المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ١

[ابن عقيل]

فهرس الكتاب

- ‌1 - باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلق به

- ‌2 - باب إعراب الصحيح الآخر

- ‌3 - باب إعراب المعتل الآخر

- ‌4 - باب إعراب المثنى والمجموع على حده

- ‌5 - باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح

- ‌6 - باب المعرفة والنكرة

- ‌7 - باب المضمر

- ‌8 - باب الاسم العلم

- ‌9 - باب الموصول

- ‌10 - باب اسم الإشارة

- ‌11 - باب المعرف بالأداة

- ‌12 - باب المبتدأ

- ‌13 - باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر

- ‌14 - بابُ أفعال المقاربة

- ‌15 - باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر

- ‌16 - باب لا العاملة عمل إنَّ

- ‌17 - باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر

- ‌18 - باب الفاعل

- ‌19 - باب النائب عن الفاعل

- ‌20 - باب اشتغال العامل عن الاسم السابق بضميره أو بملابسه

- ‌21 - باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌22 - باب تنازع العاملين فصاعداً معمولاً واحداً

- ‌23 - باب الواقع مفعولاً مطلقاً من مصدر وما يجري مجراه

- ‌24 - باب المفعول له

- ‌25 - باب المفعول المسمى ظرفاً ومفعولاً فيه

- ‌26 - باب المفعول معه

- ‌27 - باب المستثنى

الفصل: ‌23 - باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

‌23 - باب الواقع مفعولاً مطلقاً من مصدر وما يجري مجراه

(من مصدر) - نحو: ضربتُ ضرباً، أو ضربتين، أو ضرباً شديداً.

(وما يجري مجراه) - كاسم المصدر، نحو العطاء في معنى الإعطاء، وكبعض الصفات نحو: عائذاً بك، وبعض أسماء العيان نحو تُرباً وجندلاً، على خلاف فيهما يأتي آخر الباب. وسمى ما انتصب على المصدرية مفعولاً مطلقاً لأنه لم يُقيد كما قيد غيره من المفاعيل كالمفعول به وفيه ومن أجله ومعه.

(المصدر اسم دال بالأصالة على معنى قائم بفاعل) - نحو: حسُنَ حُسناً، وفهم فهماً، واحترز بالأصالة من اسم يساوي المصدر في الدلالة، ويخالفه إما بعلمية كحماد علم جنس للحمد، وإما بخلوه لفظاً وتقديراً دون عوض من بعض ما في الفعل كاغتسل غُسلا وتوضأ وضوءاً، هذه ونحوها أسماء مصادر، والتعبير عنها بالمصادر تجوُّزٌ.

واحترز بتقدير من نحو قتال، فإنه خلا من بعض ما في فعله لفظاً لا تقديراً، بدليل ورود قيتال. واحتُرز بالعوض من نحو عدة، فإنه خلا من بعض ما في فعله وهو الواو، لكن عوض عن الفاء المحذوفة التاء،

ص: 463

والأصل وعد، فهذان ونحوهما مصادر حقيقية.

(أو صادر عنه) - أي عن فاعل.

(حقيقة) -نحو: خط خطاً، وخاط خياطة.

(أو مجازاً) - نحو: مات موتاً.

(أو واقع على مفعول) - نحو: ضربتُ ضرباً.

(ويسمى فعلاً وحدثاً وحدثاناً) - لأن المصادر أفعال وأحداث صدرت من فاعلها حقيقةً أو مجازاً.

(وهو أصل الفعل لا فرعه، خلافاً للكوفيين) - وفاقاً لجمهور البصريين، لأن الفعل يد لعلى ما يدل عليه المصدر من الحدث، ويزيد بتعيين الزمان، فكان فرعاً والمصدر أصلاً، إذ كل فرع يتضمن معنى الأصل وزيادة كالتثنية والجمع بالنسبة إلى الواحد.

(وكذا الصفة، خلافاً لبعض أصحابنا) - إذ في الصفة ما في المصدر من الدلالة على الحدث وزيادة الدلالة على من هي له، وليس فيها ما في الفعل من الدلالة على زمن معين، فهي مشتقة من المصدر لا من الفعل.

(ويُنصبن بمثله) - أي بالمصدر نحو: عجبت من ضربك زيداً ضرباً، أو ضرباً شديداً، ومنه:"فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً".

(أو فرعه) - وهو الفعل نحو: ضربت ضرباً، "وما بدلوا

ص: 464

تبديلاً"، واسم الفاعل نحو: أنا ضاربٌ ضرباً، "والذاريات ذروا"؛ واسم المفعول نحو: زيدٌ مضروبٌ ضرباً.

(أو بقائم مقام أحدهما) - أي مقام مثله نحو: عجبتُ من إيمانك تصديقاً، أو فرعه نحو: أنا مؤمن تصديقاً.

(فإن ساوى معناه معنى عامله فهو لمجرد التوكيد. ويسمى مبهماً، ولا يثنى ولا يُجمع) - وذلك نحو: قمتُ قياماً. وعلل المصنف عدم تثنيته وجمعه بأنه بمنزلة تكرير الفعل، وهو يقتضي أنه من قبيل التأكيد اللفظي، وبه صرح ابنُ جني، وهو ظاهر كلام ابن العلج، وصرح الأبدي بأنه ليس من التأكيد اللفظي، بل مما يُعني به البيانُ. قال: لأنه يرفع المجاز ويثبت الحقيقة، ولذا لا يأتي التوكيد في المجاز، وقال في:

(493)

بكى الخز من روح وأنكر جلده

وعجت عجيجاً من جُذام المطارفُ

إنه نادرٌ لا يقاس عليه.

(وإن زاد عليه فهو لبيان النوع أو العدد، ويسمى مختصاً ومؤقتاً) - وهذا هو القسم الثاني من قسمي المصدر، وهو المختص، والأول هو المبهم كما سبق، ودخل في المختص المعدود نحو: ضربت ضربتين، إذ حصل له بدلالته على عدد المرات اختصاص، والمختص الذي ليس بمعدود،

ص: 465

يكون اختصاصه بالألف واللام وبالإضافة وبالصفة؛ فالأول نحو قولك: ضربتُ الضرب، تريد ضرباً بينك وبين مخاطبك فيه عهد، فكأنك قلت: الضرب الذي تعلم، ومنه:

(494)

فدع عنك ليلى إن ليلى وشأنها

وإن وعدتك الوعد لا يتيسرُ

أي الوعد الذي كنت ترجوه منها. وتقول: زيدٌ يجلس الجلوس، تريد الجنس، وتعني به التكثير، وهو من قسم المبين لدلالته على الكثرة، والفعل لا يدل على كثرة فقط، بل يصلح للقلة والكثرة، والثاني نحو: قمتُ قيام زيد، أي قياماً مثل قيام زيد، فحذف المصدر، ثم صفته، وأقيم مقامها هذا المصدر معرباً بإعراب المصدر المحذوف، والثالث نحو: قمتُ قياماً طويلاً، وضربتُ ضرباً شديداً.

(ويثنى ويُجمعُ) - أي المختص، سواء أكان معدوداً نحو: ضربتُ ضربتين وضربات، ولا خلاف في هذا، أم غير معدود، وذلك عند اختلاف النوع. وظاهر كلام سيبويه أن ذلك لا ينقاس، وهو اختيار الشلوبين. وحكى سيبويه من كلامهم الأشغال والعقول والألباب والحلوم، ومنع جمع الفكر والنظر والعلم.

قال ابن الخشاب: ولم يعتد بالأفكار والعلوم، إذ الاعتداد باستعمال

ص: 466

العرب. ومن النحويين من أجاز ذلك قياساً، وهو ظاهر كلام المصنف، فتقول على هذا: قمتُ قياميْ زيدٍ وعمروٍ، وقتلتُ قُتولاً كثيرةً.

(ويقوم مقام المؤكد مصدرٌ مرادفٌ) - نحو: قعدتُ جلوساً، ومنه:

(495)

ويوماً على ظهر الكثيب تعذرتْ

علي وآلتْ حلفةً لم تحلل

وظاهر كلام المصنف فيما سبق أن الناصب لهذا المصدر هو العامل المذكور، وهو مذهب المازني، وحجته أنه لما كان في معناه وصل إليه كما يصل إلى ما هو من لفظه. ومذهب الجمهور أن الناصب له فعل من لفظه مقدر. لأن الأكثر كون المصدر من لفظ الفعل، والقليل كونه من غير لفظه، فحمل القليل على الكثير في نصبه بفعل من لفظه.

(واسمُ مصدر غيرُ علم) - نحو: اغتسلتُ غُسلاً، واحترز من اسم المصدر العلم كحماد لفلان في معنى: حمداً له، فلا يقال: حمدتُ حماد لقصد التوكيد، لأنه زائد بالعلمية على معنى العامل فلا ينزل منزلة تكراره.

ص: 467

(ومقام المبين نوعٌ) - نحو: رجع القهقري، ومنه:"والنازعات غرقاً". ومذهب الجمهور في ناصب هذا كما سبق في. قعدت جلوساً، إلا أبا الفتح، فإنه قال هنا ما قال المازني هناك.

(أو وصفٌ) - نحو: "واذكر ربك كثيراً". ومذهب سيبويه في هذا ونحوه أنه حال.

(أو هيئةٌ) - نحو: يموت الكافر ميتة سوء، ويعيش المؤمن عيشة مرضية.

(أو آلة) - نحو: ضربته سوطاً، ورشقته سهماً. والأصل: ضربة سوط، ورشقة سهمٍ، وهو مطرد في جميع آلات الفعل دون غيرها، ولهذا لا يجوز: ضربته خشبة ولا رميته آجرة، لأن الخشبة ليست آلة الضرب، ولا الآجرة آلة الرمي.

(أو كل) - نحو: "فلا تميلوا كل الميل".

(أو بعض) - نحو: "ولا تضرونه شيئاً".

(أو ضمير) - نحو: "لا أعذبه أحداً من العالمين".

ص: 468

(أو اسم إشارة) - نحو: لأجدن ذلك الجد، ومن كلامهم: ظننتُ ذلك، يشيرون به إلى الظن، ولهذا اقتصر عليه، إذ لي مفعولاً أول، على هذا خرجه سيبويه.

(أو وقت) - كقوله:

(496)

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

أي اغتماض ليلة أرمدا، فحذف المصدر وأقام الوقت مقامه كما فعل عكسه في: كان ذلك طلوع الشمس، إلا أ، هذا كثير والأول قليل.

(أو ما الاستفهامية) - نحو: ما تضرب زيداً؟ أي أي ضربٍ تضربُ زيداً؟ ومثله قول عبد مناف بن ربع الهُذلي.

(497)

ماذا يغير ابنتي ربع عويلهما

لا يرقدان ولا يوسي لمن رقدا

يقال: غاره يغيره ويغوره نفعه. ومعنى البيت أنه لا يُغني بكاؤهما على أبيهما من طلب ثأره شيئاً.

(أو الشرطية) - نحو: ما شئت فقُمْ. أي أيِّ قيام شئت فقُمْ؛ ومثله قول جرير:

ص: 469

(498)

نعب الغراب فقلت: بينٌ عاجلٌ

ما شئت إذ طعنوا لبين فانعب

يقال: نعب الغرابُ ينعب نعباً ونعيباً ونُعاباً صاح. وربما قالوا: نعب الديك على الاستعارة. قال:

(499)

وقهوة صهباء باكرتها

بجهمة والديك لم ينعب

والجهمة بالضم أول مآخير الليل. يقال: جُهمة وجَهمة عن الفراء.

ومما يقوم مقام المبين اسمُ العدد نحو: ضربته ثلاثين ضربة، فثلاثين منصوب على المصدرية، واسمُ المصدر العلم فلا يقوم مقام المؤكد لأنه زاد على معنى العامل بالعلمية فلا ينزل منزلة تكراره، ويقوم مقام المبين لفوات المانع حينئذ؛ وقد صرح بذلك بعض المغاربة ومثل بقولك: برهُ برَّةْ، وفجر به فجار.

(ويُحذف عامل المصدر جوازاً لقرينةٍ لفظية) - نحو أن يقال: أي سير سرت؟ فتقول: سيراً حثيثاً. أي سرتُ.

وما قمت؟ فتقول: قياماً طويلاً. أي قمتُ.

(أو معنوية) - كقولك لمن رأيته يتأهب لسفر:

تأهباً ميموناً. أي تأهبت. ولمن قدم من حج: حجاً مبروراً، أي حججت.

(ووجوباً لكونه) - أي لكون المصدر.

ص: 470

(بدلاً من اللفظ بفعل مهمل) - أي ليس موضوعاً في لسانهم، بل استعملوا المصدر ولم يستعملوا الفعل. ومنه قولهم: أفأ له وأفة، أي قذراً، والقذر ضد النظافة. وقولهم: بله زيدٍ، بجر زيدٍ بالإضافة، أ] تركه، وقولهم: ويحه وويحاً له أي رحمةً.

(أو لكونه بدلاً من اللفظ بفعل مستعملٍ في طلب) - نحو: ضرباً لزيدٍ، أي اضربه؛ وسقياً لك، أي سقاك الله؛ وجدعاً لعدوك، أي جدعه الله، وهو من القطع في الأنف. والإفراد في هذا أكثر من الإضافة، وذلك كالمثل المذكورة، ومن الإضافة:"فضرْبَ الرقاب".

ومذهبُ الأخفش والفراء أن وضع المصدر موضع فعل الطلب المستعمل مقيسٌ، بشرط إفراده وتنكيره كالمثل السابقة، وذلك لكثرته.

ومذهب سيبويه أنه غير مقيس، لأن جعل الاسم في موضع الفعل ليس بقياس؛ وفيه نظر.

(أو خبر إنشائي) - أي صورته صورة الخبر، والمعنى على الإنشاء نحو قولهم: حمداً وشكراً لا كفراً، أي أحمدُ الله حمداً وأشكره شكراً؛ وهو من أمثلة سيبويه، وهذا تقديره.

وقال بعض النحويين، وقد ذكر مثال سيبويه هذا: إن العرب هكذا تتكلم بالثلاثة مجتمعةً وقد تُفْرد.

وقال ابن عصفور: لا يستعمل لا كفراً إلا مع حمداً وشكراً، ولا يقال: حمداً وحمده أو شكراً إلا أن يظهر الفعل على الجواز، ولا يلزم

ص: 471

الإضمار إلا مع لا كفراً.

(أو غير إنشائي) - نحو: أفعل وكرامة ومسرة، أي وأكرمك كرامةً وأسرك مسرةً. ولا أفعل ولا كيداً ولا هماً، أي ولا أكاد كيداً ولا أهم هماً، وهما من أمثلة سيبويه، وهذا تقديره.

وكرامةُ هنا اسم موضوع موضع إكرام، ولا يستعمل مسرة إلا بعد كرامة، فلا يقال: مسرةً وكرامةً، وكاد الناصبة كيداً قال الأعلم هي الناقصة. وعلى هذا يكون الخبر قد حُذف للعلم به، أي ولا أكاد أقارب الفعل.

وقال الخدبُّ هي التامة، والمعنى: ولا مقاربة؟

(أو في توبيخ مع استفهام ودونه للنفس أو لمخاطب أو غائب في حكم حاضر) - فللنفس كقول عامر بن الطفيل يخاطب نفسه:

أغُدةً كغُدةِ البعير؟ وموتاً في بيت سلولية؟ غدة البعير طاعونه، يقال: أغِد البعير فهو مُغد أي به غدة.

وللمخاطب كقول العجاج:

(500)

أطرباً وأنت قنسريُّ

والدهرُ بالإنسان دواريُّ

والقنسري الشيخ الكبير عن الأخفش، ويروي قنسري بكسر النون.

وللغائب كقولك وقد بلغك أن شيخاً يلعب: ألعباً وقد علاه الشيب؟

ص: 472

ومثاله في توبيخ دون استفهام قوله:

(501)

خُمولاً وإهمالاً وغيرك مولعٌ

بتثبيت أسباب السيادة والمجد

(أو لكونه تفصيل عاقبة طلبٍ) - كقوله تعالى: "فشدوا الوثاق، فإما مناً بعد وإما فداء".

(أو خبر) - كقول الشاعر:

(502)

لأجهدن فإما درء واقعةٍ

تُخشى وإما بلوغ السول والأمل

(أو نائباً عن خبر اسم عينٍ بتكرير) - نحو: زيدٌ سيراً سيراً، أو السير السير، أو قياماً قعوداً، وزيد ضرباً وقتلاً، أو إما قياماً وإما قعوداً.

(أو حصر) - نحو: ما أنت إلا سيراً، أو إلا السير أو إلا شرب الإبل، وإنما أنت سيراً أو السير أو شرب الإبل.

ومن المكرر قوله:

(503)

أنا جدا جدا ولهوُك يزدا

دُ إذاً ما إلى اتفاقٍ سبيلُ

ص: 473

ومن المحصور قوله:

(504)

ألا إنما المستوجبون تفضلاً

بداراً إلى نيل التقدم في الفضل.

واحترز باسم عين من كونه اسم معنى، فإنه حينئذ يجعل المصدر خبراً عنه، فيرفع في نحو: جدك جد عظيمٌ، وإنما بدارك بدارُ حريص. أما إذا كان اسم عين فلا يصلح كون المصدر خبراً عنه إلا بتجوز، فينصب بفعل هو الخبر. فتقدير: أنا جداً جداً: أنا أجد جداً، وتقدير: إنما المستوجبون تفضلا بداراً: إنما المستوجبون تفضلا يبادرون بداراً.

فحذف العامل وجعل التكرير عوضاً من ظهوره، وأقيم الحصر مقام التكرير، لأنه لا يخلو من لفظ يدل عليه وهو "إنما" أو "إلا" بعد النفي، فلو عدم التكرير والحصر جاز إظهار العامل وإضماره.

كذا أطلق المصنف، ويشمل هذا الإطلاق ما كان معه استفهام نحو: أزيدٌ سيراً؟ أو نفي نحو: ما زيدٌ سيراً، وما خلا منهما نحو: زيدٌ سيراً.

وةذكر ابن العلج لزوم إضمار العامل مع الاستفهام، وقال في توجيهه: قيل لأن ما فيه من معنى الاستفهام الطالب للفعل كأنه ناب عن التكرير. وقال فيما ليس فيه استفهام نحو: زيدٌ سيراً، وما زيدٌ سيراً، قيل: لا يجب إضمار العامل، وسيبويه قد نص على: أنت سيراً، أنه مما لا يجوز إظهاره، لأنه أدخله في الباب. فكذلك: ما أنت سيراً، لأنه يدل على الفعل. ثم

ص: 474

قال: وقد أطلق بعضهم جواز ذلك، ولم يفرق بين الاستفهام وغيره.

(أو مؤكد جملةٍ ناصةٍ على معناه) - نحو: له علي دينار اعترافاً.

(وهو مؤكدُ نفسه) - لأنه لما لم تحتمل الجملة غيره نزل منزلة تكريرها، فكأنه نفسُ الجملة.

(أو صائرة به نصاً) - نحو: هو ابني حقاً.

(وهو مؤكدُ غيره) - لأنه لما أزال احتمالاً في الجملة تأثرت به فكان غيرها، إذ المؤثر غير المتأثر.

(والأصح منعُ تقديمهما) - وهذا قول الزجاج ومن أخذ بمذهبه، فلا تقول: اعترافاً له عليّ دينارٌ، ولا حقاً هو ابني، لأن عامل هذا المصدر فعل يفسره مضمون الجملة أي: اعترف بذلك اعترافاً وأحقه حقاً. فأشبه ما عامله معنى الفعل، فكما لا يتقدم ذلك على معنى الفعل، لا يتقدم هذا على الجملة المفسرة عامله. وأجاز الزجاج توسطه نحو: هذا حقاً عبدُ الله. وعلل بأنه إذا تقدم جزء فلابد له من جزء آخر، فقد تقدم ما يدل على الفعل.

واستدل من أجاز تقديمه على الجملة بقولهم: أحقاً زيدٌ منطلقٌ؟ وأوله من منع على أن حقاً منصوب على الظرفية، والمعنى: أفي حق زيدٌ منطلقٌ. وقد نص سيبويه في: أحقاً أنك منطلقٌ؟ على أنه ظرف خبر المبتدأ المنسبك من أن وصلتها.

(ومن الملتزم إضمارُ ناصبه المشبه به) - أي المصدر المشبه به.

(مشعراً بحدوث بعد جملةٍ حاويةٍ فعله وفاعله معنى دون لفظ ولا

ص: 475

صلاحية للعمل فيه) - وذلك نحو: له صوتٌ صوت حمارٍ، وله صراخ صراخ الثَّكلى أي يصوت صوت حمار، ويصرخ صراخ الثكلى.

واحترز بمشعر مما لا يشعر بحدوث نحو: له ذكاء ذكاءُ الحكماء. فلا ينصب هذا، لأن صوتاً ونحوه إنما انتصب لكون ما قبله بمنزلة يفعل مسنداً إلى فاعل، فله صوت بمنزلة: هو يصوت، وله صراخ بمنزلة: هو يصرخُ، وليس قولك: له ذكاء بمنزلة هو يفعل، إنما أخبرت بأنه ذو ذكاء، فهو كقولك، له يدٌ يدُ أسد، فلا ينصب لهذا، فإن عبرت بالذكاء عن عمل يدل على الذكاء جاز النصبُ.

واحترز بقوله: بعد جملة من كونه بعد مفرد، فلا يجوز النصب في قولك: صوته صوت حمار ونحوه.

واحترز بحاوية من قولك: فيها صوتٌ صوت حمار، فإن النصب فيه ضعيفٌ، لأنه لم يشتمل على صاحب الصوت فلم يشبه، هو يصوت، بخلاف: له صوت.

ووجه النصب فيه أن الصوت يدل على المصوت، لاستحالة صوت بلا مُصوت.

واحترز بلا صلاحية مما يصلح للعمل في المصدر نحو: هو مُصوتٌ صوت حمار، فإن صوت حمار لا ينتصب فيه بمضمر بل بمذكرو وهو مصوت، بخلاف: له صوت صوت حمار.

ويجوز فيما كان من هذا النوع نكرة كصوت حمار أن ينتصب على المصدر وعلى الحال، وأما المعرفة كصوت الحمار، فتتعينُ فيه المصدرية، والتقديرُ على المصدرية: يصوتُ صوت حمارٍ أو صوت الحمار، وعلى

ص: 476

الحالية: يُبديه أو يخرجه صوت حمارٍ.

(وإتباعُه جائزٌ) - فتقول: له صوتٌ صوتُ حمار أو صوتُ الحمار، بالرفع في المعرفة والنكرة. وهو عند ابن خروف دون النصب، وهو والنصب عند ابن عصفور متكافئان، والرفع في المعرفة والنكرة على الخبرية لمبتدأ محذوف، أي هو صوت حمار أو صوت الحمار، والبدلية، وتزيد النكرة بالنعتية.

(وإن وقعتْ صفته موقعه فإتباعُها أولى من نصبها) - فالرفع في قولك: له صوت أيما صوت أو مثلُ صوت الحمار، أو له صوتٌ صوتٌ حسنٌ أولى من النصب، نص على ذلك سيبويه، وهذه مُثله.

والنصب على تقدير: يصوت أيما صوت، ويصوت مثل صوت الحمار، ويصوتُ صوتاً حسناً.

(وكذا التالي جملة خالية مما هو له) - فتقول: هذا صوتٌ صوتُ حمار، وفيها صوتٌ صوتُ حمار بالرفع. قال سيبويه: ولو نصبت لكان وجهاً. وقد سبق ذكره وجهه.

(وقد يُرفع مبتدأ المفيدُ طلباً) - كقولك: صبرٌ جميلٌ؛ وكقوله:

(505)

يشكو إليَّ جملي طول السرى

صبر جميلٌ فكلانا مبتلى

ويجوز كونه خبر مبتدأ محذوف، وبه جزم المصنف في باب المبتدأ، وعده من المبتدآت الواجبات الحذف.

(وخبراً المكررُ) - نحو: أنت سيرٌ سيرٌ.

ص: 477

(والمحصورُ) - نحو: إنما أنت سيرٌ.

(والمؤكد نفسه) - نحو: له علي ألف اعتراف. أي هذا الكلام اعتراف.

(والمفيدُ خبراً إنشائياً) - كقوله:

(506)

عجب لتلك قضيةً وإقامتي

فيكم على تلك القضية أعجبُ

والتقدير: أمري عجبٌ لتلك

ولما أبهم ميز بقوله: قضيةً.

ويجوز أن يكون عجبٌ مبتدأن والخبر في قوله لتلك، وجاز الابتداء به لأنه في معنى المنصوب الذي فيه معنى الفعل.

(وغير إنشائي) - كقوله:

(507)

أقام وأقوى ذات يوم وخيبةً

لأول من يلقى وشر ميسرُ

والكلام في رفع خيبة كالكلام في رفع عجب. والتقدير على جعله خبراً: الأمرُ أو الواقعُ خيبةٌ. وكلام سيبويه على أنه مبتدأ: قال: وقد يُرفع بعض هذا رفع مبتدأ ثم يبنى عليه، وأنشد:

عجبٌ لتلك

البيت. وكلام سيبويه هذا يدل على أن الرفع غير مطرد، وهو ظاهر قول المصنف:"وقد يُرفع .. " وقال صاحب البسيط: وقد يُرفع بعض هذه، وليس بقياس إذا أردت معنى النصب، خلافاً لبعضهم.

ص: 478

(فصل): (المجعول بدلاً من اللفظ بفعل مهمل، مفردٌ كدفراً، وجائزً الإفراد والإضافة كويله، ومضاف غير مثنى كبله الشيء وبهله، ومثنى كلبيك، وليس كلدي لبقاء يائه مضافاً إلى الظاهر خلافاً ليونس، وربما أفرد مبنياً على الكسر).

(وقد ينوب عن المصدر اللازم إضمارُ ناصبه صفات كعائذاً بك، وهنيئاً لك، وأقائماً وقد قعد الناس؟ وأقاعداً وقد سار الركب؟ وقائماً قد علم الله وقد قعد الناسُ) - فعائذاً اسم فاعل، يقال: عاذ بالله فهو عائذ، وكذا قائماً وقاعداً، وهنيئاً فعيل وهي صيغة مبالغة، تقول: هنأني الطعامُ أي ساغ لي وطاب، واسم الفاعل هانئ وهنيء فعيل للمبالغة. ويجوز كونه صفة من هنُؤ الطعام أي ساغ نحو: شَرُفَ فهو شريف، ويستعمل معه مريء فيقال: هنيئاً مريئاً، وهي صفة إما من أمرأني الطعام أو من مرأ الطعام على ما سبق في هنيء، وإنما يقال مرأ إذا كان مع هنأ وذلك للإتباع، فإذا أفرد قيل: أمرأني كأكرمني، وأجاز أبو البقاء كون هنيئاً ومريئاً مصدرين جاءا على فعيل، فيكونان كالنكير لأنهما ليسا من الأصوات.

(وأسماءُ أعيان كتُرباً وجندلاً

وفاها لفيك، وأأعور وذا

ص: 479

ناب) - فيقال: تَرباً وجندلاً في معنى تربت يداه، أي لا أصاب خيراً.

والتربُ الترابُ، والجندلُ الحجارة. قال سيبويه: جعلوه بدلاً من قولك: تربتء يداك. ويقال: فاها لفيك أي فا الداهية، قاله سيبويه في معنى دهاه الله، فيستعملان لقصد الدعاء. وأما أأعور وذا نابٍ؟ فالمقصود به الإنكار، وهو قول رجل من بني أسد في يوم يعرف بيوم جيلة، التقى فيه بنو أسد وبنو عامر، وكان بنو عامر قد جعلوا في مقدمتهم عند اللقاء جملاً أعور مشوه الخلق ذا ناب وهو المسنُّ، والعرب تكره البعير الأعور إذا رأته في عسكر عدوها، ففعلوا ذلك ليتطير به الآخرون، فيكون سبباً لانهزامهم. فلما رأوه قال بعض بني أسد: أأعور وذا ناب؟ فأنكر عليهم استقبالهم إياه، فلم يسمعوا منه، فقضى أن قومه هُزموا. وكأنه تطير بالعور لأنه نقص، وتخيل من الناب العض والشدة، فكأنه قال: أتستقبلون من الأمر ما فيه نقص وشدة؟ وقيل إنهم لقوا بعيراً أعور وكلباً، وقيل: بل البعير كانت له ناب طويلة.

(والأصح كون الأسماء مفعولات والصفات أحوالاً) - فالأسماء تُرباً وجندلاً وما بعده. وظاهر كلام سيبويه أنها كلها منصوبة نصب المفعول به كما ذكر المصنف أنه الأصح، وهو تأويل الأكثرين. والتقدير: ألزمك الله أو أطعمك ترباً وجندلاً، وألزم الله فاها لفيك أو جعل فاها لفيك، وأتستقبلون أعور وذا ناب؟

وذهب الشلوبين وغيره إلى أن تُرباً وجندلاً انتصبا انتصاب المصدر بدليل جواز اللام فتقول: تُرباً لك كما تقول: سُقياً لك. ولا حجة في

ص: 480

هذا، إذ اللام إنما هي للتبيين وهي متعلقة بمحذوف، والتبيين محتاج إليه هنا كما يحتاج إليه في سقيا ونحوه. وذلك لأن التقدير كما ذكر سيبويه: ألزمك الله أو أطعمك ترباً وجندلاً، فلما حذف العامل المشتمل على المقصود بهذا الدعاء احتيج إلى البيان كما احتيج إليه في سقيا ونحوه.

وذهب ابن خروف وابن عصفور إلى أن أعور وذا ناب حال، وجعلا تقدير سيبويه: أتستقبلون أعور وذا ناب تفسير معنى. قال ابن خروف: وحقيقة التقدير فيه: أتستقبلونه أعور

قال ابن عصفور: لأنهم إذا استقبلوه أعور فقد استقبلوا الأعور. ومستندهما في حمل كلام سيبويه على ذلك أنه لم يذكر في الباب الذي ذكر هذا فيه مفعولاً، هذا تمام الكلام في الأسماء.

وأما الصفات فهي: عائذاً بك وما بعده، فأما عائذاً وقائماً وقاعداً فأحوال مؤكدة لعاملها الملتزم إضماره.

والتقدير: أعوذ عائذاً بك، وأتقوم قائماً، وأتقعد قاعداً

وذهب المبرد إلى أنه منصوبة على أنها مصادر وجاءت على فاعل كالفالج والعافية. قال: لأن الحال المؤكدة تضعف. ورُد بأن الحال المؤكدة جاءت في أفصح كلام. قال تبارك وتعالى: "وأرسلناك للناس رسولاً". وزعم بعض النحويين أن هذه المسألة مقصورة على السماع، ولا يقال: أخارجاً وقد دخل الناس؟ إلا إن سُمع، وقال غيره: زعم سيبويه أن هذا مقيس، يقال لكل من كان لازماً صفة دائباً عليها. والأول هو مقتضى قول

ص: 481

المصنف: وقد ينوبُ

وقد جاء هذا مستعملاً مع الاستفهام كقوله:

(508)

أتاركة تدللها قطام

وضناً بالتحية والسلام؟

وبدون الاستفهام كقوله:

(509)

ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا

وعائذاً بك أن يغلوا فيطغوني

وقد جمع المصنف فيما ذكر من الصورتين الأمرين.

وأما هنيئاً فهو عند سيبويه ومعظم النحويين حال، وهي قائمة مقام الفعل الناصب لها. وقدره سيبويه مرة: ثبت فيكون حالاً مبينة، ومرة هنأ فيكون حالاً مؤكدة. وجوز الزمخشري في قوله تعالى:

"فكلوه هنيئاً مريئاً". أن يكون هنيئاً صفة لمصدر محذوف أي أكلاً هنيئاً، وأن يكون حالاً من ضمير المفعول وأن يوقف على:"فكلوه" ويُبتدأ: "هنيئاً مريئاً" على الدعاء، فينتصب انتصاب المصدر نحو: سقياً ورعياً.

ويستعمل مريئاً بعد هنيئاً. قال الفارسي: وانتصابه انتصاب هنيئاً.

ص: 482

والتقدير عنده: ثبت مريئاً، ولا يجوز عنده كونه صفة لهنيئاً، لأنه ناب مناب الفعل، والفعل لا يوصف. وذهب الحوفي إلى أنه صفةٌ له. وزعم بعض النحويين أن مريئاً يستعمل وحده غير تابع لهنيئاً، وجاء التفريق بينهما في بيت أنشده المبرد:

(510)

كل هنيئاً وما شربت مريئاً

ص: 483