الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 - باب المفعول معه
وسيبويه يسميه هكذا، ويسميه مفعولاً به.
(وهو الاسم التالي واواً تجعله بنفسها في المعنى كمجرور "مع"، وفي اللفظ كمنصوب مُعدى بالهمزة) - فالتالي واواً يشمل المعطوف في نحو: مزجتُ عسلاً وماءً؛ ويخرج ما لم يتلها فإنه ليس مفعولاً معه اصطلاحاً وإن كان قد يطلق عليه مفعول معه لغةً، كمجرور مع، وباء المصاحبة نحو: جلستُ مع عمروٍ، وبعتُ الفرس بلجامه.
وخرج بما بعد ذلك المعطوف بعد ما يفهم منه المصاحبة نحو: فإن المصاحبة لم تفهم إلا من الواو، ونبه بقوله:"كمنصوب" على أن الواو مُعدية ما قبلها من العوامل إلى ما بعدها، كما تُعدي الهمزةُ ما تعديه، فينتصب به بواسطة الواو، فعلاً كان كسار، أو عاملاً عمله نحو:
عرفتُ استواء الماء والخشبة، والناقةُ متروكةٌ وفصيلها، ولست زائلاً وزيداً حتى تفعل.
(وانتصابه بما عمل في السابق من فعل أو عامل عمله) - من مصدر أو اسم فاعل أو مفعول كما سبق تمثيله.
ولا يضر فصل الواو، كما لا يضر فصل إلا في الاستثناء. ولا ينصبه
العامل المعنوي كالجار والمجرور واسم الإشارة، لأنه كالمفعول به ولا ينصبه معنوي. وهذا مذهب سيبويه، وأجاز الفارسي في قوله: هذا ردائي مطوياً وسربالاً. أن يكون العامل في "وسربالاً" هذا، وهو خلاف ظاهر كلامس يبويه، بل العامل فيه قوله: مطوياً.
(لا بمضمر بعد الواو، خلافاً للزجاج) - فالتقدير عنده في: ما صنعت وأباك؟ ونحوه: ولا بَسْتَ أباك.
ورد بأن في هذا إحالة لباب المفعول معه، إذ صار بالتقدير المذكور مفعولاً به.
(ولا بها، خلافاً للجرجاني) - وكأنه لما رأى اختصاصها بالاسم ادعى أن النصب بها كإن. ورد بأنه لو كان كذلك لاتصل الضمير بها كما يتصل بإن فيجوز: قمتُ وك تريدُ: وإياك، ولا يجوز ذلك.
(ولا بالخلاف، خلافاً للكوفيين) - ورد بأن الخلاف لو كان ناصباً لقيل: ما قام زيدٌ لكن عمراً بالنصب، ولا يقال بل يرفع.
(وقد تقع هذه الواو قبل ما لا يصح عطفه، خلافاً لابن جني) - وما قاله ابن جني محكي عن الأخفش، وبه قال السيرافي والفارسي وغيرهما. وما قاله المصنف هو قول ابن خروف، ويستدل له بقولهم: استوى الماءُ والخشبة، وما زلتُ أسيرُ والنيل. وفيه بحث.
(ولا يقدم المفعولُ معه على عامل المصاحب باتفاق) - فلا تقول: والخشبة استوى الماءُ، وإن جاز: مع الخشبة استوى الماءُ، لأن الواو كالهمزة المعدية.
(ولا عليه، خلافاً لابن جني) - فلا يجوز: استوى والخشبة الماءُ، لما سبق من أنها كالهمزة المعدية، فتلزم موضعاً واحداً مثلها. وقوله:
(555)
جمعت وفُحشاً غيبةً ونميمةً
…
خصالاً ثلاثاً لست عنها بمرعوي
من باب العطف، وبه وجهه أكثر النحويين.
(ويجب العطف في نحو: أنت ورأيك وأنت أعلمُ ومالُك) - وذلك إذا كانت الواو بمعنى "مع" بعد ذي خبر لم يذكر كالأول، ونحو: كل رجل وضيعته، أو ذكر وهو أفعل تفضيل كالثاني، ونحو: أنت أعلم وعبدُ الله: فيمتنع النصبُ خلافاً للصيمري، إذ ليس ثَمَّ فعلٌ ولا ما يعملُ عمله مطلقاً. ومالُك في قولهم: أنت أعلم ومالُك قيل: معطوفٌ على أنت، ونُسب العلمُ للمال مجازاً، والمعنى: أنت أعلم بمالك، والواو للمصاحبة. وقيل معطوف على أعلم، والأصل: بمالك فوضعت الواو موضع الباء، فعطفت على ما قبلها، ورفع ما بعدها على اللفظن وهي بمعنى الباء متعلقة بأعلم.
(والنصب عند الأكثر في نحو: مالك وزيداً، وما شأنك وعمراً 9 - وذلك كل جملة آخرها واو مع، وأولها ما الإنكارية،
قبل ضمير مجرور باللام كالأول، أو الشأن كالثاني، ونحوهما نحو: ما بالك وزيداً. وأجاز الكسائي الخفض في ذلك كله؛ قال: والوجه النصب.
(والنصبُ في هذين ونحوهما بكان مضمرة قبل الجار) - والتقدير: ما كان لك وزيداً وما كان شأنك وعمراً وما كان بالك وبكراً.
(أو بمصدر البس منوياً بعد الواو) - والتقدير: وملابسه أو وملابستُك زيداً، وكذا الباقي. والتقديران، أعني تقدير كان والمصدر بحاليه لسيبويه. وشاع حذفُ المصدر وإبقاء معموله لقوة الدلالة عليه، كما في قوله تعالى:"وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام"، أي وصد عن المسجد الحرام.
(لا بلابس، خلافاً للسيرافي وابن خروف) - وشيخ ابن خروف أبي بكر بن طاهر. والتقدير عندهم: ولابستُ زيداً، وكذا الباقي. وهو ضعيف، لعطفه الفعل على الاسم.
(فإن كان المجرور ظاهراً رجح العطف) - نحو: م لزيد وعمرو؟ وما شأنُ زيد وعمرو؟ فالأحسن جر عمرو، ويجوز نصبُه على المعية، نص على ذلك سيبويه، ولا التفات لمن منع النصب من المتأخرين.
(وربما نُصب بفعل مقدر بعد ما أو كيف أو زمن مضاف أو قبل خبر ظاهر في نحو: ما أنت والسير؟ وكيف أنت وقصعةً؟ وأزمان قومي
والجماعة، وأنا وإياه في لحاف) - والإشارة بالأول إلى بيت أنشده سيبويه وهو:
(556)
وما أنت والسير في متلفٍ
…
يبرحُ بالذكر الضابط
ومثله: ما أنت وزيداً؟ وبالثاني إلى قولهم: كيف أنت وقصعةً من ثريد؟ ذكره سيبويه؛ ومثله: كيف أنت وزيداًظ وبالثالث إلى بيت أنشده سيبويه وهو:
(557)
أزمان قومي والجماعة كالذي
…
منع الرحالة أن تميل مميلا
ونص سيبويه على أن النصب في هذه الثلاثة بإضمار فعل الكون فقدر: ما كنت وزيداً؟ وكيف تكون وقصعةُ من ثريد؟ وأزمان كان قومي: وفي قول المصنف: "وربما" إشارة إلى قلة النصب هنا، وهو كذلك: قال سيبويه: وهو قليل في كلام العرب.
والإشارة بالرابع إلى ما ورد في الحديث من قول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي، وأنا وإياه في لحاف". قال المصنف: كأنها قالت: كنتُ وإياه أو وأنا كائنة وإياه في لحاف.
واحترز بظاهر من المقدر، فإنه يمتنع معه النصبُ، كما سبق ذكره في: أنت ورأيُك، خلافاً للصيْمَري.
والمتلف المفازة؛ ويقال: برح به الأمرُ تبريحاً أي جهده، والضابط الحازم، والرحالة سرج من جلود ليس فيه خشب، كانوا يتخذونه للركض الشديد، والجمع الرحائل. ويقال: مال الشيء يميل مميلاً وممالاً وميْلاً وميلاناً.
(ويترجح العطف إن كان بلا تكلف) - نحو: قام زيدٌ وعمروٌ. ومثال المتكلف قوله:
(558)
فكونوا أنتم وبني أبيكم
…
مكان الكليتين من الطحال
فيحسن العطف من جهة اللفظ، وفيه تكلف من جهة المعنى، لأن المراد: كونوا لبني أبيكم: فالمخاطبون هم المأمورون، فإذا عطف كان التقدير: كونوا لهم وليكونوا لكم؛ وذلك خلاف المقصود: والكلية معروفة والكُلوة لغة: قال ابن السكيت: ولا يقال: كلوة.
(ولا مانع) - كما في نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، واستوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل، فالعطف هنا ممتنع.
(ولا موهن) - كما في نحو: ما صنعت وإياك؟ فنصبه مختار، وعطفه جائز على ضعف.
(فإن خيف به) - أي بالعطف.
(فوات ما يضر فواته رجح النصبُ على المعية) - نحو: لا تغتذ بالسمك واللبن، ولا يعجبك الأكل والشبع، فالنصب يبين المراد من المعية، والعطف لا يبينه، فرجح النصب.
(فإن لم يلق الفعل بتالي الواو جاز النصب على المعية، وعلى إضمار الفعل اللائق إن حسُن "مع" موضع الواو) - نحو: "والذين تبوأوا الدار والإيمان". فلك جعل الإيمان مفعولاً معه، ولك نصبه باعتقد مقدراً.
(وإلا تعين الإضمار) -أي وإلا يحسن "مع" موضع الواو كقوله:
(559)
إذا ما الغانيات برزن يوماً
…
وزججن الحواجب والعيونا
فزججن لا يصلح للعمل في العيون، وموضع الواو لا يصلح لمع فيتعين إضمار اللائق أي: وكحلْنَ.
وما ذهب إليه من إضمار اللائق في البيت ونحوه، ذهب إليه الفراء والفارسي وجماعةً من الكوفيين والبصريين.
وذهب جماعة منهم المازني والمبرد إلى أن الثاني معطوف على الأول بتضمين العامل معنى يتسلط به على الاثنين أي: وحسُنَّ.
(والنصبُ في نحو: حسبُك وزيداً درهم بيحسبُ منوياً) - هكذا قال
سيبويه، وكذا كَفْيُكَ وزيداً درهمٌ، أي ويكفي زيداً، فليس زيداً مفعولاً معه، كما زعم الزمخشري.
ويحسب مضارع أحسبني فلانٌ أي أعطاني حتى أقول حسبي، وحسبُك وكَفْيُك سواء وزناً ومعنى أي كفاك أو يكفيك.
(وبعد: ويله وويلاً له بناصب المصدر) - فالتقدير في قولهم: ويْله وأباه. وويلاً له وأخاه. ألزمه الله ويله أو ويلاً له. كذا قدر سيبويه، فأباه وأخاه معطوفان على مفعول ألزم الأول، وليسا من المفعول معه.
(وبعد: ويلٌ له بألزم مضمراً) - فإذا قلت: ويلٌ له وأباه. فالأب منصوب بفعل يدل عليه ويلٌ له، لأنه في معنى المنصوب الذي هو ويلاً له، والتقدير: وألزم الله الويل أباه.
(وفي: رأسه والحائط، وامرأ ونفسه، وشأنك والحج على المعية أو العطف بعد إضمار دع في الأول والثاني، وعليك في الثالث) -فيجوز في الحائط ونفسه والحج النصب على المعية، والنصب على العطف وهذا مقيس في المتعاطفين نحو: زيداً وعمراً أي ألزم أو دع أو نحو ذلك، وتقدير المصنف في الثالث "عليك" هو تقدير سيبويه فيه، والذي قدره به النحويون: الزم شأنك والحج، ومنعوا إضمار عليك، وحملوا كلام سيبويه على أنه تفسير معنوي.
(ونحو: هذا لك وأباك، ممنوع في الاختيار) - قال سيبويه إنه قبيح. لأنك لم تذكر فعلاً ولا حرفاً فيه معنى فعل. وقد سبق أن الفارسي أجاز في: هذا ردائي مطوياً وسربالاً، نصب سربال على المعية، وأجاز بعضهم أن يعمل في المفعول معه الظرف وحرف الجر.
(وفي كون هذا الباب مقيساً خلاف) - فبعض النحويين يقتصر في مسائل الباب على السماع. قال المصنف: والصحيح استعمال القياس فيها على الشروط المذكورة.
(ولما بعد المفعول معه من خبر ما قبله أو حاله ماله متقدماً) - فتقول: كان زيدٌ وعمراً متفقاً، وجاء البردُ والطيالسة شديداً، كما تقول: كان زيدٌ متفقاً وعمراً، وجاء البردُ شديداً والطيالسة.
(وقد يُعطى حكم ما بعد المعطوف، خلافاً لابن كيسان) - فيطابق الخبرُ أو الحالُ الاسم والمفعول معه كما يطابق الاسم والمعطوف عليه، فتقول: كان زيدٌ وعمراً مذكورين، وجاء زيدٌ وعمراً ضاحكين، كما تقول: كان زيدٌ وعمروٌ مذكورين، وجاء زيدٌ وعمروٌ ضاحكين. وهذا مذهب الأخفش، والإفرادُ أولى من المطابقة.