الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: ما يلحق بالسحر كالعيافة، والطرق، والطيرة
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن حيان بن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت)) (1).
قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط بالأرض، والجبت: قال الحسن: رنة الشيطان.
إسناده جيد. ولأبي داود والنسائي وابن حبان في (صحيحه) لهم المسند منه.
قوله: (العيافة)، مصدر عاف يعيف عيافة، وهي: زجر الطير للتشاؤم أو التفاؤل، فعند العرب قواعد في هذا الأمر، لأن زجر الطير له أقسام:
فتارة يزجرها للصيد، كما قال أهل العلم في باب الصيد: إن تعليم الطير بأن ينزجر إذا زجر، فهذا ليس من هذا الباب.
وتارة يزجر الطير للتشاؤم أو التفاؤل، فإذا زجر الطائر وذهب شمالاً تشاءم، وإذا ذهب يميناً تفاءل، وإن ذهب أماماً، فلا أدري أيتوقفون أم يعيدون الزجر؟ فهذا من الجبت.
قوله: (الطرق). فسره عوف: بأنه الخط يخط في الأرض، وكأنه من الطريق، من طرق الأرض يطرقها إذا سار عليها، وتخطيطها مثل المشي عليها يكون له أثر في الأرض كأثر السير عليها.
ومعنى الخط بالأرض معروف عندهم، يضربون به على الرمل على سبيل السحر والكهانة، ويفعله النساء غالباً، ولا أدري كيف يتوصلون إلى مقصودهم وما يزعمونه من علم الغيب، وأنه سيحصل كذا على ما هو معروف عندهم؟! وهذا نوع من السحر.
أما خط الأرض ليكون سترة في الصلاة، أو لبيان حدودها ونحو ذلك، فليس داخلاً في الحديث.
فإن قيل: قد صح ((عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن نبي من الأنبياء يخط، فقال: من وافق خطه، فذاك)) (2).
قلنا: يجاب عنه بجوابين:
الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم علقه بأمر لا يتحقق الوصول إليه، لأنه قال: فمن وافق خطه فذاك، وما يدرينا هل وافق خطه أم لا؟
الثاني: أنه إذا كان الخط بالوحي من الله تعالى كما في حال هذا النبي، فلا بأس به، لأن الله يجعل له علامة ينزل الوحي بها بخطوط يعلمه إياها.
أما هذه الخطوط السحرية، فهي من الوحي الشيطاني، فإن قيل: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسد الأبواب جميعاً خاصة في موضوع الشرك، فلماذا لم يقطع ويسد هذا الباب؟
فالجواب: كأن هذا والله أعلم أمر معلوم، وهو أن فيه نبياً من الأنبياء يخط، فلا بد أن يجيب عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: (من الجبت). سبق أن الجبت السحر، وعلى هذا، فتكون (من) للتبعيض على الصحيح، وليس للبيان، فالمعنى أن هذه الثلاثة: العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت.
وقوله: (الطيرة) أي: من الجبت، على وزن فعلة، وهم اسم مصدر تطير، والمصدر منه تطير، وهي التشاؤم بمرئي أو مسموع، وقيل: التشاؤم بمعلوم مرئياً كان أو مسموعاً، زماناً كان أو مكاناً، وهذا أشمل، فيشمل ما لا يرى ولا يسمع، كالتطير بالزمان.
وأصل التطير: التشاؤم، لكن أضيفت إلى الطير، لأن غالب التشاؤم عند العرب بالطير، فعلقت به، وإلا، فإن تعريفها العام: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
وكان العرب يتشاءمون بالطير وبالزمان وبالمكان وبالأشخاص، وهذا من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)[10765])) رواه أبو داود (3907) وأحمد (5/ 60)(20622) ، وابن حبان (13/ 502) ، والطبراني (18/ 396) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/ 139) ، والحديث سكت عنه أبو داود، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (3900).
(2)
[10766])) رواه مسلم (537).
والإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم، ضاقت عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة تشاءم، وقال: اليوم يوم سوء، وأغلق دكانه، ولم يبع ولم يشتر ـ والعياذ بالله ـ، وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، ويقول: أنه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولا سيما في النكاح، وقد نقضت عائشة رضي الله عنها هذا التشاؤم، بأنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال، وبنى بها في شوال، فكانت تقول:((أيكن كان أحظى عنده مني؟)) (1) والجواب: لا أحد.
فالمهم أن التشاؤم ينبغي للإنسان أن لا يطرأ له على بال، لأنه ينكد عليه عيشه، فالواجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يعجبه الفأل (2)، فينبغي للإنسان أن يتفاءل بالخير ولا يتشاءم، وكذلك بعض الناس إذا حاول الأمر مرة بعد أخرى تشاءم بأنه لن ينجح فيه فيتركه، وهذا خطأ، فكل شيء ترى فيه المصلحة، فلا تتقاعس عنه في أول محاولة، وحاول مرة بعد أخرى حتى يفتح الله عليك.
وأما قول الحسن: الجبت: رنة الشيطان، قال صاحب (تيسير العزيز الحميد) (3): لم أجد فيه كلاماً.
والظاهر أن رنة الشيطان، أي: وحي الشيطان، فهذه من وحي الشيطان وإملائه، ولا شك أن الذي يتلقى أمره من وحي الشيطان أنه أتى نوعاً من الكفر، وقول الحسن جاء في (تفسير ابن كثير) باللفظ الذي ذكره المؤلف، وجاء في (المسند) بلفظ:((إنه الشيطان)) (4).
ووجه كون العيافة من السحر أن العيافة يستند فيها الإنسان إلى أمر لا حقيقة له: فماذا يعني كون الطائر يذهب يميناً أو شمالاً أو أماماً أو خلفاً؟ فهذا لا أصل له، وليس بسبب شرعي ولا حسي، فإذا اعتمد الإنسان على ذلك، فقد اعتمد على أمر خفي لا حقيقة له، وهذا سحر كما سبق تعريف السحر في اللغة.
وكذلك الطرق من السحر، لأنهم يستعملونه في السحر، ويتوصلون به إليه.
والطيرة كذلك، لأنها مثل العيافة تماماً تستند إلى أمر خفي لا يصح الاعتماد عليه، وسيأتي في باب الطيرة ما يستثنى منه.
قوله: (إسناده جيد
…
). قال الشيخ: إسناده جيد، وعندي أنه أقل من الجيد في الواقع، إلا أن يكون هناك متابعات، وكان بعض العلماء يذهب إلى أن الحديث إذا صح متنه، وكان موافقاً للأصول، فإنه يتساهل في سنده، والعكس بالعكس، إذا كان مخالفاً للأصول، فإنه لا يبالي بالسند، وهذا مسلك جيد بالنسبة لأخذ الحكم من الحديث، لكن بالنسبة للحكم على السند بأنه جيد بمجرد شهادة الأصول لهذا الحديث بالصحة، فهذا مشكل لأنه يلزم أنه لو جاءنا هذا السند في حديث آخر حكمنا بأنه جيد، فالأولى أن يقال: إن السند فيه ضعف، ولكن المتن، صحيح، فأنا أرى أن مثل هذا لا يحكم له بالجودة، إذ جيد أرقى من حسن، ثم الحكم بالحسن في مثل هذا السند في نفسي منه شيء، لأنه ينبغي لنا أن نتحرى في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن الذي يخفف الأمر هو صحة المتن، وأيهما أهم: السند أم المتن؟
(1)[10767])) رواه مسلم (1423).
(2)
[10768])) رواه البخاري (5776) ، ومسلم (2224) ، من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
[10769])) انظر: ((وتيسير العزيز الحميد)) (ص 398).
(4)
[10770])) رواه أحمد (5/ 60)(20623).
الجواب: كلاهما مهمان، لكن المتن إذا كان صحيحاً تشهد له الأصول قد تستغني عنه بما تشهد به الأصول، أما السند، فلا بد منه، يقول ابن المبارك: لولا السند، لقال كل من شاء ما شاء .... وللنسائي من حديث أبي هريرة:((من عقد عقدة، ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر، فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً، وكل إليه)) (1).
قوله: (من عقد عقدة). (من) شرطية، والعقد معروف.
قوله: (ثم نفث فيها). النفث: النفخ بريق خفيف، والمراد هنا النفث من أجل السحر.
أما لو عقد عقدة، ثم نفث فيها من أجل أن تحتكم بالرطوبة، فليس بداخل في الحديث، والنفث من أجل السحر يفعلونه بعض الأحيان للصرف، فيصرفون به الرجل عن زوجته، ولا سيما عند عقد النكاح، فيبعد الرجل عن زوجته، فلا يقوى على جماعها، فمن عقد هذه العقدة، فقد وقع في السحر كما قال تعالى: وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق: 4].
قوله: (ومن سحر فقد أشرك). (من) هذه شرطية، وفعل الشرط:(سحر)، وجوابه:(فقد أشرك).
وقوله: (فقد أشرك). هذا لا يتناول جميع السحر، إنما المراد من سحر بالطرق الشيطانية.
أما من سحر بالأدوية والعقاقير وما أشبهها، فقد سبق أنه لا يكون مشركاً، لكن الذي يسحر بواسطة طاعة الشياطين واستخدامهم فيما يريد، فهذا لا شك أنه مشرك.
قوله: (ومن تعلق شيئاً وكل إليه). (تعلق شيئاً)، أي: استمسك به، واعتمد عليه.
(وكل إليه)، أي: جعل هذا الشيء الذي تعلق به عماداً له، ووكله الله إليه، وتخلى عنه.
ومناسبة هذه الجملة للتي قبلها: أن النافخ في العقد يريد أن يتوصل بهذا الشيء إلى حاجته ومآربه، فيوكل إلى هذا الشيء المحرم.
ووجه آخر: وهو أن من الناس من إذا سحر عن طريق النفخ بالعقد ذهب إلى السحرة وتعلق بهم، ولا يذهب إلى القراء والأدوية المباحة والأدعية المشروعة، ومن توكل على الله كفاه، قال تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [الطلاق: 5]، وإذا كان الله حسبك، فلا بد أن تصل إلى ما تريد.
لكن من تعلق شيئاً من المخلوقين وكل إليه، ومن وكل إلى شيء من المخلوقين وكل إلى ضعف وعجز وعورة، وقد يشمل الحديث من اعتمد على نفسه وصار معجباً بما يقول ويفعل، فإنه يوكل إلى نفسه، ويوكل إلى ضعف وعجز وعورة، ولهذا ينبغي أن تكون دائماً متعلقاً بالله في كل أفعالك وأحوالك حتى في أهون الأمور
…
وأن هؤلاء الذين يتعلقون بالسحر، ويجعلونه صناعة يصلون بها إلى مآربهم يوكلون إلى ذلك، وآخر أمرهم الخسارة والندم.
…
والمؤلف كان حكيماً في تعبيره بالترجمة، حيث قال: باب بيان شيء من أنواع السحر، ولم يحكم عليها بشيء، لأن منها ما هو شرك، ومنها ما هو من كبائر الذنوب، ومنها دون ذلك، ومنها ما هو جائز على حسب ما يقصد به وعلى حسب تأثيره وآثاره.
فيه مسائل:
الأولى: أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت. الثانية: تفسير العيافة والطرق. الثالثة: أن علم النجوم نوع من السحر. الرابعة: العقد مع النفث من ذلك. الخامسة: أن النميمة من ذلك. السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة.
قال: (فيه مسائل)، أي: في هذا الباب وما تضمنه من الأحاديث والآثار مسائل:
(1)[10771])) رواه النسائي (7/ 112) ، والطبراني في ((الأوسط)) (2/ 127)، قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (5/ 551):[فيه] عباد المنقري هو ممن يكتب حديثه، وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (9/ 429):[فيه] عباد بن ميسرة قال يحيى بن معين ليس به بأس وقال أبو داود ليس بالقوي، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/ 378): لا يصح للين عباد بن ميسرة وانقطاعه، وقال الألباني في ((ضعيف النسائي)): ضعيف لكن جملة التعليق ثبتت في الحديث.
المسألة الأولى: أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت. وقد سبق تفسير هذه الثلاثة وتفسير الجبت.
الثانية: تفسير العيافة والطرق. وقد بينت في الباب أيضاً وشرحت.
الثالثة: أن علم النجوم نوع من السحر. لقوله: ((من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر)) (1)، وسبق الكلام عليها أيضاً.
الرابعة: العقد مع النفث من ذلك. لحديث أبي هريرة: ((من عقد عقدة ثم نفث فيها، فقد سحر)) (2)، وقد تقدم الكلام على ذلك.
الخامسة: أن النميمة من ذلك. لحديث ابن مسعود: ((ألا هل أنبئكم ما العضة؟ هي النميمة)) (3)، وهي من السحر، لأنها تفعل ما يفعل الساحر من التفريق بين الناس والتحريش بينهم، وقد سبق بيان ذلك.
السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة. أي: من السحر بعض الفصاحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إن من البيان لسحراً)) (4)، والمؤلف رحمه الله قال: بعض الفصاحة استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان"، لأن "من" هنا عند المؤلف للتبعيض، ووجه كون ذلك من السحر أن لسان البليغ ذي البيان قد يصرف الهمم وقد يلهب ما عنده من الفصاحة. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - بتصرف– 2/ 36
(1)[10772])) رواه أبو داود (3905) ، وابن ماجه (3726) ، وأحمد (1/ 227)(2000) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/ 138) ، والطبراني (11/ 135)، كلهم رووه بلفظ:((من اقتبس علماً من النجوم)) بدلاً من ((من اقتبس شعبةً من النجوم)) ، والحديث سكت عنه ابو داود، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (35/ 193) ، والنووي في ((رياض الصالحين)) (536) ، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (4/ 144)، وأحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (3/ 312): إسناده صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)).
(2)
[10773])) رواه النسائي (7/ 112) ، والطبراني في ((الأوسط)) (2/ 127)، قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (5/ 551):[فيه] عباد المنقري هو ممن يكتب حديثه، وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (9/ 429):[فيه] عباد بن ميسرة قال يحيى بن معين ليس به بأس وقال أبو داود ليس بالقوي، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/ 378): لا يصح للين عباد بن ميسرة وانقطاعه، وقال الألباني في ((ضعيف النسائي)): ضعيف لكن جملة التعليق ثبتت في الحديث.
(3)
[10774])) رواه مسلم (2606).
(4)
[10775])) رواه البخاري (5146) من حديث ابن عمر رضي الله عنه، ومسلم (869) من حديث عمار رضي الله عنه.
ومن أنواع السحر زجر الطير والخط بالأرض، قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثنا حيان – قال غير مسدد: حيان بن العلاء – حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العيافة والطيرة والطرق من الجبت)) رواه أحمد في (مسنده)(1). و ((الجبت هو السحر)) قاله عمر رضي الله عنه (2) وكذلك قال ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وغيرهم (3). وعن ابن عباس وغيره أيضاً ((الجبت الشيطان)) (4)، ولا ينافي الأول لأن السحر من عمل الشيطان، وعنه أيضاً الجبت الشرك (5)، وعنه الجبت الأصنام (6)، وعنه الجبت حيي بن أخطب (7)، وعن الشعبي الجبت كاهن (8). وعن مجاهد الجبت كعب بن الأشرف (9)، ولا منافاة أيضاً فإن السحر من الشرك الذي يشمله عبادة غير الله، وحيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ممن خاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر، والكاهن عامل بالسحر، وقال في القاموس: الجبت بالكسر الصنم والكاهن والساحر والسحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله عز وجل. ومن أنواعه العقد والنفث فيه قال الله تعالى: وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] وقد تقدم حديث عائشة في قصة لبيد بن الأعصم، وقد ثبت في حديث نزول المعوذتين ورقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بهما أنه كان كلما قرأ آية انحلت عقدة. وقال النسائي رحمه الله تعالى في كتاب تحريم الدم من (سننه):(الحكم في السحرة) أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عباد بن ميسرة المنقري عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه)) (10)
(1)[10776])) رواه أبو داود (3907) وأحمد (5/ 60)(20622) ، وابن حبان (13/ 502) ، والطبراني (18/ 396) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/ 139) ، والحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (35/ 192)، والنووي في ((المنثورات)) (ص: 159): إسناده حسن، وقال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/ 313): جاءت الآثار بذلك مجيئا متواترا، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (3900).
(2)
[10777])) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم بعد حديث (4582)، في باب: قوله وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ، قال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (2/ 252): جاء موصولاً.
(3)
[10778])) رواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (4/ 198) ، وابن جرير في ((التفسير)) (8/ 462).
(4)
[10779])) روى ابن جرير في ((التفسير)) (8/ 462) هذا الأثر عن قتادة، والسدي.
(5)
[10780])) ذكره ابن كثير في ((التفسير)) (2/ 334).
(6)
[10781])) رواه ابن جرير في ((التفسير)) (8/ 461) ، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (4/ 198).
(7)
[10782])) رواه ابن جرير في ((التفسير)) (8/ 464) ، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (4/ 198).
(8)
[10783])) رواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (4/ 199).
(9)
[10784])) رواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (4/ 199) ، وابن جرير في ((التفسير)) (8/ 465).
(10)
[10785])) رواه النسائي (7/ 112) ، والطبراني في ((الأوسط)) (2/ 127)، قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (5/ 551):[فيه] عباد المنقري هو ممن يكتب حديثه، وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (9/ 429):[فيه] عباد بن ميسرة قال يحيى بن معين ليس به بأس وقال أبو داود ليس بالقوي، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/ 378): لا يصح للين عباد بن ميسرة وانقطاعه، وقال الألباني في ((ضعيف النسائي)): ضعيف لكن جملة التعليق ثبتت في الحديث ..
وقد أطلق السحر على ما فيه التخييل في قلب الأعيان وإن لم يكن السحر الحقيقي، كما في (الصحيحين) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن من البيان لسحراً)) (1) يعني لتضمنه التخييل فيخيل الباطل في صورة الحق، وإنما عني به البيان في المفاخرة والخصومات بالباطل ونحوها كما يدل عليه أصل القصة في التميميين اللذين تفاخرا عنده بأحسابهما وطعن أحدهما في حسب الآخر ونسبه، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم:((إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحكم له على نحو ما أسمع، فمن حكمت له من حق أخيه بشيء فإنما هو قطعة من النار)) (2) أو كما قال: وهو في الصحيح، وأما البيان بالحق لنصرة الحق فهو فريضة على كل مسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وهو من الجهاد في سبيل الله عز وجل. وقد سمى صلى الله عليه وسلم ما يعمل عمل السحر سحراً وإن لم يكن سحراً كقوله صلى الله عليه وسلم:((ألا أنبئكم ما العضة، هي النميمة، القالة بين الناس)) رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه (3). والعضة في لغة قريش السحر، ويقولون للساحر عاضه، فسمى النميمة سحراً لأنها تعمل عمل السحر في التفرقة بين المرء وزوجه وغيرها من المتحابين بل هي أعظم في الوشاية لأنها تثير العداوة بين الأخوين. وتسعر الحرب بين المتسالمين كما هو معروف مشاهد لا ينكر. وقد جاء الوعيد للقتات في الآيات والأحاديث كثيرة جداً. ومع هذا فالخداع للكفار للفتك بهم وإظهار المسلمين عليهم وكسر شوكتهم وتفريق كلمتهم من أعظم الجهاد وأنفعه وأشده نكاية فيهم كما فعله نعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه في تفريق كلمة الأحزاب بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرق بين قريش وبين يهود بني قريظة ونقض الله بذلك ما أبرموه ولله الحمد والمنة معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي– ص705
(1)[10786])) رواه البخاري (5146) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ومسلم (869) من حديث عمار رضي الله عنه.
(2)
[10787])) رواه البخاري (2680) ، ومسلم (1713).
(3)
[10788])) رواه مسلم (2606).