الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في تعريف الحكم الشرعي
أولاً: الحكم لغة هو:
القضاء والفصل لمنع العدوان، ومنه قوله تعالى: (لتحكم بين
الناس بما أراك الله) ، وقوله:(فاحكم بين الناس بالحق) .
يقال: " حكمت عليه بكذا " إذا منعته من خلافه، فلم يقدر على
الخروج من ذلك، ومنه اشتقاق الحكمة؛ لأنها تمنع صاحبها من
أخلاق الأراذل.
وهذا موافق للحكم الشرعي؛ فإنه إذا قيل: " حكم اللَّه في
المسألة الوجوب "، فإن المراد من ذلك: أنه سبحانه قضى فيها
بالوجوب، ومنع المكلف من مخالفته.
ثانياً: الحكم اصطلاحاً هو:
خطاب اللَّه تعالى المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء، أو التخيير أو
الوضع.
شرح التعريف:
قولنا: " خطاب " الخطاب هو: توجيه اللفظ المفيد إلى الغير،
بحيث يسمعه ويفهمه.
وقيل: إن الخطاب هو: الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيء للفهم.
وهو جنس في التعريف يشمل كل خطاب، سواء كان المخاطِب
الله أو غيره.
قولنا: " خطاب اللَّه تعالى " إضافة الخطاب إلى اللَّه، أخرج
خطاب غيره من الإنس والجن والملائكة، فإن خطاباتهم لا تسمى
حكماً؛ حيث لا حكم إلا للشارع.
والمراد بخطاب اللَّه تعالى: كلام اللَّه اللفظي، وليس الكلام
النفسي؛ لأن الكلام اللفظي هو المبحوث عنه في الأصول إجمالاً،
وفي الفقه تفصيلاً.
وجميع الأحكام من اللَّه تعالى، سواء كانت ثابتة بالقرآن، أو
السُّنَّة، أو الإجماع، أو القياس، أو أي دليل ثبت شرعاً، فإن
كل هذه المصادر راجعة - في الحقيقة - إلى اللَّه تعالى.
قولنا: " المتعلِّق " أي: المرتبط، والمراد به: الذي من شأنه أن
يتعلق، من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه.
والمقصود: أنه يشترط في خطاب اللَّه تعالى أن يكون مرتبطاً بفعل
من أفعال المكلف على وجه يبين صفة الفعل من كونه مطلوباً فعله
كالصلاة، والزكاة، ووجوب الغرامات على المتلف، ونحو ذلك،
أو كونه مطلوباً تركه كالزنا والسرقة ونحو ذلك.
قولنا: " بفعل " الفعل لغة: ما يقابل القول والاعتقاد والنية.
ولكنه في العرف يطلق على كل ما صدر عن المكلف، وتتعلق به
قدرته من قول، أو فعل، أو نية، وهو المراد بفعل المكلف هنا.
فيكون المقصود بالفعل هنا هو جنس الفعل، سواء كان واحداً،
أو متعدداً، ويشمل القلوب والجوارح، سواء منها العبادات، أو
المعاملات، أو الأخلاق، فإنها جميعاً تتعلق بها الأحكام الشرعية.
فالفعل هنا عام لأفعال الجوارح كوجوب الصلاة والحج والصوم،
ولأفعال اللسان كتحريم النميمة والغيبة، ولأفعال القلوب كوجوب
النية والقصد.
وقولنا: " بفعل المكلف ": أخرج الأحكام العقائدية، لأن
المعرف إنما هو الحكم الشرعي العملي، وليس المعرف مطلق الحكم
الشرعي.
والمراد بالمكلف هو: البالغ العاقل، غير الملجأ، الذي يفهم
الخطاب، ولم يحل دون تكليفه أي حائل.
وعبَّرنا بالمكلف، ولم نقل:" بأفعال المكلفين " - كما ذكر ذلك
بعض الأصوليين - وذلك ليشمل الأحكام المتعلقة بفعل مكلف واحد
خاصة به مثل الأحكام الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كتزويجه بأكثر من أربع،
ومثل الحكم الخاص بخزيمة بن ثابت الأنصاري، حيث بيَّن النبي
صلى الله عليه وسلم أن شهادته تكفي عن شهادة رجلين، ومثل الحكم الخاص بأبي بردة، حيث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العناق - وهي الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول - تجزئ في الأضحية عنه ولا تجزئ عن غيره.
وقولنا: " بفعل المكلف ": أخرج الخطابات الواردة من اللَّه التي
لا تتعلق بفعل المكلف، وهي:
1 -
الخطاب المتعلق بذاته سبحانه، كقوله تعالى: (شهد الله أنه
لا إله إلا هو) .
2 -
الخطاب المتعلق بصفته سبحانه، كقوله: (الله لا إله إلا هو
الحي القيوم) .
3 -
الخطاب المتعلق بفعله سبحانه، كقوله:(الله خالق كل شيء) .
4 -
الخطاب المتعلق بالجمادات، كقوله:(ويوم نسير الجبال) .
5 -
الخطاب المتعلق بالحيوانات، كقوله:(يا جبال أوبي معه والطير) .
6 -
الخطاب المتعلق بذات المكلفين، كقوله:(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) .
فهذه خطابات، ولكنها لا تتعلَّق بفعل المكلَّف.
قولنا: " بالاقتضاء ": الجار والمجرور هنا متعلقان بقوله:
"المتعلِّق ".
والاقتضاء هو: الطلب، والطلب قسمان: طلب فعل، وطلب
ترك.
وكل واحد منهما ينقسم إلى قسمين: " جازم "، و " غير جازم ".
فإن كان طلب الفعل طلباً جازماً فهو: الإيجاب.
وإن كان طلب الفعل طلباً غير جازم فهو: الندب.
وإن كان طلب الترك طلباً جازماً فهو: التحريم.
وإن كان طلب الترك طلباً غير جازم فهو: الكراهية.
قولنا: " أو التخيير " معناه: استواء الطرفين، أي: لا يوجد
فيه طلب فعل، ولاطلب ترك.
فعبارة: " بالاقتضاء أو التخيير " شملت الأحكام التكليفية الخمسة
- الواجب، والمند وب، والحرام، والكرا هة، والمباح -.
وسيأتي بيانها بالتفصيل إن شاء اللَّه تعالى.
فبان أنه يشترط في خطاب اللَّه المتعلق بالمكلف أن يكون متضمناً
لطلب فعل أو ترك، أو فيه تخيير.
أما إذا لم يوجد فيه ذلك فليس بحكم شرعي مثل قوله تعالى:
(والله خلقكم وما تعملون)، وقوله: (وهم من بعد غلبهم
سيغلبون) ، وذلك لأنه لم يفهم منه طلب فعل، ولا طلب ترك
من المكلف، ولم يفهم منه - أيضا - تخيير بين فعل وترك، فهو
إعلام وإخبار - فقط -.
قولنا -: " أو الوضع " الوضع هو: الجعل.
وقد وردت لفظة: " أو " للتنويع والتقسيم، والمراد: أن الحكم
الشرعي ينقسم إلى قسمين: " حكم تكليفي "، و " حكم وضعي ".
أي: أنه أتى بهذه الكلمة - وهي: " أو الوضع " -، لإدخال
أقسام خطاب الوضع من السببية، والشرطية، والمانعية، والصحة
والفساد، وذلك لأنها أحكام شرعية لم تثبت إلا عن طريق الشرع،
وليس فيها طلب ولا تخيير.
وعلى هذا: خطاب الشرع إما أن يكون متعلقا بالاقتضاء أو
التخيير، أو لا يكون.
فإن كان متعلقاً بأحدهما: فهو الحكم التكليفي.
وإن لم يتعلق بواحد منهما فهو الحكم الوضعي.