الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في الفروق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي
قد يلتبس على بعض الناس الحكم التكليفي مع الحكم الوضعي
لذلك سأبين الفروق المهمة بينهما فأقول:
الفرق الأول: من حيث الحد والحقيقة، فحقيقة الحكم الوضعي
تختلف عن حقيقة الحكم التكليفي، فالخطاب في الحكم الوضعي:
خطاب إخبار وإعلام جعله الشارع علامة على حكمه، وربط فيه بين
أمرين، بحيث يكون أحدهما سبباً للآخر، أو شرطا له.
بخلاف الخطاب في الحكم التكليفي، فإنه خطاب طلب الفعل،
أو طلب الترك، أو التخيير بينهما، فخطاب التكليف هو: طلب
أداء ما تقرر بالأسباب والشروط.
الفرق الثاني: يختلفان من حيث اشتراط قدرة المكلف وعدمها،
فالحكم التكليفي يشترط فيه أن يستطيع المكلف فعله، فلا يجوز
التكليف بما لا يطاق مطلقا.
بخلاف الحكم الوضعي فلا يشترط فيه ذلك: فقد يكون مقدوراً
للمكلف، وقد يكون غير مقدور للمكلف.
فمن أمثلة ما يقدر المكلف على فعله وتركه: السرقة التي هي
سبب في قطع اليد، كذلك صيغ العقود والتصرفات الشرعية، فإنها
أسباب داخلة تحت تصرف المكلَّف وقدرته، فهو يستطيع أن يسرق
فيكون سببا في قطع يده، ويستطيع ترك السرقة، ويستطيع أن يعقد
العقد فيكون سببا في الملك، ويستطيع ترك ذلك العقد.
ومن أمثلة ما لا يقدر المكلف عليه: دلوك الشمس الذي هو سبب
لوجوب الصلاة، وحولان الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة،
والأبوة التي هي مانعة من وجوب القصاص من الوالد لولده.
فهذه أسباب وشروط وموانع ليست في مقدور المكلف، بل هي
خارجة عن قدرته.
الفرق الثالث: أن الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بفعل المكلف الذي
توفرت فيه شروط التكليف وهي: البلوغ، والعقل، والفهم،
بخلاف الحكم الوضعي، فإنه يتعلق بفعل المكلف وغير المكلف
كالصبي والمجنون والنائم والناسي والساهي والغافل والسكران والمعتوه
ونحوهم، فإن هؤلاء يضمنون - مثلاً - ما يتلفونه؛ لكون الحكم
الوضعي قد وجد وهو: السبب، وهو الإتلاف.
الفرق الرابع: أن الحكم التكليفي يتعلق بالكسب والمباشرة للفعل
من الشخص نفسه، فالمكلف إذا عمل عملاً موافقا لأمر الشارع فإنه
يؤجر عليه، أما إذا عمل عملاً مخالفا لذلك الأمر، فإنه يعاقب
عليه.
بخلاف الحكم الوضعي، فقد يعاقب أشخاصا بفعل غيرهم،
ولهذا وجبت الدية على العاقلة، فوجوب الدية عليهم ليس من باب
التكليف؛ لاستحالة التكليف بفعل الغير، بل إنها وجبت لأن فعل
الغير سبب لثبوت هذا الحق عليهم..
الفرق الخامس: أن الفعل في الحكم الوضعي قد يكون مقدوراَ
للمكلف، ولكنه لا يؤمر به كالنصاب للزكاة، فإنه لا يؤمر الإنسان
بتحصيل النصاب لتجب عليه الزكاة، ولا يؤمر بالإقامة في رمضان
ليجب عليه الصوم إذا عرض له ما يقتضي السفر.
بخلاف الحكم التكليفي فلا بد من كون الفعل مقدوراً للمكلَّف
وداخلاً تحت إمكانه، وإذا أمر بحكم تكليفي فهو أمر بكل ما يجعل
فعله المأمور به صحيحا كالطهارة للصلاة، وإذا نهي عن فعل فإنه
نهي عن كل ما يؤدي إليه.
الفرق السادس: أن الحكم التكليفي يشترط فيه أن يكون معلومة
للمكلَّف وأن يعلم أن التكليف به صادر من اللَّه تعالى حتى يصح منه
القصد والنية.
بخلاف الحكم الوضعي فلا يشترط فيه علم المكلَّف، ولذلك
يرث الإنسان بدون علمه، وتحل المرأة بعقد أبيها عليها، وتحرم
بطلاق زوجها لها وإن كانت لا تعلم، كذلك لو أتلف النائم أو
الناسي، أو - الساهي، أو الغافل شيئاً، أو رمى إنسان في ملكه
فأصاب إنسانا، فإن هؤلاء يضمنون وإن كانوا لا يعلمون.
واستثنى العلماء من ذلك أمرين:
أولهما: أسباب العقوبات التي هي الجنايات كالقتل الموجب
للقصاص، فإنه يشترط فيه العلم والقصد، ولذلك لا يجب
القصاص على المخطى لعدم العلم، وكذا حد الزاني لا يجب في
الشبهة لعدم العلم.
ْئانيهما: أسباب انتقال الأملاك في المنافع والأعيان، كالبيع، والهبة،
والإجارة، ونحو ذلك من العقود، فإنه يشترط في ذلك العلم،
فلو تلفظ بلفظ ناقل للملك وهو لا يعلم مقتضاه: لم يلزمه شيء.