الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - بابُ أفعال المقاربة
(منها للشروع في الفعل طفق وطفق وطبق وجعل وأخذ وعلق وأنشأ وهب وقام) - فهذه ثمانية أفعال. ويقال: طفق بكسر الفاء. قال الله تعالى: "وطفقا يخصفان عليهما". والمضارع يطفق بفتحها، والمصدر طفقاً؛ قال الأخفش: وبعضهم يقول: طفق بالفتح يطفق طفوقاً؛ وأغرب هذه الثمانية علق وهب، ومن استعمالهما قوله:
(322)
أراك علقت تظلم من أجرنا
…
وظلم الجار إذلال المجير
وقوله:
(323)
هببت ألومُ القلب في طاعة الهوى
…
فلج كأني كنت باللوم مغرياً
(ولمقاربته هلهل وكاد وكرب وأوشك وأولى وألم) - فهذه ستة أفعال تستعملُ للدُّنو من الفعل، وأشهرها كاد، وأغربها أولى كقوله:
(324)
فعادى بين هاديتين منها
…
وأولى أن يزيد على الثلاثاء وفي بعض النسخ بعد أوشك، وألم وأولى، ولم يتعرض ملها المصنف في الشرح، بل قال إن أفعال الدنو خمسة، وعلى هذه النسخة تكون ستة، فيقال ألم زيدٌ أن يفعل. أي قارب. قال الجوهري: غلامٌ مُلِمٌّ قارب
البلوغَ، وفي الحديث:"وإن مما ينبتُ الربيع ما يقتل حبطاً أو يُلم"، أي يقرب من ذلك انتهى.
ويمكن أن يكون يُلِمُّ في الحديث فعلاً ناقصاً والخبرُ محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: أو يُلِمُّ أن يقتل. وفي الحديث أيضاً: "لولا أنه شيء قضاه الله لألم أن يذهب بصره". ويقال: كرب بفتح الراء، وهو الأفصح، وبكسرها أيضاً. وعادى من العداء بكسر العين، وهو الموالاة بين الصيدين يصرع أحدهما على أثر الآخر في طلق واحد، ومنه قول امرئ القيس:
(325)
فعادى عداء بين ثور ونعجةٍ
…
دراكاً ولم ينضح بماء فيغسل
والهادية أول الوحش، ومنه قول امرئ القس:
(326)
كأن دماء الهاديات بنحره
…
عصارة حناء بشيب مرجل
والحبط بفتح الباء أن تأكل الماشية فتكثر فينتفخ لذلك بطنها ولا يخرج عنها ما فيها، وقال ابن السكيت، هو أن تنتفخ بطونها من أكل الذُّرَق وهو الحندقوق، يقال: حبطت الشاة بالكسر.
(ولرجائه عسى وحرى واخلولق) - فهذه الثلاثة للإعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء، وأغربها حرى، يقال: حرى زيد أن يجيء، بمعنى:
عسى زيدٌ أن يجيء.
(وقد تردُ عسى إشفاقاً) - وهو قليلٌ، بخلاف كونها للرجاء، وقد اجتمعا في قوله تعالى:"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم".
(ويلازمهن لفظ المضي إلا كاد وأوشك) -فالأربعة عشر الباقية لا يستعمل منها إلا الماضي، وأما كاد وأوشك فلا يلزمان الماضي، وسيأتي ذكر ما استعمل منهما في آخر الباب.
(وعملها في الأصل عمل كان) - فهي من الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر.
(لكن التزم كون خبرها مضارعاً) - ولذلك أفردت بباب.
(مجرداً مع هلهل وما قبلها) - فتقول: قام زيدٌ يفعلُ. ومنه:
(327)
قامت تلوم، وبعض اللوم آونة
…
مما يضر ولا يبقى له نغلُ
وكذا الباقي وهو: هب وأنشأ وأخذ وجعل وطفق وطفق وطبق، وذلك لأن أنْ تقتضي الاستقبال والشروع ينافيه.
(ومقروناً بأنْ مع أولى وما بعدها) - والمراد به حرى واخلولق. فتقول: أولى زيدٌ أن يقوم، وكذا الباقي.
(وبالوجهين مع البواقي) - أي بالتجريد من أن والاقتران بها، لكن على التفصيل الذي نذكره.
(والتجريد مع كاد وكرب أعرف) - فكاد زيد يقوم نحو: "وكادوا يقتلونني" أعرف من كاد زيدٌ أن يقوم، نحو:
(328)
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
…
رسم عفا من بعد ما قد أنفحا
ومثله قول الآخر:
(329)
كادت النفس أن تفيض عليه
…
إذ غدا حشو ريطةٍ وبرود
وكذا كرب نحو:
(330)
كرب القلبُ من جواه يذوب
…
حين قال الوشاة هند غضوب
ونحو:
(331)
سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما
…
وقد كربت أعناقها أن تقطعا
ولم يذكر سيبويه اقتران خبر كرب بأن. يقال: مصح الشيء يمصح مصوحاً ذهب وانقطع. والجوى الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن، يقال منه:
جوى الرجل بالكسر فهو جو. والسجلُ الدلو إذا كان فيه ماء قال أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سجل ولا ذنوب، والجمع سجال.
(وعسى وأوشك بالعكس) - فعسى زيدٌ أن يقوم نحو: "فعسى الله أن يأتي بالفتح" أعرف من عسى زيدٌ يقوم، نحو:
(332)
عسى فرج يأتي به الله إنه
…
له كل يوم في خليقته أمر
وكذا أوشك، فأوشك زيدٌ أن يقوم نحو:
(333)
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا
…
إذا قيل هاتوا أنْ يملوا فيمنعوا
أعرف من أوشك زيدٌ يقوم، نحو:
(334)
ويوشك من فر من منيته
…
في بعض غراته يوافقها
وجمهور البصريين على أن حذف أنْ من خبر عسى ضرورة، وظاهر كلام سيبويه أ، هـ لا يختص بالشعر، وقال الفارسي: الأكثر الاقتران ولا يلزم، وغرات جمع غرة وهي الغفلة.
(وربما جاء خبراهما) - أي خبر كاد وعسى.
(مفردين منصوبين) - كقوله:
(335)
فأبت إلى فهم وما كدت آيباً
…
وكم مثلها فارقتها وهي تصفرُ
وقوله:
(336)
أكثرت في العذل ملحاً دائماً
…
لا تكثرن إني عسيت صائماً
(وخبرُ جعل جملةً اسميةً) - كقوله:
(337)
وقد جعلت قلوص بني سهيل
…
من الأكوار مرتعها قريب
(أو فعلية مصدرة بإذا) - كقول ابن عباس رضي الله عنهما: فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً.
(أو كلما. وندر إسنادُها إلى ضمير الشأن ودخول النفي عليها) - سقط هذا من بعض النسخ، ولم يتعرض له المصنف في الشرح. ومثال المسألة الأولى أن تقول: جعل زيدٌ كلما جاءه عمرو ضربه، ويحتاج إلى سماع. ويمكن تمثيل المسألة الثانية بما حكاه الزاهد غلام ثعلب أنه يقال: عسى زيد قائم. برفع المبتدأ والخبر بعد عسى. فيتخرج هذا على أن في عسى ضمير الشأن. والجملة بعده خبر عسى، هذا إن جعلنا الضمير في قوله:"إسنادها" إلى أفعال هذا الباب، وإن جعلناه عائداً إلى جعل فالمثال: جعل زيدٌ قائمٌ. ويحتاج إلى سماع، ومثال المسألة الثالثة أن يقال: ما جعل زيد ينظم. ولا ينبغي أن يعود الضمير من قوله: "عليها" لأفعال هذا الباب، إذ لم يندر دخول النفي عليها كلها، لأن من جملتها كاد ودخول النفي عليها مقيس، قال الله تعالى:"وما كادوا يفعلون"، "وإن يكاد الذي كفروا ليزلقونك"، "لم يكد يراها".
(وليس المقرون بأنْ خبراً عند سيبويه) - فإذا قلت: عسى زيدٌ أن يقوم، فأن وما دخلت عليه في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أو بتضمن الفعل معنى قارب، هذا مذهب سيبويه. والمختار أن المقرون بأنْ خبر كالمجرد منها، وهو ظاهر كلام المصنف في هذا الكتاب، وهو قول الجمهور.
(ولا قتيدم هنا الخبر) -فلا يقال: أن يقوم عسى زيدٌ، ولا أفعل طفقت.
(وقد يتوسط) - نحو: طفق يصليان الزيدان، وكاد يطيرون المنهزمون.
(وقد يُحذفُ) - أي الخبر.
(إن عُلِمَ) - كقوله تعالى: "فطفق مسحاً بالسوق والأعناق" أي يمسح، فحذف لدلالة المصدر.
(ولا يخلو الاسم من الاختصاص) - بأن يكون معرفةً أو قريباً منها كاسم كان.
(غالباً) - استظهر به على وروده نكرة محضة قليلاً كقوله:
(332)
عسى فرج يأتي به الله إنه
…
له كل يوم في خليقته أمر
(ويسند أوشك وعسى واخلولق لأن يفعل فيُغني عن الخبر) - نحو: عسى أنْ يقوم، وأوشك أنْ يذهب، واخلولق أن يفعل. فأنْ وصلتُها في موضع رفع بهذه الأفعال، ولا يحتاج معها إلى خبر، فسدت مسد الاسم والخبر، كما سدت مسد المفعولين في: ظننت أن تقوم.
وفُهم من كلامه أن غير الثلاثة من أفعال الباب لا يستعمل كذلك، فلا يقال: كاد أن يقوم، ولا حري أن يقوم.
(ولا يختلف لفظ المسند لاختلاف ما قبله) - فتقول: زيدٌ عسى أن يقوم، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن يقوموا، وهند عسى أن تقوم، والهندان عسى أن تقوما، والهندات عسى أن يقمن، فلا يختلف لفظ المسند وهو عسى لاختلاف ما قبله بإفراد وتذكير وغيرهما، لأنه مسندٌ إلى ظاهر وهو أن وما بعدها، وكذلك أوشك واخلولق.
(فإن أسند) - أي الفعل الذي هو عسى وأوشك واخلولق.
(إلى ضميره) - أي إلى ضمير الاسم السابق.
(اسماً) - إنْ جعلناها مع أنْ داخلة على المبتدأ والخبر.
(أو فاعلاً) - إن جعلناها مع أنْ غير داخلة على المبتدأ والخبر، بل جعلنا أنْ وصلتها مفعولاً.
(طابق صاحبه معها كما يطابق مع غيرها) - فتقول: هندٌ عستْ أن تقوم، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، والهندات عستا أن تقوما، والهندات عسين أن يقمن، كما تقول: الزيدان كانا يقومان، والزيدون كانوا يقومون: وإذا قلت على هذا: زيدٌ عسى أن يقوم، ففي عسى ضمير مستتر يعود على زيد، كما إذا قلت: زيدٌ كان يقوم، وهذا كله يأتي في أوشك واخلولق.
(وإن كان لحاضر أو غائبات جاز كسرُ سين عسى) - فتقول: عسيتُ أن أخرج، وعسيت أن تخرج، والهندات عسين أن يخرجن، بفتح السين وكسرها، والفتح أشهر، ولم يقرأ من السبعة بالكسر إلا نافع، وذكر
الأدفوي أن الكسر لغة الحجاز.
(وقد يتصلُ بها) - أي بعسى.
(الضميرُ الموضوع للنصب) - نحو: عساني وعساك وعساه.
(اسماً عند سيبويه، حملاً على لعل) - فإذا قلت: عساني أن أفعل، فمذهب سيبويه أن الياء في موضع نصب بعسى اسماً لها، وأنْ والفعل في موضع رفع خبراً لها. فحمل عسى في العمل على لعل، كما حملت لعل عليها في دخول أنْ في خبرها في قوله:
(338)
لعلك يوماً أن تُلم ملمةً
…
عليك من اللائي يدعنك أجزعا
(وخبراً مقدماً عند المبرد) - فالياء عنده في موضع نصب خبراً لعسى، تقدم على اسمها وهو أنْ والفعل، فأبقاها على ما استقر لها من العمل.
(ونائباً عن المرفوع عند الأخفش) - فتبقى عسى على رفعها الاسم ونصبها الخبر. ويزعم أنه وُضع ضميرُ النصب موضع ضمير الرفع، فالياء وأخواتُها عنده في موضع رفع اسماً لعسى، وأنْ والفعل في موضع نصب خبراً لها، ووضعُ ضمير موضع ضمير ثابت في قولهم: ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا. ويُبطل مذهبه تصريحُهم بالاسم موضع أنْ والفعل في مثل هذا التركيب مرفوعاً كقوله:
(339)
فقلت عساها نار كأس وعلها
…
تشكي فأتى نحوها فأعودها
برفع نار.
(وربما اقتصر عليه) - أي على الضمير الموضوع للنصب كقوله:
(340)
ولي نفس أقول لها، إذا ما
…
تنازعني، لعلي أو عساني
(ويتعين عوْدُ ضمير من الخبر إلى الاسم) - كما في غيره من الأخبار.
(وكونُ الفاعل غيره قليلُ) - أي غير الضمير، وهذا بخلاف الضمير في غيره من الأخبار، فيكثر في هذا الباب: كاد زيد يفعل، وجعل يتكلم، ويقل: يفعل أبوه، ويتكلم أخوه، مع أنه مؤول بخلاف غيره، إذ يجوز قياساً كان زيد يفعل، وكان زيد يتكلم أبوه، ونظير جعل زيد يتكلم أبوه قوله:
(341)
وقد جعلت إذا ما قمت يُثقلني
…
ثوبي، فأنهض نهض الشارب الثمل
وأول على أن المعنى: أثقل بثوبي.
(وتُنْفَى كاد إعلاماً بوقوع الفعل عسيراً) - خلص زيدٌ ولم يكد يخلص. واستدل أبو الفتح على هذا بقوله تعالى: "فذبحوها وما كادوا يفعلون".
(أو بعدمه وعدم مقاربته) - كقوله تعالى: "إذا أخرج يده لم يكد يراها" وقوله: "ولا يكاد يسيغه"، أي لم يرها ولم يقارب أن يراها، ولا يسيغه ولا يقارب أن يسيغه.
(ولا تُزاد، خلافاً للأخفش) - وما استدل به من قوله تعالى: "إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها" مؤول على أن المعنى: أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية، أو أكاد أخفيها عن نفسي.
(واستعمل مضارع كاد) - كقوله تعالى: "لم يكد يراها" و "ولا يكاد يسيغه"، "وإن يكاد الذين كفروا".
(وأوشك) - وهو أكثر من الماضي حتى أن الأصمعي أنكر الماضي.
(ونذر اسمُ فاعل أوشك) - كقوله:
(342)
فإنك موشك أن لا تراها
…
وتعدو دون غاضرة العوادي
قال الجوهري: غاضرة قبيلة من بني صعصعة، وهي من بني أسد، وبطن من ثقيف، وعوادي الدهر عوائقه.
(وكاد) - كقول كثير:
(343)
أموت أسىً يوم الرجام وإنني
…
يقيناً لرهن بالذي أنا كائد
أي بالموت الذي كدت آتيه، فأقام اسم الفاعل مقام الفعل.