الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - باب المفعول المسمى ظرفاً ومفعولاً فيه
(وهو ما ضُمنَ منَ اسم وقتٍ أو مكانٍ معنى "في" باطرادٍ) - فما ضُمن جنس يشمل الحال والظرف والسهل والجبل من قولهم: مُطرنا السهل والجبل، وما نُصب بدخل من مكان مختص نحو: دخلتُ البيت، ومن اسم وقت أو مكان أخرج الحال؛ وباطراد أخرج السهل والجبل فإنه لا يقاس عليه لا في الفعل ولا في الأماكن. فلا يقال: أخصبنا السهل والجبل، ولا مُطرنا القيعان والتلول، بخلاف ما نُصب ظرفاً، ولذا تقول: جلستُ خلفك، ويجوز: قعدتُ خلفك، وجلستُ أمامك. وأخرج أيضاً البيت ونحوه من المنصوب بدخلتُ، فإن المطرد لا يختص بعامل دون عامل، ولا باستعمال دون استعمال. فلو كان البيت في هذا ظرفاً لقيل: مكثتُ البيت، كدخلتُ البيت، وقيل: زيدٌ البيت، فينصب بمقدر كما ينصب خلفك ونحوه.
والسهل نقيضُ الجبل، والقيعان والأقواع والأقوع جمع القاع، وهو المستوي من الأرض، والتلول والتلال جمع تل.
(لواقع فيه مذكور أو مقدرٍ ناصبٍ له) - فإذا قلت: قمتُ يوم الجمعة أمامك. فناصب يوم وأمامك هذا الملفوظ به وهو قمت، والقيام وهو أحد مدلوليْ قام واقع فيهما.
وإذا قلت: زيدٌ أمامك، أو القتال يوم الجمعة، فالناصب لهما كائن أو مستقر وهو مقدر، والكون أو الاستقرار المفهوم هو الواقع في الظرف.
(ومُبهمُ الزمان) - وهو ما وقع على قدرٍ من الزمان غير معين كوقت وحين.
(ومختصه) - وهو المعدودُ وغيره. فالأول ما له مقدار من الزمن معلوم كيومين وسنة وشهر وأسماء الشهور كالمحرم، والصيف والشتاء، والثاني أسماء الأيام كالسبت، وما يختص بإضافة كيوم الجمل، أو صفة نحو: جئتك يوماً جاءك فيه عمرو، أو الـ كاليوم، وما أضيف إليه شهر من أعلام الشهور وهو رمضان وربيع الأول وربيع الآخر.
(لذلك) - أي للظرفية.
(صالح) -فيتعدى إليه الفعلُ وينصبه نصب الظرف كما نصب مبهم المصدر ومختصه، وذلك لقوة دلالته عليهما، لأنهم من لفظه، بخلاف المكان فتقول: سرتُ وقتاً، ويومين ويوماً، جاءك فيه عمرو، ولكن لا يعمل في المعدود إلا ما يتكرر وما يتطاول، فلا يقال: مات زيدٌ يومين، وأنت تريدُ الموت الحقيقي.
(فإن جاز أن يُخبر عنه) - كأن يكون فاعلاً نحو: جاء يومُ الخميس، أو مبتدأ نحو: يوم الجمعة مبارك.
(أو يُجر بغير مِنْ) - نحو: "ليجمعنكم إلى يوم القايمة".
واحترز مما يُجرُّ بمنْ وحدها كعند وقبل وبعد فإنه لا يحكم بتصرفها، لأن "مِنْ" كثرت زيادتُها فلم يُعتد بدخولها في التصرف.
(فمتصرفٌ) - وسيذكر تقسيمه.
(وإلا) - أي وإن لم يجُز أن يُخبر عنه وألا يُجر بغير مِنْ.
(فغيرُ متصرف) - وسيذكر أيضاً تقسيمه.
(وكلاهما) - أي المتصرف وغيرُ المتصرف.
(منصرف وغيرُ منصرف) - فيكون أربعة أقسام: متصرفٌ مصروفٌ، غيرُ متصرف وغيرُ مصروف، متصرفٌ غير مصروف، مصروفٌ غيرُ متصرف. وها هو يذكرها.
(فالمتصرف المنصرف كحين ووقت) - وكذا ساعة وشهر وعام ودهر وحينئذ ويومئذ. يقال: سير عليه حينئذ ويومئذ، حكاهما سيبويه.
(والذي ل يتصرف ولا ينصرف ما عُين من سحر مجرداً) - فتعيينُه أن يكون من يوم بعينه، وتجريدُه أن يخلو من ال والإضافة، وذلك نحو: جئتُ يوم الجمعة سحر، أو يوماً سحر، أو سحر، تريده من يوم بعينه.
وإنما لم يتصرف لمخالفته نظائره من الظروف في تعريفه بغير أداة أو إضافة، ولم ينصرف أيضاً لعدله عن تعريفه بال وتعريفه بغير أداة تعريف، فأشبه تعريفه تعريف العلمية؛ وقيل لعدله وتعريف العلمية، بجعله علماً لهذا الوقت. وقيل إنما حذف تنوينه لأنه على نية الإضافة. إذ تريد سحر ذلك اليوم؛ وقيل لنية ال إذ تريد السحر الذي من ذلك اليوم. والأول قول الجمهور. وقال صدر الأفاضل: هو مبني لتضمنه معنى ال كأمس، وبالبناء قال ابن الطراوة أيضاً. والسحر قبيل الصبح، والسُّحرة بالضم السحر الأعلى.
(والذي يتصرف ولا ينصرف كغدوة وبكرة علمين) - وعلميتهما جنسية لهذين الوقتين المخصوصين. فغدوة لما بين صلاة الغداة وطلوع
الشمس، والجمع غدىً، وبكرة للباكر، فهي كعلمية أسامة، فلا ينونان حينئذ قُصدا من يوم بعينه أو لا، فتقول: غدوةُ أو بكرةُ وقتُ نشاطٍ، كما تقول: أسامةُ شر السباع.
وتقول: لأسيرن الليلة إلى غُدوة أو بكرة، كما تقول: هذا أسامةُ. قال أبو عمرو: تقول: لقيتُه العام الأول بكرة، ويوماً من الأيام بكرة، فلا ينون سواء أقصدت بكرة يوم بعينه أم لم تقصد.
واحترز بعلمينْ من أنْ لا تقصد العلمية، فإنهما ينونان، ومنه:"ولهم رزقُهم بكرةً وعشياً".
وزعم أبو الخطاب أنه سمع من يوثق به من العرب يقول: أتيتك بكرةً، منوناً، وهو يريد الإتيان من يومه أو في غده: وحكى في البسيط عنه سماع تنوين غدوة أيضاً.
وكون علميتهما جنسية هو المشهور. وقال الزجاج إذا أردت بهما بكرة يومك وغدوة يومك لم تصرفهما، وإن كانا نكرتين صرفتهما. ومثله قول ابن طاهر: هما علمان من مُعين، نكرتان من غير معين، وعلى هذا تكون علميتهما شخصية.
وكان الأحسن أن يسقط المصنف الكاف، إذ لا يُعامل نظيرُهما معاملتهما كعتمة وضحوة.
(والذي ينصرفُ ولا يتصرفُ بُعيداتُ بين) - فيلزم النصب على الظرفية نحو: لقيته بعيدات بين، أي مراراً قريباً بعضُها من بعض متفرقة. وبعيدات جمع بُعد مصغرة، وبين بمعنى فراق، فدل التصغير على القرب، إذ تصغير الظرف يراد به التقريب والجمع على المرار. وقال الجوهري: بعيدات بين أي بعيدات فراق، وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان، ثم يأتيه، ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضاً، ثم يأتيه، قال: لقيته بُعيدات بين.
(وما عُين من ضُحى وضَحْوة وبكر وسُحير وصباح ومساء ونهار وليل وعتمة وعشاء وعشية) - فتقول: لقيته يوم الخميس عشية بالتنوين وكذا الباقي، لأنها نكرات وإن أريد التعيين، ولذا يوصف حينئذ بالنكرة نحو: لقيتُه يوم الخميس عشيةً متأخرة. لكن يلزم حينئذ الظرفية فلا تقول: سير عليه يوم الخميس ضحوة بالرفع. نص عليه سيبويه، وقد أجازه الكوفيون.
واحترز بما عُين مما إذا لم يُردْ بضحى وما بعده معيناً، فإنها تتصرفُ حينئذ نحو: سير عليه ضحوةً من الضحوات.
وفُهم من تعدادها أن غيرها من أسماء الظروف كيوم يتصرف فيه وإن أريد به معين، وهذا أمر سماعي.
وضحوةُ النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضحى، وهو حين تشرق الشمس مقصورة تؤنث وتذكر، فمن أنث جعلها جمع ضحوة، ومن ذكر جعلها اسماً على فُعل كصرد، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى.
وبكر على وزن سحر بمعنى بكرة، يقال: سر على فرسك بكرة
وبكراً.
والعتمة وقت صلاة العشاء. قال الخيل: العتمة الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق، والعشاء بالكسر والمد، والعشية والعشي من صلاة المغرب إلى العتمة، وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجرن وأنشدوا:
(516)
غزونا غزوة سحراً بليل
…
عشاء بعدما انتصف النهار
(وربما مُنعت الصرف والتصرف) - يعني عشية، فتقول: لقيته يوم الجمعة عشية، وأتيتك عشية بلا تنوين، للعلمية الجنسية والتأنيث، ولا تقول: سير عليه يوم الجمعة عشية بالرفع، لأنها لا تتصرف، وعلى هذا يكون مثل سحر إذا أردته من يوم بعينه، لا ينصرف ولا يتصرف.
وحكى ابن العلج أنه سمع في ضحوة أيضاً العلمية، قال: والأكثر التنكير، يعني في ضحوة وعشية.
وذكر الجوهري أن ضُحى إذا أريد من يوم بعينه لم ينون.
(وألحق بالممنوع التصرف ما لم يُضفْ من مركب الأحيان كصباح مساء، ويوم يوم) فتقول: زيدٌ يأتينا صباح مساء، ويوم يوم، بالتركيب كخمسة عشر، لتضمنه معنى حرف العطف، أي: صباحاً ومساءً، فلا يكون حين التركيب كذلك إلا ظرفاً، فلا تقول: سير صباحٌ مساءٌ، فإن أضيف صدره إلى عجزه استُعمل ظرفاً وغير ظرف، فيجوز: سرنا صباح مساء، وسير عليه صباح مساء برفع صباح، ومن تصرفه حينئذ ما أنشد سيبويه:
(517)
ولولا يوم يومٍ ما أردنا
…
جزاءك والقروض لها جزاءٌ
وإن عطفت أحدهما على الآخر زال التركيب وجاز أن يكون غير ظرفٍ فتقول: فلانٌ يزورنا صباحاً ومساءً، وسير عليه صباحٌ ومساءٌ بالرفع. والمعنى مع التركيب والإضافة والعطف واحد أي: كل صباح ومساء. صرح بذلك السيرافي.
وقيل معنى المعطوف واحد من هذا وواحد من هذا.
وقيل المراد مع الإضافة نحو: زيدٌ يأتينا صباح مساء أنه يأتي في الصباح وحده.
(وألحق غير خثعم ذا وذات مضافين إلى زمان) - فيكونان كما سبق من منع التصرف فتقول عند جميع العرب غيرهم: سير عليه ذا صباح أي صباحاً وذات يوم أي يوماً بالنصب. وحكى سيبويه عن خثعم التصرف للاسم، فيجوز الرفع وتقول: سير عليه ذات اليمين. فيجوز الرفع في ذات. نص عليه سبيويه، وذا بمعنى صاحب، وذات تأنيثها. والتقدير: وقتاً ذا صباح أي صاحب هذا الاسم، وقطعة ذات يوم، ثم حذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، فلذا لم يتصرف، قاله ابن أبي العافية. قال ابن
هشام الخضراوي: وهو موافق لكلام سيبويه لأنه لا يجيز في صفات الأحيان إذا قامت مقام الظروف إلا أن تكون ظروفاً.
(واستقبح الجميعُ التصرفَ في صفة حين عرض قيامُها مقامه ولم تُوصفْ) - فيقبح عند العرب الرفع في نحو: سير عليه طويلاً أو قديماً أي زماناً طويلاً أو قديماً. فإن لم يعرض قيامُها مقام الموصوف، بل كانت الصفة قد استعملتْ استعمال الأسماء حسُنَ التصرف فيرفع نحو: سير عليه قريبٌ ومليٌّ، وكذا إن وصفت الصفة نحو: سير عليه طويلٌ من الدهر، لشبهها حينئذ بالأسماء، نص على ذلك سيبويه.
وأجاز الكوفيون: سير عليه طويلٌ، وقديمٌ بالرفع، والملي القطعةُ من الدهر. يقال: أقام ملياً من الدهر. قال تعالى: "واهجرني ملياً" أي طويلاً. ومعنى مليّ من النهار أي ساعة طويلة.
(ومظروفُ ما يصلح جواباً لكمْ واقعٌ في جميعه تعميماً أو تقسيطاً) - فإذا قلت: سرتُ يومين أو ثلاثة أيام، لم يجز أن يكون السيرُ واقعاً في بعض المذكور، بل لابد من وقوعه في كل من اليومين أو الثلاثة، إما تعميماً، فيعم السير الجميع، وإما تقسيطاً فيقع في بعض كل من اليومين أو الثلاثة.
وقد يتعينُ التعميمُ كما في: صمتُ يومين، أو التقسيط كما في: أذنْتُ يومين.
والمرادُ بالمظروف الواقع في الظرف، وبما يصلح جواباً لكمْ الظرفُ المؤقتُ ولو معرفةً كاليومين المعهودين ومنع ابن السراج وقوع هذا جواب
كم. وكلام سيبويه على خلافه.
(وكذا مظروفُ ما يصلح جواباً لمتى إن كان اسم شهر غير مضاف إليه شهر) - فإذا قيل: ساروا المحرم، لزم كونُ السير واقعاً في جميع الشهر تعميماً أو تقسيطاً، وكذا بقيةُ أسماء الشهور، لأن كلا منها اسم للثلاثين يوماً مثلا، فإن أضيف إليها شهر نحو: شهر رمضان، جاز كونُ العمل في جميع المذكور، وكونه في بعضه، هذا مذهب سيبويه والجمهور.
وزعم الزجاج أن رمضان، كشهر رمضان، فيجوز عنده كون العمل فيهما في بعض المذكور وفي جميعه. وسيبويه ناقل عن العرب وهو الثقة، ويحتاج مخالفةُ إلى أن يأتي من كلامهم بمثل: قَدِمَ زيدٌ رمضان، مع أن القياس مع سيبويه، إذ الشهر خرج بالإضافة إلى العلم عن كونه للعدد المخصوص، إذ لا يضاف الشيء إلى نفسه، وصار حينئذ كزمن ووقتٍ، فشهر رمضان بمنزلة زمن رمضان، وهذا لا يقتضي تعميماً. وكذا إذا أفرد فقيل: ساروا شهراً أو الشهر المعروف، لم يكن العمل إلا في جميعه، لدلالته حينئذ على العدد المخصوص.
وما يصلح جواب متى هو الظرف المختص بصفة أو تعريف، معدوداً كان أو غيره، لكن إن كان معدوداً فالعمل في جميعه. وإلا فهو محتمل، وما كان غير مؤقت ولا مختص لا يصلح جواب كم ولا جواب متى، لأن المراد بكم السؤال عن العدد، ومتى الإعلام بالوقت، وذلك كوقت وحين، فالعمل قد يكو في جميعه أو يراد به من الزمان القدرُ الذي وقع فيه الفعل.
ومقتضى كلام المصنف جوازُ إضافة شهر إلى جميع أسماء الشهور، وهو قول أكثر النحويين، وقيل: يختص ذلك بما في أوله راء. وقد استعمل
سيبويه خلاف ذلك، فقال: ولو قلت: شهرُ رمضان أو شهر ذي القعدة صار بمنزلة يوم الجمعة.
(وكذا مظروفُ الأبد والدهر والليل والنهار مقرونة بالألف واللام) -فيكون واقعاً في جميعها كما في قولك: سرت رمضان.
نص على ذلك سيبويه قال: ولا تقول: لقيته الدهر والأبد، وأنت تريدُ يوماً فيه. انتهى. ولو قلت: سرتُ ليلاً ونهاراً لم يقتض التعميم، وهو ظاهر.
(وقد يُقصد التكثير مبالغةً فيعاملُ المنقطع معاملةَ المتصل) - فتقول: سير عليه الأبد. وإن كان لم يقع السير في جميعه، لكن تقصد المبالغة تجوزاً، كما تقول: أتاني أهل الدنيا، وإنما أتاك ناس منهم.
(وما سوى ما ذرك من جواب متى فصالح فيه التعميم والتبعيض إن صلح للظروفُ لهما) - وذلك كاليوم والليلة ويوم الجمعة وأسماء أيام الأسبوع. فإذا قلت: سار زيدٌ اليوم أو يوم الجمعة أو الجمعة، احتمل كون السير في جميع المذكور وكونه في بعضه.
وصام زيد اليوم للتعميم، ومات للتبعيض، وجعل ابن خروف أعلام الأيام كأعلام الشهور. فسرتُ الجمعة عنده للتعميم كسرتُ المحرم، وسرتُ يوم الجمعة محتملٌ له وللتبعيض كشهر المحرم، ومنع لهذا: لقيتُك الخميس، وأجاز: لقيتك يوم الخميس. والصواب خلافه، لأن ذلك إنما قيل به في أسماء الشهور، لأن المحرم مثلاً بمنزلة الثلاثين يوماً، ولو قال: سرتُ ثلاثين يوماً لم يحتمل تبعيضاً، إذ العدد نص في مدلوله، فمن سار يوماً لا يقول
سرتُ يومين، وكل من الجمعة والسبت وسائر أيام الأسبوع ليس كذلك، فلا فرق بين ما أضيف إليه يوم منها وما لم يضف إليه.
(فصل): (وفي الظروف ظروفٌ مبنية لا لتركيب) - بخلاف ما سبق كصباح مساء.
(فمنها، إذْ) - ومن أدلة اسميتها الإضافةُ إليها بلا تأويل نحو: "بعد إذ هديتنا"، وتنوينُها في غير روي نحو:
(518)
نهيتُك عن طلابك أم عمرو
…
بعافيةٍ، وأنت إذ صحيح
وبنيت لافتقارها إلى جملة أو عوضها، وعند المصنف لوضعها على حرفين أيضاً.
(للوقت الماضي) - نحو: جاء زيد إ جئت، وهذا هو الأصل فيها وسيأتي أنها قد تكون لخلافه.
(لازمة الظرفية) - فلا تخرج عنها، فلا تكون فاعلة ولا مبتدأ، فلا تقول: حضر إذ جاء زيدٌ. أي وقت مجيئه، ولا: إذ جاء زيد مبارك، أي وقت مجيئه مبارك.
(إلا أن يضاف إليها زمانٌ) - إما مخصص لها، أي مقيد، لأنها لمطلق الماضي كيوم وليلة وساعة، فتقول: يومئذ، وليلة إذن وساعة إذ، أو
مرادف لها في الدلالة على زمن مطلق كحين فتقول: حينئذ، وكأنها لم تخرج بذلك عن الظرفية.
(أو تقع مفعولاً بها) - نحو: "واذكروا إذ أنتم قليلٌ"، وذهب إلى وقوعها كذلك جماعةً منهم الأخفش والزجاج.
(وتلزمُها الإضافة إلىجملة) - وشرطها أن تكون خبرية، فلا يجوز، جئت إذ لا يقم زيد.
وهي إما فعلية نحو: جئتُك إذ قام زيد، أو إذ يقوم، وتصرف المضارع إلى المضي كما سبق. وإما اسمية نحو: إذ زيدٌ قائمٌ، ومنه قولهم: قمتُ إذ ذاك. أي إذ ذاك كذلك أو نحوه. ولا تضاف إلى جملة شرطية، فلا يجوز: أتذكر إذْ إنْ تأتنا نأتك، وإذ مَنْ يأتنا نكرمه، إلا إن اضطر شاعر.
(وإن عُلمتْ حُذفتْ وعُوض منها تنوين) - ومنه: "وأنتم حينئذٍ تنظرون" أي حين إذ بلغت الحلقوم. ودليل عوضيته أنهما لا يجتمعان.
(وكُسرت الذالُ لالتقاء الساكنين) - وهما التنوين وذال إذ، كما فعل ذلك في صه منوناً، وهذا هو الأكثر في إذ، ويجوز فتح الذال، قالت العرب، يومئذاً بفتح الذال منوناً، وذلك للتخفيف.
(لا للجر، خلافاً للأخفش) - كأنه جعل بناءها ناشئاً عن إضافتها إلى الجملة، فلما زالت الجملة صارت إذ معربة فجُرتْ بالإضافة. ورد عليه بقولهم: حينئذاً بالفتح، وقولهم: كان ذلك إذ بالكسر من غير إضافة شيء
إلى إذ، وهو من الكلام الدائر في لسانهم.
(ويقبحُ أن يليها اسمٌ بعده فعلٌ ماضٍ) - نحو: جئتُ إذ زيدٌ قام، لما فيه من الفصل بين المتناسبين، ولذا حسُن: إذ زيدٌ يقوم، وإذ قام زيدٌ، وإذ يقوم زيدٌ، وإذ زيدٌ قائمٌ، لسلامته من الفصل المذكور.
(وتجيء حرفاً للتعليل) - حخكى الشلوبين عن بعض المتأخرين أن إذْ تستعمل لمجرد السبب معراة من الظرفية، وأنه نسبه إلى سيبويه، كقوله في: أما أنت منطلقاً، إنَّ أنَّ بمعنى إذ، وإذ بمعنى أنَّ، واستشهد القائل بقوله تعالى:"ولن ينفعكم اليوم إذْ ظلمتم أنكم في العذاب". ورد عليه الشلوبين بأن ظواهر الكتاب في غير موضع تدل على أنها لا تخرج عن الظرفية، ومراد سيبويه أنها في معناها في السببية لا غير، وأول الآية على حذف عامل إذْ، والتقدير: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب وجب لكم ذلك إذْ ظلمتم. قال: فإذْ ظرف ماض فيه معنى التسبب، واستدل أيضاً المصنف بقوله تعالى:"وإذ اعتزلتموهم"، "وإذ لم يهتدوا"، وكقول الشاعر:
(519)
إذْ هم قريش وإذ ما مثلهم بشرُ
وقال إن سيبويه أشار إليه وذكر ما سبق.
(وللمفاجأة) - نحو: بينا أنا كذلك إذ جاء زيد. وهو مثال سيبويه، وقال بعده: فهذا لما يوافقه ويهجم عليه، انتهى. ولا تكون للمفاجأة إلا بعد بينا وبينما.
وفي بعض النسخ بعد قوله: وللمفاجأة:
(وليست حينئذ ظرف مكان ولا زائدةً، خلافاً لبعضهم) - ويحتمل على تقدير كونه في نسخة "وتجيء للتعليل" أن يكون مراده أنها حينئذ حرف للمفاجأة، كما ذهب إليه بعضهم، وهو اختياره، وأن يكون مراده أنها مع كونها للمفاجأة باقية على ظرفيتها الزمانية، وهو اختيار شيخنا، فيكون قد اختلف اختياره. وكونها للمكان حكاه السيرافي عن بعضهم، وكونها زائدة حكاه أيضاً السيرافي عن بعضهم، وهو محكي عن أبي عبيدة.
وقال المصنف في الشرح: المختار عندي الحكم بحرفيتها، وإلى ذلك ذهب الأستاذ أبو علي في أحد قوليه.
(وتركها) - أي إذ.
(بعد بينا وبينما أقيس من ذكرها) - نحو: بينا أو بينما زيدٌ قائمٌ قام عمروٌ. وذلك لاستفادة المعنى بدونها، والاحتياج إلى تكلف العامل كما سأذكره.
(وكلاهما عربي) - فتركها كقوله:
(520)
فبينا نحن نقربُه أتانا
…
مُعلق وفضةٍ وزناد راع
وذكرُها كقوله:
(521)
بينما نحن بالأراك معاً
…
إذْ أتى راكبٌ علىجمله
ولا التفات إلى من أنكر ذكرها، فالسماع يرد عليه، وقد حكاه سيبويه: لكن الفصيح الكثير أن لا يؤتي بها. وإذا لم تُذكر فناصب بينا وبينما الفعل الذي تدخل عليه إذْ لو وُجدتْ، وإذا ذكرت فكذلك، إن قلنا إن إذْ زائدة، وإلا فهو فعلٌ محذوف يفسره ما بعد إذ؛ فالعامل في بينا أو بينما زيدٌ قائمٌ إذ قام عمرو، قام محذوفةً، نص على ذلك ابنُ جني وغيره.
ويشكل على تقدير كون إذْ اسماً العاملُ في إذْ؛ وقال الشلوبين عاملُ بينا ما يفهم من معنى الكلام، وإذْ بدلٌ مِنْ بينا، أي حين أنا كذلك حين جاء زيدٌ وافقت مجيء زيد. انتهى.
والوفْضَةُ كالجُعْبة، واحدةُ جعابِ النشابِ من أدم ليس فيها خشب، والجمع الوفاض.
(ويلزم بينا وبينما الظرفية الزمانية) - وأصلُ بين المكان بمعنى وسط، فلما لحقتها ما والألف صارت للزمان بمعنى إذْ كما صرح به بعضهم، وليست بينا محذوفة من بينما، ولا ألفها للتأنيث، خلافاً لمن زعم ذينك، بل ألفها للإشباع.
(والإضافة إلى جملة) - إما اسمية نحو: فبينا نحن نرقبُه
…
بينما نحن بالأراك معاً. وهو الكثر، وإما فعلية نحو:
(522)
فبينا نسوسُ الناس والأمرُ أمرنا
…
إذا نحنُ فيهم سُوقةٌ نتنصفُ
وليس هذا على إضمار مبتدأ أي: فبينا نحن نسوس - خلافاً لبعضهم، لكثرة وجوده، فموضع الجملة بعدهما خفضٌ بالإضافة إليهما، وقيل: هما مضافان إلى مقدر مضاف إلى الجملة، أي بينا أوقات زيد قائم، وقيل: ليستا مضافتين لأن ما والألف كافتان، وقيل ما كافة لا الألف.
يقال ساس الرعية سياسة ملك أمرها. والسوقة خلاف الملك، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وتنصف زيدٌ خذم.
(وقد تضافُ بينا إلى مصدر) - ومنه:
(523)
بينا تعانقه الكماة وروغه
…
يوماً أتيح له كمي سلفعُ
روى بخفض تعانق، وبرفعه أيضاً على الابتداء والخبر محذوف.
وأفهم كلامه أن ذلك لا يكون في بينما، وهو الصحيح، إذ لم يُسمع،
وأن بينا لا تضاف إلى جُثة، وهو كذلك، فلا يجوز في الجثة بعدها إل الرفعُ. وسببه أن بينا لا تضاف إلا إلى جملة أو مفرد مصدر، استدعاؤها جواباً، فاستدعتْ ما يُعطي معنى الفعل، وهو الجملة والمصدر.
ويقال: تعانقته وتعنقته بمعنى واحد، متعديين إلى مفعول واحد، حكاه ابن سيده، والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه، لأنه كمي نفسه أي سترها بالدرع والبيضةن والجمع الكماة، كأنه جمع كام كقاض وقضاة.
ويقال: رعتُ فلاناً أي أفزعته، وأتيح له الشيء قُدر. والسلْفَعُ الرجل الجسور.
(ومنها إذا للوقت المستقبل) - نحو: "إذا جاء نصر الله والفتحُ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح
…
". ودليل اسميتها مع ما سبق في أول الكتاب، إبدالها من اسم صريح نحو: أجيئك غداً إذا طلعت الشمس.
(مضمنة معنى الشرط غالباً) - ولذلك تجاب بالفاء نحو: "فسبح
…
" وقد تخلو من تضمن معنى الشرط فتكون لمجرد الظرفية في المستقبل نحو: "والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى".
(لكنها لِمَا تيُقن كونُه أو رُجح) - مع كونها للشرط الذي من حق أدواته الدخول على خلاف ذلك؛ فالمتيقن وجوده نحو: آتيك إذا احمر
البسرُ، والراجح نحو: آتيك إذا دعوتني.
(بخلاف إنْ) - فإنها للممكن، فلا تقول: آتيك إن احمر البسرُ. وقد تدخل إذا على ما هو لإنْ وهو الممكن، أي غير المتيقن أو الراجحُ كونُه كقوله:
(524)
إذا أنت لم تنزع عن الجهل والخنا
…
أصبت حليماً أو أصابك جاهلُ
وتدخل إنْ على المتيقن كونُه إذا أبهم زمانُه نحو: "أفإن مت فهمُ الخالدون".
(فلذا لم تجزم غالباً إلا في شعر) - فإنها لما كانت لما تيقن أو رجح خالفت أدوات الشرط. ومن الجزم بها قوله:
(525)
وإذا تُصبك خصاصةٌ فارجُ الغنى
…
وإلى الذي يُعطي الرغائب فارغب
ويأتي الكلام على الجزم بها في باب عوامل الجزم.
(وربما وقعتْ موقع إذْ وإذْ موقعها) - وهو قول بعض النحويين. والصحيح عند المغاربة خلافه، ومن الأول:"ولا على الذين إذا ما أتوك". ومن الثاني: "فسوف تعلمون، إذ الأغلال في أعناقهم".
(وتضافُ أبداً إلى جملة) - وهذا مذهب الجمهور. فالجملة التي بعدها في موضع خفض بالإضافة لأنها ظرف كحين ووقت، والعامل في إذا الجواب. وذهب بعض النحويين إلى أنها غير مضافة إليها، وهي معمولة للفعل الذي يليها لا للجواب، حملاً لها على أخواتها من أسماء الشرط، واختاره شيخنا.
(مصدرةً بفعل ظاهر) - إما مضارع مجرد نحو: "وإذا تُتْلى عليهم آياتُنا"، أو مقرون بلم نحو:"وإذا لم تأتهم بآية"، وإما ماض نحو:"إذا جاءك المنافقون"؟
(أو مقدر قبل اسم يليه فعل) - نحو: "إذا السماءُ انشقتْ". فالسماء مرفوع بفعل محذوف يفسره المذكور. قال المصنف في الشرح: لا يجيز سيبويه غير هذا. انتهى. وذكر السيرافي أن سيبويه لا يمنع وقوع المبتدأ بعد إذا لكن بشرط كون الخبر فعلاً. وذكر السهيلي أن سيبويه يجيز على رداءة الابتداء بعد إذا الشرطية وأدوات الشرط إذا كان الخبر فعلاً.
(وقد تُغني ابتدائيةُ اسمٍ بعدها عن تقدير فعلٍ، وفاقاً للأخفش) - فيجوز عندهما أن تقول: إذا زيدٌ قائم فقم. وقد استدل
على ذلك بقوله:
(527)
إذا باهلي تحته حنظلية
…
له ولدٌ منها فذاك المذرعُ
والمذرع بفتح الراء المشددة الذي أمه أشرف من أبيه. ويقال إنما سمي مُذرعاً بالرقمتين في ذراع البغل، لأنهما أتياه من ناحية الحمار، وإنه يقال ثور مذرع إذا كان في أكاره لمع سود. وباهلة قبيلة من قيس بن عيلان، وهو في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان، فنسب ولده إليها.
وقولهم: باهلة بن أعصر كقولهم: تميم بن مُر، فالتذكير للحي والتأنيث للقبيلة، سواء أكان الاسم في الأصل لرجل أم امرأة.
وحنظلة أكبر قبيلة في بني تميم، يقال لهم: حنظلة الأكرمون، وأبوهم حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم.
(وقد تُفارقُها الظرفيةُ مفعولاً بها) - واستدل المصنف على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبي" وأول على حذف مفعول علمت لدلالة المعنى عليه، فتكون إذا ظرفاً على بابها، والتقدير: إني لأعلم حالك معي في وقت رضاك وفي وقت غضبك.
(أو مجرورة بحتى) - كقوله تعالى: "حتى إذا ما جاءوها".
ودخول حتى على الجملة المصدرة بإذا الشرطية كثير في القرآن وكلام
العرب. وجوز الزمخشري فيها أن تكون جارة لإذا بمعنى الوقت، وتبعه المصنف في ذلك، وعلى هذا لا تكون حينئذ ظرفاً.
وجوز الزمخشري أيضاً أن تكو حرف ابتداء، فتبقى على هذا على ما استقر لها من الظرفية. وقال أبو البقاء: هي هنا مفيدة معنى الغاية ولا عمل لها في إذا، بل إذا في موضع نصب بجوابها. وتقدير الغاية على ما ذكره الزمخشري والمصنف: "وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً
…
" إلى وقت مجيئهم لها. وقوله: "فُتحتْ" استئناف بياني، أي جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فما جرى إذ ذاك؟ فقيل: فُتحتْ أبوابها.
وعلى ما ذكره أبو البقاء تكون الغاية ما ينسبك من الجواب مرتباً على الشرط، والتقدير المعنوي: إلى أن تفتح أبوابها وقت مجميئهم فينقطع السُوْقُ.
(أو مبتدأة) - أعرب ابن جني في المحتسب: "إذا وقعت
…
" في قراءة من نصب: "خافضة رافعة" مبتدأة، "وإذا رجت" خبره، وليس وخافضة ورافعة أحوال. والتقدير: وقت وقوع الواقعة صادقة الوقوع، خافضة قوم رافعة آخرين، وقت رج الأرض.
قال المصنف: وهو صحيح. وما قالاه غير متعين، إذ يجوز كونها باقية على ظرفيتها والجواب:"فأصحاب الميمنة" وما بعده.
أي: فأصحاب الميمنة ما أعظمهم وما أنجاهم، وأصحاب المشأمة ما أحقدهم وما أشقاهم.
(وتدل على المفاجأة) - نحو: خرجت فإذا الأسد. والأكثر التوافق، قال سيبويه: وتكون للشيء توافقه في حال أنت فيها، وقال الفراء: وقد تتراخى كقوله تعالى:
"ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون".
والفاء في: فإذا الأسد ونحوه زائدة، لازمة عند المازني، عاطفة عند أبي بكر مبرمان، داخلة على حد دخولها في جواب الشرط عند الزجاج.
(حرفاً) - وهو يروي عن الأخفش وقول الكوفيين، ويدل له كسر إن بعدها نحو:
(528)
وكنت أرى زيداً كما قيل سيداً
…
إذا إنه عبدُ القفا واللهازم
والظروف لا تقع إن مكسورة بعدها، فلا تقول: عندي إن زيداً قائم بالكسر، بل يجب الفتح.
والقائل باسميتها يقول: التقدير في نحو: خرجتُ فإذا إن زيداً منطلقٌ، فإذا انطلاقُ زيدٍ إنه منطلقٌ. فتكون إذا خبر مبتدأ محذوف، فهي معمولة لكون مقدر والجملة من إن وخبرها مفسرة للمحذوف.
(لا ظرف زمان، خلافاً للزجاج) - وهو مذهب الرياشي، وظاهر كلام سيبويه، ونسب إلى المبرد أيضاً، واختاره الشلوبين، إبقاء لها على ما استقر فيها. وعلى هذا يمتنع: خرجتُ فإذا زيدٌ. على أنها خبر زيد، لأنها ظرف زمان، وزيد جثة، إلا أن يقدر مضاف، أي ففي الزمان حضور زيد، أو مفاجأة زيد.
(ولا ظرف مكان، خلافاً للمبرد) - وهو مذهب الفارسي وأبي الفتح، ونسب إلى سيبويه. قال المبرد: إذا قلت: خرجتُ فإذا زيدٌ. فهي خبر عن زيد، كأنك قلت: فبحضرتي زيد، أو بمكاني زيد.
(ولا يليها في المفاجأة إلا جملة اسمية) - ومنه:
"إذا هم يقنطون". وقد حكى الأخفش عن العرب إيقاع الجملة الفعلية مقرونة بقد بعدها نحو: خرجتُ فإذا قد قام زيدٌ.
(وقد تقعُ بعد بينا وبينما) - كقول حرقة بنت النعمان بن المنذر:
(529)
فبينا نسوسُ الناس والأمر أمرُنا
…
إذا نحنُ فيهم سوقةٌ نتنصفُ
وقوله:
(530)
بينما المرء في فنون الأماني
…
فإذا رائدُ المنون موافي
وأشعر قوله: وقد بقلة ذلك. قال الأصمعي: إذ وإذا في جواب بينا وبينما لم يأت عن فصيح. انتهى.
والرائد في البيت مستعار من الرائد الذي يرسل في طلب الكلأ. يقال: لا يكذب الرائدُ أهله.
(ومنها: مذ ومنذ وهي الأصل) - فمذ مقتطعة من منذ، لأن من العرب من يقول: ما رأيتُه مذ يومان. بضم الذال، فلو لم يكن أصلها منذ لوجب تسكينها بكل حال. ورد بجواز كون الضم للإتباع لا نظراً إلى أن الأصل منذ.
وذهب أبو إسحاق بن ملكون إلى أنها ليست مقتطعة من منذ، لأن الحذف لا يكون في الحروف، ورد بتخفيف إنَّ. ومنذ بسيطة، وقال الفراء مركبة من من وذو الطائية، وغيره من الكوفيين من من وإذ. ورد الأول باستعمال جميع العرب لها، والثاني بأن من لا تدخل على إذ.
(وقد تُكسرُ ميمُهما) - فتقول بنو سليم: منذ ومِذ بكسر الميم.
(ويضافان إلى جملةٍ) - والإضافة دليل على اسميتهما. قال سيبويه: ومما يضاف إلى الفعل أيضاً قولهم: ما رأيته مذ كان عندي. انتهى. وبالإضافة إلى الجملة قال الفارسي والسيرافي أيضاً، وذهب أبو الحسن إلى أنك إذا قلت: مذ زيد قائم أو مذ قام زيد، فهما مرفوعان بالابتداء. والخبر زمن مقدَّر، أي مذ زمن زيد قائم، لأنهما لا يدخلان عنده إلا على الزمان.
(مُصرح بجزءيها) - وكونها فعلية كما مثَّل سيبويه، أكثر من كونها إسمية كقوله:
(531)
وما زلت محمولاً على ضغينة
…
ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع
والضغينةُ والضَّغْنُ الحِقْدُ، وقد ضَغِنَ بالكسر ضِغْناً. قال ابن السكيت يقال: فلان مُضْطِلع بهذا الأمر أي قويٌّ عليه، وهو مُفْتَعِلٌ من الضلاعة وهي القوة. قال: ولا يقال: مُطَّلع بالادغام. وقال أبو نصر أحمد بن حاتم: يقال: هو مُضْطَلع بهذا الأمر ومُطلع له. فالاضطلاع كما تقدم، والاطلاع من قولهم: اطلعْتُ الثنية أي علوْتُها، أي هو عال لذلك الأمر مالك له. ويقال: أيفع الغلامُ أي بلغ فهو يافع، ولا يقال: موفع، وهو من النوادر، وغلام يفع ويفعة وغلمان أيفاع ويفعة أيضاً.
(أو محذوف فعلها بشرط كون الفاعل وقتاً يجاب به متى أو كم) - فالأول نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة.
والثاني ما رأيته مذ يومان.
واحترز من غير الوقت كزيد وقيام، وسيأتي الكلام في المصدر، ومن وقت لا يجابان به كوقت وحين.
وهذا الذي اختاره في إعراب الزمان المرفوع بعد مذ ومنذ من كونه مرفوعاً بفعل محذوف هو مذهب المحققين من الكوفيين، واختاره السهيلي، والتقدير: مذ مضى أو مذ كان كذا
…
ووجهه إبقاء مذ على أسلوب واحد، والسلامة مما يرد على خلافه كما سيأتي.
(وقد يجُران الوقت) - نحو: ما رأيتُه منذ أو مذ يوم الجمعة. ومنه:
(532)
قفا نبْكِ من ذكرى حبيبٍ وعرفان
…
ورسمٍ عفت آياتهُ منذُ أزمان
(أو ما يستفهم به عنه) - نحو: مذ متى رأيته؟ ومنذ كم فقدته؟
(حرفَينْ) - وهذا مذهب الجمهور، لإيصالهما الفعل إلى كم ومتى كما يوصل الجار نحو: مذ كم أو مذ متى سرت؟
وقيل: هما حينئذ اسمان، وهما ظرفان منصوبان بالفعل قبلهما، ورد بما سيق من الإيصال، ولو كانا كما قال لجاز: مذ كم سرت فيه؟ كما يجوز: يوم الجمعة سرتُ فيه. وامتناعهم من ذلك دليل على أنهما حرفا جر.
(بمعنى "مِنْ" إن صلح جواباً لمتى) - وذلك إذا كان الزمان ماضياً معرفةً دالاً على وقت معلوم نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة.
(وإلا فبمعنى "في") - وذلك إذا كان الزمان حالاً معرفةً نحو: ما رأيته منذ الليلة.
(أو بمعنى مِنْ وإلى معاً) - وذلك إذا كان الزمان نكرة فيدخلان على الزمان الذي وقع فيه ابتداء الفعل وانتهاؤه نحو: ما رأيتُه منذ أربعة أيام.
(وقد يُغني عن جواب متى في الحالين) - أي حال كونهما ظرفين وحال كونهما حرفي جر.
(مصدرٌ معينُ الزمان) - نحو: ما رأيته منذ قدوم زيد. أي منذ زمن قدوم زيد. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
واحترز من مبهم الزمان كقدومٍ أو قدوم رجل.
(أو أن وصلتها) - نحو: ما رأيته مذ أن الله خلقني. أي مذ خلق الله إياي. فيحكم على موضعها بالرفع أو بالجر كما في المصدر، وهو على حذف مضاف، أي مذ زمن أن الله خلقني.
(وليسا قبل المرفوع مبتدأين بل ظرفين، خلافاً للبصريين) - أي بل ظرفين مضافين إلى ما بعدهما كما سبق تقريره خلافاً لهم.
فمذهب ابن السراج والفارسي أن مذ ومنذ قبل المرفوع مبتدآن، والتقدير في المنكور نحو: ما رأيته مذ يومان: أمد انقطاع الرؤية يومان، وفي المعرفة نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة: أول أمد انقطاع الرؤية يوم الجمعة.
ورد بلزوم الابتداء بنكرة بلا مسوغ أو معرفة بلا تعريف معتاد.
ومذهب الأخفش والزجاج وطائفة من البصريين أنهما ظرفان في موضع خبر عما بعدهما، وهو مبتدأ. فإذا قلت: ما لقيتُه مذ أو منذ يومان. فالتقدير: بيني وبين لقائه يومان.
ورد بعدم اطراد هذا التقدير. فإذا قلت: يوم الأحد ما رأيته مذ يوم الجمعة لم يصح أن يقال: بيني وبين رؤيته يوم الجمعة، ولا يجوز أن يقدر يوم الجمعة وما بعده إلى الآن بحذف العاطف والمعطوف وهو قليل، ولأنه لم يذكر في موضع وذلك دليل على عدم إرادته.
(سوكونُ ذال "مذ" قبل متحرك أعرف من ضمها) - نحو: مذْ يومين أو مذْ يومان. والضم لغة بني عبيد من غنى.
(وضمها قبل ساكن أعرف من كسرها) - نحو: مذ اليوم. والكسر لغة لبعض بني عبيد من غني.
(ومنها الآن) - وألفه منقلبة عن واو، لقولهم في معناه الأوان، وقيل عن ياء من آن يئين قرُبَ.
(لوقتٍ حضر جميعُه) - كوقت فعل الإنشاء حال النطق به نحو: بعتُك الآن.
(أو بعضُه) - نحو: "فمن يستمع الآن"، "الآن خفف الله عنكم".
(وظرفيتُه غالبةً لا لازمة) - ومن وقوعه غير ظرف:
(533)
أإلى الآن لا يبين ارعواء
…
لك بعد المشيب عن ذا التصابي
وقوله عليه السلام وقد سمع وجبة: "هذا حجر رُمي به في النار مذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حين انتهى إلى قعرها".
فالآن مبتدأ وحين خبره، وبني لتصدر الجملة بالماضي.
(وبني لتضمن معنى الإشارة) - لأن معنى الآن: هذا الوقت.
وهذا قول الزجاج.
(أو لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد) - لأنه لا يثني ولا يجمع ولا يصغر، بخلاف حين وزمان.
(وقد يعرب على رأي) - واحتج قائله بقوله:
(534)
كأنهما ملان لم يتغيرا
…
وقد مر للدارين من بعدنا عصرُ
أي من الآن، فحذف النون لالتقاء الساكنين، ويحتمل كون الكسرة للبناء فيكون كشتان يبنى على الفتح والكسر، إلا أن الفتح أكثر وأشهرُ.
(وليس منقولاً من فعل، خلافاً للفراء) - في زعمه أنه منقول من آ، بمعنى حان، بوقيت فتحتُه كما بقيت في:"أنهاكم عن قيل وقال، ومن شب إلى دب".
ورُد بدخول ال عليه، ولا تدخل على ما ذكر، وبأنه لو كان مثل المذكور لاشتهر إعرابه وبناؤه كما اشتهرا في ذلك نحو:
"عن قيل وقال، ومن شب إلى دب" بالإعراب والبناء.
(ومنها قط) - وهو منقول من القط وهو القطع عرضاً، ومنه قط القلم، وهو مبني لتضمنه معنى في ومِنْ الاستغراقية لزوماً، وبني على حركة لأن له أصلاً في التمكن، إذ أصله القط، وكانت ضمةً تشبيهاً بقبلُ لدلالته على ما تقدم من الزمان مثله.
(للوقت الماضي عموماَ) - فإذا قلت: ما رأيتُه قط. فمعناه ما رأيته فيما مضى من عمري.
(وياقبله عوْضُ) - فيكون للوقت المستقبل عموماً، ومعناه الأبد نحو: لا أفعله عوضُ، ولتضمنه ما تضمن قط بُنِيَ، وبني على حركة لئلا يلتقي ساكنان.
(ويخصان بالنفي) - كما سبق تمثيله.
(وربما استعمل قط دونه) - أي دون النفي.
(لفظاً ومعنىً) - كقول بعض الصحابة رضي الله عنهم:
"قصرنا الصلاة في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط وآمنه".
(أو لفظاً لا معنى) - نحو ما روي في الحديث أن أبياً قال لعبد الله: كأينْ تقرأ سورة الأحزاب؟ فقال عبد الله: ثلاثاً وسبعين.
فقال: قط. أي ما كانت كذا قط.
(وقد تردُ عوْضُ للمضي) - فتكون بمعنى قط. قال:
(535)
فلم أر عاماً عوضُ أكثر هالكاً
…
ووجه غُلام يُشترى وغلامه
(وقد يضاف إلى العائضين أو يضاف إليه فيعرب) - كقولهم: لا أفعلُ ذلك عوْضَ العائضين، أي دهر الداهرين. وقوله:
(536)
ولولا نبل عوض في
…
حُظُباي وأوصالي
لطاعنتُ صدور القو
…
م طعناً ليس بالآلي
وإنما أعرب في هاتين الحالتين لمعاملته بما لم يعامل به مقابله مما هو خاص بالاسم فاستحق مزيةُ عليه.
(ويقال قط) - بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومةً، وقد تقدم الكلام عليه.
(وقُطُّ) - بضم القاف إتباعأً لضم الطاء المشددة.
(وقَطُ) - بفتح القاف وتخفيف الطاء مضمومة لنية المحذوف.
وحكى الجوهري أن منهم من يُتبع في المخففة أيضاً فيقول: قُطُ بضم القاف والطاء كقولهم: لم أره مذُ يومان. قال: وهي قليلة.
(وقَطُ) - بفتح القاف وتخفيف الطاء ساكنةً، لعدم نية المحذوف. وحكى المصنف في الشرح لغةً أخرى وهي قط بفتح القاف وتشديد الطاء مع الكسر، على أصل التقاء الساكنين.
(وعَوْضَ وعَوْضِ) - قال ابن السيد: زعم المازني أنه يضم ويفتح ويكسر. انهى. فالضم حملاً على بعْدُ، والفتح كراهة اجتماع الواو والضمة، والكسر على أصل التقاء الساكنين.
(ومنها أمس) - وهو معرفة متصرف، ومدلوله اليوم الذي يليه اليوم الذي أنت فيه أو ما قَرُب منه مما مضى.
(مبنياً على الكسر) - ويبنى على ذلك عند جميع العرب إذا استعمل ظرفاً، وسيأتي ما نسب إلى الزجاجي. وبني لتضمنه معنى لام التعريف، ونسب إلى الخليل وسيبويه وقيل بني لشبهه الحرف لافتقاره في الدلالة على موضوعه إلى اليوم الذي أنت فيه، وكسر على أصل التقاء الساكنين.
(بلا استثناء عند الحجازيين) - فيبنونه على الكسر وإن كان غير ظرف في الرفع والنصب والجر، حكاه سيبويه، فيقولون: ذهب أمس، وأحييتُ أمس، وما رأيتُه مذ أمس.
(وباستثناء المرفوع، ممنوع الصرف، عند التميميين) - فيبنونه على الكسر في النصب والجر، ويعربونه إعراب ما لا ينصرف حالة الرفع، حكاه
سيبويه. فيقولون: ذهب أمسُ، بالرفع بلا تنوين، وعلى لغتهم قوله:
(537)
اعتصم بالرجاء إنْ عن يأس
…
وتناس الذي تضمن أمسُ
(ومنهم مَنْ يجعلُ كالمرفوع غيره) - فيعربه بعض بني تميم في حالة الجر والنصب أيضاً غير منصرف كحالة الرفع، حكاه الكسائي، وعليه قول الراجز:
(538)
لقد رأيتُ عجباً مذ أمسا
…
عجائزاً مثل السعالي خمساً
يأكلن ما في رحلهن همساً
…
لا ترك الله لهُن ضرساً
(وليس بناؤه على الفتح لغةً، خلافاً للزجاجي) - وحكاه ابن عصفور عن الزجاج أيضاً. وقال ابن الباذش، خرج الزجاجي عن إجماع النحاة بقوله: ومن العرب من يبنيه على الفتح. انتهى. ولا حجة في الرجز على ذلك، لاحتمال إعرابه غير منصرف، وهو ظاهر كلام سيبويه في الرجز.
(فإن نكر أو كُسر أو صغر أو أضيف أو قارن الألف واللام، أعرب باتفاق) - نحو: كل غدٍ صائرٌ أمساً، ومضى أمسُنا، والأمسُ مباركٌ، وكذا إذا ثنى أو جمع كأمسينْ وأموس وآمُس وآماس، وكذا إذا صُغر كأمَيْس كما
ذكر المبرد والفارسي وابن الدهان والمصنف. ونص سيبويه على أن أمس لا يصغر كغد، وقال: استغنوا عن تحقيرهما باليوم والليلة.
ونصوص النحاة، غير من ذكرنا، على ما قال سيبويه.
(وربما بُني المقارنُ لهما) - كقوله:
(539)
وإني وقفتُ اليوم والأمس قبله
…
ببابك حتى كادت الشمسُ تغربُ
بكسر السين.
(فصل) - (الصالح للظرفية القياسية) - احترز مما نصبه العامل من أسماء الأمكنة غير المذكورة من بعد على جهة الشذوذ كما يأتي.
(من أسماء الأمكنة) - أخرج أسماء الأزمنة فكلها ينصبُه الفعل مطلقاً، بخلاف أسماء الأمكنة فلا ينصبها كلها. بل ينصب أنواعاً منها كما ستراه.
(ما دل على مقدر) - وفي نسخة: مقدار، وهما متقاربان. وهذا هو الأول من الأنواع نحو: سرتُ غلوةً أو ميلاً أو فرسخاً أو بريداً. والغَلْوةُ مائة باع، والباع قدْرُ مد اليدين، والميلُ عشرُ غلاء، والفرسخُ ثلاثة أميال، والبريد أربعة فراسخ.
(أو مسمى إضافي محض) - وهذا هو الثاني. والمراد به ما لا تعرف حقيقتُه بنفسه، بل بما يضاف إليه، كمكان وناحية وأمام. واحترز
بمحض من الإضافي الدال بنفسه على معنى لا يصلح لكل مكان، كجوف وباطن وظاهر وداخل وخارج، فإن قُصد بشيء منها معنى الظرفية لازمه لفظ في أو ما في معناها.
(أو جار باطراد مجرى ما هو كذلك) - أي ما هو مسمى إضافي محض، وهذا هو الثالث، وذلك صفة المكان الغالبة نحو: هم قريباً منك، وشرقي المسجد، ومصادر قامت مقام مكان مضاف إليها تقديراً نحو قولهم: هو قُرب الدار، ووزن الجبل، وزنته، أي مكان مسامتته.
والمراد باطراد أنه لا تختص ظرفيته بعامل كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه كمقعد كما سيأتي.
(فإن جيء بغير ذلك لظرفية) - أي غير المقدر والإضافي المحض والجاري باطراد مجراه، وذلك هو الظرف المختص، قيل وهو الذي له اسم من جهة نفسه كالدار والمسجد والحانوت، وقيل ما له أقطار تحصره ونهايات تحيط به.
(لازمه غالباً لفظ في أو ما في معناها) - نحو: جلستُ في المسجد أو بالمسجد. واستظهر بغالباً مما نصبه الفعل من الأماكن المختصة وهو محفوظ. وذلك كل مكان مختص مع دخل، والشام مع ذهبت خاصة، وقوله:
(540)
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم
…
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
(ما لم يكن كمقعد في الاشتقاق من اسم الواقع فيه) - وهذا هو الرابع وهو ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه كمقعد ومرقد ومصلى.
(فيلحق بالظروف قياساً إن عمل فيه أصله) - نحو: قعودي مقعد زيد حسن.
(أو مشارك له في الفرعية) - نحو: قعدتُ مقعد زيد، ولا يجوز أن ينصبه غير الأصل والمشارك. فلا تقول: ضحكت مجلس زيد، بل في مجلسه.
(وسماعاً إن دل على قرب أو بعد نحو: هو مني منزلة الشغاف ومناط الثريا) - وإنما اقتصر فيه على السماع لأن العامل ليس أصلاً له ولا مشاركاً. والشغاف غلاف القلب، وهو جلدة دونه كالحجاب، يقال: شغفه الحب أي بلغ شغافه، والمناطُ مفعلٌ من ناط الشيء ينوطه نوطاً علقه.
ومعنى الأول: هو مني داني المنزلة لاصق بقلبي.
ومعنى الثاني أنه مرتفع فيه. ونحو الألو قولهم: هو مني منزلة الولد، أي داني المنزلة، والثاني: هو مني مزجر الكلب، أي مُقْصَى.
ومذهب سيبويه والجمهور أنه لا يقال من هذا إلا ما سُمع.
قال سيبويه: لو قلت: هو مني مجلسك أو متكأ زيدٍ ومربط الفرس لم يجز. انتهى.
ومنهم من قاس ذلك: ولو لم يرد بها قرب أو بعد بل أريد الحقيقة لم يجُزْ. فلا تقول: هو مني مَزْجرَ الكلب، تريد مكان زجره، ولا مقعد القابلة، تريد مكان قعودها.
(فصل): (من الظروف المكانية كثيرُ التصرف) - أي يستعمل غير ظرف كثيراً، إما مبتدأ أو فاعلاً أو نائبه أو مضافاً إليه.
(كمكانٍ) - فتقول: اجلس مكانك، ومكانك حسنٌ.
(لا بمعنى بدل) - فإن استُعمل بمعناه لم يتصرف كما سيأتي.
(ويمين وشمال) - فتقول: جلس زيدٌ يمين عمرو وشمال بكر، ويمينُ الطريق أسهل، وشماله أقرب.
(وذات اليمين وذات الشمال) - قال تعالى: "تزاورُ عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربتْ تقرضُهم ذات الشمال".
وتقول: دارُك ذاتُ اليمين، ومنازلُهم ذاتُ الشمال.
(ومتوسط التصرف كغير فوق وتحت من أسماء الجهات) - وهو: أمام وقدام ووراء وخلف وأسفل وأعلى. فتقول:
أمامُ زيدٍ آمنُ من ورائه، وقرئ. "والركبُ أسفلُ منكم" بالرفع. أي
مكان الركب، أو على جعله الركب مجازاً لحلوله فيه كما في: نهارُه صائم، ومثله: زيدٌ خلفُك، بالرفع. وأما فوق وتحت فلا يكونان إلا ظرفين. ومدركُ هذا إنما هو السماع.
(وبين مجرداً) - أي عن الألف وما، وقد سبق أنها إذا صحبها أحدهما لزمت الظرفية الزمانية، فلا تكون من ظروف المكان ولا متصرفاً فيها. ومثال تصرف المجردة قولهم: هو بعيدُ بين المنكبين، نقيُّ بين الحاجبين، ومنه:"هذا فراقُ بيني وبينك"، "لقد تقطع بينُكم" في قراءة الرفع.
قال المصنف: وقد يكون بين ظرف زمان كما يكون ظرف مكان، ومنه حديث: "ساعةٌ يوم الجمعة، بين خروج الإمام وانقضاء الصلاة
…
".
(ونادرُ التصرف كحيثُ) - وجعل منه المصنف قوله:
(541)
إن حيث استقر من أنت راجيـ
…
ـه حمى فيه عزةٌ وأمانُ
فحيثُ اسم إنَّ وحمى خبرُها.
(ووسْط) - أي الساكن السين. ومن تصرفه قول عدي بن زيد يصف سحاباً:
(542)
وسطه كاليراع أو سرُج المجـ
…
ـدل، طوراً يخبو وطوراً ينيرُ
روى برفع وسط وهو قليل. قال الجوهري: يقال: جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف، وجلست وسط الدار بالتحريك لأنه اسم، وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالتسكين، وإن لم يصلح بين فهو وسط بالتحريك، وربما سكن وليس بالوجه.
واليراع هنا جمع يراعة، وهو ذباب يطير بالليل كأنه نار، والمجدل القصر، قال الأعشى:
(543)
في مجدل شيد بنيانه
…
يزل عنه ظفر الطائر
ويقال: خبت النار تخبو خبؤاً طفئت، وأخبيتها أنا.
(ودون) - ومن تصرفه النادر:
(544)
ألم تريا أني حميتُ حقيقتي
…
وباشرتُ حد الموت والموتُ دونُها
بالرفع. والذي عليه سيبويه وأصحابه أنه لا يتصرف فيه حقيقة كان نحو: جلستُ دون زيد، أو مجازاً نحو: هو دونك في الشرف.
ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يتصرف قليلاً، والسماع يدل على وجود ذلك. لكنه نادر.
والحقيقة ما يحق على الرجل أن يحميه، ويقال: الحقيقة الراية، وحد الشيء منتهاه، يقال: حددتُ الدار أحدها حداً، والتحديد مثله.
(لا بمعنى رديء) - فإنه لا يكون حينئذ ظرفاً. يقال: هذا ثوب دون أي رديء، حكاه سيبويه.
(وعادمُ التصرف) - فيلزم النصب على الظرفية، قيل: أو شبه ذلك.
(كفوق وتحت) - فتقول: فوقك رأسُك، وتحتك رجلاك، بالنصب لا غير. نص على ذلك الأخفش نقلاً عن العرب.
ويُجران بمنْ وهو المراد بشبه الظرفية في قولي قبلُ: أو شبه ذلك: قال تعالى: "تجري من تحتها الأنهارُ"، "فخر عليهم السقفُ من فوقهم".
(وعند ولَدُن ومع) - وكلها لا تتصرف، وسنتكلم على كل منها.
(وبين بينَ) - كقوله:
(545)
نحمي حقيقتنا وبعـ
…
ـضُ القوم يسقط بين بينا
أي بين هؤلاء وبين هؤلاء، فترك الإضافة وركب تركيب خمسة عشر.
(دون إضافة) - فإن أضيف إليها تعين زوالُ الظرفية، ولذا خطأ ابنُ جني من قال: همزةُ بين بينَ بالفتح. وقال: الصواب همزة بينَ بينٍ بالإضافة؛ وإن أضيف صدر بين بين إلى عجزها جاز بقاء الظرفية نحو: من أحكام الهمزة التسهيلُ بينَ بينَ، وزوالها نحو: بين بين أقيس من الإبدال.
(وحوالَ وحوْلَ وحواليْ وحوْلَيْ وأحوالَ) -فتقول: قعدوا حواله وحوْلَه وحَوالَيْه وحَوْلَيه وأحواله بمعنى واحد.
(وهنا وأخواته) - أي التي سبق ذكرها في باب الإشارة وهي: هنا وهِناً وهنتْ وثَمَّ.
(وبدل - لا بمعنى بديل- وما رادفه من مكان) - نحو: هذا بدل هذا أي مكانه، وهذا مكان هذا أي بدله.
قال ابن خروف: البدل والمنكان إذا استعملا بمعنى واحد لا يعرفان، فإن ذكر كل منهما في موضعه ولم يحمل أحدهما على الآخر في المعنى رُفِعا نحو: هذا مكانُك، يشير إلى المكان. وهذا بدل من هذا، فيرفع لأنك أشرت بهذا إلى البدل وهو هو.
قال: وإنما انتصب البدل والمكان ولم يجز فيهما الاتساع حين أخرج كل منهما عن موضعه فلزم طريقة واحدة.
(فحيثُ مبنيةٌ) - لتضمنها معنى حرف الشرط إن كانت للشرط نحو: حيثما تكن أكن. لشبهها الحرف في الافتقار، إذ لا تستعمل إلا مضافةً إن لم تكن للشرط، وبنيت على حركة لئلا يلتقي ساكنان.
(على الضم) - تشبيهاً بقبلُ، لأنها تضاف إلى جملة، والإضافة في الحقيقة إنما هي إلى المفرد، فكأنها مقطوعة عن الإضافة.
(وقد تُفتح) - طلباً للتخفيف.
(أو تكسر) - على أصل التقاء الساكنين.
(وقد تخلف ياءها واو) - فيقال: حَوْثُ. قال اللحياني: هي لغة طييئ.
(وإعرابُها لغة فقعسية) - حكى ذلك الكسائي، يقولون: جلستُ حيث كنتُ. بالفتح. وجئت مِنْ حيثُ جئت، فيجرونها بمنْ. فصارت عندهم كعند. وفقعس أبو قبيلة من بني أسد.
(ونذرتْ إضافتُها إلى مفرد) - كقوله:
(546)
أما ترى حيثُ سُهيل طالعاً
في رواية الجر. وهو عند البصريين نادر لا يقاس عليه. وقال الكسائي: يقاس. وشرط الجملة التي تضاف إليها أن تكون خبريةُ وتصدر في النفي بلم أو لا.
(وعدم إضافتها لفظاً أندرُ) - أي من إضافتها إلى مفرد.
وجعل المصنف منه:
(547)
إذا ريدة مِنْ حيث ما نفحتْ له
…
أتاه برياها خليل يواصله
قال: أراد: إذا ريدة نفحت له من حيث ما هبت أتاه
…
فحذف هبت للعلم به، وعوض ما كتنوين حينئذ.
ويقال: ريح ريدة واردة وريدانة أي لينة الهبوب، ونفحت الريح هبتْ.
(وقد يُراد بها الحينُ عند الأخفش) - واستدل بقوله:
(548)
للفتى عقلُ يعيشُ به
…
حيث تهدي ساقه قدمة
ورد بأن ظاهره أنها فيه للمنكان، إذ المعنى حيث مشى وتوجه.
(وعند للحضور أو للقرب، حساً أو معنى) - وقد اجتمع الحضور المعنوي والحسي في قوله تعالى: "قال الذي عنده علم من الكتاب"، "فلما رآه مستقراً عنده". والقرب الحسي كقوله تعالى:"عند سدرةِ المنتهى، عندها جنةُ المأوى"، والمعنوي كقوله تعالى:"وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار"، ومنه قولك: عندي مائة؛ تريد أنها ملكك، وإن كان الموضع بعيداً. وقد يكون مظروفها معنى فيراد بها الزمان، كقوله عليه السلام:"إنما الصبر عند الصدمة الأولى". ولا تخرج عن الظرفية إلا بالجر بمنْ نحو: طفإذا برزوا مِنْ عندك".
ولا يقال: مضيت إلى عنده، وتلزم الإضافة.
(وربما فُتحت عينُها أو ضُمت) - والمشهور كسرها، ومن العرب من يفتحها، ومنهم من يضمها، ففي عينها ثلاث لغات: عند وعند وعُند.
(ولدن لأول غاية زمان أو مكان) - فالأول نحو: ما رأيتُه من لدُن ظُهر الخميس. والثاني نحو: "آتيناك من لدُنا" أي من جهتنا ونحونا.
وهي مبنية لشبهها الحرف في لزوم استعمال واحد، وهو كونها مبدأ غاية، وبهذا فارقت عند، وقيل عند لما هو حاصل أو في تقديره، فيقال: هذا عندي، وإن لم يكن حاصلاً، ولدن للحاصل المتصل.
(وقلما تعدمُ مِنْ) - ومنه قولهم: لدُنْ غدوة، ما رأيته لدُنْ شب.
(وقد يقال لدنْ ولدِنْ) - هما بسكون النون وفتح اللام، وإحداهما بفتح الدال والأخرى بكسرها، والتي ذكرها قبل ذكرهما بضم الدال وسكون النون وفتح اللام، فهذا ثلاث لغات.
(ولدْنِ ولُدْنِ) - هما بكسر النون وسكون الدال، واللام في إحداهما مفتوحة وفي الأخرى مضمومة.
(ولَدْنَ) - بفتح النون واللام وسكون الدال.
(ولَدْ ولُدْ) - هما بسكون الدال، واللام في إحداهما مفتوحة وفي الأخرى مضمومة.
(ولَدُ) - بفتح اللام وضم الدال: ويكمل بها تسع لغات.
وفي بعض نسخ التسهيل:
(ولَتِ) - بفتح اللام وكسر التاء، فإن ثبتت كانت لُغَى المبنية عشراً.
(وإعرابُ الأولى) - وهي لَدُنْ كما تقدم.
(لغة قيسية) - وبها قرأ أبو بكر عن عاصم: "من لَدْنِه" بجر
النون وإسكان الدال مُشَمَّةَ الضم. والأصل من لَدْنِه بضم الدال، وحكى أبو حاتم: من لدُنِه بضم الدال وكسر النون، وتقول في النصب: لدُنه بفتح النون والدال مضمومة أو ساكنة مُشَمَّةَ الضم.
(وتُجْبَرُ المنقوصةُ مضافةً إلى مضمر) - فلا يقال في لَدُ: مِنْ لدُكَ، ولا مِنْ لدُه، ولا مِنْ لدي، بحذف النون بل تثبت النون نحو: من لدنك، نص على ذلك سيبويه.
(ويُجرُّ ما يليها بالإضافة لفظاً إن كان مفرداً) - كقوله:
(549)
تنتهض الرعدة في ظُهيري
…
من لدن الظهر إلى العصير
(وتقديراً إن كان جملة) - نحو:
(550)
لزمنا لدن سالمتمونا وفاقكم
…
فلا يك منكم للخلاف جنوحُ
ولا يضاف من أسماء الأمكنة إلى الجمل إلا حيث ولدُنْ. ومنع ابن الدهان كون لدن تضاف إلى ملة، وقدر مع الفعل أن، لتكون الإضافة إلى المصدر وهو مفرد. ويُبطل قوله إضافتُها إلى الجملة الاسمية كقوله:
(551)
وتذْكُر نعماه لدن أنت يافع
…
إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر
وفي البيت بحث.
(وإن كان غدوة نصب أيضا) -فتختص غدوة من بين المفردات التي تضاف إليها لدن بجواز جرها ونصبها. قال:
(552)
وما زال مهري مزجر الكلب منهمُ
…
لدن غدوة حتى دنت لغروب
قال سيبويه: لا ينصبُ لدُنْ غير غدوة، فلا تقول: لدن بكرة، لأنه لم يكثر في كلامهم. انتهى.
وانتصابها قيل بلدن تشبيهاً لها بضارب، بتنزيل نونه منزلة التنوين لثبوتها وحذفها، وقيل بكان أي لدن كانت الساعة غدوة، وقيل على التمييز، وقرره بعضهم بأن التقدير: لدُنْها غدوة كما في قولك: لي مثلُه رجلاً.
(وقد يُرْفعُ) - روى الكوفيون رفع غدوة بعد لدن على إضمار كان.
(وليست لدي بمعناها) - أي بمعنى لدن.
(بل بمعنى عند على الأصح) - كما صرح به سيبويه. وذلك لأن لدُنْ لابتداء الغاية كما تقدم، وعند ولدي يكونان لابتداء الغاية وغيرها، ولأنهما يخبر بهما نحو:"وعنده مفاتح العيب" "ولدينا كتابط ولا يخبر بلدن.
(وتعامل ألفها معاملة ألأف إلى وعلى، فتسلم مع الظاهر) - نحو: "إذ القلوبُ لدى الحناجر" هذا هو الكثير، وقد تقلب معه فيقال: لديْ زيدٍ.
(وتُقلب ياءً مع المضمر غالباً) - نحو: "ولدينا مزيدً". واستظهر بقوله غالباً على ما جاء عن بعض العرب من إقرار الألف مع المضمر في الدي، وكذا في إلى وعلى، قال:
(553)
إلاكمْ يا خُزاعة لا إلانا
…
عزا الناسُ الضراعة والهوانا
فلو برئت عقولكم بصرتم
…
بأن دواء دائكم لدانا
وذلكمُ إذا واثقتمونا
…
على قصر اعتمادكم علانا
ويقال: ضرع الرجل ضراعة أي خشع وذل، وبصرت بالشيء علمته
(مع للصحبة اللائقة بالمذكور) - فهي اسم لمكان الاصطحاب أو وقته على حسب ما يليق بالمصاحب. ودليل اسميتها دخول مِنْ عليها، حكى سيبويه: ذهب مِنْ معه، ولم يُبْنَ بل أعرب في أكثر اللغات، وإن كان على حرفين بلا ثالث مقدر، لشبهها عند في وقوعه خبراً نحو: زيدٌ مععمرو، وصفةً نحو: مررتُ برجل معه صقر، وحالاً نحو: جاء زيدٌ معي، وصلةً نحو: رأيتُ الذي معك، ودالاً على حضور:"ونجني ومنْ معي"، وقرب:"إنْ مع العسر يسراً".
(وتسكينُها قبل حركةٍ، كسرُها قبل سكون لغة ربعية) - فتقول
ربيعة: زيدٌ مع عمرو بالبناء على السكون، وزيدٌ مع القوم بالكسر، روى ذلك الكسائي عنهم.
(واسميتُها حينئذ) - أي حين إذ سكنتْ عينُها.
(باقية على الأصح) - لأن معناها مبنية كمعناها معربة. وزعم النحاس انعقاد الإجماع على حرفية الساكنة. وليس بصحيح، بل الأصح أنها اسم، وكلام سيبويه مشعر بهذا.
(وتُفْرَدُ) - أي عن الإضافة.
(فتساوي جميعاً معنى) - وعلى هذا تخرج عن موضوعها من الدلالة على الصحبة، أو تكون كجميع دالاً على الاصطحاب.
وفرق أحمد بن يحيى بينهما وقال: إنك إذا قلت: قام زيد وعمرو جميعاً، احتمل كون القيام في وقتين وفي وقت واحد.
(وفتى لفظاً لا يداً، وفاقاً ليونس والأخفش) - فإذا قلت: جاء الزيدان معاً. ففتحة العين عندهما ليست للإعراب، بل هي كفتحة تاء فتى ونحوه مما وقع قبل ألف المقصور، والألف على هذا لام الكلمة.
وذهب الخليل وسيبويه إلى أن الفتحة للإعراب كهي في يد حالة النصب، والكلمة ثنائية كما هي مع الإضافة. ورده المصنف بقولهم: الزيدان والزيدون معاً، فيوقعون معاً في موضع رفع كما يرفع المقصور نحو: هو فتى.
قال: ولو كان باقياً على النقص لقيل: الزيدان أو الزيدون مع كما يقال: هُمْ يدٌ. ورُدَّ ما قال المصنف بأن مع باقٍ حينئذ على ما استقر له من
الظرفية وعدم التصرف، فهو منصوب في موضع الخبر نحو: الزيدان عندك، وليس هو نفس الخبر، فيكون مرفوعاً كما زعم.
(وغيرُ حاليتها حينئذٍ قليلً) - فالأكثر كونُها حالاً نحو: جاء الزيدان أو الزيدون معاً، ويقل كونُها خبراً كقول حاتم الطائي:
(554)
أكف يدي عن أن ينال التماسُها
…
أكف صحابي حين حاجاتنا معاً
(ويُتوسع في الظرف المتصرف) -سواء أكان للزمان كيوم أم للمكان كميل، ولا يتوسع في غير المتصرف منها كسخر وعند.
(فيُجعل مفعولاً به مجازاً) - فتقول: سرتُ اليوم، وسرتُ ميلاً، بنصبهما على التوسع نصب المفعول به، كما تفعل ذلك في المصدر المتصرف فتقول: ضربتُ الضرب زيداً، بنصب الضرب مفعولاً به مجازاً.
(ويسوغ حينئذ إضمارُه غير مقرون بفي) - فإذا اتسعت في الظرف ثم أضمرته لم تأت بفي، وإن كان أصل الظرف أن يتعدى إليه بواسطة في، والضمير يرد الشيء إلى أصله، لأنك لم ترد كونه ظرفاً بل أردت كونه مفعولاً به مجازاً، فتقول: اليوم سرتُه، إن توسعت، واليوم سرتُ فيه إن لم تتوسع.
(والإضافةُ والإسنادُ إليه) - فالأول نحو: "بل مكرُ الليل والنهارِ"
ونحو: يا سائر الميل، والثاني نحو: وُلد له ستون عاماً، وسير عليه فرسخان.
(ويمنعُ من هذا التوسع على الأصح تعدي الفعل إلى ثلاثة) - فلا تقول: اليوم أعلمتُه زيداً عمراً قائماً. ويجوز ذلك في اللازم نحو: اليوم قمتُه. وفي المتعدي إلى واحدٍ نحو: اليوم ضربتُه زيداً، والمتعدي إلى اثنين نحو: اليوم أعطيتُه زيداً درهماً. وهذا مذهب أكثر النحويين، كما نقل ابن عصفور. وعلة المنع أنه ليس له ما يشبه به، إذ ليس في الأفعال ما يتعدى إلى أربعة؛ ومذهب الأخفش جوازُه في الجميع، وهو ظاهر كلام سيبويه والمنسوب إلى الجمهور، لأن التوسع يجوز، ولا نُسلم احتياجه إلى ما يشبه به.