الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيكون مندوباً).
الفعل البياني:
البيان واجب على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[النحل: 44]، وحكم الفعل البياني يكون بحسب ما هو بيان له، فإن كان الفعل بيانا لآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، وإن كان المبين ندبا كان الفعل البياني ندبا، وإن كان إباحة كان الفعل مباحا.
قال المرداوي في "التحبير"(3/ 1462): (قوله: {وما كان بيانا بقوله صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وفعله عند الحاجة كقطع السارق من الكوع}، وإدخال المرافق والكعبين في الغسل، {فبيان} لقوله تعالى:(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)[المائدة: 38]، ولقوله تعالى:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[المائدة: 6]، وهذا متفق عليه عند العلماء، وواجب عليه الإعلام به، لوجوب التبليغ عليه. فإن قلت: لا يتعين التبليغ بالفعل. قلت: لا يخرج ذلك عن كونه واجبا، فإن الواجب المخير توصف كل من خصاله بالوجوب. قال العضد:(ومعرفة كونه بيانا، إما بقول، وإما بقرينة. فالقول نحو: (خذوا عني مناسككم)، و (صلوا كما رأيتموني أصلي). والقرينة مثل: أن يقع الفعل بعد إجمال: كقطع يد السارق من الكوع دون المرفق والعضد، بعدما نزل قوله تعالى:(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)[المائدة: 38]، والغسل إلى المرافق بإدخال المرافق أو إخراجها بعدما نزلت:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائدة:6] انتهى) (1).
قال الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول"(1/ 293): (يمثل كثير من الأصوليين للفعل البياني بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلونها بيانا لآيات الأمر بإقام الصلاة، وبحجه صلى الله عليه وسلم، ويجعلونه بيانا لآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)[آل عمران: 97] ويقولون: إن دليل كون صلاته صلى الله عليه وسلم
(1) انظر العدة (3/ 734)، أصول ابن مفلح (1/ 329)، شرح الكوكب (1/ 377).
- وحجه، بياناً للآيتين هو الطريق القولي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(صلوا كما رأيتموني أصلي). وقوله: (خذوا عني مناسككم).
ففي الصلاة كان صلى الله عليه وسلم يقوم فيرفع يديه حذو منكبيه، ويكبِّر، ثم يضع يديه على صدره، ثم يقرأ الفاتحة وسورة سرا في بعض الصلوات، وجهرا في بعضها
…
إلى آخر ما يذكر في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن ذلك كله ليس بواجب، بل قد قال ابن قدامة:" إن أكثر أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة مسنونة غير واجبة ".
وكذلك صفة أداء المناسك من طوافِ القدوم، والرمل، والاضطباع، وركعتي الطواف، والصلاة داخل الكعبة، والشرب من ماء زمزم، والسعي مع الهرولة، إلى غير ذلك.
فما يقوله جمهور الأصوليين، من أن الفعل الواقع بيانا لواجب فهو واجب، مشكل؛ لأنه يقتضي أن جميع ما فعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة التي صلاها بيانا هو واجب، وكذلك جميع أفعاله في أخذ الزكاة، وفي الحج، وغير ذلك مما فعله بياناً. وهذا ما لا يقول به من الفقهاء أحد.
وقد أجاب به أبو شامة: سلمنا أن الحديث يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بيان، لكنها بيان للصلاة المطلوبة من المسلمين، بواجباتها وسننها وما يجوز فيها، فلماذا يحمل فعله صلى الله عليه وسلم على أنه للوجوب خاصة؟.
بل الناتج من كون صلاته بياناً أن يكون كله فعل فعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة دائراً بين هذه الأنواع الثلاثة، والعمدة في تمييز بعضها عن بعض إما القول، وإما الإجماع، وإما القرائن الأخرى، ولا يصلح الفعل وحده دليلاً).