الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب تعدي الفعل ولزومه
(إن اقتضى فعل مصوغاً له) - أي اسماً مصوغاً له كضرب مثلاً، فإنه يقتضي اسماً كزيد مثلاً، يصاغ للك الاسم اسم مفعول بالشروط المذكورة كمضروب.
(باطراد) - تحرز من مثل مسموح، والأصل مسموح به، فحذف الحرف فاستتر الضمير، فلا يقال إن سمح متعد لأن هذا غير مطرد، وكذا لا يقال: زيدٌ ممرور أي ممرور به.
(اسمُ مفعول تام) - احترز بالتام مما يصاغ منه اسمُ مفعول مفتقر إلى حرف جر، فإنه لازم، نحو ذهل وطمع، إذ يقال: مذهول ومطموع عنه فليسا متعديين.
(نصبه مفعولاً به) - فتقول: ضربتُ زيداً، وكون الناصب للمفعول به الفعل، كما ذكر المصنف، هو مذهب البصريين، وذلك لأنه المستدعي له، وقال هشام: ناصبه الفاعل، والفراء الفعل والفاعل معاً، وخلفُ الأحمر معنى المفعولية. ورُد الثاني بنحو: عجبت من ضربٍ زيداً، فانتصب ولا فاعل، والثالث به وبمثل: ضرب زيداً عمروٌ، والعامل لا يعمل حتى يتم، والرابع بنحو: ضُرب زيدٌ: إذ معنى المفعولية موجودٌ وقد ارتفع.
(وسُمي متعدياً وواقعاً ومجاوزاً) - والمشهور تسميته متعدياً.
(وإلا فلازماً) - أي وإلا يقتضيه يسمى لازماً، ويسمى أيضاً قاصراً وغير متعد.
(وقد يُشهرُ بالاستعمالين) - أي بالتعدي واللزوم.
(فيصلح للاسمين) - فيقال فيه متعد ولازم. والمراد بهذا ما تعدى بنفسه تارة وتارة بحرف جر، ولم يكن أحد الاستعمالين مستندراً فيه. ويقال لهذا النوع: متعد بوجهين، وهو قسم ثالث عند بعض، وبه جزم المصنف، لكنه مقصور على السماع. قالوا: شكرتُه وشكرتُ له، ونصحته ونصحتُ له، وكِلْتُه وكِلْتُ له، ووزنتُه ووزنتُ له، وعددتُ زيداً وعددتُ له، وقيل: أصلُ هذا النوع التعدي بالحرف، ثم اتسع فيه فحذف الجار، وإليه ذهب أبو الحسن طاهر بن بابشاذ، وقال ابن عصفور: ما كان من هذا النوع يحل بنفس المفعول فالأصل تعديه بنفسه والحرف زائد نحو: مسحت برأسي ومسحت رأسي، وخشنت بصدره وصدره، لأن التخشين يحل بالصدر، وما لم يكن كذلك فالأصل تعديه بالحرف نحو: نصحتُ لزيد، لأن النصح لا يحل بزيد، ومعنى خشنت صدره أوغرتُه.
(وإن عُلق اللازمُ بمفعول به معنى عُدي بحرف جر) - نحو: آمنت بالله، ورغبت في الخير، وأعرضت عن الشر.
(وقد يُجرى مُجرى المتعدي شذوذاً) - كقول الشاعر:
(465)
تحن فتبدي ما بها من صبابة
…
وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
أي لقضي علي.
(أو لكثرة الاستعمال) - نحو: دخلتُ الدار والمسجد. ويقاس على هذا لكثرته فيقال: دخلت البلد والبيت وغير ذلك من الأمكنة، ولا يقاس على قولهم: توجه مكة، وذهب الشام، ومطرنا السهل والجبل، وضرب فلان الظهر والبطن، لأنه لم يكثر.
(أو لتضمن معنى يوجب ذلك) - فيصير الفعل اللازم بتضمينه معنى المتعدي بنفسه متعدياً بنفسه كقول علي- عليه السالم - إن بشراً قد طلع اليمن. فعدى طلع بنفسه لتضمنه معنى بلغ، وكذا قول نصر بن سيار: أرحِبَكُم الدخولُ في طاعة الكِرْماني؟ أي أوسعكم؟ قاله الخليل. وأكثر ما يكون التضمين فيما يتعدى بحرف جر فيصير متعدياً بنفسه، ومن انلحويين من قاسه لكثرته، ومنهم من قصره على السماع، لأنه يؤدي إلى عدم حفظ معاني الأفعال. ومن المسموع: أمرتك الخير أي كلفتك، "ولا تعزموا عقدة النكاح" أي لا تعقدوا. وهو كثير.
(واطرد الاستغناء عن حرف الجر المتعين مع أنْ وأنَّ) - تقول: عجبت أن تقوم، أو أنك قائم. والأصل: من أن تقوم، ومن أنك قائم، فحذف الحرف تخفيفاً لطولهما بمتعلقهما. واحترز بالمتعين من نحو: رغبت في أن تفعل، فإنه لا يجوز حذف في إذ لا يدري أن التقدير: رغبت في أن تفعل أو عن أن تفعل؛ وقد جاء الحذف في: "وترغبون أن تنكحوهن". وقدره بعض العلماء، في أن، وبعضهم عن أن. واحترز بقوله مع أنْ وأنَّ من غيرهما، ومنه صريح المصدر فلا يجوز في: عجبت من خروجك: عجبتُ خروجك، لعدم الطول.
(محكوماً على موضعهما بالنصب) - قال المصنف: وهو مذهب سيبويه والفراء، وهو الأصح، لأن بقاء الجر بعد حذف عامله قليل، والنصب كثير، والحمل عليه أولى.
(لا بالجر، خلافاً للخليل والكسائي) - وقد استشهد لهما بما أنشد الأخفش من قول الشاعر:
(466)
وما زرت ليلى أن تكون حبيبةً
…
إلي ولا دين بها أنا طالبه
ولا حجة فيه، إذ يحتمل كون "أن تكون" في موضع نصب وعطف عليه بالجر على التوهم، وحكاية المصنف عن الخليل أنه في موضع جر موافقة لحكاية صاحب البسيط عنه ذلك. والذي في كتاب سيبويه أن الخليل قال إنه في موضع نصب، ثم قال: ولو قال إنسان إن أنْ في موضع جر لكان قولاً قوياً والأولى قول الخليل، يعني كونه في موضع نصب.
(ولا يعامل بذلك) - أي بالستغناء عن حرف الجر والنصب على سبيل الاطراد.
(غيرهما) - أي أنَّ وأنْ.
(خلافاً للأخفش الصغير) - وهو علي بن سليمان البغدادي تلميذ ثعلب والمبرد، تقول على رأيه وعلى رأي ابن الطراوة أيضاً: بريتُ القلم السكين. والأصل بالسكين، فحذف الحرف لما تعين هو وموضعه، وقاسا ذلك على ما سُمع من قولهم: اخترتُ زيداً الرجال، أي من الرجال. وأمرتك الخير، أي باخلير، وسميت ابني محمداً، أي بمحمد، فإن لم يتعين الحرف لم يُحذف، فلا تقول: رغبت الأمر، إذ لا يُدرى هل المراد رغبت في الأمر أو عن الأمر، وكذا إن لم يتعين موضعه، فلا يقال: اخترت إخوتك الزيدين، إذ لا يُدرى هلا المراد اخترت إخوتك من الزيدين، أو اخترت من إخوتك الزيدين. والصحيح أنه لا يقاس على ذلك وإن وجد الشرطان، لقلة ما ورد من ذلك، فلا يقال على هذا، أحببت الرجال زيداً، ولا اصطفيت الرجال عمراً.
(ولا خلاف في شذوذ بقاء الجر في نحو: أشارت كُليبٍ بالأكف الأصابعُ) - أي إلى كليب، وصدرُ البيت:
(467)
إذا قيل أي الناس شر قبيلةٍ
ومثله قول الآخر:
(468)
وكريمةٍ من آل قيس ألفته
…
حتى تبذخ فارتقى الأعلام
أي إلى الأعلام. وكريمةٍ مجرور برب مقدرة. وعليه نبه واحترز المصنف بقوله: في نحو: أشارت كليب، والهاء فيه للمبالغة. ومعنى ألفته أعطيته ألفاً، يقال: ألفه يألفه بالكسر أعطاه ألفاً. وتبذخ معناه تكبر وعلا، قال الجوهري: البذخ التكبر، وقد بذخ بالكسر وتبذخ أي تكبر وعلا.
(فصل): (المتعدي من غير بابي: ظن وأعلم) - وقد تقدم الكلام على البابين.
(متعد إلى واحدٍ) - نحو: رحمك الله.
(ومتعد إلى اثنين) - نحو: "إنا أعطيناك الكوثر".
(والأول) - أي المتعدي إلى واحد.
(متعد بنفسه وجوباً) - فلا يصل إلى مفعوله بحرفٍ إلا إن كان زائداً بشرطه، نحو: لزيدً ضربتُ، ومنه:"للرؤيا تعبرون".
(وجائز التعدي واللزوم) - فيتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر أخرى كشكر ونصح ولغةُ القرآن فيهما التعدي بالحرف، قال تعالى:"أن اشكر لي ولوالديك". وقال: "وأنصح لكم".
(وكذا الثاني) - وهو المتعدي إلى اثنين.
(بالنسبة إلى المفعولين) - فمنه ما تعدى إليه أيضاً بنفسه نحو: كسا وأعطى، فتقول: كسوتُ زيداً جبة، وأعطيته درهماً، ومنه ما تعدى إليه بحرف الجر نحو: اختار وأمر فتقول: اخترت زيداً من الرجال، وأمرته بالخير.
(والأصل تقديمُ ما هو فاعلٌ معنى على ما ليس كذلك) - فإذا قلت: أعطيتُ زيداً درهماً، فالأصل تقديم زيد على درهم لأنه الآخذ، وهو فاعل في المعنى، وكذلك باب أعطى جميعه، ولهذا جاز: أعطيتُ درهمه زيداً، وامتنع: أعطيتُ صاحبه الدرهم، إلا على قول من أجاز، ضرب غلامه زيداً.
(وتقديمُ ما لا يُجر على ما قد يُجر) - فإذا قلت: اخترتُ زيداً الرجال، فالأصلُ تقديم زيد على الرجال، لأن الأصل: اخترتُ زيداً من الرجال، وعُلقةُ ما يتعدى إليه العامل بلا واسطة أقوى من علقة ما قد يتعدى إليه بواسطة، ولهذا جاز، اخترتُ قومه عمراً، إذ الأصل اخترتُ عمراً من قومه؛ وامتنع: اخترت أحدهم القوم، إذ الأصل: اخترتُ أحدهم من القوم، فكل في موضعه، فيلزم عودُ الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، بخلاف المسألة الأولى؛ ومن أجاز: ضرب غلامه زيداً، أجاز: اخترتُ أحدهم القوم، واخترتُ أحدهم من القوم.
(وتركُ هذا الأصل واجب وجائزٌ وممتنع لمثل القرائن المذكورة فيما مضى) - فالواجب نحو: ما أعطيتُ درهماً إلا زيداً، إذ هو مثل: ما ضرب عمراً إلا زيدٌ، وكذا نحو: أعطيت الدرهم صاحبه، إذ هو مثل: ضرب زيداً غلامه.
والممتنع نحو: ما أعطيتُ زيداً إلا درهماً، إذ هو مثل: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً، وكذا: أضربتُ زيداً عمراً، أي جعلت زيداً يضربُ عمراً، إذ هو مثل: ضرب موسى عيسى، وهذا المثال صحيح عند من لا يرى أن التعدية بالهمزة سماع في المتعدي قياسٌ في اللازم، فأما من رأى ذلك، وهو ظاهر مذهب سيبويه فلا يصح عنده، وما خلا من مقتضى الوجوب والامتناع جائز بقاؤه على الأصل نحو: كسوتُ زيداً ثوباً، وخروجه عن الأصل نحو: كسوتُ ثوباً زيداً، كما يجوز: ضرب زيدٌ عمراً، وضرب عمراً زيدٌ.
(فصل): (يجب تأخير منصوب الفعل إن كان أن مشددة) - فلا يجوز في: عرفتُ أنك منطلق: أنك منطلق عرفتُ. فأما: "وأن المساجد لله فلا تدعوا" فعند الأخفش أنه في موضع جر باللام، وهو عند سيبويه أقوى من كونه في موضع نصب كما يراه الخليل، لأنه لو كان كذلك لم يتقدم إذ هو حينئذ مثل: أنك منطلق عرفتُ.
(أو مخففة) - فلا يجوز في: علمتُ أنْ سيخرج زيدٌ: أنْ سيخرج زيدٌ علمتُ.
(وتقديمه إن تضمن معنى استفهام) - نحو: من ضربت؟ وأيهم لقيت؟ وكذا ما يقصد به الاستثبات كأن يقال: ضربت زيداً، فتقول: مَنْ ضربت؟ ووافق الكوفيون البصريين على منع تأخير ما لم يقصد به الاستثبات. وأجازوا في مَنْ وما وأي عند قصد الاستثبات التأخير، وحكوا: ضرب مَن منا، بالإعراب، ومَنْ منا، ببناء الأول، وضربت ما وماذا ومه؟ في استثبات: ضربتُ رجلاً، وضربت الما والماذا والمه في استثبات: ضربت الرجل. ولا تلحق هاء السكت لفظاً إلا في الوقف، وضربت أياً؟ في استثبات: ضربتُ رجلاً، وأما البصريون فلم يحفظوا في الاستثبات إلا: ضرب منٌ مناً، واعتقدوا شذوذه؛ وعلى هذا لا يجوز في استثبات: ضربتُ عشرين رجلاً إلا: كم ضربت؟ ولا يجوز: ضربت كم. عند
بصري ولا كوفي؛ وكذا غير ما سبق ذكره من أسماء الاستفهام.
(أو شرط) - نحو: مَنْ تكرمْ أكرمْ، وأيهم تضربْ أضربْ.
(أو أضيف إلى ما تضمنهما) - نحو: غلام أيهم رأيت؟ وغلام مَنْ تضربْ أضرب.
(أو نصبه جواب أما) - نحو: "فأما اليتيم فلا تقهر". ويجبُ تقديمُ منصوب الفعل أيضاً إن كان ضميراً منفصلاً لو تأخر لزم اتصاله نحو: "إياك نعبد": فإن لم يلزم اتصاله لو تأخر لم يجب تقديمه نحو: الدرهم إياه أعطيتُك، وكذا يجب تقديمه إن كان كم الخبرية نحو: كم غلامٍ ملكت. إلا في لغة رديئة حكاها الأخفش، فتقول على هذا: ملكتُ كم غلام! وذكر بعض المغاربة أنه يجب تقديمه أيضاً إن كان ناصبه فعل أمر قرن بالفاء نحو: زيداً فاضربْ.
(ويجوزُ في غير ذلك، إن علم النصب، تأخيرُ الفعل) - فتقول: زيداً ضرب عمروٌ، وكمثرى أكل موسى، فإن جُهل النصب لم يؤخر، فلا تقول: موسى ضرب عيسى، على أن موسى مفعول.
(غير تعجبي) - فلا يجوز في: ما أحسن زيداً! ما زيداً أحسن!
(ولا موصول به حرفٌ) - فلا تقول في: أريد أن تضرب زيداً: أريد زيداً أن تضرب، ولا أن زيداً تضرب أريد. هذا إذا كان الحرف عاملاً. فإن لم يكن عاملاً جاز تقديم المعمول على العامل وحده فتقول: عجبت مما زيداً تضربُ.
(ولا مقرون بلام ابتداءٍ) - فلا يجوةز في: ليحب الله المحسن: المحسن ليحب الله. هذا إذا لم توجد إن، فإن وجدتْ جاز فتقول: إن زيداً عمراً ليضرب.
(أو قسم) - فلا تقول: والله زيداً لأضربن.
(مطلقاً) - أي ويجوز في غير ذلك إن عُلم النصبُ تأخيرُ الفعل مطلقاً إن خلا الفعل مما ذكره، سواء أكان في المسائل الخمس التي يذكرها عقيب هذا أم في غيرها، وفاقاً للبصريين.
(خلافاً للكوفيين في منع نحو: زيداً غلامُه ضرب، وغلامه أو غلام أخيه ضرب زيدٌ، وما أراد أخذ زيدٌ، وما طعامك أكل إلا زيدٌ) - لأن السماع ورد بخلاف قولهم، فمثل المسألة الأولى قول الشاعر:
(469)
كعباً أخوه نهى فانقاد منتهياً
…
ولو أبى باء بالتخليد في سقرا
ومثل الثانية قوله:
(470)
رأيه يحمدُ الذي ألف الحز
…
م ويشقى بسعيه المغرور
ونظير الثالثة قوله:
(471)
شر يوميها وأغواه لها
…
ركبتْ عنزٌ بحدج جملا
ومثال الرابعة قوله:
(472)
ما شاء أنشأ ربي، والذي هو لم
…
يشأ فلست تراه ناشئاً أبداً
ومثل الخامسة قوله:
(473)
ما المرء ينفع إلا ربه فعلى
…
م تستمالُ بغير الله آمالُ
وعنز اسم امرأة من طسم زعموا أنها أخذت سبيئة فحملوها في هودج وألطفوها بالقول والفعل فقالت: هذا شر يومي، أي حين صرت أكرم النساء. وشر منصوب بركبتْ على الظرفية أي ركبت في شر يوميها، والحدج بالكسر الحمل، ومركب من مراكب النساء أيضاً، وهو مثل المحفة وهو المراد هنا، والجمع حدوج وأحداج.
(ولا يُوقع فعلُ مضمرٍ متصلٍ على مفسره الظاهر) - فلا تقول: زيداً ضرب، بمعنى ضرب نفسه، بلا خلاف، وعلل ذلك المبرد بأنه يصير المفعول لابد منه. واحترز بمتصل من المنفصل فيجوز: ما ضرب زيداً إلا هو، إذ الأصل: ما ضرب زيداً أحدٌ إلا هو. فلما قام المنفصلُ مقام الظاهر جازت المسألةُ كالظاهر، وأجاز الكسائي وحده: زيداً ضرب هو، تنزيلاً لهو منزلة الأجنبي، والقياس منعها، إذ ليس هذا من مواضع فصل الضمير.
(وقد يُوقع على مضاف إليه) - نحو: غلامَ هندٍ ضربَتْ. وجاز هذا لأنه في تقدير ضربتْ هندٌ غلامها، ونقل ابن عصفور جواز هذه المسألة عن البصريين، وهو المنقول عن هشام، ونقل النحاس عنهم المنع، وهو المنقول عن الأخفش والفراء، ونقل عن المبرد والكسائي المنع والجواز، والصحيح الجواز. قال الشاعر:
(474)
أجل المرء يستحث ولا يدْ
…
ري إذا يبتغي حصول الأماني
ففي يستحث ضمير رفع عائد على المرء وهو الفاعل، وأجل مفعول يستحث،
فأوقع فعل مضمرٍ متصل على مضاف إلى مفسره، والمعنى: المرء في وقت ابتغاء الأماني يستحث أجله ولا يشعر.
(أو موصولٍ بفعله) - أي بفعل المفسر الظاهر نحو: ما أراد زيدٌ أخذ، فأخذ ناصبُ ما، وفاعله ضمير مستتر عائد على زيد، وأراد زيد صلة ما، فأوقع فعل مضمر متصل على موصول بفعل المفسر الظاهر، ومثل هذا المثال قول الشاعر:
(475)
ما جنت النفسُ مما راق منظره
…
رامتْ، ولم ينهها بأسٌ ولا حذرُ
(فصل): (يجوزُ الاقتصار قياساً) - ولا يتوقف على مورد السماع.
(على منصوب الفعل مُستغنىً عنه بحضور معناه) - كقولك لمن شرع في ذكر رؤيا: خيراً، أي ذكرت خيراً، ولمن قطع حديثاً، أي تمم تمم حديثك.
(أو سببه) - كقول الشاعر:
(476)
إذا تغنى الحمامُ الورقُ هيجني
…
ولو تسليتُ عنها. أم عمار
أي ذكرتُ أم عمار، لأن التهييج سبب الذكر.
(أو مقارنه) - كقولك لمن تأهب للحج: مكة، أي تريد مكة، وكتكبير مرتقب الهلال، الهلال، أي أرى الهلال.
(أو الوعد به) - نحو: زيداً لمن قال: سأطعم، أي أطعِمْ.
(أو السؤال عنه بلفظه) - نحو: بلى زيداً، لمن قال: هلا رأيت أحداً؟ أي رأيت.
(أو معناه) - نحو: بل وجاذاً، لقائل: أفي مكان كذا وجذ؟ أي بلى تجد وجاذاً، لأن معنى: أفي مكان كذا: أأجد في مكان كذا؟ والوجد بالجيم والذال المعجمة نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء، والجمع وجاذ.
(أو عن متعلقه) - كقوله تعالى: "ماذا أنزل ربكم؟ قالوا خيراً". أي أنزل.
(وبطلبه) - نحو: اللهم ضبعاً وذئباً، أي اجمع فيها. وألا رجل؟ إما زيداً وإما عمراً، أي اجعله إما زيداً وإما عمراً.
(وبالرد على نافيه) - نحو: بلى زيداً، لمن قال: ما ضربتُ أحداً.
(أو الناهي عنه) - نحو: بلى مَنْ أساء، لمن قال: لا تضربْ أحداً.
(أو على مُبته) - نحو: لا، بل خالداً، لمن قال: ضرب زيدٌ عمراً.
(أو الأمر به) - نحو: لا، بل زيداً، لمن قال: اضربْ عمراً.
(فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم - فمن المثل قولهم: كليهما وتمراً، أي أعطني كليهما وزدني تمراً
وكذا قولهم، هذا ولا زعماتك، أي هذا هو الحق ولا أتوهم زعماتك، وقيل التقدير: ولا أزعم زعماتك. ومعناه أن المخاطب كان يزعم زعمات، فلما ظهر خلاف قوله قيل له ذلك. ومن شبه المثل في كثرة الاستعمال قولهم: حسبُك، خيراً لك. ووراءك، أوسع لك. ومنه:"انتهوا خيراً لكم"، "فآمنُوا خيراً لكم". ومذهب الخليل وسيبويه أن الناصب هنا فعلٌ دلٌ عليه ما قبله. والتقدير: وائتِ خيراً لك، وائتِ مكاناً أوسع لك، وأتُوا خيراً لكم؛ وذهب الكسائي إلى أن المنصوب هنا خبر كان مضمرة، أي: يكن خيراً لك، ورد عليه الفراء بأنه لو كان كما زعم لجاز: انته أخانا، أي تكن أخانا. ويرد عليه أيضاً الآية الأولى، إذ ليس فيها على قوله دعاء إلى التوحيد، بل نهى عن التثليث فقط، والمراد إنما هو الأول.
وذهب الفراء إلى أن المنصوب صفة مصدر محذوف. أي انتهوا انتهاء خيراً لكم. ورُد عليه بما قبل الآيتين، إذ ليس فيه ما يكون عنه مصدر، وأيضاً فأوسع صفة لمكان لا لمصدر، وأشار بقوله: في كثرة الاستعمال، إلى أن ما لا يكثر استعماله لا يشبه المثل، فلا يكون الحذف فيه لازماً وذلك نحو: انته أمراً قاصداً، أي: وائت أمراً قاصداً. والمعنى انته عن هذا الأمر الذي ليس بقاصد ولا صواب، وائت أمراً فيه القصد والصواب. والقصد
العدل. والحذف في هذا ليس بلازم، بخلاف "انتهوا خيراً لكم" ونحوه صرح بذلك سيبويه، وفرق بكثرة الاستعمال، والزمخشري جعل انته أمراً قاصداً، وانتهوا خيراً لكم، سواء في وجوب إضمار الفعل، ومن شبه المثل في وجوب الحذف لكثرة الاستعمال قول ذي الرمة:
(477)
ديار مية إذ مي تساعفنا
…
ولا يرى مثلها عربٌ ولا عجمث
قال سيبويه كأنه قال: اذكر ديار مية، ولكنه لا يذكر اذكر لكثرة ذلك في كلامهم، ويقال: أسعفت الرجل بحاجته إذا قضيتها له، والمساعفة المواتاة والمساعدة.
(وقد يُجعل المنصوبُ مبتدأ أو خبراً فيلزم حذف ثاني الجزءين) - أي الجزء الآخر، وهو الخبر في الصورة الأولى والمبتدأ في الثانية.
قال سيبويه: ومن العرب من يقول: كلاهما وتمراً، كأنه قال: كلاهما لي، وزدني تمراً. وهذه هي الصورة الأولى. وقال سيبويه أيضاً: ومن العرب من يرفع الديار كأنه يقول: تلك ديار فلانة، وهذه هي الصورة الثانية.
(فصل): (يُحذف كثيراً المفعول به غير المخبر عنه) - تحرز من
المفعول النائب عن الفاعل نحو: ضرب زيدٌ، فلا يجوز حذف زيد ونحوه، كما لا يجوز حذف الفاعل، ودخل في المخبر عنه المفعول الأول من باب ظ. وهو الثاني من باب أعلم، وقد سبق الكلام في حذفه.
(والمخبر به) - تحرز من الثاني في باب ظن، وهو الثالث في باب أعلم، وقد سبق أيضاً حكم حذفه.
(والمتعجب منه) - نحو: ما أحسن زيداً! وقد ذكر في باب التعجب أنه إذا عُلم جاز حذفه مطلقاً، وسيأتي الكلام على ذلك.
(والمجاب به) - كقولك: زيداً لمن قال: من رأيت؟
(والمحصور) - نحو: ما رأيت إلا زيداً.
(والباقي محذوفاً عاملُه) - نحو: اللهم ضبعأً وذئباً.
(وما حُذف من مفعول به فمنوي لدليل) - أي ما لم يذكر من المنصوب مفعولاً به، وهذا هو الحذف اختصاراً، ومنه حذفُ الضمير المنصوب العائدعلى الموصول بشرطه، كقوله تعالى:"فعال لما يُريد" أي يريده، "ذرني ومن خلقتُ وحيداص" أي خلقته.
(أو غير منوي، وذلك إما لتضمن الفعل معنى يقتضي اللزوم) - كتضمين أصلح معنى لطف في قولك، أصلح الله في نفسك. إذ لولا التضمين لقلت: أصلح الله نفسك. ومنه - والله أعلم- "وأصلح لي في
ذريتي" أي الطف بي فيهم، فضمن المتعدي معنى اللازم فلزم. ومنه أيضاً: "فليحذر الذين يُخالفون عن أمره" أي يخرجون عن أمره. وأكثر ما يكون التضمين فيما يتعدى بحرف فيصير يتعدى بنفسه. ومنه: "ولا تعزموا عقدة النكاح" أي ولا تعقدوا، وهو كثير. ومن النحويين من قاسه لكثرته، ومنهم من قصره على السماع، لأنه يؤدي إلى عدم حفظ معاني الأفعال. والمشهور أن التضمين مطلقاً ليس بقياس، وإنما يُذهب إليه إذا كان مسموعاً من العرب.
(وإما للمبالغة بترك التقييد) - نحو: فلان يُعطي ويمنع، ويصلُ ويقطع؛ أي هذا شأنه، فلم يقيد بمفعول مبالغة في الاقتدار وتحكيم الاختيار، ومنه ": يحيي ويميت".
(وإما لبعض أسباب النيابة عن الفاعل) - أي لسبب منها، ويجمع الأسباب المشار إليها غرض لفظي أو معنوي، كما سبق في باب النيابة عن الفاعل. فاللفظي الإيجازُ نحو:"فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا". وموافقة المسبوق السابق: "وأن إلى ربك المنتهي، وأنه هو
(478)
أضحك وأبكى"، وإصلاحُ الوزن نحو: * وخالدٌ يحمدُ ساداتُنا* أي يحمده، والمعنوي العلم: "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا"، والجهلُ: ولدتْ فلانة، وأنت لا تدري ما ولدتْ، وكونُ التعيين غير مقصود: "ومَنْ يظلم منكم نُذِقْه عذاباً كبيراً"، وتعظيم الفاعل: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي"، وتعظيمُ المفعول: سُب فلانٌ، والخوفُ منه: أبغضتُ في الله، ولا تذكر من أبغضته خوفاً منه، والخوف عليه: هوي فلانٌ، ولا تذكر من هويه خوفاً عليه.
(فصل): (تدخل في هذا الباب) - تحرز من باب أعلم وأرى، وقد سبق حكمه.
(على الثلاثي غير المتعدي إلى اثنين) - تحرز من كسوت ونحوه، فإنه لا تدخل عليه همزة النقل، ولا تضعف عينه للتعدية.
(همزةُ النقل فيزداد مفعولاً إن كان متعدياً) - نحو: أكفلتُ زيداً عمراً، وأغشيتُ الشيء الشيء.
(ويصيرُ متعدياً إن كان لازماً) - نحو: أزلتُ الشيء وأبنته. وظاهر
كلامه أن التعدية بالهمزة فيما ذكر قياس إلا فيما أغنى التضعيف فيه عن الهمزة، كما سيأتي. وفي المسألة أربعة مذاهب: أحدها: أنه قياسي في اللازم والمتعدي لواحد، وهو مذهب أبي الحسن، وظاهر مذهب أبي علي، وظاهر قول المصنف، إلا فيما أغنى عنه التضعيف.
الثاني أنه قياس في اللازم سماع في المتعدي، قال ابن أبي الربيع: وهو ظاهر مذهب سيبويه.
والثالث أنه سماع في اللازم والمتعدي، وهو مذهب المبرد.
والرابع أنه قياسي في كل فعل إلا باب علمت، وهو مذهب أبي عمرو وجماعة.
(ويعاقبُ الهمزة كثيراً، ويغني عنها قليلاً، تضعيف العين) - مثال المعاقب: أنزلتُ الشي ونزلته، وأبنتهُ وبينتهُ. وظاهر مذهب سيبويه أن التعدية بالتضعيف سماع في اللازم والمتعدي، وقيل إنها قياس، وظاهر كلام المصنف أن المعنى واحد عند معاقبة التضعيف الهمزة، وذهب الزمخشري والسهيلي ومن وافقهما إلى أن التعدية بالهمزة لا تدل على تكرار، وأن التعدية بالتضعيف تدل عليه، ولهذا جاء:"إنا أنزلناه في ليلة القدر"، لأنه أنزل فيها إلى سماء الدنيا دفعة واحدة، وجاء:"فإنه نزله على قلبك"، "ونزلناه تنزيلاً" أي شيئاً بعد شيء على مهل، والأول هو الصحيح
لقوله: "لولا نُزل عليه القرآن جملةً واحدةً"، وقوله:"وقد نزل عليكم في الكتاب". وأجمع المفسرون على أن المراد "وإذا رأيت الذين يخوضون
…
" الآية. وإنما نزلت مرة واحدة.
ومثال المغني: قويتُ الشيء، وحكمتُك، وهو كثير لكنه أقل من الأول.
(ما لم تكن همزة) - فلا تعدى حينئذ بالتضعيف، بل بالهمزة نحو: أنأيتُ زيداً أبعدته، وأثأيتُ الخرز خرمته، والثأي الخرم والفتق.
(وقل ذلك في غيرها من حروف الحلق) - فالغالب في حلقي العين التعدية بالهمزة نحو: أذهبه وأسعده وأدخله، وقد يتعاقب في هذا أفعل وفعل نحو: أوهنه ووهنه وأبعده وبعده، وفهم من اقتصار المصنف على ذكر هذين المعديين، أعني الهمزة والتضعيف، أنه لا تعدية بغيرهما كتعديتهما، خلافاً لمن أثبت التعدية بتضعيف اللام نحو:
صعر خده وصعررته، وهو من الصعر وهو الميل في الخد خاصة، والسين والتاء نحو: حسُن زيدٌ واستحسنته، وطعم زيدٌ الخبز واستطعمته إياه، وألف المفاعلة نحو: سايرته وجالسته، وتغيير حركة العين، قالوا: شَتِرَتْ عينُ الرجل، وشترها الله، وهو من الشتر وهو انقلاب في جفن العين، وكسى زيدٌ الثوب وكسوته إياه، فهذه أربع معديات لكن لا يطرد شيء منها.