المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: وجوب محبتهم - الموسوعة العقدية - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: إنكار الوعد أو الوعيد أو الاستهزاء به

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تنوع المعلوم من الدين بالضرورة

- ‌المطلب الثاني: حكم الجهل بالمعلوم من الدين بالضرورة

- ‌المطلب الثالث: إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة

- ‌أولاً: تعريف النفاق

- ‌ثانياً: أنواع النفاق

- ‌المطلب الثاني: مظاهرة المشركين على المسلمين

- ‌المطلب الأول: سب الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثاني: الاستهزاء بالعلماء والصالحين

- ‌المطلب الأول: ترك الصلاة تهاونا وكسلا

- ‌تمهيد:

- ‌أولاً: تعريف السحر لغةً وشرعاً

- ‌ثانياً: حكم السحر

- ‌ثالثاً: أسباب الخلاف في حكم السحر

- ‌المطلب الثالث: ما يلحق بالسحر كالعيافة، والطرق، والطيرة

- ‌أولاً: التنجيم

- ‌ثانياً: ادعاء علم الغيب

- ‌المطلب الخامس: الكهانة

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: مفهوم التلازم

- ‌المطلب الثاني: أدلة التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المطلب الثالث: المرجئة وإنكارهم للتلازم

- ‌المبحث الثاني: إجماع أهل السنة على أن العمل جزء لا يصح الإيمان إلا به

- ‌المبحث الثالث: إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة

- ‌الفصل الثاني: نقول عن أهل العلم في بيان منزلة عمل الجوارح وحكم تاركه

- ‌المطلب الأول: التعريف اللغوي

- ‌المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي

- ‌المبحث الثاني: طرق إثبات الصحبة

- ‌النوع الأول: القرآن الكريم

- ‌النوع الثاني: الخبر المتواتر

- ‌النوع الثالث: الخبر المشهور

- ‌النوع الرابع: الخبر الآحاد: ويدخل تحته أربع طرق

- ‌المطلب الثاني: إثبات الصحبة عن طريق أحد العلامات

- ‌أولا: الأدلة على فضل الصحابة من القرآن

- ‌ثانيا: الأدلة على فضل الصحابة من السنة

- ‌ثالثا: أقوال العلماء في فضل الصحابة

- ‌الفرع الثاني: تفضيل الصحابة على سائر الأمة

- ‌الفرع الثالث: تفضيل الصحابة على سائر البشر بعد الأنبياء

- ‌الفرع الأول: الأدلة على وقوع التفاضل بين الصحابة

- ‌الفرع الثاني: أوجه التفاضل بين الصحابة

- ‌أولا: المفاضلة بين الخلفاء الراشدين

- ‌ثانيا: المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما

- ‌الفرع الرابع: المفاضلة بين جماعات الصحابة

- ‌الفرع الخامس: المفاضلة بين الصحابيات

- ‌الفرع الأول: فضل أبي بكر الصديق

- ‌الفرع الثاني فضل: عمر بن الخطاب

- ‌الفرع الثالث: فضل عثمان بن عفان

- ‌الفرع الرابع: فضل علي بن أبي طالب

- ‌الفرع الخامس: فضائل باقي العشرة المبشرين بالجنة

- ‌أولا: فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌ثانيا: فضل الزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌ثالثا: فضل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

- ‌رابعا: فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌خامسا: فضل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌سادسا: فضل سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: وجوب محبتهم

- ‌أولاً: معنى العدالة في اللغة

- ‌ثانياً: تعريف العدالة في الاصطلاح

- ‌تمهيد

- ‌أولا: أدلة أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة من القرآن الكريم

- ‌ثانيا: أدلة أهل السنة على عدالة الصحابة من السنة النبوية

- ‌ثالثا: الأدلة العقلية على عدالة الصحابة

- ‌تمهيد

- ‌أولا: الأدلة على تحريم سبهم من القرآن

- ‌ثانيا: الأدلة من السنة على تحريم سب الصحابة

- ‌ثالثا: الأدلة من كلام السلف على تحريم سب الصحابة

- ‌رابعا: حكم سب الصحابة

- ‌1 - من سب الصحابة بالكفر والردة أو الفسق جميعهم أو معظمهم

- ‌2 - من سب بعضهم سبا يطعن في دينهم

- ‌3 - من سب صحابياً لم يتواتر النقل بفضله سبا يطعن في الدين

- ‌4 - من سب بعضهم سبا لا يطعن في دينهم وعدالتهم

- ‌خامسا: لوازم السب

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الأول: متى بدأ التشاجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع الثاني دوافع التشاجر بين الصحابة

- ‌المطلب الخامس: الدعاء والاستغفار لهم

- ‌المطلب السادس: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم

- ‌تمهيد

- ‌أولا: طريقة مبايعة أبي بكر

- ‌ثانيا: النصوص المشيرة إلى خلافته

- ‌ثالثا: هل خلافة أبي بكر ثبتت بالنص أم بالإشارة

- ‌رابعاً: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌أولا: طريقة تولي عمر الخلافة

- ‌ثانيا أحقية عمر بالخلافه

- ‌ثالثا: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌أولا: كيفية توليه الخلافة رضي الله عنه

- ‌ثانيا: أحقية عثمان بالخلافه

- ‌ثالثا: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌أولا: طريقة توليه الخلافة

- ‌ثانيا: أحقية علي بالخلافه

- ‌ثالثا: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه

- ‌الفرع الخامس: خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: التعريف بآل البيت لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف آل البيت شرعا

- ‌المطلب الثالث دخول أزواج النبي في آل البيت

- ‌المطلب الأول: فضائل أهل البيت في الكتاب

- ‌المطلب الثاني فضائل أهل البيت في السنة

- ‌الفرع الأول: فضائل أزواج النبي إجمالا

- ‌أولاً: فضل خديجة رضي الله عنها

- ‌ثانياً: فضل سودة رضي الله عنها

- ‌ثالثاً: فضل عائشة رضي الله عنها

- ‌رابعاً: فضل حفصة رضي الله عنها

- ‌خامساً: فضل أم سلمة رضي الله عنها

- ‌سادساً: فضل زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌سابعاً: فضل جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

- ‌ثامناً: فضل أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها

- ‌تاسعاً: فضل صفية بنت حيي رضي الله عنها

- ‌عاشراً: فضل ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها

- ‌حادي عشر: فضل زينب بنت خزيمة

- ‌1 - فضل زينب رضي الله عنها

- ‌2 - فضل رقية رضي الله عنها

- ‌3 - فضل أم كلثوم رضي الله عنها

- ‌4 - فضل فاطمة رضي الله عنها

- ‌أولا: حمزة سيد الشهداء

- ‌ثانيا: شهادة عبد الرحمن بن عوف – أحد العشرة – لحمزة بأنه خير منه

- ‌ثالثا: حمزة أسد الله

- ‌رابعا: حمزة المبارز يوم بدر

- ‌خامسا: قصة قتل حمزة ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌سادسا: بعد حمزة من النار

- ‌أولا: جعفر الطيار ذو الجناحين

- ‌ثانيا: شهادة أبي هريرة لجعفر

- ‌ثالثا: حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على جعفر وبشارته له

- ‌رابعا: شجاعة جعفر رضي الله عنه

- ‌خامسا: جعفر أبو المساكين

- ‌سادسا: خلق جعفر وخلقه

- ‌سابعا: هجرة جعفر للحبشة وموقفه القوي مع النجاشي وشجاعته في الحق رضي الله عنه

- ‌الفرع الثالث: فضل إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفرع الرابع: فضل الحسن والحسين رضي الله عنهما

- ‌أولا: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس بالعلم والحكمة والفقه في الدين

- ‌ثانيا: حرص ابن عباس على طلب العلم

- ‌ثالثا: تقديم عمر لعبد الله بن عباس رضي الله عنهم

- ‌رابعا: ثناء ابن مسعود على ابن عباس رضي الله عنهم

- ‌خامسا: بعض من ثناء التابعين على ابن عباس رضي الله عنهما

- ‌الفرع السادس: فضل العباس بن عبد المطلب

- ‌المطلب السادس: هل القول بتفضيل بني هاشم يعد تفضيلاً مطلقاً لهم على جميع الأشخاص وفي كل الأحوال

- ‌المبحث الثالث: مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في آل البيت

- ‌المطلب الأول: الدفاع عنهم

- ‌المطلب الثاني: الصلاة عليهم

- ‌المطلب الثالث: حقهم في الخمس

- ‌المطلب الرابع: تحريم الصدقة عليهم

- ‌الفصل الثالث: موقف أهل السنة من العلماء

- ‌1 - أنه لصبرهم وتقواهم كانت لهم الإمامة في الدين:

- ‌2 - أن طاعتهم من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌3 - أن الرد إليهم عند نزول النوازل لما خصهم الله به من القدرة على الاستنباط

- ‌4 - ومن فضلهم: أنه قرنت شهادتهم بشهادة الله تعالى والملائكة

- ‌5 - ومن فضلهم: أن اتباعهم يهدي إلى الصراط السوي

الفصل: ‌المطلب الأول: وجوب محبتهم

‌المطلب الأول: وجوب محبتهم

من عقائد أهل السنة والجماعة وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم والاحتجاج بإجماعهم والاقتداء بهم، والأخذ بآثارهم، وحرمة بغض أحد منهم لما شرفهم الله به من صحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه لنصرة دين الإسلام، وصبرهم على أذى المشركين والمنافقين، والهجرة عن أوطانهم وأموالهم وتقديم حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك كله، وقد دلت النصوص الكثيرة على وجوب حب الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، وقد فهم أهل السنة والجماعة ما دلت عليه النصوص في هذا واعتقدوا ما تضمنته مما يجب لهم من المحبة على وجه العموم رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن تلك النصوص:

(1)

قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10].

(هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظاً في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، وأن من سبهم أو واحداً منهم أو اعتقد فيه شراً أنه لا حق له في الفيء، روي ذلك عن مالك وغيره، قال مالك: (من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ الآية)(1).

(2)

روى الترمذي بإسناده إلى عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)) (2).

هذا الحديث تضمن الحث لكل إنسان يأتي بعد الصحابة في أن يحفظ حقهم، والمعنى: لا تنقصوا من حقهم ولا تسبوهم، بل عظموهم ووقروهم، ولا تتخذوهم هدفاً ترمونهم بقبيح الكلام، كما يرمى الهدف بالسهم، وبين عليه الصلاة والسلام أن حبهم ما استقر في قلب إنسان إلا بسبب حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، أو بسبب حب النبي صلى الله عليه وسلم إياهم وما وجد بغضهم في قلب إنسان إلا بسبب ما فيه من البغض للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:((يوشك أن يأخذه))، أي: يعاقبه في الدنيا أو في الآخرة (3). فالحديث دل على وجوب حب الصحابة رضي الله عنهم وخطورة بغضهم.

(1) انظر قول مالك في ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/ 1778)، ((زاد المسير في علم التفسير)) (8/ 216)، ((تفسير البغوي)) (7/ 54)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (18/ 32)، وانظر:((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 609).

(2)

رواه الترمذي (3862). وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)).

(3)

انظر: ((تحفة الأحوذي)) (10/ 365)، ((الفتح الرباني للساعاتي)) (22/ 169).

ص: 250

قال المناوي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((الله الله في أصحابي)) (أي: اتقوا الله فيهم ولا تلمزوهم بسوء أو اذكروا الله فيهم، وفي تعظيمهم وتوقيرهم، وكرره إيذاناً بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ((فمن أحبهم فبحبي أحبهم)) أي: فبسبب حبهم إياي، أو حبي إياهم، أي: إنما أحبهم لحبهم إياي، أو لحبي إياهم. ((ومن أبغضهم فببغضي)). أي: فبسبب بغضه إياي، ((أبغضهم)) يعني: إنما أبغضهم لبغضه إياي

وخص الوعيد بها لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم زعماً منهم الحب لبعض آخر، وهذا من باهر معجزاته، وقد كان في حياته حريصاً على حفظهم والشفقة عليهم. أخرج البيهقي عن ابن مسعود: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)) (1)، وإن تعرض إليهم ملحد وكفر نعمة قد أنعم الله بها عليهم، فجهل منه وحرمان، وسوء فهم، وقلة إيمان، إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا، فإذا جرح النقلة دخل من الآيات والأحاديث التي بها ذهاب الأنام، وخراب الإسلام إذ لا وحي بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ) (2).

(3)

وروى الإمام البخاري في (صحيحه) من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) (3).

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم هذا: (أن علامات كمال إيمان الإنسان، أو نفس إيمانه حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه من إيواء نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم ولا يلزم منه ترجيحهم على المهاجرين الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم وحرموا أموالهم حباً له وروماً لرضاه

(وآية النفاق) بالمعنى الخاص (بغض الأنصار)، صرح به مع فهمه مما قبله لاقتضاء المقام التأكيد، ولم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده، لأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان، وباطنه الكفر فميزه عن ذوي الإيمان الحقيقي، فلم يقل آية الكفر لكونه غير كافر ظاهراً، وخص الأنصار بهذه المنقبة العظمى، لما امتازوا به من الفضائل، فكان اختصاصهم بها مظنة الحسد الموجب للبغض، فوجب التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم، وأبرز ذلك في هذين التركيبين المفيدين للحصر لأن المبتدأ والخبر فيهما معرفتان، فجعل ذلك آية الإيمان والنفاق على منهج القصر الادعائي، حتى كأنه: لا علامة للإيمان إلا حبهم، وليس حبهم إلا علامته، ولا علامة للنفاق إلا بغضهم، وليس بغضهم إلا علامته، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في المعنى مشاركاً لهم في الفضل كل بقسطه) (4).

(4)

وروى مسلم بإسناده إلى عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)).

قال شعبة: (قلت لعدي: سمعته من البراء؟ قال: إياي حدث)(5).

(5)

وروى أيضاً: بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)) (6).

(1) رواه البيهقي (8/ 166)(16452). وقال الذهبي في ((المهذب)) (6/ 3273): انفرد الكديمي بقوله فأتاه مال إلى آخر الحديث، والكديمي لا شيء.

(2)

((فيض القدير)) للمناوي (2/ 98).

(3)

رواه البخاري (17). من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

((فيض القدير)) للمناوي (1/ 62).

(5)

رواه مسلم (75).

(6)

رواه مسلم (76).

ص: 251

(6)

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله)) (1).

(7)

وروى الحافظ الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم)) (2).

(8)

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحب الأنصار إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)) (3).

(9)

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى سعد بن عبادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الحي من الأنصار محنة حبهم إيمان وبغضهم نفاق)) (4).

(10)

وروى أيضاً: بإسناده إلى الحارث بن زياد الساعدي ((أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو يبايع الناس على الهجرة فقال: يا رسول الله بايع هذا، قال: ومن هذا، قال: ابن عمي حوط بن يزيد أو يزيد بن حوط، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أبايعك إن الناس يهاجرون إليكم ولا تهاجرون إليهم، والذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لا يحب رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى إلا لقي الله – تبارك وتعالى – وهو يحبه، ولا يبغض رجل الأنصار حتى يلقى الله – تبارك وتعالى – إلا لقي الله – تبارك وتعالى – وهو يبغضه)) (5).

(11)

وروى الإمام مسلم بإسناده إلى علي رضي الله عنه أنه قال: ((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)) (6).

فهذه الأحاديث كلها دلت على وجوب حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً مهاجرين وأنصار، ولا يقال إن ظاهر لفظها في الأنصار فلا يدخل فيها المهاجرون، بل الصحيح أنه يدخل فيها كل فرد من أفراد الصحابة لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين رضي الله عنهم أجمعين.

كما اشتملت على ذكر الجزاء الذي ينتظر من يكن لهم المحبة في قلبه ومن يكن لهم البغض، فمن أحبهم فاز بحب الله له، ومن أبغضهم أبغضه الله، وشتان بين الجزائين، كما دلت على أن القلب الذي امتلأ ببغضهم إنما هو قلب ينضح بالنفاق، خذل صاحبه بعدم الإيمان والعياذ بالله.

(1) رواه أحمد (2/ 501)(10515). قال العراقي في ((محجة القرب)) (254): حسن صحيح، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (991): إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(2)

رواه الطبراني (19/ 341)(16459). وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 42): رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن حاتم وهو ثقة.

(3)

رواه أحمد (4/ 283)(18523). قال الألباني في ((صحيح الجامع)) (7629): صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(4)

رواه أحمد (5/ 285)(22515). قال العراقي في ((محجة القرب)) (ص: 246): رجاله ثقات، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 31): في رجال أحمد راو لم يسم ورجال الطبراني والبزار وبقية رجال أحمد ثقات، وقال الشوكاني في ((در السحابة)) (ص: 40): إسناده رجاله رجال الصحيح.

(5)

رواه أحمد (3/ 429)(15579). قال العراقي في ((محجة القرب)) (ص: 251): صحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 41): رواه أحمد والطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح غير محمد بن عمرو وهو حسن الحديث.

(6)

رواه مسلم (78).

ص: 252

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى مبيناً المراد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق بغض الأنصار، وآية المؤمن حب الأنصار)) (1)، وفي الرواية الأخرى:((لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، ومن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)) (2)، وفي الأخرى:((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)) (3)، وفي حديث علي رضي الله عنه:(والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)(4).

(الآية: هي العلامة، ومعنى هذه الأحاديث أن من عرف مرتبة الأنصار وما كان منهم في نصرة دين الإسلام والسعي في إظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحبه إياهم، وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه، وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثاراً للإسلام، وعرف من علي بن أبي طالب رضي الله عنه قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب النبي صلى الله عليه وسلم له، وما كان منه في نصرة الإسلام، وسوابقه فيه، ثم أحب الأنصار وعلياً لهذا كان ذلك من دلائل صحة إيمانه، وصدقه في إسلامه لسروره بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله – سبحانه وتعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أبغضهم كان بضد ذلك، واستدل به على نفاقه وفساد سريرته والله أعلم)(5).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى مبيناً العلة من جعله صلى الله عليه وسلم حب الأنصار علامة الإيمان وبغضهم علامة النفاق حيث قال: (وما ذاك إلا لسابقتهم ومجاهدتهم أعداء الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك حب علي رضي الله عنه من الإيمان وبغضه من النفاق، وإنما يعرف فضائل الصحابة رضي الله عنهم من تدبر أحوالهم وسيرهم وآثارهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته من المسابقة إلى الإيمان، والمجاهدة للكفار ونشر الدين وإظهار شعائر الإسلام وإعلاء كلمة الله ورسوله وتعليم فرائضه وسننه ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنن سنة ولا فرضاً، ولا علمنا من الأحاديث والأخبار شيئاً)(6).

وقال العيني رحمه الله تعالى شارحاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) (7): (المقصود من الحديث الحث على حب الأنصار وبيان فضلهم، لما كان منهم من إعزاز الدين وبذل الأموال والأنفس والإيثار على أنفسهم والإيواء والنصر وغير ذلك، قالوا: وهذا جار في أعيان الصحابة كالخلفاء وبقية العشرة والمهاجرين بل في كل الصحابة إذ كل واحد منهم له سابقة وسالفة وغناء في الدين وأثر حسن فيه، فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم محض النفاق ويدل عليه ما روي مرفوعاً في فضل أصحابه كلهم: ((من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم)) (8).

(1) رواه البخاري (17)، ومسلم (74). من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

رواه مسلم (75). من حديث البراء رضي الله عنه.

(3)

رواه مسلم (76). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه مسلم (78).

(5)

((شرح النووي على صحيح مسلم)) (2/ 63 - 64).

(6)

كتاب ((الكبائر))، (ص: 234 - 235).

(7)

رواه البخاري (17). من حديث أنس رضي الله عنه.

(8)

رواه الترمذي (3862)، وأحمد (4/ 87)(16849)، وابن حبان (16/ 244) (7256). قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)).

ص: 253

وقال القرطبي: (وأما من أبغض والعياذ بالله أحداً منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حدث وقع لمخالفة غرض أو لضرر ونحوه لم يصر بذلك منافقاً ولا كافراً، فقد وقع بينهم حروب ومخالفات، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام، فإما أن يقال كلهم مصيب، أو المصيب واحد والمخطئ معذور، مع أنه مخاطب بما يراه ويظنه، فمن وقع له في أحد منهم والعياذ بالله لشيء من ذلك، فهو عاص يجب عليه التوبة، ومجاهدة نفسه بذكر سوابقهم، وفضائلهم، وما لهم على كل من بعدهم من الحقوق إذا لم يصل أحد من بعدهم لشيء من الدين والدنيا إلا بهم وبسببهم قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ الآية اهـ)(1).

وقد وفق الله الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة لاعتقاد ما دلت عليه النصوص المتقدم ذكرها من أن حب الصحابة واجب على كل مسلم، (فقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما سنة؟ قال: لا، فريضة) (2).

وقال الطحاوي رحمه الله تعالى مبيناً ما يجب على المسلم اعتقاده في محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)(3).

وقال أبو عبد الله بن بطة في صدد عرضه لعقيدة أهل السنة: (ونحب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأولاً: من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان وأحد فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة الذين سبقت لهم السوابق رحمهم الله أجمعين)(4).

فعلى المسلم أن يسلك في حب الصحابة مسلك أهل الحق من أهل السنة والجماعة بحيث يحبهم جميعاً، ولا يفرط في حب أحد منهم وأن يتبرأ من طريقة الشيعة الرافضة الذين يتدينون ببغضهم وسبهم، ومن طريقة النواصب والخوارج الذين ابتلوا بإيذاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم كل مسلم أن أهل السنة والجماعة يتبرؤون من طريقة هذه الفرق فيهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ويتبرؤون من طريقة الروافض والشيعة الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب والخوارج الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل)(5).

(فمن أراد السلامة لدينه وأن يسلم له إيمانه فليحبهم جميعاً، وأن يحتم ذلك على نفسه، وعلى كل أبناء جنسه لأن ذلك واجب على جميع الأمة واتفق على ذلك الأئمة، فلا يزوغ عن حبهم إلا هالك، ولا يزوغ عن وجوب ذلك إلا آفك)(6). عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –2/ 757

(1) انظر: ((عمدة القاري)) (1/ 406).

(2)

رواه خيثمة بن سليمان في كتاب ((الرقائق والحكايات)) (ص: 171).

(3)

((شرح الطحاوية)) (ص: 467).

(4)

((الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة)) (ص: 271).

(5)

((العقيدة الواسطية مع شرحها))، لمحمد خليل هراس، (ص: 173)، وانظر:((قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر)) (ص: 103).

(6)

انظر: ((لوامع الأنوار البهية))، للسفاريني (2/ 354).

ص: 254