الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر
إنما قال: الأحرف ولم يقل: الحروف، لأن الموضع موضع قلة. وقول سيبويه وغيره: الحروف من باب وضع جمع الكثرة موضع جمع القلة، وهو ثابت كقوله تعالى:"ثلاثة قروء"، أو باعتبار ما يعرض لهذه الأحرف من التغيير.
(وهي إن للتوكيد) - ولذلك أجيب بها القسم نحو: والله إنك فطنٌ، والمفتوحة كالمكسورة في إفادة التأكيد، نقله ابن العلج عن النحويين.
(ولكن للاستدراك) - ولذا لا تكون إلا بعد كلام، نحو: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم".
(وكأن للتشبيه) - قال المصنف: هي للتشبيه المؤكد، فأصلُ: كأن زيداً أسدٌ: إن زيداً كأسد، فقُدمت الكاف وفتحت الهمزة، وصار الحرفان حرفاً واحداً مدلولاً به على التشبيه والتوكيد.
(وللتحقيق أيضاً على رأي) - هو رأي الكوفيين والزجاجي. زعموا أنها قد تكون للتحقيق دون تشبيه، وجعلوا منه قول عمر بن أبي ربيعة:
(344)
كأنني حين أمسي لا تكلمني
…
ذو بغية يشتهي ما ليس موجوداً
إذ لا تشبيه فيه، إذ هو ذو بغية يشتهي ما ليس موجوداً. ورُد بأن التشبيه فيه بيّن بأدنى تأمل، وذلك أنه لما يئس من أن تكلمه مع اشتهائه كلامها. وإن كانت موجودة، كما يُواسُ من الوصول إلى ما هو معدوم، صار كأنه اشتهى ما لا وجود له أصلاً.
(وليت للتمني) - ويكون في الممكن نحو: ليت زيداً أميرٌ، والمستحيل نحو: ليت الشباب يعودُ، ولا يكون في الواجب، لا يقال: ليت غداً يجيء.
(ولعل للترجي والإشفاق) - ولا يستعمل إلا في الممكن، فلا يقال: لعل الشباب يعود، والترجي للمحبوب نحو: لعل الله يرحمنا، والإشفاق للمكروه نحو: لعل العدو يقدم.
(والتعليل) - أثبته الكسائي. وقال الأخفش في المعاني: "لعله يتذكر" نحو قول الرجل لصاحبه: أفرغ لعلنا نتغدى. والمعنى لنتغدى.
(والاستفهام) - قاله الكوفيون، وجعل المصنف منه:"وما يدريك لعله يزكى".
(ولهن) - أي الأحرف المذكورة.
(شبهٌ بكان الناقصة في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما) - فخرج باللزوم ما يدخل على المبتدأ والخبر وعلى غيرهما كألا وأما الاستفتاحيتين، وبالاستغناء بهما لولا الامتناعية وإذا الفجائية فإنهما يشبهان كان في لزوم المبتدأ والخبر ويفارقانهما بافتقار لولا للجواب وإذا إلى كلام سابق.
(فعملت عملها) - أي عمل كان الناقصة.
(معكوساً) - فنصبت الاسم ورفعت الخبر. وهذا على قول البصريين، وأما الكوفيون فيقولون: إنما نصبت الاسم، وأما الخبرُ فلم تعمل فيه شيئاً، بل هو على رفعه قبل دخولها.
(ليكونا) - أي المبتدأ والخبر، وهذا تعليل أول لعملها عمل كان معكوساً.
(معهُن) - أي مع الأحرف المذكورة.
(كمفعول قُدم وفاعل أخر) - نحو: أكل الخبز زيدً.
(تنبيهاً على الفرعية) - لأن الأصل تقديم المرفوع.
(ولأن معانيها) - أي معاني هذه الأحرف: وهذا تعليل ثان.
(في الأخبار) - أي لا يتحقق حصولها إلا في الأخبار.
(فكانت كالعُمد، والأسماءُ كالفضلات، فأعطيا إعرابيهما) - فنصب الاسم لشبهه بالمفعول، ورُفع الخبر لشبهه بالفاعل.
(ويجوزُ نصبهما بليت، عند الفراء) - فيقول: ليت زيداً قائماً بنصب الجزءين، وجعل منه قوله:
(345)
ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى
…
والشيب كان هو البديء الأول
والبد
يء والبدءُ الأول، ومنه قولهم: افعله بادي بدء وبادي بديء، وهو على فعيل، أي أول شيء: وياء بادي ساكنة في موضع النصب. هكذا
يتكلمون به. قاله الجوهري:
(وبالخمسة عند بعض أصحابه) - فأجاز بعض الكوفيين نصب الجزءين بعد خمسة الأحرف. وقال ابن سلام في طبقات الشعراء: هي لغة رؤبة وقومه. وقال ابن السيد: نصب خبر إن وأخواتها لغةُ بعض العرب.
(وما استُشْهد به محمول على الحال) - فخبَّةً جروزاً في قوله:
(346)
إن العجوز خبةً جروزا
…
تأكل في مقعدها قفيزا
حال من فاعل تأكل. والخبة الخداعة. والجروز التي إذا أكلت لم تترك على المائدة شيئاً، وكذلك الرجل.
(أو على إضمار فعل، وهو رأي الكسائي) - فيحمل قوله: هو الرجيع على تقدير كان. والأصل: كان الرجيع، فحذف كان وأبرز الضمير، وبقي النصب بعده دليلاً.
وكان الكسائي يوجه هذا التوجيه في كل موضع وقع فيه نصبان بعد شيء من هذه الأحرف. وكذلك يقدر في قوله:
(347)
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن
…
خطاك خفافاً، إن حرسانا أسدا
أن الأصل: إن حُراسنا يشبهون أسداً أو كانوا، وجُنح الليل وجنحُه طائفةً منه.
(وما لا تدخلُ عليه دام لا تدخل عليه هذه الأحرف) - فلا تدخل على مبتدأ خبره مفرد طلبي نحو: أين زيد؟ أو جملة طلبية نحو: زيد
اضْرِبْه. أو هل رأيته؟ .
(وربما دخلت إنَّ على ما خبره نهي) - كقوله:
(348)
إن الذين قتلتم أمس سيدهم
…
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
(وللجزءين بعد دخولهن ما لهما مجردين) - فجميع ما سبق في باب الابتداء من تقسيم المبتدأ إلى عين ومعنى، والخبر إلى مفرد وغيره يأتي هنا، وكذلك ما تقدم من الشروط، كعود ضمير من الجملة المُخبر بها، ومن الأحوال كحذف الضمير لدليل. كقول الشاعر:
(349)
وإن الذي بيني وبينك لا يني
…
بأرض أبا عمرو لك الدهر شاكراً
أي لا يني به أو من أجله.
(لكن يجب هنا تأخير الخبر) - لما سبق من بيان موجب تقديم منصوبها وتأخير مرفوعها.
(ما لم يكن ظرفاً أو شبهه فيجوز توسيطه) - لأن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما، فلم يمتنع تقديمهما على الاسم بعد الأحرف، فلهذا جاز: إن في الدار زيداً، وإن أمامك عمراً، ووجب: إن في الدار صاحبها، وأن أمام هند بعلها.
(ولا يُخَصُّ حذف الاسم المفهوم معناه بالشعر، وقل ما يكون إلا ضمير الشأن) - فمن حذفه وهو ضمير الشأن في غير الشعر قول بعضهم: إن بك
زيدٌ مأخوذٌ. يريد: إنهُ. حكاه سيبويه عن الخليل: ومن حذفه وهو غير ضمير شأن في غير الشعر أيضاً ما حكى الأخفش: إن بك مأخوذ أخواك. بحذف الاسم وهو ضمير المخاطب، أي إنك بك مأخوذ أخواك، ومن حذفه وهو ضمير شأن في الشعر قوله:
(350)
ولكن من لا يلق أمراً ينوبه
…
بعُدته ينزل به وهو أعزل
ومن حذفه وهو غير ضمير شأن في الشعر قوله:
(351)
فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي
…
ولكن زنجي عظيم المشافر
أي ولكنك زنجي، والأعزل الذي لا سلاح معه، ويقال زَنْجِيّ وزِنْجيّ، وهو واحد الزنج والزُنج، وهم جيل من السودان: والمشافرُ جمع مِشْفَر، والمِشْفَر مستعار هنا، وهو من البعير كالجحفلة من الحافر، واستعير هنا كما استعير من قولهم: مشافر الفرس، والجحفلة للحافر كالشفة للإنسان، وضبي نسبة إلى ضبة بن أد، وهو عم تميم بن مُر.
(وعليه يُحملُ: "إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون") -
فيكون نظير ما حكى سيبويه من قولهم: إن بك زيدٌ مأخوذٌ: والأصل إنه من أشد
…
فحذ ضمير الشأن كما في إن بك ..
(لا على زيادة منْ، خلافاً للكسائي) - وذلك لأن زيادة من مع اسم إن غير معروفة، وأيضاً فالمعنى يفسدُ على تقدير الزيادة، إذ يصير: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون، وليس كذلك، إذ غيرُهم أشد عذاباً منهم كالكفرة ونحوهم، وإنما تكلف الكسائي معنى الزيادة لأن مذهبه منعُ حذف ضمير الشأن إذا وقع بعد هذه الأحرف اسم يصح عملها فيه كالمصورين، وما حكاه سيبويه يرد عليه.
(وإذا عُلِمَ الخبرُ جاز حذفه مطلقاً) - أي سواء كان الاسم معرفة أو نكرة، وهذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح.
(خلافاً لمن اشترط تنكير الاسم) - وهم الكوفيون. ومن حذفه والاسم نكرة:
(352)
إن محلا وإن مرتحلا
…
وإن في السفر إذ مضوا مهلا
أي إن لنا محلاً وإن لنا مرتحلاً، والمعنى: إن لنا محلاً في الدنيا ما كنا أحياء، ومرتحلاً إذا متنا، ومن حذفه وهو معرفة:
(353)
سوى أن حياً من قريش تفضلوا
…
على الناس أو أن الأكارم نهشلا
أي تفضلوا. يقال: سفرتُ أسفر سفوراً خرجتُ إلى السفر فأنا سافر، وقوم
سفر كصاحب وصحب، وسفار كراكب وركاب، والمهل بالتحريك التؤدة.
(وقد يسد مسده واو المصاحبة) - نحو ما حكى سيبويه: إنك ما وخيراً. أي إنك مع خير، وما زائدة، والخبرُ محذوف وجوباً كما في: كل رجل وضيعته.
(والحال) - أي وقد يسدُّ مسده الحال نحو: إن شربي السويق ملتوتاً، ومنه:
(354)
إن اختيارك ما تبغيه ذا ثقة
…
بالله مستظهراً بالحزم والجلد
فحذف الخبر وجوباً لسد الحال مسده كما في: ضربي زيداً قائماً.
(والتُزم الحذف في: ليت شعري مُرْدَفاً باستفهام) - نحو: ليت شعري أكان كذا أم كذا. ومنه:
(355)
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
بوادٍ وحولي إذخر وجليل؟
فالخبر محذوف وجوباً، أي ليت شعري بكذا ثابت أو موجود، وذلك لأنه بمعنى ليتني أشعر، وجملة الاستفهام في موضع نصب بشعري، وهو مصدر حذفت منه التاء، والأصل شعرة كدربة، قال سيبويه: حذفوا الهاء كما حذفوها في قولهم: ذهب بعذرها، وهو أبو عذرها، والجليل الثمام وهو
نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، والواحدة جليلة والجمع جلائل. وأصل عَذْرها عذرتها كما قال سيبويه، والعذرة البكارة، ويقال: فلان أبو عذرها إذا كان هو الذي افترعها وافتضَّها.
(وقد يخبر هنا، بشرط الإفادة، عن نكرة بنكرة) - نحو ما حكى سيبويه، إنَّ ألفاً في دراهمك بيضٌ؛ وكقول امرئ القيس في رواية سيبويه:
(356)
وإن شفاء عبرة مهراقة
…
فهل عند رسم دارس من معول؟
(أو بمعرفة) - نحو ما حكى سيبويه: إن قريباً منك زيد، وإن بعيداً منك عمرو، وأنشد:
(357)
وما كنت ضفاطاً ولكنَّ طالباً
…
أناخ قليلاً فوق ظهر سبيل
وقدَّره: ولكن طالباً أنا.
(ولا يجوز نحو: إن قائماً الزيدان، خلافاً للأخفش والفراء، ولا نحو: ظننت قائماً الزيدان، خلافاً للكوفيين) - جواز هاتين المسألتين متفرع على جواز: قائم الزيدان، بدون نفي أو استفهام، وقد سبقت المسألة في باب المبتدأ؛ قال المصنف هنا: والصحيح أن يقال: إعمال الصفة عمل الفعل فرع إعمال الفعل، فلا يستباح إلا في موضع يقع فيه الفعل، فلا
يلزم من تجويز: قائمٌ الزيدان تجويز هاتين المسألتين، ولهذا قال المصنف هنا، لا يجوز، وإن كان سبق منه هناك أنه لا يجري هذا المجرى باستحسان إلا بعد استفهام أو نفي.
(فصل): (يستدام كسرُ إن ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر) - وذلك لأن المكسورة هي الأصل، لأنها مستقلة، والمفتوحة كبعض اسم، لتقديرها هي وما عملت فيه به، وقيل: المفتوحة أصل المكسورة، وقيل: كل منهما أصل بنفسها؛ وإنما قال بمصدر ولم يقل بمفرد لأنها إنما تفتح إذا أولتْ بمفرد وهو مصدر، أما إذا أولتْ بمفرد غير مصدر فلا تفتح كما في قولك: ظننت زيداً إنه قائم، فهي هنا واجبة الكسر، وإن كانت في موضع مفرد، لأنه غير مصدر وهو المفعول الثاني، إذ الأصل: ظننت زيداً قائماً.
(فإن لزم التأويلُ لزم الفتحُ) - كما في المواضع التي سنذكرها.
(وإلا فوجهان) - أي وإلا يلزم تأويلها بمصدر بل يجوز فوجهان: الفتح إن أولت بمصدر، والكسر إن لم تؤول، وذلك كما سيأتي.
(فلامتناع التأويل كسرت مبتدأة) - أي مبدوءاً بها لفظاً ومعنى نحو: "إننا أعطيناك الكوثر" أو معنى لا لفظاً نحو: "ألا إنهم هم السفهاء".
(وموصولاً بها) - كقوله تعالى: "وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه"، وأما فتحها في نحو: لا أكلمك ما أن في السماء نجماً، فواجب
كما سيأتي، وليست موصولاً بها، إذا التقدير: ما ثبت أن في السماء نجماً.
(وجواب قسمٍ) - نحو: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة"، "قل إي وربي إنه لحق".
(ومحكيةً بقول) - نحو: "قال إني عبد الله"، فإن كان القول بمعنى الظن فهي غير محكية به، ويأتي حكمها في باب ظن.
(وواقعة موقع الحال) - نحو: "وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون".
(أو موقع خبر اسم عين) - نحو: زيد إنه قائم، وكقوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة)، وكقول بعضهم:
(358)
أراني ولا كفران لله إنما
…
أواخي من الأقوام كل بخيل
واحترز بقوله: اسم عين من نحو: علمي أنك منطلق، فإنه يجب فتحها، إذ التقدير: علمي انطلاقُك، ومن نحو: أول ما أقول أني أحمد الله، فإنه
يجوز فيها الوجهان كما سيأتي.
(أو قبل لامٍ معلقة) - كقوله تعالى: "قد نعلمُ إنه ليحزنك" ولولا اللام لفتحت كما في: "عَلِمَ الله أنكم".
(وللزوم التأويل فُتحت بعد لو) - كقوله تعالى: "ولو أنهم صبروا" أي ولو ثبت صبرهم، أو لو صبرهم ثابت.
(ولولا) - كقوله تعالى: "فلولا أنه كان من المسبحين" أي فلولا تسبيحه ثابت، أو فلولا وجد تسبيحه.
(وما التوقيتية) - كقولهم: لا أكلمك ما أن في السماء نجماً، أو ما أن حراء مكانه، أي ما ثبت، والأول عن يعقوب: والثاني عن اللحياني.
(وفي موضع مجرور) - أي بحرف نحو: "ذلك بأن الله هو الحق". أو بإضافة نحو: "مثل ما أنكم تنطقون".
(أو مرفوع فعل) - أي فاعلاً نحو: "أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب" أو نائباً عنه نحو: "قل أوحي إلي أنه استمع". ودخل في قوله: "مرفوع فعل" مسألة ما التوقيتية، إذ التقدير كما ذكر: ما ثبت
أن. فلو لم تذكرها لم يبق تكرار.
(أو منصوبه غير خبر) - نحو: "ولا تخافون أنكم أشركتم) ونحو: "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم". واحترز بقوله: غير خبر مما هو خبر اسم عين نحو: حسبتُ زيداً أنه قائمٌ، فإنه يجب كسرها كما سبق.
(ولإمكان الحالين) - أي التقدير بمصدر والتقدير بجملة.
(أجيز الوجهان) - أي الفتح على تقدير المصدر، والكسر على تقدير الجملة.
(بعد: أول قولي) - نحو: أول قولي أو أول ما أقول أني أحمد الله.
فيجوز فتح أن على تقدير: أول قولي حمدُ الله، ويجوز الكسر على تقدير: أول كلام أتكلمُ به هذا الكلام المفتتح بإني. فعبارة الفتح تصدق على كل لفظ تضمن حمداً، ولا تصدق عبارة الكسر على حمدٍ بغير هذا اللفظ الذي أوله إني.
(وإذا المفاجأة) - كقوله:
(359)
وكنتُ أرى زيداً كما قيل سيداً
…
إذا أنه عبد القفا واللهازم
روى بفتح أنه على تقدير المصدرية، وهو مبتدأ خبره محذوف، أي: فإذا عبوديته ثابتة، وبالكسر على عدم التأويل بالمصدر.
(وفاء الجواب) - نحو: من يأتيني فإنه مكرم. من فتح جعل ما بعد الفاء مصدراً مبتدأ، وخبره محذوف، أي فإكرامه واقع، ومن كسر جعل ما بعدها جملة بلا تقدير، كما لو قال: فهو مكرم. وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى: "كَتَب ربُّكم على نفسه الرحمة، أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم".
(وتفتح بعد أما بمعنى حقاً) - نحو: أما أنك ذاهبٌ. روى سيبويه فيه كسر إن على جعل أما للاستفتاح كألا، وفتحها على جعل أما بمعنى حقاً فتفتح كما في: أحقاً أنك ذاهب؟ لتأولها بمصدر مبتدأ، وحقاً مصدر واقع ظرفاً مخبراً به.
(وبعد حتى غير الابتدائية) - وهي العاطفة أو الجارة، وذلك للزوم تقدير المصدر نحو: عرفتُ أمورك حتى أنك فاضلٌ. فيجوز تقدير ما بعد حتى بمصدرٍ منصوبٍ إن جُعلتْ عاطفة، وبمصدر مجرور إن جُعلتْ جارة. واحترز من الابتدائية لأن الكسر بعدها واجب لامتناع تقدير المصدر نحو: مرض زيدٌ حتى إنه لا يُرجى.
(وبعد لا جرم غالباً) - نحو: "لا جرم أن لهم النار" ففتحُ أن بعدها هو المشهور، وبه قرأ القراء، وقد أجريت لا جرم مجرى اليمين فكسر بعض العرب إن بعدها. وفسر الفراء لا جرم مرة بلا بُد ومرة بحقاً، وعند سيبويه أن لا رد لما سبق، وجرم فعل ماضٍ بمعنى حق، وأن وما بعدها في موضع رفع به. وعلى هذا فلا وجه لكسرها إلا ما حكى الفراء
من أن من العرب من يجريها مجرى اليمين فيقول: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنتَ.
(وقد تُفتح عند الكوفيين بعد قسم ما لم توجد اللام) - ذكر ابن كيسان في نحو: والله إن زيداً كريم، بلا لام أن الكوفيين يفتحون ويكسرون، والفتح عندهم أكثر.
(فصل): (يجوز دخول لام الابتداء بعد إن المكسورة على اسمها المفصول) - أي بالخبر نحو: "وإن لك لأجراً" أو بمعمول الخبر نحو: إن فيك لزيداً راغب، والمغاربة يمنعون: إن فيك لزيداً راغب. فالثانية ممنوعة عندهم.
(وعلى خبرها المؤخر عن الاسم) - نحو: "وإن ربك لذو فضل"؛ فلو تقدم الخبر على الاسم لم تدخل، فلا يقال: إن لعندك زيداً، ولا إن غداً لعندنا زيداً، وكذا إن كان الخبر المؤخر منفياً كما سيأتي.
(وعلى معموله) - أي معمول الخبر.
(مقدماً عليه) - أي على الخبر.
(بعد الاسم) - نحو: إن زيداً لطعامك آكل. ومنه:
(360)
إن أمراً خصني عمداً مودته
…
على التنائي لعندي غير مكفور
وتحرز بمقدماً من نحو: إن زيداً آكل طعامك، فلا يقال: آكل لطعامك، وبقوله: بعد الاسم من نحو: إن فيك زيداً راغبٌ، فلا يقال: إن لفيك زيداً راغب.
(وعلى الفصل المسمى عماداً) - نحو: "إن هذا لهو القصص الحق"
(وأول جزءي الجملة الاسمية المخبر بها أولى من ثانيهما) - فقولك:
إن زيداً لوجهُه حسنٌ، أولى من: إن زيداً وجهه لحسنٌ، وذلك أن صدر الجملة الاسمية كصدر الجملة الفعلية، وهذا التعليل يقتضي منع دخولها على ثاني جُزءي الجملة الاسمية كم في الفعلية، ولهذا قال المصنف في الشرح إنه شاذ، وكذا قال في البسيط. ومن دخولها على الأول:"وإنا لنحنُ نحيي ونميتُ"، وقوله:
(361)
إن الكريم لمن يرجوه ذو جدة
…
ولو تعذر إيسار وتنويلُ
ومن دخولها على الثاني ما حكى أبو الحسن، إن زيداً وجهه لحسن،
وقوله:
(362)
فإنك مَنْ حاربته لمحارب
…
شقي، ومن سالمته لسعيد
(وربما دخلت على خبر كان الواقعة خبر إن) - نحو ما ثبت في بعض نسخ البخاري عن قول أم حبيبة رضي الله عنها: إني كنت عن هذا لغنيةً.
(ولا تدخلُ على أداة شرط) - فلا يقال: إن زيداً لئن تأته يأتك. ولا إن عمراً لمن يكرمه يكرمه، لئلا تلتبس بالموطة، فإنها تصحب أداة الشرط كثيراً نحو:"لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا"؛ وحق المؤكد أن لا يلتبس بغير المؤكد، ونص على منع المسألة الكسائي والفراء والمغاربة.
(ولا على فعل ماض متصرفٍ خالٍ من قد) -فلا يقال: إن زيداً لقام، خلافاً للكسائي وهشام، ويجوز: إن زيداً ليقوم، وإنه لنعم الرجل، وإنه لقد قام، ويجوز: إنه لنعم الرجل، الأخفش والفراء، وسيبويه يمنعها.
(ولا على معموله) - أي على معمول الفعل الماضي المتصرف الخالي
من قد.
(المتقدم) - فلا يقال: إن زيداً لطعامك أكل.
(خلافاً للأخفش) - لأن دخول اللام على معمول الخبر فرع دخولها على الخبر. فلو جاز هذا لزم ترجيح الفرع على الأصل. والفراء كالأخفش.
(ولا على حرف نفي إلا في ندور) - كما أنشد أبو الفتح:
(363)
وأعلم أن تسليماً وتركاً
…
للا متشابهان ولا سواء
شبه لا بغير فأدخل عليها اللام.
(ولا على جواب الشرط، خلافاً لابن الأنباري) - فلا يقال: إن زيداً من يأته ليكرمه. لأنه غير مستعمل، ونص على المنع الكسائي والفراء.
(ولا على واو المصاحبة المغنية عن الخبر، خلافاً للكسائي) - وحكاية ابن كيسان عن الكسائي: إن كل ثوب لو ثمنه، خطأ عند البصريين.
(وقد يليها حرف التنفيس، خلافاً للكوفيين) - فيقال: إن زيداً لسوف يقوم أو لسقوم، وفاقاً للبصريين، إذ لا مانع منه.
(وأجازوا) - يعني الكوفيين.
(دخولها) - يعني اللام.
(بعد لكن) - نحو: لكن زيداً لقائم.
(ولا حجة فيما أوردوه لشذوذه وإمكان الزيادة) - وهو قول بعض
العرب:
(364)
ولكنني من حبها لعميدُ
إذ ليس له راوٍ عدل يقول سمعته ممن يوثق بعربيته، ولو صح لحُمل على أن اللام زائدة.
(كما زيدت) - أي اللامُ.
(مع الخبر مجرداً) - أي من إن نحو:
(365)
أم الحليس لعجوز شهر به
…
ترضى من اللحم بعظم الرقبة
والشهربة العجوز الكبيرة.
(أو معمولاً لأمسى) - نحو:
(366)
فقال من سألوا: أمسى لمجهودا
(أو زال) - نحو:
(367)
وما زلتُ من ليلى لدن أن عرفتها
…
لكالهائم المقصي بكل مراد
والمرادُ بفتح الميم المكان الذي يذهب فيه ويجاء.
(أو رأى) - نحو:
(368)
رأوك لفي ضراء أعيت فثبتوا
…
بكفيك أسباب المنى والمآرب
والضراء الشدة، وكذا البأساء، وهما اسمان مؤنثان من غير تذكير، قال الفراء: لو جمعا على أبؤس وأضر كما جمع النعماء بمعنى النعمة على أنعم لجاز.
(أو أن) - كقراءة من قرأ: "إلا أنهم ليأكلون الطعام)
(أو ما) - نحو:
(369)
أمسى أبان ذليلاً بعد عزته
…
وما أبان لمن أعلاج سودان
الأعلاج جمع علج وهو العبد والرجل من كبار العجم.
(وربما زيدت بعد إن قبل الخبر المؤكد بها) - نحو ما حكى الكسائي والفراء من كلام العرب: إني لبحمد الله لصالح.
(وقبل همزتها مبدلة هاء مع تأكيد الخبر) - نحو:
(370)
لهنكِ من عبسية لوسيمةٌ
…
على هنوات كاذب من يقولها
والوسيمة الجميلة. يقال: امرأة وسيمة ونساء وسام كظريفة وظراف، والهنوات الخصلات، ولا يقال إلا في الشر، يقال في فلان هنات وهنوات أي خصلات شر.
(أو تجريده) - نحو:
(371)
ألا ياسنا برق على قلل الحمى
…
لهنك من برق علي كريم
والقلل جمع قلة وهي أعلى الجبل، وقلة الشيء أعلاه، ورأس الإنسان قلته.
وأنشد سيبويه:
(372)
عجائب تُبدي الشيب في قُلة الطفل
(فإن صحبت بعد إن نون توكيد) - نحو: إن زيداً ليقومن.
(أو ماضياً متصرفاً عارياً من قد) - نحو: إن زيداً لقام.
(نُويَ قسم) - فالتقدير: إن زيداً والله ليقومن، وإن زيداً والله قام.
(وامتنع الكسرُ) - أي إذا دخل على إن ما يقتضي العمل نحو علمتُ
فتقول: علمت أن زيداً ليقومن وأن زيداً لقام، بفتح أن لأن هذه اللام ليست لام الابتداء، قاله ابن السراج.
(فصل): (ترادفُ إن نعمْ) - أثبت ذلك سيبويه والكسائي والأخفش وغيرهم، وأنكره أبو عبيدة، ومنه قول بعض طيء.
(373)
قالوا أخفت؟ فقلت إن. وخيفتي
…
ما إن تزالُ منوطة برجائي
وقال ابن الزبير الأسدي لعبد الله بن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال ابن الزبير: إن وراكبها.
(فلا إعمال) - أي فلا ترفع ولا تنصب كنعم.
(وتُخففُ فيبطلُ الاختصاص) - أي يبطل اختصاصها بالجملة الاسمية، فتليها الاسمية والفعلية.
(ويغلبُ الإهمالُ) -نحو: إنْ زيدٌ لقائمٌ. برفع زيد وقائم، ويجوز إعمالها على قلة. قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إنْ عمراً لمنطلقٌ.
(وتلزم اللام بعدها فارقة إن خيف لبس بإن النافية) - فتقول: إنْ زيدٌ لقائم، وإنْ في الدار لزيد، فإن لم يخف لبس لم تلزم نحو:
(374)
ونحن أباةُ الضيم من آل مالك
…
وإنْ مالك كانت كرام المعادن
(ولم يكن بعدها نفي) - فإن كان امتنعت اللام نحو: إن زيدٌ لن
يقوم أو ما يقوم.
(وليست غير الابتدائية، خلافاً لأبي علي) - فهي اللام الداخلة قبل التخفيف، وهذا مذهب سيبويه والأخفش الأوسط والأخفش الأصغر وابن الأخضر وجماعة، وذهب الفارسي وابن أبي العافية والشلوبين إلى أنها لازم أخرى اجتلبت للفرق، لعمل الفعل الذي قبلها فيما بعدها نحو:"وإنْ وجدنا أكثرهم لفاسقين" ولو قلت: إنك ضربت لزيداً، لم يجز، وأجيب بأن الفعل بعد المخففة في موضع ما كان يلي المثقلة، فإن قتلت لمسلماً بمنزلة: إن قتيلك لمسلم.
(ولا يليها) - أي إن المخففة.
(غالباً من الأفعال إلا ماضٍ ناسخٌ للابتداء) - نحو: "وإن كانتْ لكبيرة". واحترز بغالباً من نحو: إنْ قتلت لمسلماً. وأما المضي فليس بشرط، ومن المضارع:
"وإن نظنك لمن الكاذبين"، "وإنْ يكادُ الذين كفروا".
(ويقاس على نحو: إن قتلت لمسلماً وفاقاً للكوفيين والأخفش) - أي فيليها فعلٌ غير ناسخ قياساً، وفاقاً لهم، ومستندهم قوله:
(375)
شلت يمينُك، إنْ قتلت لمسلماً
…
حلت عليك عقوبةُ المتعمد
وقول بعض العرب: إنْ قنعْتَ كاتبك لسوطاً، وإنْ يزينك لنفسك، وإنْ يشينُك لهية، فهذا التركيب مقيس عند هؤلاء، وهو عند البصريين - غير الأخفش - قليل لا يقاس عليه.
(ولا تعمل عندهم) - أي عند الكوفيين.
(ول تؤكد بل تفيد النفي، واللام الإيجاب) - فمعنى: إنْ زيدٌ لقائم، عندهم: ما زيد إلا قائمٌ، وما حكاه سيبويه من النصب بها يبطل قولهم، وكون اللام كإلا دعوى بلا دليل.
(وموقع لكن بين متنافيين بوجه ما) - كقوله تعالى: "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"، وقوله:"ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم". والاتفاق على منع موافقة ما بعدها لما قبلها نحو: زيدٌ قائمٌ لكن عمروٌ قائمٌ، وعلى جواز مساواته لنقيضه نحو: ما هذا ساكن لكنه متحرك، وجواز كونه ضداً نحو: ما هذا أسود لكنه أبيض. واختلف في الخلاف نحو: ما هذا قائم لكنه شارب، وشرط التنافي بوجه ما يخرجه.
(ويُمنع إعمالها مخففة، خلافاً ليونس والأخفش) - حكى عن يونس أنه حكى إعمالها عن العرب، والمعروف أن من أجاز إعمالها أجازه قياساً على إن، وأنه لم يُسمع من العرب: ما قام زيدٌ لكنْ عمراً قائم، بالنصب.
والفرق بينها وبين إن زوال الاختصاص مطلقاً.
(وتلي ما ليت فتعمل وتهملُ) - وروى قول النابغة:
(376)
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
…
إلى حمامتنا ونصفه فقد
برفع الحمام على الإهمال ونصبه على الإعمال. ويُحتملُ مع رفع الحمام، أن تكون عاملة، وما موصولة، وهي اسمها، وهذا خبر مبتدأ محذوف، والحمام صفة هذا. أي ليت الذي هو هذا الحمام، ولنا خبر ليت، ذكر ذلك سيبويه.
(وقل الإعمال في إنما) - روى الأخفش والكسائي: إنما زيداً قائمٌ، بنصب زيد.
(وعدم سماعه في كأنما ولعلما ولكنما، والقياس سائغ) - وهذا مذهب ابن السراج والزجاجي والزمخشري. فيقال: كأنما زيداً قائم، قياساً على ما سمع من: إنما زيداً قائم، إذ لا فارق، ومذهب سيبويه أنه لا يعمل مع ما إلا ليت.
(فصل): (لتأول أن ومعموليها بمصدر قد تقع اسماً لعوامل هذا الباب مفصولاً بالخبر) - فتقولك إن عندي نك فاضل. فلو لم يفصل بالخبر لم يجُزْ.
قال سيبويه: لا تقول: إن أنك ذاهبٌ، في الكتاب.
(وقد تتصلُ بليت سادةً مسد معموليها) - كقوله:
(377)
فيا ليت أن الظاعنين تلفتوا
…
فيُعلم ما بي من جوى وغرام
(ويُمنع ذلك في لعل، خلافاً للأخفش) - فقاس الأخفش: لعل أن زيداً قائم، على: ليت أن زيداً قائمٌ، وهذا في ليت شاذ، ولولا السماع لم يقل. فلا يقال في غيرها.
(وتخفف أن فيُنْوضى معها اسم لا يبرز إلا اضطراراً) - فلا تلغي كما تلغي المكسورة، لكن لا يلفظ باسمها إلا في الضرورة كقوله:
(378)
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني
…
طلاقك لم أبخل وأنت صديق
ولا يلزم كون غير الملفوظ به ضمير الشأن، خلافاً لبعضهم، وقدر سيبويه:"أنْ يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا"، أنك قد صدقت.
(والخبرُ جملة اسمية مجردة) - كقوله تعالى: "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين".
(أو مصدرة بلا) - نحو: "وأن لا إله إلا هو".
(أو بأداة شرط) - قيل: نحو قوله (تعالى): "أنْ إذا سمعتم آيات
الله"، وهو وهمٌ، والصواب تمثيله بقوله:
(379)
وعلمت أنْ منْ تثقفوه فإنه
…
جزر لخامعةٍ وفرخُ عقاب
ويقال: ثقفته ثقفاً مثل بلعته بلعاً أي صادفته. وجزر السباع: اللحم الذي تأكله. يقال: "تركوهم جزراً بالتحريك إذا قتلوهم. والخامعة: الضبع لأنها تخمع إذا مشتْ.
(أو برُب) - نحو:
(380)
تيقنت أن رُب امرئ خيل خائناً
…
أمين، وخوان يُخال أميناً
(أو بفعل يقترن غالباً إنْ تصرف ولم يكن دعاء بقد) - كقوله تعالى: "ونعلم أنْ قد صدقتنا". واحترز بقوله: غالباً من قوله:
(381)
علموا أنْ يؤملون فجادوا
…
قبل أن يسألوا بأعظم سول
وبقوله: تصرف، من نحو:"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، وبقوله: دعاء، من نحو:"والخامسة أنْ غضب الله عليها".
(أو بلو) - نحو: "تبينت الجن أنْ لو كانوا يعلمون الغيب".
(أو بحرف تنفيس) - نحو: "علم أنْ سيكون منكم مرضى".
(أو نفي) - نحو: "أفلا يرون أن لا يرجعُ إليهم قولاً"، "أيحسبُ الإنسان أنْ لن نجمع عظامه؟ "، "أيحسب أن لم يره أحد؟ ".
(وتُخففُ كأن فتعمل في اسم أنْ المقدر) - فلا تلغي، بل تعمل كأن المفتوحة إذا خُففت، ولا يلزم كون اسمها المحذوف ضمير شأن.
(والخبر جملة اسمية) - نحو:
(382)
وصدر مشرق النحر
…
كأن ثدياه حُقانِ
(أو فعلية مبدوءة بلم) - نحو: "كأن لم تغن بالأمس".
(أو قد) - نحو:
(383)
لا يهولنك اصطلاء لظى الحر
…
ب فمحذورها كأنْ قد ألما
(أو مفرد) - كقول ابن صريم اليشكري:
(384)
ويوماً توافينا بوجه مقسمٍ
…
كأن ظبيةً تعطو إلى وارق السلمْ
أنشده سيبويه وقال: أي كأنها ظبية. وفارقت كأن المخففة أن المخففة بجواز إفراد الخبر مع حذف الاسم. قال الجوهري: والقسام الحسن، وفلان قسيم الوجه، ومقسم الوجه، وأنشد البيت، والسلم شجر معروف، والوارق الشجرة الخضراء الورق الحسنة.
(وقد يبرز اسمها في الشعر) - كما روى: كأن ثدييه حُقان بالياء، وقوله: كأن ظبيةً تعطو
…
بنصب ظبية.
(ويقال: أما إنْ جزاك الله خيراً) - أي بكسر إن وتخفيفها، حكاه سيبويه وجعل إنْ مخففة من إن، واعتذر عن عدم الفصل بأنه دعاء، وشبهه بأما إن يغفر الله له، وأجاز المصنف كون إنْ زائدة.
(وربما قيل أنْ جزاك الله خيراً، والأصلُ أنه) - أي بفتح أن حكى هذا أيضاً سيبويه، وخرجه على أنها المخففة، والأصل أنه كما ذكر،
وفيه بحث. قال المصنف: وأما قبل المكسورة بمعنى ألا، وقبل المفتوحة بمعنى حقاً، والمكسورة زائدة كما في:
(385)
ألا إنْ سرى ليلى فبتُّ كئيبا
وأما المفتوحة فهي وصلتها مبتدأ محذوف الخبر، أي: ألا من دعائي أن جزاك الله، أو زائدة كما في رواية: كأن ظبية
…
بالجر.
(وقد يُقال في لعل عل) - حكاها سيبويه وغيره، وقال الكسائي: هي لغة بني تيم الله من ربيعة.
(ولعن) - حكاها الفراء.
(وعن) - حكاها الكسائي.
(ولأن) - كقول امرئ القيس:
(386)
عوجا على الطلل المحيل لأننا
…
نبكي الديار كما بكى ابن حذام
عوجاً أي اعطفا، يقال عُجْتُ البعير أعوجُه عوجاً ومعاجاً إذا عطفتُ رأسه بالزمام. والطلل ما شخص من آثار الدار والجمع أطلال وطُلول. ويقال: أحالت الدارُ وأحولت أتى عليها حول، وكذا الطعام وغيره فهو مُحيل. وابن حذام رجل من شعراء العرب.
(وأنَّ) - حكاها الخليل وهشام.
(ورعن) - يمكن أن تكون الراء بدلاً من اللام، كما قالوا في وجل وجر.
(ورغَن ولغَن) - قيل إن الغين فيهما بدل من العين كما قالوا في أزمعت أزمغت، وقيل هما لغتان، وهو الأظهر، لقلة هذا البدل.
(ولعلت) - ذكرها أبو علي في التذكرة. فهذه عشر لغات. وزاد بعض المغاربة عن بالغين المعجمة والنون. وفي الغُرة: رعل بالراء بدلاً من اللام.
(وقد يقع خبرها أنْ يفعل بعد اسم عين حملاً على عسى) - والقياس أن لا تدخل أنْ هنا، إذ لا يخبر بالمعنى عن العين، لكن فعل ذلك لما ذكر، وهي لغة مشهورة كثيرة الوقوع في كلامهم، ومنها:
(387)
لعل الذي قاد النوى أن يردها
…
إلينا وقد يُدنى البعيد من البعد
(والجر بلعل ثابتة الأول أو محذوفته، مفتوحة الآخر أو مكسورته. لغةً عقيلية) - قال أبو زيد: بنو عقيل يجرون بلعل مفتوحة الآخر أو مكسورته، وروى الفراء الجر بعل.
(فصل): (يجوز رفعُ المعطوف على اسم إن ولكن بعد الخبر بإجماع) - فيجوز رفع الاسم الذي صحب العاطف بعد اسم إنَّ وخبرها
بإجماع من النحاة، نحو: إنَّ زيداً لقائم وعمرو: ورفعه على العطف على محل اسم إن عند قوم، وعلى الابتداء والخبر محذوف عند قوم؛ ويقال إن هذا هو الصحيح، وإنه المفهوم من كلام سيبويه.
(لا قبله مطلقاً) - أي سواء خفي إعراب الاسم أم ظهر.
(خلافاً للكسائي) - أي في إجازته الرفع قبله مطلقاً نحو: إن زيداً وعمرو قائمان، وإنك وزيدٌ ذاهبان.
(ولا يشترط خفاء إعراب الاسم، خلافاً للفراء) - فيجوز عنده: إنك وزيد ذاهبان، ويمتنع إن زيداً وعمرو قائمان.
(وإن توهم ما رأياه قدر تأخيرُ المعطوف) - وعلى ذلك حمل سيبويه قوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن"، فالتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى.
(أو حذفُ خبر قبله) - أي قبل المعطوف، والتقدير: إن الذين آمنوا فرحون، والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
(وأن في ذلك كإن على الأصح) - فيجوز رفعُ ما بعد الواو إنْ وقع
بعد خبرها كما سبق في المكسورة. وشرط المصنف في الشرح أن يسبقها عِلْمٌ كقوله:
(388)
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
…
بغاةٌ ما بقينا في شقاق
قدره سيبويه: أنا بغاةٌ وأتم بغاةٌ، أو معناه كقوله تعالى:"وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله". قال: ومن فرق بينهما أي بين أنَّ وإنَّ على الإطلاق فهو مخالف لسيبويه. وقال الشلوبين: مذهب الأكثرين المنع، وهو الصحيح، وعلى هذا المذهب فخبر أن في البيت محذوف لدلالة خبر أنتم، وعليه يحمل قول سيبويه: ورسوله معطوف على الضمير المستتر في بريء، وقد حصل الفصل.
(وكذا البواقي عند الفراء) - فأجاز فيما عطف على اسم غير إن من أخواتها ما أجازه مع إن، واستشهد بقوله:
(389)
يا ليتني وأنت يا لميس
…
في بلد ليس به أنيس
والنصبُ عند البصريين متعين، والبيت متأول على أن التقدير: يا ليتني
وأنت معي في بلد، والجملة من وأنت معي حالية.
(والنعت وعطف البيان والتوكيد) - أي الواقعة بعد إن ولكن، وكذا ينبغي أن تكون بعد أن.
(كالمنسوق عند الجرمي والزجاج والفراء) - فيجوز على مذهب الجرمي والزجاج الرفعُ في الثلاثة بعد الخبر لا قبله، نحو: إن زيداً قائمٌ نفسه أو بطةٌ أو الظريفُ، وعلى مذهب الفراء إنما يجوز قبله إن خفي الإعراب، والمحققون من البصريين يُوجبون فيها النصب على اللفظ.
(ونذر إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيدٌ ذاهبان) - حكاهما سيبويه وهما نادران على طريق البصريين، وأما عند الفراء والكسائي فلا ندور فيهما.
(وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أول مفعولي ظن إنْ خفي إعراب الثاني) - قال المصنف: نحو: ظننتُ زيداً صديقي وعمرو، ومثله الفراء: أظن عبد الله وزيد قاما أو يقومان أو مالهما كثير، وخالفه في الجواز، وهو قول البصريين.