الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 - باب تنازع العاملين فصاعداً معمولاً واحداً
هذا الباب يسمى باب التنازع كما ذكر المصنف، ويسمى أيضاً باب الإعمال كما ذكره غيره. ومرادُه بالعاملين غيرُ الحروف، بدليل قوله بعد، عاملان من الفعل وشبهه، وقوله: فصاعداً يقتضي جواز كون العامل في التنازع أربعة فأكثر، وهو ظاهر كلام ابن عصفور أيضاً. قيل: ولم يوجد أكثر من ثلاثة. قال:
(479)
تمنت وذاكم من سفاهة رأيها
…
لأهجوها لما هجتني محاربُ
ولهذا قال الشلوبين: الإعمال أن يتقدم عاملان أو ثلاثة، فاقتصر على الثلاثة، والمراد بقوله: معمولاً واحداً، الواحد باللفظ، فيخرج به نحو: ضربني زيدٌ وضربتُه، ولا يعد هذا من التنازع، لأن مطلوب العاملين فيه واحدٌ في المعنى دون اللفظ، والمعنى أن كلا من العاملين يتوجه نحو ذلك الواحد قبل الإضمار، على الوجه الذي سيذكره عند توجيه أحدهما بعينه إليه، ودخل في كلامه على هذا التقدير ما تعدى إلى اثنين فأكثر، وهو لا
يمنع التنازع فيه كما سيأتي في آخر الباب، وعلى هذا لا يحتاج أن يقال: أراد بذكر الواحد هنا ذكر ما هو مجمع عليه من أن التنازع يكو في ما يتعدى إلى واحد، دون ما هو مختلف فيه من أن التنازع يكون في ما يتعدى إلى أكثر من واحد، لأن هذا التقرير الذي ذكرناه يحتمله كلامه مع أنه لا ينافي ظاهره ما سيذكره بعد، من اختياره جواز التنازع في المتعدي إلى أكثر من واحد.
(إذا تعلق عاملان من الفعل) - نحو: "آتوني أفرغ عليه قطراً". ولم يشرط في الفعل التصرف، وسيأتي أنه يختار جواز كون العاملين فعليْ تعجب، وشرط ابن عصفور في العاملين التصرف، ومقتضى ذلك امتناع كل عامل غير متصرف من هذا الباب.
(أو شبهه) - كاسم الفاعل نحو: أنا ضاربٌ وشاتمٌ زيداً، واسم المفعول نحو: أمضروبٌ ومهانٌ زيدٌ؟ واسم الفعل نحو: نزال وبله زيداً.
(متفقان) - أي في العمل نحو: قام وقعد زيدٌ، وضربتُ وأكرمتُ عمراً، ومررتُ وأحسنتُ إلى زيدٍ.
(لغير توكيد) - فإذا قلت: قام قام زيدٌ، فالثاني توكيد للأول، فهو كالساقط، والعمل للأول، وأجاز المصنفُ مع هذا الوجه أن يُنسب
العملُ لهما لكونهما شيئاً واحداً، وعلى التقديرين ليس هذا من التنازع ولهذا قال:
(480)
فأين إلى أين النجاة ببغلتي
…
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
إذ لو كان منه لقال: أتاك أتوك أو أتوك أتاك. هذا هو الظاهر، ويحتمل أنه أضمر مفرداً كما حكى سيبويه: ضربني وضربت قومك، وعلى هذا يكون البيت من التنازع، وقد أجاز الفارسي في قوله:
(481)
فهيهات هيهات العقيق وأهله
أن يكون من باب التنازع، وأجازه أيضاً ابن أبي الربيع في: قام قام
زيد، مع التوكيد، على الوجه الأول من وجهيه السابقين.
(أو مختلفان) - أي في العمل نحو: ضربوني وضربتُ الزيدين، وضربتُ وغضبتُ على زيدٍ.
(بما تأخر) - كما سبق تمثيله، وممن نص على اشتراط ذلك الشلوبين، واحترز من أن يتقدم المعمول على العاملين نحو، زيداً أكرمتُ ويكرمني، فلا تكون المسألة من باب التنازع، لأن كل واحد من العاملين أخذ معموله، وكذا لو توسط نحو: ضربتُ زيداً وضربني، وقد أجاز الفارسي الإعمال مع التوسط، وأجازه بعض المغاربة مع التقدم، ومع هذا ربما وجب التقدم نحو: أي رجل ضربت أو شتمت؟
(غير سببي مرفوع) - فإذا قلت: زيدٌ قام وقعد أبوه، أو زيدٌ قائم وقاعدٌ أبوه، لم تكن المسألة من التنازع، لأنك إن أعملت الثاني خلا الأول من ضمير المبتدأ، وكذا إن أعملت الأول خلا الثاني منه، فيلزم عدم الارتباط بالمبتدأ، فإن سُمع مثله حمل على أن السببي مبتدأ مُخبر عنه بالعاملين السابقين، والجملة خبر الأول ومنه قول كُثير:
(482)
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
…
وعزة ممطول مُعنى غريمُها
وإلى منع كون المسألة المذكورة من باب التنازع ذهب أبو الحسن بن خروف والشلوبين، وقد أجاز بعضُ النحويين في البيت إعمال كل من مُعنى وممطول في غريمها، قال شيخنا: ولم يذكر معظم النحويين هذا الشرط.
واحترز بمرفوع من السببي غير المرفوع كالمنصوب مثلاً، فإنه لا يمتنع فيه التنازع، لأنه لا يُضمر بل يُحذف وذلك نحو: زيدٌ أكرمُ وأفضلُ أباه.
(عمل فيه أحدهما) - أي سواء كان طلبهما متفقاً نحو: قام وقعد زيدٌ، وضربتُ وأهنتُ زيداً، أم مختلفاً نحو: ضربني وأكرمتُ زيداً.
(لا كلاهما، خلافاً للفراء في نحو: قام وقعد زيدٌ) - فارتفع زيدٌ عنده بالفعلين معاً. قال المصنف: وهو غير مستبعد، فإنه نظير: زيدٌ وعمروٌ منطلقان، على رأي سيبويه في أن الخبر مرفوع بالمبتدأ. وأجيب بالفرق، وهو استقلال كل من الفعلين بالنسبة إلى زيد، وعدم استقلال كل من الاسمين بالنسبة إلى منطلقين، إذ لا يصح زيدٌ منطلقان، ويصح قام زيدٌ.
(والأحق بالعمل الأقرب لا الأسبق، خلافاً للكوفيين) - وعملُ كل منهما مسموع، ولكن الخلاف في الترجيح كما ذكر، والراجح الأقرب كما يقول البصريون، لنقل سيبويه عن العرب أن إعماله هو الأكثر، وأن إعمال الأول قليل. قال المصنف: ومع قلته لا يكاد يوجد إلا في الشعر، والبصريون يرجحون الثاني، والكوفيون الأول، وقال بعض النحويين: يتساويان، وقال النحاس: حكى بعض النحويين أن الكوفيين يختارون إعمال الأول، قال: ولم أجد ذلك على ما حكى. انتهى. ونصوص النحويين متضافرة على نقل هذا المذهب عن الكوفيين.
(ويعمل الملغي) - أي عن العمل في الاسم الذي تنازعه العاملان.
(في ضمير المتنازع) - أي سواء أكان ذلك الملغي الأول أم يغره، وسواء أكان طلبه الرفع أم غيره، فمثال الأول: ضربوني وضربت قومك، وأكرمته وأكرمني زيدٌ، ومررت به ومر بي زيدٌ، ومثال الثاني: ضربت وضربوني قومك، وأكرمني وأكرمته زيدٌ، ومر بي ومررت به زيدٌ. وفهم من قوله: في ضمير
…
أن التنازع لا يكون في الحال والتمييز، فنحو: تصببت وامتلأت عرقاً، وقمت وخرجت مسرعاً، ليس من التنازع، وإنما يكون على الحذف إن دل دليل.
(مطابقاً له) - أي للاسم المتنازع فيه في إفراد وتذكير وغيرهما نحو: قاما وقعد الزيدان، وقاموا وقعد الزيدون، وقمن وقعدت الهندات.
(غالباً) - استظهر به على ما حكم سيبويه بأنه جائز من نحو: ضربني وضربتُ قومك، لكنه جعله قبيحاً، وهو في تأويل: ضربني من ثم وضربتُ قومك، فأضمر مفرداً مراعاة لتأويل القوم بواحد يفهم الجمع.
قال سيبويه بعد ذكر هذا التأويل: وهو رديء يدخل فيه أن تقول: أصحابه جلس؛ تضمر شيئاً يكون في اللفظ واحداً.
(فإن أدتْ مطابقته) - أي مطابقة الضمير الاسم المتنازع.
(إلى تخالف خبر ومخبر عنه فالإظهار) - وتخرج المسألة حينئذ من
باب التنازع لأخذ كل من العاملين معموله ظاهراً، فتقول في: ظناني وظننتُ الزيدين منطلقين: ظناني منطلقاً وظننت الزيدين مطلقين، بإظهار ثاني ظناني، لأنك لو أضمرته لزم إما مخالفة لاخبر المخبر عنه، وذلك إّا أضمرته مثنى ليطابق مفسره فقلت: ظناني إياهما وظننت الزيدين منطلقين، فإياهما ومنطلقين متطابقان ولكن هو والياء متخالفان، ولا يخالف الخبر المخبر عنه، وإما مخالفة المفسر المفسر، وذلك إّا أضمرته مفرداً ليطابق المخبر به المخبر عنه، فقلت: ظناني إياه وظننت الزيدين منطلقين، فإياه والياء متطابقان ولكن هو ومنطلقين متخالفان، ولا يخالف المفسر المفسر، فلزم الإظهار ليزول المحذور. ولا يجيز المبرد غير هذا، وأجاز الكوفيون مع هذا، الحذف لدلالة منطلقين، فتقول: ظناني وظننتُ الزيدين منطلقين، وإضماره مؤخراً على وفق المخبر عنه لتضمن المثنى المفرد، فتقول: ظناني وظننت الزيدين منطلقين إياه. هذا إن أعملت الثاني، فإن أعملت الأول فقلت: ظننت وظناني الزيدين منطلقين، فكذاك يجب الإظهار فتقول: ظننت وظناني منطلقاً الزيدين منطلقين. ويأتي أيضاً قول الحذف وقول الإضمار. ولكن لا يظهر هنا التزام التأخير، لأن مقتضيه في الأولى مفقود في هذه، وهو تأخر المفسر لفظاً ورتبة.
وفهم من كلام المصنف أنه إن لم تؤد مطابقته إلى ما ذكر يضمر. وفي المسألة إذا أهملت الأول ثلاثة مذاهب:
حدها: إضماره مقدماً كالمرفوع نحو: ظننته أو إياه وظننت زيداً قائماً.
الثاني: إضماره مؤخراً لأنه كالفضلة نحو: ظنني وظننتن زيداً منطلقاً إياه. وجزم به المصنف في غير هذا الكتاب.
الثالث: حذفه لدلالة المفسر نحو: ظنني وظننتُ زيداً منطلقاً.
قال ابن عصفور: وهذا أسد المذاهب لسلامته من الإضمار قبل الذكر والفصل.
(ويجوز حذف المضمر غير المرفوع) - وهو المنصوب والمجرور سواء أكان صاحب الضمير الأول أو الثاني. فتقول: ضربتُ وضربني زيدٌ، والأصل، ضربته ومررت به. وسيذكر المصنف الخلاف فيما إذا كان الضمير للأول، وأما إذا كان للثاني فمذهب أبي على أنك لا تحذفه، وأجاز ذلك السيرافي جوازاً مطردا، وهو الذي يفهم من كلام المصنف.
وقوله فيما بعد: إن حذفه معمولاً للأول بشرطه أولى من إضماره مقدماً، يشعر أنه إذا كان لغير الأول لا يكون كذلك، فإما أن يكون ثبوته أولى وهو الظاهر، أو لا أولوية بل يستوي الحذف والإثبات، ولا منافاة بين الكلامين على كل من الاحتمالين.
وزعم المغاربة أن حذفه حينئذ مخصوص بالضرورة ومنه:
(483)
بعكاظ يُعشي الناظريـ
…
ن إذا هم لمحوا، شعاعه
أي لمحوه، وقال:
(484)
يرنو إلي وأرنو من أصادقه
…
في النائبات فأرضيه ويرضيني
أي وأرنو إليه.
ونقل بعض النحويين أن ضربني وضربتُ قومُك، برفع قوم جائز عند الكوفيين، على قول من قال: زيدٌ ضربتُ، حسن جيد عند البصريين على الحذف كقوله تعالى:"والحافظين فروجهم والحافظات".
(ما لم يمنع مانع) - فإذا قلت: مال عني وملتُ إليه زيدٌ، لم يجز حذف إليه، إذ يصير الظاهر أن الأصل، مال عني وملتُ عنه زيدٌ. وهو خلاف المراد. ومثله: رغب في ورغبتُ عنه زيدٌ.
(ولا يلزم حذفه أو تأخيره معمولاً للأول، خلافاً لأكثرهم، بل حذفه إن لم يمنع مانع أولى من إضماره متقدماً، ولا يحتاج غالباً إلى تأخيره إلا في باب ظن) - فيجوز عند المصنف: ضربتُه وضربني زيدٌ، ومررت به ومر بي زيد. بإثبات الهاء، وعليه:
(485)
إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب
…
جهاراً فكن للغيب أحفظ للعهد
وقوله:
(486)
ألا هل أتاها على نأيها
…
بما فضحت قومها غامد
وذهب الأكثرون إلى أنه يجب الحذف إن كان الضمير مستغني عنه فتقول: ضربتُ وضربني زيدُ، ومررتُ ومر بي زيدٌ، بحذف الهاء إلا في الضرورة كالبيتين، والتأخير إن لم يكن مستغنى عنه نحو: ظنني وظننتُ زيداً قائماً إياه، وذلك ليتخلص من تقديم ضمير هو فضلة أو كالفضلة على مفسره لفظاً ورتبة. واختار المصنف أن الحذف حيث لا مانع أولى، وأن التأخير إنما يحتاج إليه غالباً في باب ظن كما سبق تمثيله.
واحترز بالمانع من نحو: استعنت به واستعان علي زيد، فلا يجوز حذف الهاء لئلا يلتبس، وأشعر به قوله: غالباً.
(وإن ألغى الأول رافعاً صح دون اشتراط تأخير الضمير، خلافاً للفراء) - ووفاقاً لسيبويه والبصريين. ويدل عليه ما حكى من قول العرب: ضربوني وضربتُ قومك، وضرباني وضربتُ أخويك.
قال الشاعر:
(487)
خالفاني ولم أخالف خليلي
…
فلا خير في خلاف الخليل
وقال:
(488)
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني
…
لغير جميل من خليلي مهملُ
وما اشترطه الفراء من تأخير الضمير فتقول: ضربني وضربتُ قومك هم، حتى لا يتقدم على مفسره لفظاً ورتبةً مصادم للنص فلا يلتفت إليه. ودل قوله: الأول على أنه إن ألغى الثاني رافعاً جازت المسألة عند الفراء من غير هذا الشرط، فتقول: ضربتُ وضربوني قومك، وفيه بحث. والمشهور عن الفراء منع المسألة الأولى مطلقاً، ونقل عنه ما ذكره المصنف من إجازتها بشرط التأخير، ونقل عنه أيضاً القصر على السماع.
(ولا حذفه، خلافاً للكسائي) - في تجويزه: ضربني وضربت قومك، على حذف الفاعل حتى لا يضمر قبل الذكر، وقال به أيضاً هشام من الكوفيين، واختاره من المغاربة السهيلي وأبو جعفر بن مضاء.
ومما استدل به قوله:
(489)
لو كان حياً قبلهن ظعائناً
…
حيا الحطيمُ وجوههن وزمزم
فقال: حياً قبلهن ولم يقل: حييا، وأول على أنه أضمر في حيا مفرداً كما أضمر من قال:
(490)
ولو بخلت يداي بها وضنتْ
…
لكان علي للقدر الخيار
والمشهور عن الكسائي في هذه المسألة ما ذكره المصنف من الحذف، وكذا نقل عنه ابن عصفور في شرح الجمل، ونقل عنه في شرح الإيضاح أنه لا يقول بالحذف، بل يضمر مفرداً في الأحوال كلها. وكلام المصنف يُفهم أنه إن ألغى الثاني رافعاً لم يُحذف المرفوع عند الكسائي، فتقول على هذا: ضربتُ وضربوني قومك، كما يقول البصريون، وفيه بحث.
(ونحو: ما قام وقعد إلا زيدٌ، محمول على الحذف لا على التنازع، خلافاً لبعضهم) - لأنه لو كان من التنازع للزم إخلاء الفعل الملغي من الإيجاب، ولزم في نحو: ما قام وقعد إلا أنا، إعادة ضمير غائب على حاضر، فهو من باب الحذف العام لدلالة القرائن اللفظية عليه. والتقدير: ما قام أحد وقعد إلا زيدٌ، فحذف أحد كما حذف في قوله تعالى:
"وإن منكم إلا واردُها". ونحوه، وأسند قعد إلى ضمير أحد، وإلا زيد بدل، لكن يلزم على هذا حذف الفاعل، ومن قواعد البصريين أنه لا يحذف، بل زعم ابن عصفور في شرح الإيضاح أن حذف الفاعل لا يجوز عند أحد من البصريين، ولا عند الكوفيين، وهذا التركيب مسموع من العرب، قال:
(491)
ما صاب قلبي وأضناه وتيمه
…
إلا كواعب من ذُهل بن شيبانا
وقال:
(492)
ما جاد رأياً ولا أجدى محاولة
…
إلا امرؤ لم يُضع دنيا ولا دينا
وهو مقيس، وتخريج المسألة على مذهب الفراء في: قام وقعد زيدٌ، ضعيف، لضعف المذهب المذكور، وتخريجها على حذف إلا زيدٌ مثلاً من الأول لدلالة الثاني عليه، والتقدير: ما قام إلا زيدٌ وما قعد إل زيدٌ، فيه
أيضاً حذف الفاعل، فما تنفك المسألة عن إشكال.
(ويُحكم في تنازع أكثر من عاملين بما تقدم من ترجيح بالقرب) - كما هو مذهب البصريين في العاملين.
(أو بالسبق) - كما هو مذهب الكوفيين فيهما.
(وبإعمال الملغي في الضمير) - فتقول على إعمال الثالث: ضرباني وضربتُ أو ضربتهما ومر بي الزيدان، وعلى إعمال الثاني: ضرباني وضربتُ ومرا بي الزيدين، وعلى إعمال الأول: ضربني وضربتهما ومرا بي الزيدان.
ومقتضى كلام المصنف فيما سبق أنك تقول على رأي الكسائي في الأولى والثانية: ضربني بحذف الألف، وتقول على رأي الفراء في الأولى: ضربني وضربت ومر بي الزيدان هما، وفي الثانية:
ضربني وضربتُ ومرا بي الزيدين هما، بتأخير فاعل ضرب وحده في الصورتين.
(وغير ذلك) - أي مما سبق ذكره، فيحذف الضمير مثلاً حيث سبق أنه يجوز حذفه، وتذكره حيث سبق أنه يذكر.
(ولا يمنعُ التنازع تعد إلى أكثر من واحد) - بدليل ما حكى سيبويه من قول العرب، متى رأيت أو قلت زيداً منطلقاً، على إعمال رأيت، ومتى رأيت أو قلت، زيدٌ منطلقٌ، على حكاية الجملة بقلت. وقاس
المازني وجماعة ما يتعدى إلى ثلاثة على ما يتعدى إلى اثنين، فتقول في إعمال الأول: أعلمني وأعلمتُه إياه إياه زيدٌ عمراً قائماً. ولا يخفى التفريع على ما سبق ولم يسمع ذلك من العرب.
(ولا كون المتنازعين فعليْ تعجب) - فتقول: ما أحسن وأجمل زيداً إذا أعملت الثاني، وما أحسن وأجمله زيداً إذا أعملت الأول. نص على ذلك المبرد في المدخل، وشرط المصنف في الشرح في الجواز إعمال الثاني، حتى لا يفصل بين فعل التعجب ومعموله، فتجوز الصورة الأولى وتمتنع الثانية، ويجوز: أحسن به وأعقل بزيد، وتمتنع: أحسن وأعقل به زيد، للفصل، ورد بأن شرط باب الإعمال جواز إعمال كل من العاملين في المتنازع.
(خلافاً لمن منع) - أما المسألة الأولى فمنعها بعض النحويين في المتعدي إلى اثنين أو ثلاثة، وصرح الجرمي وجماعة بمنعها في ذي الثلاثة، وقالوا: لم يُسمع من العرب في نظم ولا نثر، وباب التنازع خارج عن القياس، فيقتصر فيه على المسموع. ونُقل عن الجرمي منعها في ذي اثنين، والسماع يرد على من منع في ذي الاثنين، والقياس في ذي الثلاثة، ولا نسلم خروج الباب عن القياس مطلقاً، وأما المسألة الثانية فمنعها بعض النحويين، وهو ظاهر مذهب سيبويه.