إن قاضاك أم يتضرع
برفع غريم، ولو نُصب لكان أجود لما سبق.
(ورفعه ممتنع بعد أرأيت بمعنى أخبرني) - قال أبو علي في
التذكرة: لا تُعلقُ أرأيت بمعنى أخبرني، فلا تقول: أرأيت زيدٌ أبو مَنْ هو، لأنه بمعنى أخبرني يعني أنه بمعنى ما لا يُعلق.
(وللاسم المستفهم به والمضاف إليه مما بعدهما) - أي مما بعد المستفهم به والمضاف إليه من العوامل.
(ما لهما دون الأفعال المذكورة) - فتقول: علمتُ أي يوم زيدٌ قادمٌ. فتنصب أياً بقادم على الظرفي كما كنت تفعل لو لم تذكر علمت، لأن الاستفهام وما في حيزه في حكم المستأنف، وكذلك تقول: علمتُ غلام مَنْ ضربت. فتنصب غلاماً بضربت على المفعولية، وتقول: علمتُ أي قيام قمت، فتنصب أياً بقمت على المصدرية.
(والجملة بعد المعلق في موضع نصب بإسقاط حرف الجر إن تعدى به) - نحو: فكرتُ أهذا صحيح أم لا؟ ومنه: "فلينظر أيها أزكى طعاماً".
(وفي موضع مفعوله إن تعدى إلى واحد) - نحو: عرفتُ أيهم عندك. ومنه: أما ترى أي برقٍ ها هنا.
(وسادة مسد مفعوليه إن تعدى إلى اثنين) - نحو: علمت أزيد عندك أم عمروٌ، ومنه:"ولتعلمُن أيُّنا أشد عذاباً وأبقى".
(وبدلٌ من المتوسط بينه وبينها إن تعدى إلى واحد) - نحو: عرفتُ زيداً أبو مَنْ هو. فالجملة من قولك: أبو مَنْ هو بدل من زيد. وهو بدل شيء من شيء. في قولك: عرفت زيداً أبو مَنْ هو، أي عرفت قصة زيد أبو مَنْ هو، وبدل اشتمال في قولك: عرفت أخاك خبره، وقيل: الجملة في موضع الحال، وهو مذهب المبرد وجماعة، والأول مذهب السيرافي، واختاره ابن عصفور.
(وفي موضع الثاني إن تعدى إلى اثنين ووجد الأول) - نحو: علمتُ زيداً أبو مَنْ هو. فإن لم يوجد الول فالجملة في موضع المفعولين كما تقدم نحو: علمتُ أبو مَنْ زيدٌ.
(وتختص القلبية المتصرفة) - تحرز بالمتصرفة من هبْ وتعلم فلا يستعملان هذا الاتعمال، فلا يقال: هبك صنعت كذا ولا تعلمْكَ مسافراً أي اعلمك.
(ورأى الحُلمية والبصرية بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدي المعنى) - نحو: "علمتُني فقيراً إلى العفو والرحمة، وظننتك مهملاً، وكقوله تعالى: "إن الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى" وكذا باقي القلبية، ولا يجري غيرها كذلك، فلا يقال: ظلمتُني ولا ظلمه بل، ظلمتُ نفسي وظلم نفسه. وألحقت بالقلبية في هذا رأي الحلمية، كقوله تعالى: "إني أراني أعصر خمراً"، "إني أراني أحمل
…
" والبصرية كقول عائشة
رضي الله عنها: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الأسودان، التمر والماء"، وقوله:
(426)
فلقد أراني للرماح دريئة
…
مِنْ عَنْ يميني تارة وأمامي
قال الجوهري: الدريئة حلقة يتعلم عليها الطعن. قال عمرو بن معدي كرب:
(427)
ظللت كأني للرماح دريئةً
…
أقاتل عن أبناء جرم وفرت
قال الأصمعي: هي مهموزة، فإن انفصل أحد الضميرين المتحدي المعنى جاز اجتماعهما في كل فعل نحو: إياي ظلمتُ، وما ظلمت إلا إياك.
(وقد يُعامل بذلك عدم وفقد) - كقوله:
(428)
لقد كان لي عن ضرتين، عدمتُني
…
وعما ألاقي منهما متزحزحُ
وقوله:
(429)
ندمتُ على ما كان مني، فقدتُني
…
كما يندمُ المغبون حين يبيعُ
(ويُمنعُ الاتحادُ عموماً) - أي في كل فعل، قلبياً كان أو غيره.
(إن أضمر الفاعل متصلاً مفسراً بالمفعول) - فلا تقول: زيداً ظن قائماً، تريدُ ظن نفسه، ولا زيداً ضرب. تريدُ ضرب نفسه. فلو انفصل الضمير جاز الاتجاه نحو: ما ظن زيداً قائماً إلا هو، وما ظن زيدٌ قائماً إلا إياه، وما ضرب زيداً إلا هو، وما ضرب زيدٌ إلا إياه.
(فصل): (يحكي بالقول وفروعه الجمل) - والمراد بالقول نفس المصدر ومنه: "فعجب قولهم أئذا كنا تراباً"، والمراد بفروعه الفعل الماضي نحو:" وقالوا سمعنا وأطعنا"، والمضارع نحو:"يقولون ربنا آمنا". والأمر نحو: "قولوا آمنا"، واسم الفاعل:"والقائلين لإخوانهم هلُمَّ إلينا"، واسم المفعول نحو:
(430)
تواصوا بحكم الجود حتى عبيدهم مقول لديهم: لا زكا مال ذي بخل واسم المصدر نحو: مقالك: الله ربُّنا، إقرارٌ بالربوبية.
(ويُنصبُ به المفردُ المؤدي معناها) - أي معنى الجملة فتقول: قلتُ حديثاً وشعراً وخطبة وقصة.
(والمراد به منجرد اللفظ) - نحو: قلت كلمة، ومنه:"سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" أي يطلق عليه هذا الاسم.
(وإلحاقهُ في العمل بالظن مطلقاً) - أي بلا شرط من الشروط التي ستذكر.
(لغةُ سليم) - حكاه سيبويه عن أبي الخطاب فيقولون: قلتُ زيداً قائماً، ومن ذلك:
(431)
قالت وكنت رجلاً فطينا
…
هذا لعمر الله إسرائينا
فهذا مفعول أول واسرائين الثاني، وهو لغة في إسرائيل.
(ويخص أكثر العرب هذا الإلحاق) - أي الإلحاق بالظن في العلم.
(بمضارع المخاطب الحاضر بعد استفهام متصل) - نحو: أتقول زيداً منطلقاً؟ ومتى تقول زيداً منطلقاً؟ وحكى الكسائي أنه سمع أعرابياً
يقول: أتقول للعميان عقلاً؟ أي أتظن. وخرج بما ذكر الماضي والأمر والمضارع لغير المخاطب، وشرح المصنف الحاضر بكونه مقصوداً به الحال، وعلى هذا فلا ينصب عند هؤلاء في الاستقبال، وفيه نظر.
(أو منفصل بظرف) - كقوله:
(432)
أبعد بُعْدٍ تقول الدار جامعةً
…
شملي بهم أم دوام البعد محتوماً
(أو جار ومجرور) - نحو: أفي الدار تقول زيداً منطلقاً؟
(أو أحد المفعولين) - نحو:
(433)
أجهُالاً تقول بني لؤي
…
لعمر أبيك أم متجاهلينا
فلو انفصل الاستفهام بغير ما ذكر كأنت ونحوه بطل الإلحاق، ورجع إلى الحكاية نحو: أأنت تقول: زيدٌ منطلقٌ؟
(فإن عدم شرط) - أي من الشروط المذكورة.
(رُجع إلى الحكاية) - نحو: قال زيدٌ: عمرو منطلقٌ. وكذا الباقي.
(ويجوز إن لم يعدم) - نحو: أتقول: زيدٌ منطلقٌ. بالرفع، وينشد بيت عمرو بن معدي كرب وهو:
(434)
علام تقول الرمح يُثقل عاتقي
…
إذا أنا لم أطعن إذا الخيلُ كرت
بنصب الرمح على الإلحاق، ورفعه على الحكاية. وتجوز الحكاية أيضاً عند سليم كما جازت عند هؤلاء.
(ولا يلحق في الحكاية بالقول ما في معناه) - كالدعاء والنداء ونحوهما، فإذا وقع بعد نادى ودعا ووصى وقرأ جملةً لم يُحْكَ بها.
(بل يُنوى معه القول) - فقوله تعالى: "ونادى نوح ابنه، وكان في معزل، يا بني اركب معنا" وقوله تعالى: "فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين" وقوله: "دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا" وقوله: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك"، محكي عند البصريين بقول محذوف، أي: فقال يا بني، وقال لنهلكن، وقالوا لئن أنجيتنا، وقالوا ليقض.
(خلافاً للكوفيين) - في جعلهم هذا الجمل محكية بما قبلها إجراء لها مجرى القول، والتصريح بعد النداء بالقول دليل على صحة القول بتقديره، وذلك نحو: "ونادى نوحٌ ربه فقال رب
…
" ونحو: "إذ
نادى ربه نداء خفياً. قال رب إني وهن العظم مني".
(وقد يُضاف قول وقائل إلى الكلام المحكي) - كقوله:
(435)
قول يا للرجال يُنهض منا
…
مسرعين الكهول والشبانا
وقوله:
(436)
وأجبت قائل كيف أنت بصالح
…
حتى مللت وملني عُوادي
يروى هذا البيت بجر صالح وهو ظاهر. وبرفعه على تقدير بقول أنا صالح، فحذف المضاف وهو قول، وأقام المضاف إليه وهو أنا صالح مقامه، ثم حذف أنا وبقي خبره.
(وقد يُغني القول في صلة وغيرها عن المحكي لظهوره) - ومثاله في الصلة:
(437)
لنحنُ الألي قلتم فأنى مُلئتمُ
…
برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا
أي لنحن الولى قلتم تقاتلونهم، فاستغنى بالقول، وحذف المحكي لدلالة ما بعده عليه، ومثاله في غير الصلة، أنا قال زيدٌ، ولو رآني لفر. تريد: أنا قال زيدٌ يغلبني.
(والعكسُ) - أي إغناءُ المحكي عن القول.
(كثيرٌ) - نحو: "أكفرتم بعد إيمانكم؟ " أي فيقال لهم، ونحو:"سلام عليكم بما صبرتم" أي قائلين، ونحو:"ما نعبدُهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى" أي يقولون.
(وإن تعلق بالقول مفرد لا يؤدي معنى جملة ولا يُراد به مجرد اللفظ حُكي مقدراً معه ما هو به جملة) - فإما أن يُنصب بفعل مقدر، وإما أن يُرفع مبتدأ والخبرُ محذوفٌ، أو خبر مبتدأ محذوف كقوله تعالى:"قالوا سلاماً، قال سلام"، فتقدير الأول: سلمنا سلاماً، وتقدير الثاني: عليكم سلام، أو تحيتكم سلام، ويجوز في العربية رفعُهما، ورفع الأول ونصب الثاني.
وأما المفرد المؤدي معنى جملة أو المراد به مجرد اللفظ فينصب كما تقدم نحو: قلتُ حديثاً، وقلت لزيد عمراً، أي أطلقتُ عمراً على المسمى بزيد.
(وكذا إن تعلق بغير القول) - فإذا تعلق المفردُ الذي هو في التقدير بعض جملة بغير القول ونوي تمام الجملة جيء به أيضاً محكياً فتقول إذا رأيت على خاتم محمد منقوش قرأت محمد بالرفع لأن مراد ناقشه، صاحبه محمد أو نحو ذلك، فيُحكى مقصوده، ولو أدخلت رافعاً، وكان هو منصوباً جئت به منصوباً حكاية له ولناصبه المنوي، ومنه قول الشاعر يصف ديناراً نُقش عليه اسم جعفر البرمكي منصوباً:
(438)
وأصفر من ضرب دار الملوك
…
يلوح على وجهه جعفرا
أراد الناقش: أذكر جعفراً أو نحوه، فأسند الشاعر يلوح إلى الجملة مراعياً لقصد الناقش.
(فصل): (تدخل همزةُ النقل) - وهي الداخلة على الفعل الثلاثي لتُعديه إلى واحد إن كان غير متعد نحو: جلس زيدٌ وأجلسته، وإلى اثنين إن كان متعدياً لواحد كلبس زيدٌ ثوباً وألبسته إياه، وإلى ثلاثة إن كان متعدياً إلى اثنين كعلم زيدٌ عمراً فاضلاً وأعلمته إياه فاضلاً.
(على عَلِمَ ذات المفعولين ورأى أختها فنيصبان ثلاثة مفاعيل) - وذلك كالمثال الأخير. واحترز من علم ذات المفعول الواحد، وهي التي بمعنى عرف فإنها إن نقلت بالهمزة تعدت إلى اثنين فقط، ومن رأى المتعدية لواحد، وهي التي من الرأي أو من رؤية البصر، فإنهما أيضاً لا يتعديان بالهمزة إلا إلى اثنين، كقوله تعالى:"لتحكم بين الناس بما أراك الله" وقوله: "من بعد ما أراكم ما تُحبون". ومفاعيل منصوب صفة لثلاثة.
(أولها الذي كان فاعلاً) - وهذا شأن الهمزة تُصيرُ ما كان فاعلاً مفعولاً، وأما الثاني والثالث فهما اللان كانا قبل الهمزة أولاً وثانياً.
(ويجوز حذفه) - أي حذف أول الثلاثة.
(والاقتصار عليه على الأصح) - وذلك لأن الفائدة لا تعدم بالاستغناء عنه كما تعدم بالاستغناء عن أحد مفعولي ظننت، ولا تعدم بالاقتصار عليه كما تعدم بالاقتصار على أول مفعولي ظننت، فتقول: أعلمتُ دارك طيبةً، ولا تذكر من أعلمت وتقول: أعلمتُ زيداً، ولا تذكر ما أعلمت. وهذا مذهب الأكثرين، ومنع ابن خروف حذفه والاقتصار عليه.
(وللثاني والثالث بعد النقل ما لهما قبله مطلقاً) - فيأتي فيهما جميع الأحكام التي سبقت لعلمت وأخواتها، من جواز حذفهما وحذف أحدهما اختصاراً ومنعه اقتصاراً وغير ذلك.
(خلافاً لمن منع الإلغاء والتعليق) - والحجة على من منع قول بعض العرب ممن يوثق بعربيته، البركة أعلمنا الله مع الأكابر. فألغى أعلم متوسطاً: ومثله:
(439)
وكيف أبالي بالعدا ووعيدهم
…
وأخشى ملمات الزمان الصوائب
وأنت أراني الله أمنعُ عاصم
…
وأرأف مستكفٍ وأسمحُ واهب
وقوله تعالى: "ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد" فعلق ينبيء، وهو بمعنى يُعْلِم، ومثله:
(440)
حذار فقد نُبئتُ إنك للذي
…
ستُجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى
(وألحق بهما سيبويه) - أي بأعلم وأرى في التعدية إلى ثلاثة، وأما تعدي أعلم وأرى إلى ثلاثة فمجمع عليه.
(نبأ) - كقوله:
(441)
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
…
يُهدى إلي غرائب الأشعار
(وزاد غيره أنبأ) - وممن ذكرها الفارسي والجرجاني، وذكر ابن هشام أن سيبويه ذكر أنبأ أيضاً.
(وخبر وأخبر) - ذكرهما الفراء في معانيه، ومنه قوله:
(442)
وخُبرتُ سوداء الغميم مريضة
…
فأقلبت من أهلي بمصر أعودها
وقوله:
(443)
ماذا عليك إذا أخبرتني دنفاً
…
وغاب بعلك يوماً أن تعوديني
(وحدث) - زادها الكوفيون. ومنه:
(444)
أو مُنعتم ما تسألون فمنْ
…
حُدثتموه له علينا الولاء
(وزاد الأخفش: أظن وأحسب وأخال وأزعم وأوجد) - فتقول على رأيه: أظننت زيداً عمراً قائماً. وكذلك البواقي، ومستنده القياسُ على أعلم وأرى، ولا سماع له. واختار هذا المذهب أبو بكر بن السراج، ومقتضى مذهب سيبويه منعه.
(وألحق غيرُهم أرى الحُلمية سماعاً) - كقوله تعالى: "إذ يريكهم الله في منامك قليلاً، ولو أراكهم كثيراً". وهذا بناء منه على أن أرى الحلمية تتعدى إلى مفعولين كما سبق؛ ومَنْ منع تعديها إلى اثنين جعل المنصوب الثاني أو الثالث حالاً.
(وما صيغ للمفعول من ذي ثلاثة فحكمه حكم ظن) - فيثبت لقولك: أعْلِم زيدٌ عمراً قائماً، جميع ما ثبت لظن من إلغاء وغيره، وذلك لصيرورته مثله.
(إلا في الاقتصار على المرفوع) - فإنه لا يجوز في ظن وأخواتها كما سبق، فلا يقال: ظُن زيدٌ، إذ لا فائدة فيه، ويجوز في أعلم وأخواتها مبنية للمفعول، فتقول: أعلم زيد، وذلك لحصول الفائدة.