الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تعريف آل البيت شرعا
واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال:
فقيل: هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعي (1) وأحمد في رواية عنه (2).
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة (3) ، والرواية عن أحمد (4) واختيار ابن القاسم صاحب مالك (5).
والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو مطلب، وبنو أمية، وبنو نوفل، ومن فوقهم إلى بني غالب، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك، حكاه صاحب (الجواهر) عنه، وحكاه اللخمي في (التبصرة) عن أصبغ، ولم يحكه عن أشهب.
وهذا القول في الآل أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي (6) وأحمد (7) والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي (8).
والقول الثاني: أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة، حكاه ابن عبد البر في (التمهيد)(9) قال في باب عبد الله بن أبي بكر، في شرح حديث أبي حميد الساعدي: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر، وفي غير ما حديث:((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) (10) وفي هذا الحديث يعني حديث أبي حميد: ((اللهم صل على محمد وعلى وأزواجه وذريته)) (11)، قالوا: فهذا تفسير ذلك الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته، قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذريته صلى الله عليك، إذا واجهه، وصلى الله عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم.
قالوا: والآل والأهل سواء، وآل الرجل وأهله سواء، وهم الأزواج والذرية بدليل هذا الحديث.
والقول الثالث: أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله، ذكره البيهقي عنه (12)، ورواه عن سفيان الثوري وغيره، واختاره بعض أصحاب الشافعي (13) ، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه، ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في (شرح مسلم)(14) واختاره الأزهري.
والقول الرابع: أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة.
فصل
في ذكر حجج هذه الأقوال، وتبين ما فيها من الصحيح والضعيف
(1)[12271])) ((الأم)) للشافعي (2/ 88)، ((الحاوي)) للماوردي (7/ 516).
(2)
[12272])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 517 - 518)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/ 481).
(3)
[12273])) ((المبسوط)) للسرخسي (10/ 12)، و ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 49).
(4)
[12274])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 517 - 518)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/ 481).
(5)
[12275])) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 142)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/ 9).
(6)
[12276])) ((الأم)) للشافعي (2/ 88)، ((الحاوي)) للماوردي (7/ 516).
(7)
[12277])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 517 - 518)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/ 481).
(8)
[12278])) ((الأم)) للشافعي (2/ 88)، ((الحاوي)) للماوردي (7/ 516)، ((المغني)) لابن قدامة (2/ 517 - 518)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/ 481).
(9)
[12279])) ((التمهيد)) (16/ 183، 196).
(10)
[12280])) رواه البخاري (3370) ومسلم (406). من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(11)
[12281])) رواه البخاري (3369).
(12)
[12282])) رواه البيهقي (2/ 82)(2986). قال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (1/ 191): [فيه] الحسن بن صالح ضعيف.
(13)
[12283])) انظر: ((الحاوي)) (7/ 517).
(14)
[12284])) ((شرح صحيح مسلم)) (7/ 185).
فأما القول الأول: وهو أن الآل من تحرم عليهم الصدقة على ما فيهم من الاختلاف، فحجته من وجوه:
أحدها: ما رواه البخاري في صحيحه: من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه، فيجيء هذا بتمرة وهذا بتمرة حتى يصير عنده كوم من تمر، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه، فقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة)) (1)، ورواه مسلم وقال:((إنا لا تحل لنا الصدقة)) (2).
الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه: عن زيد بن أرقم، قال: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، وقال: وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
فقال له حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: أكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الصدقة لا تحل لآل محمد)) (3).
الدليل الثالث: ما في الصحيحين: من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها ((أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل)) (4).
فآله صلى الله عليه وسلم لهم خواص: منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليهم.
وقد ثبت أن تحريم الصدقة واستحقاق خمس الخمس وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه صلى الله عليه وسلم فكذلك الصلاة على آله.
الدليل الرابع: ما رواه مسلم: من حديث ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره، أن أباه ربيعة بن الحارث، قال لعبد المطلب بن ربيعة، وللفضل بن العباس رضي الله عنهما:((ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات فذكر الحديث وفيه: فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) (5).
الدليل الخامس: ما رواه مسلم في صحيحه: من حديث عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، فذكر الحديث وقال فيه: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكبش، فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، ومن آل محمد، ومن أمة محمد. ثم ضحى به)) (6).
هكذا رواه مسلم بتمامه، وحقيقة العطف المغايرة، وأمته صلى الله عليه وسلم أعم من آله.
قال أصحاب هذا القول: (وتفسير الآل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تفسيره بكلام غيره).
فصل
(1)[12285])) رواه البخاري (1485).
(2)
[12286])) رواه مسلم (1069).
(3)
[12287])) رواه مسلم (2408).
(4)
[12288])) رواه البخاري (3711)، ومسلم (1759).
(5)
[12289])) رواه مسلم (1072).
(6)
[12290])) رواه مسلم (1967).
وأما القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة، فقد تقدم احتجاج ابن عبد البر له، بأن في حديث أبي حميد ((اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته)) (1) وفي غيره من الأحاديث اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وهذا غايته أن يكون الأول منهما قد فسره اللفظ الآخر.
واحتجوا أيضاً بما في الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)) (2) ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة وإلى الآن. وأما أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم فكان رزقهم قوتاً، وما كان يحصل لأزواجه بعد من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتاً. (وقد جاء عائشة رضي الله عنها مال عظيم فقسمته كله في قعدة واحدة، فقالت لها الجارية: لو خبيت لنا منه درهماً نشتري به لحماً؟ فقالت لها: لو ذكرتني فعلت)(3).
واحتجوا أيضاً بما في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:(ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل (4). قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها.
قال هؤلاء: وإنما دخل الأزواج في الآل، وخصوصاً أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالسبب، لأن اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام النسب.
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليهن، ولهذا كان القول الصحيح، وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله:(أن الصدقة تحرم عليهن، لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ بني آدم)(5) ويا لله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)) (6)، وقوله في الأضحية:((اللهم هذا عن محمد وآل محمد)) (7)، وفي قول عائشة رضي الله عنها:((ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز بر)) (8) وفي قول المصلي: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) (9)، ولا يدخلن في قوله:((إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد مع كونها من أوساخ الناس)) (10)، فأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصيانة عنها والبعد منها.
(1)[12291])) رواه البخاري (3369).
(2)
[12292])) رواه البخاري (4460)، ومسلم (1055).
(3)
[12293])) رواه الحاكم (4/ 15). بلفظ: (أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى عائشة رضي الله عنها بمائة ألف فقسمتها حتى لم تترك منها شيئا فقالت بريرة: أنت صائمة فهلا اتبعت لنا بدرهم لحما فقالت عائشة: لو أني ذكرت لفعلت).
(4)
[12294])) رواه البخاري (5423)، ومسلم (2970).
(5)
[12295])) ((المغني)) (7/ 331).
(6)
[12296])) رواه البخاري (4460)، ومسلم (1055). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
[12297])) رواه الطبراني (1/ 311) ، والحاكم (2/ 425) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (9/ 259) ، من حديث أبي رافع رضي الله عنه، قال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/ 495):(فيه) عبد الله بن محمد بن عقيل كان رديء الحفظ كان يحدث على التوهم، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 24): إسناده حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(8)
[12298])) رواه البخاري (6687) ومسلم (2970).
(9)
[12299])) رواه البخاري (3370) ومسلم (406). من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(10)
[12300])) رواه مسلم (1072) ولفظه: (( .... إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس إنها لاتحل لمحمد ولا لآل محمد
…
)).
فإن قيل: لو كانت الصدقة حراماً عليهن لحرمت على مواليهن، كما أنها لما حرمت على بني هاشم على مواليهم، وقد ثبت في الصحيح أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وجواب هذه الشبهة: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة، وإنما هو تبع لتحريمها عليه صلى الله عليه وسلم وإلا فالصدقة حلال لهن قبل اتصالهن به، فهن فرع في هذا التحريم على المولى فرع التحريم على سيده، فلما كان التحريم على بني هاشم أصلاً استتبع ذلك مواليهم ولما كان التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً، لم يقو ذلك على استتباع مواليهن، لأنه فرع عن فرع.
قالوا: وقد قال الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب: 30 - 33]
فدخلن في أهل البيت لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء، والله أعلم.
فصل
وأما القول الثالث: وهو أن آل النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة. فقد احتج له بأن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه وأمره، قريبهم وبعيدهم.
قالوا: واشتقاق هذه اللفظة تدل عليه، فإنه من آل يؤول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم لأنه إمامهم وموئلهم.
قالوا: ولهذا كان قوله تعالى: إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر [القمر: 34] المراد به أتباعه وشيعته المؤمنون به من أقاربه وغيرهم.
وقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]، المراد به أتباعه.
واحتجوا أيضاً بأن واثلة بن الأسقع روى: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا حسناً وحسيناً، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة رضي الله عنها من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه، ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي، قال واثلة: فقلت يا رسول الله، وأنا من أهلك؟ فقال: وأنت من أهلي)) رواه البيهقي بإسناد جيد (1).
قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وإنما هو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل
وأما أصحاب القول الرابع: أن آله الأتقياء من أمته.
(1)[12301])) رواه البيهقي (2/ 80)(2984). وقال البيهقي: إسناده صحيح، وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (3/ 385): حسن غريب، وقال ابن القيم في ((جلاء الأفهام)) (334): إسناده جيد، وصححه الألباني في ((صحيح الموارد)) (1890).
فاحتجوا بما رواه الطبراني في (معجمه): عن جعفر بن إلياس بن صدقة، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبي مريم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، قال:((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آل محمد؟ فقال: كل تقي، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ [الأنفال: 34])) قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي: من حديث عبد الله بن أحمد بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز، عن أنس، فذكره (1).
ونوح هذا ونافع أبو هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، وقد رميا بالكذب واحتج لهذا القول أيضاً بأن الله عز وجل قال لنوح عن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود: 46]، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل الرسول صلى الله عليه وسلم هم أتباعه.
وأجاب عنه الشافعي رحمه الله بجواب جيد، وهو أن المراد أنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم، ووعدناك بنجاتهم، لأن الله سبحانه قال له قبل ذلك: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [هود: 40] ، فليس ابنه من أهله الذين ضمن نجاتهم.
وتخصيصاً له بالذكر من بين النوع، لأنه من أحق أفراد النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان:
أحدهما: أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه.
والطريق الثاني: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له تنبيهاً على مزيد شرفه، وهو كقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب: 7]، وقوله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: 98].
وأيضاً فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره
…
وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين، أو لا يجوزها على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كالأمة، فقد أبعد غاية الإبعاد.
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في السلام تسليم المصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً وعلى نفسه ثانياً، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثاً، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض)) (2) ، وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه.
وأيضاً فإن الله سبحانه أمرنا بالصلاة عليه بعد ذكر حقوقه وما خصه به دون أمته من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر مع ذلك من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله.
(1)[12302])) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 338)(3332)، والبيهقي (2/ 83) (2987). قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (8/ 293):[فيه] نوح بن أبي مريم مع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/ 165): إسناده واهٍ جداً، [وروي] نحوه ضعيف.
(2)
[12303])) رواه أحمد (1/ 413)(3919). قال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (10/ 6): إسناده صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط محقق المسند: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي سعيد فمن رجال البخاري.
ثم قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب: 53]، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن، وخلوتهم بهن، ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامه، مستفتحاً ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أي صفة يؤذن هذا الحق؟ فقال: ((قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) (1) ، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفاً وعلواً. صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
وأما من قال إنهم الأتقياء من أمته فهؤلاء هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقربائه فهو من أوليائه، ومن لم يكن منهم من أقربائه، فهم من أوليائه، لا من آله. فقد يكون الرجل من آله وأوليائه، كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه، ولا يكون من آله ولا من أوليائه، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته الداعين إلى سنته، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون أين كانوا ومن كانوا)) (2)
…
وأما من زعم أن الآل هم الأتباع، فيقال: لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد به الأتباع، لما ذكرنا من النصوص، والله أعلم. جلاء الأفهام لابن القيم - بتصرف 1/ 210
(1)[12304])) رواه البخاري (3370)، ومسلم (406). من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(2)
[12305])) رواه البخاري (5990)، ومسلم (215) بلفظ:((ألا إن آل أبي (يعني فلانا) ليسوا لي بأولياء إنما ولي الله وصالح المؤمنين)). من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.