الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول في تعريف الأصول
أولا - تعريف الأصول لغة:
الأصول: جمع أصل، والأصل في اللغة يطلق على إطلاقات
كثيرة، من أهمها:
الإطلاق الأول: أنه يطلق على ما يبتني عليه غيره، ذهب إلى ذلك
كثير من الأصوليين، كأبي الخطاب، وأبي الحسين البصري،
والإيجي، والشوكاني.
وهو الصحيح عندي، لأمور ثلاثة:
أولها: أن الأصل - في حقيقته اللغوية - هو: أسفل الشيء،
وأساسه، ولا شك أن أسفل الشيء، وأساسه هو الذي يعتمد عليه
في البناء.
ثانيها: شموله وعمومه لكل ما ذكره العلماء من تعريفات.
ثالثها: أنه موافق لتعريف الأصل في الاصطلاح؛ حيث إنه
الدليل، والدليل يعتمد عليه الحكم، ويبنى عليه؛ إذ لا حكم بلا
دليل يعتمد عليه.
الإطلاق الثاني: أن الأصل: ما منه الشيء، ذهب إلى ذلك تاج
الدين الأرموي، وصفي الدين الهندي.
الإطلاق الثالث: الأصل: ما يتفرع عنه غيره، وهو مذهب
القفال الشاشي.
الإطلاق الرابع: الأصل هو: المحتاج إليه، وهو مذهب فخر الدين الرازي، وسراج الدين الأرموي.
الإطلاق الخامس: الأصل هو: ما يستند ذلك الشيء إليه، وهو
ما ذهب إليه الآمدي.
وهذه التعريفات - عند التحقيق - لا تعارض بينها؛ حيث إن
بعض العلماء عرفوا الأصل بتعريف عام وشامل كالإطلاق الأول،
والبعض الآخر عرَّفوا الأصل بتعريف خاص وبمعنى جزئي، فمن
الممكن أن تدخل الجزئيات ضمن التعريفات ذات المعنى الشمولي؛ الهدف هو: تعريف الأصل بمعناه الشامل الذي تدخل فيه كل
الجزئيات، لذلك رجحت الإطلاق الأول للأصل، وهو: أن
الأصل: ما يبتني عليه غيره.
اعتراض على ذلك:
اعترض بعضهم قائلاً: إنه معروف أن الوالد أصل للولد، ولكن
لا يقال: " الولد بني على الوالد "، بل الذي يقال:" إنه فرعه "،
ولو كان الأصل يطلق لغة على ما يبنى عليه غيره لما امتنع ذلك.
جوابه:
نقول في الجواب عنه: إنه لا مانع لغة من أن يقال: إن الولد بني
على الوالد إذا لاحظنا المعنى وهو: أن الولد أساسه الوالد، وهو
أصله.
ثانياً - تعريف الأصول اصطلاحا:
الأصل في الاصطلاح يطلق على معان، من أهمها:
أولها: أن الأصل: الدليل. كقولنا: " الأصل في التيمم:
الكتاب، والأصل في المسح على الخفين: السُّنَّة " أي: دليل ثبوت
التيمم من الكتاب، ودليل ثبوت المسح من السُّنَّة.
وهو: المراد من الأصل في علم أصول الفقه عندي؛ لمناسبته
وموافقته لما قلناه من أن الأصل لغة يطلق على ما يبتني عليه غيره،
فالدليل يبنى عليه الحكم، فأصول الفقه: أدلته.
والدليل عام وشامل لجميع الأدلة المتفق عليها، والأدلة المختلف
فيها، والقواعد الأصولية مثل:" العبرة بعموم اللفظ "، و " أن
الأمر المطلق للوجوب "، و " النهي المطلق للتحريم ".
اعتراض على ذلك:
قال بعضهم: لا نُسَلِّمُ أنه يطلق على القواعد الأصولية أدلة،
لذلك قال: أحسن عبارة في تعريف الأصل في الاصطلاح هي:
"ما يبتني عليه غيره "، حتى تدخل الأدلة والقواعد، حيث تبنى على
هذه الأدلة وتلك القواعد الأحكام، فيكون تعريفه اصطلاحاً هو
تعريفه لغة.
جوابه:
أقول - في الجواب عنه -: إنه لا داعي لهذا التكلُّف، لأنه
يطلق على القواعد أدلة، وهذا ما ثبت بالاستقراء والتتبع لكتب
الفقه؛ حيث إن الفقهاء يستدلون بالقواعد الأصولية، ويسمون تلك
القواعد أدلة.
ثانيها: يطلق الأصل ويراد به القاعدة الكلية المستمرة بقولهم:
"تحمل العاقلة للدية خلاف الأصل "، و " الأصل أن النص مقدم
على الظاهر "، و " الأصل: أن العموم يعمل بعمومه حتى يرد ما
يخصصه ".
ثالثها: يطلق الأصل ويراد به الرجحان كقولهم: " الأصل في
الكلام الحقيقة " أي: الراجح عند السامع هو المعنى الحقيقي، دون
المعنى المجازي.
رابعها: يطلق الأصل ويراد به المستصحب كقولهم: " الأصل في
الأشياء الإباحة "، أي: نستصحب الإباحة الثابتة في الأشياء حتى
يأتي ما يحرم، وقولهم:" الأصل في الإنسان البراءة " أي: أن
الإنسان بريء حتى تثبت إدانته بدليل.