الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في المانع
ويشتمل على مسألتين هما:
المسألة الأولى: في حقيقة المانع.
المسألة الثانية: في تقسيمات المانع.
المسألة الأولى: حقيقة المانع
أولاً: المانع لغة هو:
الحائل بين الشيئين، يقال:" منعه الأمر "، و " منعته منه "،
فهو ممنوع أي: محروم، والمانع: اسم فاعل من المنع ضد الإعطاء.
ثانيا: المانع في الاصطلاح هو:
" ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم
لذاته ".
شرح التعريف وبيان محترزاته:
الدَّين - مثلاً -: يلزم من وجوده عدم وجود الحكم - وهو:
وجوب الزكاة -، ولا يلزم من عدم الدين وجود الحكم - وهو:
وجوب الزكاة - ولا عدم وجوده: فقد يكون الشخص غير المدين
غنيا يملك النصاب مع حولان الحول، فهنا يوجد الحكم - وهو:
وجوب الزكاة -، وقد يكون الشخص غير المدين فقيراً لم يبلغ المال
الذي عنده النصاب، فهنا لا يوجد الحكم - وهو وجوب الزكاة -.
فقولنا: " ما يلزم من وجوده العدم ": أخرج السبب؛ لأن
السبب يلزم من وجوده وجود الحكم، وأخرج الشرط؛ لأن الشرط
لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم - كما سبق بيانه -.
وقولنا: " ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم ": أخرج الشرط -
أيضاً - لأن الشرط يلزم من عدمه عدم الحكم.
وقولنا: " لذاته " للاحتراز عن مقارنة عدم المانع لوجود سبب
آخر، فإنه يلزم الوجود، ولكن لا لعدم المانع، وإنما لوجود
السبب الآخر، مثل: المرتد القاتل لولده، فإن هذا يقتل بالردة وإن
لم يقتل قصاصاً، لأن المانع إنما منع أحد السببين - فقط - وهو:
القصاص، وقد حصل القتل بسبب آخر، وهو: الردة.
المسألة الثانية: تقسيمات المانع:
ينقسم المانع إلى عدة أقسام باعتبارات مختلفة، إليك بيان ذلك:
التقسيم الأول: المانع ينقسم من حيث ارتباطه بالحكم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يمكن اجتماعه مع الطلب.
القسم الثاني: ما لا يمكن اجتماعه مع الطلب أصلاً.
أما القسم الأول - وهو ما يمكن اجتماعه مع الطلب - فهو نوعان:
النوع الأول: ما يرفع أصل الطلب شرعاً، وإن أمكن حصوله
معه عقلاً مثل الحيض بالنسبة للصلاة، حيث إنه يمكن اجتماع الحيض
مع الطلب - وهو طلب الصلاة - عن طريق العقل، ولكن الشارع
اعتبره مانعاً من أصل الطلب بهذه العبادة، ولو صلت الحائض لا
تصح الصلاة منها، بل تأثم بفعل الصلاة.
النوع الثاني: ما لا يرفع أصل الطلب، ولكنه يمنع اللزوم فيه،
ويحوله من طلب جازم إلى مخير، وهذا النوع شيئان:
أولهما: ما يكون منع اللزوم فيه بمعنى التخيير، وذلك كالرق
والأنوثة بالنسبة لصلاة الجماعة، والعيدين، حيث إن الرق والأنوثة
لا يرفعان أصل الطلب بهذه العبادة " حيث لو وقعت تلك الصلاة
منهما لصحت، ولكنهما يرفعان اللزوم والانحتام في هذا الطلب.
ثانيهما: ما كان منع اللزوم له بمعنى رفع الإثم والمؤاخذة من
المخالف للأمر كالسفر بالنسبة لقصر الصلاة، وترك الجمعة،
والصيام، فإن السفر لا يرفع أصل الطلب في هذه العبادات، وإنما
يرفع اللزوم فيها فقط، ولذلك فلو فعلها المسافر لصحت منه وأجزأته
ولكنه لا حرج عليه في تركها.
ويقال هذا في كل سبب من أسباب الرخص، فكل واحد من
أسباب الرخص يعتبر مانعاً من اللزوم والحتم، فلا حرج على من
ترك العزيمة للأخذ بالرخصة، هذا القسم الأول.
أما القسم الثاني - وهو: ما لا يمكن اجتماعه مع الطلب أصلاً -
فهو ما يمنع من أصل الطلب جملة عقلاً وشرعاً مثل زوال العقل
بنوم، أو إغماء، أو غفلة، أو جنون، أو نحو ذلك، فإن زوال
العقل يمنع مطالبة النائم، أو المغمى عليه.، أو المجنون بالفعل؟
لأمرين:
أولهما: أنهم لا يفهمون الخطاب، والفهم شرط مهم من شروط
التكليف.
ثانيهما: أن خطاب الشارع إلزام والتزام، ومن زال عقله لا يمكن
إلزامه، فلا يتأتى بالنسبة إليه التزام كما لا يمكن ذلك في البهائم
والجمادات.
التقسيم الثاني: المانع ينقسم باعتبار ما يمنعه من حكم أو سبب
إِلى قسمين: " مانع الحكم "، و " مانع السبب ".
أما القسم الأول - وهو: مانع الحكم - فهو: كل وصف
وجودي ظاهر منضبط لحكمة تقتضي نقيض حكم السبب مع تحقق
السبب مثل: الحيض فإنه مانع من وجوب الصلاة مع تحقق السبب
وهو: دخول الوقت، فهنا: ترتب على وجود المانع عدم ترتب
المسبب على سببه.
ومثل: الأبوة في منع القصاص من والد لولده، فالحكم الذي
هو القصاص قد وجد سببه وهو: القتل العمد العدوان، وكون
القاتل أباً للمقتول منع من القصاص؛ لأن الزجر المقصود بشرعية
القصاص يعارض حال الأبوة المقتضي للعطف والحنان، بحيث يمنع
ذلك من التفكير في القتل إلا في النادر اليسير، فليس بحاجة إلى
العقوبة الزاجرة في مثل تلك الحالة النادرة.
أنواع مانع الحكم:
يتنوع مانع الحكم إلى أنواع ثلاثة هي:
النوع الأول: مانع يمنع ابتداء الحكم - فقط - دون استمراره مثل:
الإسلام، فإنه يمنع ابتداء السبي، لا يمنع استمراره، فلو أسلم بعد
أن صار مملوكاً فلا ينقطع عنه الرق، وكذا: الحج، فإنه يمنع ابتداء
النكاح حال الإحرام، ولكنه لا يمنع من الدوام على نكاح قبله.
النوع الثاني: مانع يمنع دوام الحكم واستمراره - فقط - دون
ابتداء الحكم مثل الطلاق، فإنه يمنع من الدوام على النكاح الأول،
ولكنه لا يمنع من ابتداء نكاح ثاني.
النوع الثالث: مانع يمنع ابتداء الحكم، ويمنع - أيضاً - استمراره
مثل: الرضاع، فإنه يمنع ابتداء النكاح على امرأة هي أخته من
الرضاع، كما يمنع استمراره إذا طرأ عليه، وكذلك:" الحدث "
فإنه يمنع انعقاد العبادة ابتداء، كما يمنع استمرار صحتها إذا طرأ عليها.
وأما القسم الثاني - وهو: مانع السبب - فهو: كل وصف
يقتضي وجوده حكمة تخل بحكمة السبب.
مثل الدين في باب الزكاة، حيث إنه مانع - عندنا - من وجوب
الزكاة، لأن السبب في وجوب الزكاة هو بلوغ النصاب، حيث إنه
يفيد غنى من يملك هذا النصاب، فطلب منه مواساة الفقراء من فضل
ذلك المال، وهذه هي الحكمة، ولكن الدين في المال لم يدع فضلاً
يواسي به الفقير، لأن النصاب هذا قد صار مشغولا بحقوق
الغرماء، فهنا قد أخل الدين بحكمة السبب؛ لأنه ليس مع الدين
استغناء، والإخلال بالحكمة يسقط العلية وهي: الزكاة.
أي: أن حكمة الدين هي براءة الذمة، وهي لا شك مخلة
بحكمة النصاب التي هي مواساة الفقراء، فكانت رعاية براءة الذمة
أوْلى من رعاية مواساة الفقراء، لأمرين:
أولهما: أن فيها البداية بالنفس، وهي ألزم ما يكون.
ئانيهما: أنه إذا ازدحم حقان على مال واحد قدم أقواهما، ولا
شك أن حق الغرماء أقوى من حق الفقراء، حيث إن المستحق إذا
تعين ترجح على مستحق لم يتعين.
وذهب بعض الشافعية إلى أن الدين لا يمنع من الزكاة لاستغنائه بما
في يده، وتعلق الدين بذمته.
التقسيم الثالث: المانع ينقسم من حيث ارتباطه بخطاب الشارع
إلى قسمين: " ما يكون داخلاً تحت خطاب التكليف "، و " ما
يكون داخلاً تحت خطاب الوضع ".
أما القسم الأول - وهو: ما يكون داخلاً تحت خطاب التكليف -
فهو: يشمل المأمور به، والمنهي عنه، والمخير فيه والمأذون فيه،
مثال المأمور به: الإسلام، حيث إنه مأمور به، وهو المانع من
انتهاك حرمة الدم والعرض إلا بحقهما.
ومثال المنهي عنه: الكفر، فإنه مانع من صحة العبادات.
ومثال المخير فيه: الاستدانة التي هي مانعة من انتهاض سبب
وجوب الزكاة، وإن كان النصاب موجوداً.
أما القسم الثاني - وهو: ما يكون داخلاً تحت خطاب الوضع -
فهو: الذي ليس للشارع قصد في تحصيله من حيث هو مانع، ولا
في عدم تحصيله، فإن الشخص المدين ليس مخاطبا برفع الدين عن
نفسه إذا كان عنده نصاب لتجب الزكاة عليه، كما أن مالك النصاب
غير مخاطب بتحصيل الاستدانة لتسقط عنه زكاة النصاب؛ لأن المانع
من خطاب الوضع، فلا يكون مأموراً به ولا منهيا عنه.