الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - باب اشتغال العامل عن الاسم السابق بضميره أو بملابسه
[بضميره] نحو: زيدٌ ضربته، أو مررتُ به.
[أو بملابسه] نحو: زيد ضربت أخاه، أو مررت بأخيه، ويتناول قوله: العامل الفعل كما مثل، وما يعمل عمله نحو: أزيداً أنت ضاربه؟ قال ابن الضائع: ولا يدخل في هذا الباب إلا اسم الفاعل والمفعول دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل. والصحيح أنه لا يفسر هنا إلا ما يجوز عمله فيما قبله، وهذا وإن تناوله قول المصنف العامل كما يتناول الحرف أيضاً نحو: زيدٌ إنه قائم، فيخرج بقوله: بجائز العمل فيما قبله.
(إذا انتصب لفظاً) - نحو: زيدٌ ضربتُه.
(أو تقديراً) - نحو: زيدٌ مررتُ به.
(ضميرُ اسم سابق) - وذلك كما مُثل. واحترز بسابق من أن يكون الاسمُ متأخراً نحو: ضربته زيداً، فإنه لا يكون من هذا الباب، بل إن
نصبت زيداً فهو بدل من الهاء، وإن رفعته فهو مبتدأ.
(مفتقرٍ لما بعده) - كما مُثِّل، واحترز من نحو: في الدار زيدٌ فأكرمه. إذ يصح في الدار زيدٌ، فلم يفتقر زيد إلى فأكرمه.
(أو ملابسُ ضميره) - بأن يكون مضافاً إلى ضمير الاسم السابق نحو: زيدٌ ضربتُ أخاه، أو مشتملة صفته عليه نحو: هندٌ ضربتُ رجلاً يبغضها، أو صلته نحو: ضربت الذي يبغضها، أو عطف عليه عطف بيان نحو: زيدٌ ضربتُ عمراً أخاه. فإن جعلت أخاه بدلاً امتنع لخلو جملة الخبر من الرابط لكون البدل على نية تكرار العامل، أو عطف عليه عطف نسق بالواو خاصة نحو: زيدٌ ضربتُ عمراً وأخاه، لإفادتها معنى الجمع، فكأنك قلت: زيدٌ ضربتُ عمراً مع أخيه.
(بجائز العمل فيما قبله) - أي إذا انتصب الضميرُ المذكور أو ملابسه بعامل يجوز أن يعمل في الاسم الذي قبله لو لم يعمل في الضمير أو الملابس، وذلك كما مثل، إذ يجوز أن تقول: زيداً ضربتُ، وبزيد مررتُ. وخرج بهذا القيد ما سبق التنبيه عليه، وفعلُ التعجب نحو: زيدٌ ما أحسنه! وأفعلُ التفضيل نحو: زيدٌ أكرمُ منه عمرو، فيجب رفعُ الأسماء على المبتدأ في ذلك لما سبق من أنه لا يفسر هنا إلا ما يجوز عمله فيما قبله، وإن فُسِّر قولُه هنا: ما قبله بما هو أعم من الاسم المشغول عنه العامل دخلت مسائل الاشتغال في المرفوع نحو: أزيدٌ قام؟ وسنذكرها، إذ يصح
لهذا العامل أن يعمل في ظرف مقدَّم عليه ونحوه، نحو: أعندك زيدٌ قام؟ فيصدق عليه أنه جائز العمل فيما قبله وإن لم يصدق أنه جائز العمل في الاسم المشغول عنه العامل.
(غير صلةٍ) - نحو: زيد أنا الضاربه، وأذكر أن تلده ناقتُك أحبُّ إليك أم أنثى؟
(ولا مشبهٍ بها) - أي الصلة في تتميم ما قبله وهو الصفة نحو: ما رجل تحبه يُهانُ. والمضاف إلى المفعول نحو: زيدٌ يوم تراه يفرح.
(ولا شرط مفصول بأداته) - نحو: زيدٌ إن زرته يكرمك، واحترز بمفصول من نحو: إنْ زيداً زرته يكرمْك، وسيأتي حكمه.
(ولا جواب مجزوم) - نحو: زيدٌ إن يقم أكرمْه. واحترز بمجزوم مما لو ارتفع ما إذا انجزم كان جواباً، فإنه قد يسمى جواباً تجوزا، فلو رفعت أكرمه في المثال جاز عند سيبويه وأصحابه تفسيره عاملاً في زيد، لأنه يجوز له أن يعمل فيما قبله والحالة هذه لو لم يشتغل بالضمير؛ لكن مقتضى كلامه جواز: عمراً إذا قام زيدٌ أكرمه، وهو لا يجوز، إذ لا يجوز: عمراً إذا قام زيدٌ أكرم.
(ولا مسندٍ إلى ضمير للسابق متصل) - نحو: أزيدٌ ظنُه ناجياً؟ أي
ظن نفسه؛ فلا يجوز نصب زيد، إذ يلزم منه تفسير المفعول الفاعل، وهو ممتنع في جميع الأبواب، فلو انفصل الضمير جاز النصبُ فتقول: أزيداً لم يظنه ناجياً إلا هو؟ لأن المنفصل كالأجنبي، والأصل: لم يظنه أحد ناجياً إلا هو.
(ولا تالي استثناء) - نحو: ما زيدٌ إلا يضربه عمروٌ.
(أو معلق) - نحو: زيدٌ كيف لقيته؟ وكذا باقي أدوات التعليق، وأما لا فعلى المذاهب في تقديم معمول منفيها عليها، وثالثها الأصح يمتنع في القسم لا في غيره، وعلى هذا يجوز: زيداً لا أضربه، ويمتنع: زيداً والله لا أضربه.
(أو حرف ناسخ) - نحو: زيدٌ ليتني ألقاه.
(أو كم الخبرية) - نحو: زيدٌ كم لقيتُه.
(أو حرف تحضيض) - نحو: زيدٌ هلا ضربته؟
(أو عرض) - نحو: عمرو ألا تكرمه؟
(أو تمن بألا) - نحو: العونُ على الخير ألا أجده؟ فوجوب رفع ما قبل التحضيض وتالييه مذهب المحققين من العارفين بكتاب سيبويه. وعكس قومٌ منهم الجزولي فجعلوه مرجحة نصب الاسم السابق. وذكر ابن
العلج أن بعض النحويين جوز النصب ورجح الابتداء في نحو: شرابنا ألا تشربه؟
(وجب نصبُ السابق إن تلا ما يختص بالفعل) - نحو إذا لغير المفاجأة، ولو في مجازاة. وإن الشرطية، وأدوات التحضيض، فتقول: إذا زيداً ألقاه أكرمُه، ولو زيداً لقيتُه ما أهنته، وإن زيداً أكرمته أكرمك، وهلا زيداً أكرمته؟ بنصب الاسم السابق فيها كلها وجوباً، وقياسُ من أجاز وقوع الاسم مبتدأ بعد هذه أن يجيز رفع المشتغل عنه في هذه المسائل كلها.
(أو استفهاماً بغير الهمزة) - نحو: هل زيداً رأيته؟ فيجب نصب زيد بمضمر مفسر بالظاهر، ويمتنع الرفعُ، إذ لا يتقدم مع هل الاسم على الفعل، خلافاً للكسائي، وشمل قوله: بغير الهمزة، أدوات الاستفهام غيرها نحو متى وكيف فتقول: متى أمة الله يضربها؟ وكيف زيداً لقيته؟ وتحرز من الهمزة فإن النصب بعدها راجحٌ لا واجبٌ كما سيأتي.
(بعامل لا يظهرُ) - أي وجب نصبُ السابق بعامل لا يجوز إظهارهُ. لكون العامل المشغول عوضاً عنه، ولا يُجمع بين العوض والمعوض. وقول الكسائي إنه منصوب بالعامل المشغول، والعائد مُلْغى يبطل بنحو: إن زيداً مررت به. كما يبطل به قول الفراء إن المشغول عاملٌ في الظاهر والمضمر، فتعين كونُ ناصبه ما ذكر، وهو مذهبُ البصريين، وإنما قال: بعامل ليشمل الفعل وشبهه نحو: أزيداً أنت ضاربه؟
(موافق للظاهر) - أي لفظاً ومعنى. فالتقدير في: إن زيداً أكرمته أكرمك: إن أكرمت زيداً أكرمته.
(أو مقارب) - أي إن تعذر الموافق نحو: إن زيداً مررت به أكرمك. التقدير: إن جاوزت زيداً مررت به، ونحو: إنْ زيداً كلمت أخاه أحبك، أي إن لابست زيداً كلمت أخاه أحبك.
(وقد يُضمر مطاوع للظاهر فيُرفعُ السابق) - وعليه جاء قوله:
(462)
لا تجزعي إنْ منفسٌ أهلكته
…
وإذا هلكتُ فعند ذلك فاجزعي
في رواية الكوفيين فرفع منفس على إضمار المطاوع أي: إن هلك منفسٌ هلكته، ورواية البصريين بنصبه على إضمار الموافق أي: إن أهلكتُ منفساً أهلكتُه. يقال: لفلان منفس ونفيس أي مال كثير. وما سرني بهذا الأمر منفس ونفيس.
(ويرجح نصبه على رفعه بالابتداء إن أجيب به استفهام بمفعول ما يليه) - فتقول في جواب: أيهم ضربت؟ ، زيداً ضربتُه.
(أو بمضاف إليه مفعولُ ما يليه) - نحو: ثوب زيدٍ لبسته في جواب: ثوب أيهم لبست؟ فإن لم يجب به استفهام بالمفعول ولا بمضاف إليه المفعول اختير الرفع، فتقول في جواب: أيهم ضربته؟ وثوب أيهم لبسته؟ ، زيدٌ ضربته، وثوب زيد لبسته، بالرفع.
(أو وليه فعلُ أمر) - أي فعل يُفهم منه معنى الأمر نحو: زيداً اضربه، أو ليضربه عمرو، "والوالداتُ يرضعْنَ". وخرج نحو: زيدٌ أسمعْ به، فلا يجوز نصبُ زيد، واحترز بفعل من أن يليه اسمُ فعل الأمر لا فعله، فإنه لا يجوز نصبه فتقول: زيدٌ مناعه، بالرفع لا غير.
(أو نهي) - نحو: زيداً لا تضربه، ونحو قوله:
(463)
القائلين يساراً لا تناظره
…
غشاً لسيدهم في الأمر إذ أمروا
(أو دعاء) - نحو: زيداً، رحمه الله أو ليجزيه الله خيراً، أو أصلح اللهم شأنه.
(أو ولي هو) - أي الاسم المشتغل عنه.
(همزة استفهام) - نحو: أزيداً ضربته؟ وأعبد الله ظننته قائماً؟ وأزيداً ظننته أم عمراً قائماً؟ واحترز بقوله: أو ولي هو من أن تليه الهمزة، فإن الرفع حينئذ يتعين نحو: زيدٌ أضربته؟ وبقوله: همزة من أن يلي هو غير همزة من أدوات الاستفهام، فإنه يجبُ نصبه نحو: هل زيداً ضربته؟
(أو حرف نفي لا يختص) -نحو: ما زيداً ضربتُه ولا بكراً
قتلته. فالنصب هنا راجح على الرفع عند المصنف، وهو اختيار ابن عصفور، وزعم أنه مذهب الجمهور، وقيل: الرفع أرجح، وقيل: هما سواء. واحترز بحرف من ليس، فإن الاسم الذي يليها يرفع بها، فلا تكون المسألة من الاشتغال. وبقوله: لا يختص من لن ولم ولما النافية إذ لا يلي واحد منها الاسم إلا في ضرورة، فيحمل على إضمار فعل وجوباً كما قال:
(464)
فلمْ ذا رجاءٍ ألقهُ غير واهب
أي: فلم ألق ذا رجاء ألقه.
(أو حيث) - لأن فيها معنى المجازاة فتقول: حيث زيداً يكرمك. بنصب زيداً اختياراً.
(أو عاطفاً على جملة فعلية تحقيقاً) - نحو: لقيتُ زيداً وعمراً كلمته، وكذا قام زيدٌ أو زيداً ضربتُ وعمراً كلمته، ولستُ أخاك وزيداً أعينك عليه، وإنما رجح النصب للمشاكلة بعطف فعلية على مثلها. قال تعالى:
"فدمرناهم تدميراً. وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم" وقال تعالى: "فريقاً هدى، وفريقاً حق عليهم الضلالة".
(أو تشبيهاً) - نحو: أتيتُ القوم حتى زيداً مررتُ به، وما رأيتُ زيداً بل خالداً لقيتُ أباه. وذلك لشبههما بالحروف العاطفة في أنهما لا يكونان إلا بعد كلام.
أو كان الرفعُ يوهم وصفاً مُخلاً) - كقوله تعالى: "إنا كل شيء خلقناه بقدر". فنصب كل يرفعُ توهم أن خلقناه صفة شيء، إذ الصفة لا تفسر عاملاً فيما قبلها فهو خبر، فيلزم عموم خلق الأشياء بقدر، وهو قول أهل السنة، ورفعه يوهم أن خلقناه صفة شيء والصواب كونه خبراً، فرجح النصب، لرفعه احتمال غير الصواب، وقد قرئ بكل منهما، لكن المشهور النصب.
(وإن ولي العاطف جملة ذات وجهين، أي اسمية الصدر، فعلية العجز استوى الرفع والنصب) - فتقول: زيدٌ قام أبوه وعمروٌ كلمتُه، بالرفع الراجح على النصب إن راعيت الجملة الكبرى، وبالنصب الراجح على الرفع إن راعيت الجملة الصغرى. ولما كان المراد بذات الوجهين ما يراد بالصغرى والكبرى، وكانت الصغرى، وهي التي في ضمن الكبرى، قد تكون
اسمية، وقد تكون فعلية، احتاج إلى قوله: أي اسمية إلخ
…
ولو قال: وإن ولي العاطف أو شبهه ليدخل مسألة حتى نحو: أنا أضرب القوم حتى عمرو أضربه، وقال: فعلية العجز أو كالفعلية في العمل ليدخل مسألة: هذا ضارب عبد الله وعمروُ يكرمه، لكان حسناً، لأن حكمهما كما مر. والحكم باستواء الرفع والنصب هنا، كما ذكر المصنف، هو قول الجزولي، ونسبه ابن العلج لسيبويه، ونُقل عن الفارسي ترجيح الرفع، ووجهه صلاحية الثاني لسده مسد الأول، بخلاف حالة النصب، ورجح بعضهم النصب لترتبه على أقرب المتشاكلين.
(مطلقاً) - أي سواء أصلح جعل ما بعد العاطف خبراً أم لم يصلح، فتختار النصب إذا راعيت الجملة الثانية في نحو: زيدٌ قام أبوه وعمراً أكرمته، وفي نحو: وعمراً أكرمته في داره. قال سيبويه: وقد ذكر المسألة: وذلك قولك: عمروٌ لقيته وزيدٌ كلمته، إن حملت الكلام على الأول، وإن حملته على الأخير فقلت: عمرو لقيته وزيداً كلمته. انتهى. فصرح بأنك إن حملت على الخير نصبت، وليس في المثال الذي ذكره ما يقتضي جواز كون ما بعد العاطف خبراً، ولعل المراد بالحمل هنا المشاكلة التي روعيت مع حتى في نحو: ضربتُ القوم حتى زيداً ضربتُه. فاختير الصب هنا للمشاكلة لا للعطف، فكذلك يكون هذا.
(خلافاً للأخفش ومن وافقه في ترجيح الرفع إن لم يصلح جعل ما بعد
العاطف خبراً) - وهو مذهب الزيادي أيضاً، وبه قال السيرافي وغيره. ونقل ابن عصفور أن سيبويه وغيره من أئمة النحويي لم يشترطوا ضميراً، فليس صلاحية ما بعد العاطف للخبرية شرطاً في استواء الرفع والنصب في هذه المسألة عندهم. ويدل على ذلك قوله تعالى:"والقمر قدرناه منازل" قرأه الحرميان وأبو عمرو بالرفع، وقرأه باقي السبعة بالنصب، وهو معطوف على قوله تعالى:"والشمسُ تجري"، وليس في الجملة المحمولة على الصغرى ضمير يعود على الشمس.
(ولا أثر للعاطف إن وليه أما) - وذلك لأن أما تقطع، لأنها من أدوات الصدر، فلا نظر إلى ما قبلها، فلا يستوي الرفع والنصب في: زيدٌ قام أبوه وأما عمرو فأكرمته، ولا يرجح النصب في نحو: قام زيدٌ وأما عمروٌ فكلمتُه، بل المختار فيما بعد أما الرفع إن لم يله مرجحُ النصب نحو: أما عمراً فاضربه أو فلا تضربه أو فغفر الله له.
(وابتداءُ المسبوق باستفهام أولى من نصبه إن ولي فصلاً بغير ظرف أو شبهه، خلافاً للأخفش) - فإذا قلت: أأنت زيدٌ ضربته؟ فعند سيبويه أنت مبتدأ والجملة بعده خبره، وعند الأخفش أنت فاعل بضرب مقدراً. وزيداً منصوب به لوجود الاستفهام أول الكلام والفعل آخره. كذا قال المصنف وغيره: والذي يظهر أن يقال إن مراد سيبويه هنا أنك إن جعلت
أنت مبتدأ. كان جعلُ زيدٍ مبتدأ أولى من نصبه بإضمار فعل يفسره هذا الظاهرُ، لأن الفصل بين الهمزة وبين الاسم بالمبتدأ أبعده من طالب الفعل، فبقي كما لو لم توجد الهمزة؛ والمختار في: زيدٌ ضربته ونحوه الرفع، فكذلك هنا، فأنت مبتدأ وزيد ضربته جملة في موضع خبره، هذا إن رفعت زيداً، وإن نصبت على هذا التقدير، كان ضربته الملفوظ به مفسراً ناصباً لزيد، والناصب الخبر.
هذا كله إن رفعت أنت بالابتداء، وأما جواز رفعه فاعلاً بفعل مضمر يفسره الظاهر، فيتعين نصبُ زيدٍ بذلك المضمر، فتقول: أأنت زيداً تضربه؟ أي أتضرب أنت زيداً تضربه؟ وهذا هو الذي قاله الأخفش، فسيبويه رحمه الله لم يذكره ها هنا اعتماداً على ما هو المقرر من أن الهمزة يُختار معها الفعل في نحو: أزيداً ضربته؟ فسكت عن هذا الوجه في نحو: أأنت زيد ضربته؟ اتكالاً على ذلك، وأراد أن ينبه هنا على أن الاستفهام المفصول بغير ظرف أو شبهه لا أثر له في ترجيح جانب الفعل بالنسبة إلى ما فصل بينه وبينه. وعلى هذا فلا خلاف بين سيبويه والأخفش، وقد صرح سيبويه برجحان الفاعلية في نحو: أعبد الله ضرب
أخوه زيداً؟ واحترز المصنف بقوله: بغير ظرف أو شبهه من أن يكون الفصل بأحد هذين، فإنه لا يسقط ترجيح النصب في الاسم المفصول، إذ يتسع في هذين ما لا يتسع في غيرهما، فإذا قلت: أكل يوم زيداً تضربه؟ أو أفي الدار زيداً تضربه؟ كان الاختيار النصب كما لو لم يفصل.
(وكذا ابتداء المتلو بلم أو لن أو لا، خلافاً لابن السيد) - فإذا قلت: زيد لم أضربه أو لن أضربه أو لا أضربه، كان جعل زيد مبتدأ أولى من نصبه، كما في قولك: زيدٌ ضربته. وقال أبو محمد بن السيد: النصب أرجح، كما في قولك: ما زيداً ضربته. والفرق ظاهر. واحترز من المتلو بما، فإن رفعه على الابتداء متعين، فتقول: زيدٌ ما ضربته، إذ لا يفسر هنا إلا ما يصح عمله في الاسم السابق.
(وإن عدم المانعُ) - أي مانع النصب كالألف واللام مثلاً نحو: زيدٌ أنا الضاربُه؛ فنصب زيد ممتنع لكون العامل صلة، وكذا بقية ما سبق ذكره في أول الباب.
(والموجبُ) - أي موجب النصب كإنْ مثلاً نحو: إنْ زيداً رأيته أحببته.
(والمرجحُ) - أي مرجح النصب كسبق همزة الاستفهام الاسم مثلاً نحو: أزيداً ضربته؟
(والمسوي) - أي المسوي بين النصب والرفع على الابتداء وهو الجملة
ذاتُ الوجهين نحو: زيدٌ قام أبوه، وعمروٌ أكرمته.
(رجح الابتداءُ) - وذلك نحو: زيدٌ ضربته، وأنا زيدٌ ضربته، وزيد صديقي وعمرو أحببته.
(خلافاً للكسائي في ترجيح نصب تالي ما هو فاعل في المعنى نحو: أنا زيد ضربته وأنت عمرو كلمته) - ووجه قول الكسائي أن تقديم الفاعل في المعنى منبه على مزية العناية بالحديث عنه، فكأن المسند إليه متقدم. وقال غيره: لا ترجيح في هذا، لأن الاسم السابق لا يدل على فعل ولا يقتضيه، فوجوده كعدمه.
(وملابسة الضمير بنعت أو معطوف بالواو غير مُعادٍ معه العامل كملابسته بدونهما) - فمثل: زيدٌ ضربتُ أخاه، زيدٌ ضربتُ رجلاً يبغضه، أو ضربت عمراً وأخاه. وقد سبق هذا عند قوله: أو ملابس ضميره. وقيد العطف بالواو لينبه على أن غيرها من حروف العطف لا يثبت له هذا الحكم. فلا يجوةز: هندٌ رأيتُ عمراً ثم أخاها، ولا رأيت عمراً أو أخاها - واحترز بقوله: غير مُعادٍ، من أن يعاد العامل، فلو قلت: زيداً رأيت عمراً ورأيت أخاه، بنصب زيدً، لم يجُزْ.
(وكذا الملابسة بالعطف في غير هذا الباب) - نحو: ضربت امرأة قام عمرو وأخوها، وجاءت التي قام زيدٌ وأبوها، وجاء زيدٌ راكباً عمروٌ وأبوه، وزيدٌ قائمٌ عمرو وأخوه. فلو عطفت بغير الواو أو كررت العامل لم يجُز.
(ولا يمتنع نصبُ المشتغل عنه بمجرور حقق فاعلية ما علق به. خلافاً لابن كيسان) - فإذا قلت: زيدٌ ظفرتُ به على عمرو، أي بسببه، فيجوز على مذهب غير ابن كيسان نصب زيد. ومنع هو النصب، لكون المجرور فاعلاً في المعنى. كذا قال المصنف، وفيه بحث، ورُد على ابن كيسان بأن كونَهُ فاعلاً في المعنى لا يمنع نصبه، بدليل: زيداً أقمتُه.
(وإن رفع المشغولُ شاغله لفظاً) - نحو: أزيدٌ قام أبوه.
(أو تقديراً) - نحو: أزيدٌ مُر به.
(فحكهم في تفسير رافع الاسم السابق حكمُه في تفسير ناصبه) - فتارة يجب تقديرُ الفعل نحو: إن زيدٌ قام غلامُه فأكرمه، وتارة يرجح تقديرُ الفعل على الابتداء نحو: أزيدٌ قام غلامه، وتارة يتساوى الأمران نحو: زيدٌ قام وعمرو قعد، إن راعيت الكبرى رفعت عمراً على الابتداء، أو الصغرى رفعته على الفاعلية، وتارة يرجح الحمل على الابتداء، ومثل المصنف ذلك بقولك: زيدٌ قام؛ والمعروف في هذا أنه يجب فيه الحمل على الابتداء، لأنه لم يوجد مع الاسم السابق ما يقتضي الفعل لزوماً ولا اختياراً. وهو شرط في هذا النوع، كما ذكر المغاربة، ولم يثجز رفعه على الفاعلية إلا أبو القاسم حسين بن الوليد الشهير بابن العريف، بناء منه على أنه لا يشترط طالب الفعل؛ فلعل المصنف ذهب إلى ما ذهب إليه. ومثل بعضهم ذلك بقولك:
خرجتُ فإذا زيدٌ قد ضرب عمراً. بناء على ما حكاه الأخفش عن العرب أن إذا الفجائية يجوز أن يليها الفعل المقرون بقد دون غيره؛ وفيه نظر، إذ الشرط في هذا النوع كما سبق أن يوجد طالب الفعل لزوماً أو اختياراً، وإذا الفجائية على هذا التقدير ليست كذلك. وغاية ما حكاه الجواز، وعلى هذا يكون هذا القسم ساقطاً.
(ولا يجوز في نحو: أزيدٌ ذُهب به؟ . الاشتغالُ بمصدر منوي، ونصب صاحب الضمير، خلافاً للسيرافي وابن السراج) - ونحو: هذا المثال: أزيد غُضب عليه؟ وما ذكره المصنف من أمثلة سيبويه، فزيد مرفوع بفعل محذوف على المختار لمكان الهمزة. والتقدير: أذهب زيدٌ ذُهب به؟ لأن الجار والمجرور في موضع رفع بذُهب، ويجوز رفعه بالابتداء كما تقدم، وأما نصبه على تقدير أن يكون القائم مقام الفاعل ضمير المصدر، والجار والمجرور في موضع نصب، والتقدير: ذهب هو أي الذهابُ به، فأجازه المبرد والمذكوران، ورُد بأن الفعل إنما يتضمن مصدراً غير مختص، وغيرُ المختص لا ينوب عن الفاعل.
(وقد يفسر عامل الاسم المشغول عنه العامل الظاهر عاملاً فيما قبله إن كان من سببه وكان المشغول مسنداً إلى غير ضميريهما) - فإذا قلت: أزيدٌ أخوه تضربه؟ بتاء الخطاب، وهو من أمثلة سيبويه، جاز نصب الأخ على الاشتغال بلا خلاف، فتقول: أزيدٌ أخاه نضربه؟ أي تضرب أخاه تضربه؟ وأجاز سيبويه والأخفش نصب زيد أيضاً، فتقول: أزيداً أخاه تضربه؟ فتنصبه بعامل مقدر. وحكى عن قوم من القدماء أنهم منعوا نصب زيدٍ
ونحوه. ورُد عليهم بأن المضمر الذي وقع على الأخ قد عُرف إذ فسره الظاهر واستبان حتى صار كأنه ملفوظ به، فكيف لا يفسر ويكون هذا المظهر تفسيراً لهما جميعاً؟
(فإن أسند إلى أحدهما) - أي إلى أحد الضميرين المذكورين كضمير زيد والأخ مثلاً نحو: أزيدٌ أخوه يضربه، بياء الغائب.
(فصاحبُه) - أي صاحب الضمير الذي أسند إليه العامل الظاهر.
(مرفوع بمفسر المشغول، وصاحبه الآخر منصوب به) - فإن جعلت الضمير المرفوع بقولك: يضربه عائداً على الأخ، والمنصوب به عائداً على زيد، رفعت الأخ ونصبت زيداً فقلت: أزيداً أخوه يضربه؟ والتقدير: أيضرب زيداً أخوه يضربه؟ وإن جعلت المرفوع عائداً على زيد، والمنصوب عائداً على الأخ رفعته ونصبت الأخ فقلت: أزيد أخاه يضربه؟ والتقدير: أيضربُ زيدٌ أخاه يضربه؟