الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس في أسباب مخالفة نظم البرهان
لا بد في كل برهان أن يتكون من مقدمتين لتحصل منهما نتيجة،
وإذا ذكر أحد شيئاً يخالف ذلك النظم، فإنه يرجع إلى أسباب هي
كما يلي:
السبب الأول: قصور في علم المناظر بتمام نظم البرهان.
السبب الثانى: إهمال المناظر لإحدى المقدمتين، لكونها واضحة
ومعلوماً بها، وأكثر ما يفعل ذلك الفقهاء في المحاورات الفقهية
اختصاراً.
ومثال ذلك: قولنا: " الوضوء يحتاج إلى النية؛ لأن كل عبادة
تحتاج إلى النية "، فهنا حذفت الصغرى وهي قولنا: " الوضوء
عبادة "؛ حيث إن تمام النظم أن يقال: " كل عبادة تحتاج إلى النية،
والوضوء عبادة يلزم أن الوضوء يحتاج إلى النية "، فحذفت
الصغرى، وذلك لاشتهارها ووضوحها.
مثال آخر: قولنا: " هذا يجب رجمه؛ لأنه زنا وهو محصن "
فهنا حذفت الكبرى لوضوحها والعلم بها، وتمام القياس أن يقال:
" كل من زنا وهو محصن فعليه الرجم، وهذا زنا وهو محصن،
فيلزم وجوب الرجم عليه ".
وحذف إحدى المقدمتين لاشتهارها ووضوحها قد ورد في القرآن
الكريم، من ذلك قوله تعالى:(لو كان فيهما آلهة إلا اللَّه لفسدتا)
وينبغي أن يضم إليها: " ومعلوم أنهما لم تفسدا "، وترك ذلك
للعلم به - ووضوحه.
السبب الثالث: أن يهمل المناظر إحدى المقدمتين للتلبيس على
الخصم، وذلك يكون بترك المقدمة التي يعسر إثباتها ويندر أمثالها،
أو ينازعه الخصم في تلك المقدمة، وذلك استغفالاً للخصم، فخشي
المستدل أن يصرح بتلك المقدمة فيتنبه ذهن خصمه فينازعه فيها.
مثال ذلك: قولك: " فلان خائن في حقك "، فيقول خصمك:
ولِمَ؟ فتقول: " لأنه كان يناجي عدوك "، وتمامه: أن يقال: "كل
من يناجي العدو فهو عدو، وهذا يناجي العدو، فهو إذاً عدو "،
لكن لو صرح به لتنبه ذهن الخصم بأن مناجاة العدو لا يلزم منها
الخيانة، فقد يحتمل أنه أراد بمناجاته نصيحته، أو غير ذلك.
مثال آخر: قولهم: " نكاح الشغار فاسد، لأنه منهي عنه "،
وتمامه أن يقال: " كل منهي عنه فهو فاسد، والشغار منهي عنه،
فهو إذاً فاسد "، ولكن لو صرح المستدل بهذه المقدمة الكبرى لتنبه
الخصم لها؛ لأنها موضع النزاع.