الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
يعتقد أهل السنة والجماعة أن للصحبة شرفاً عظيماً، يمنح صاحبها ميزة خاصة، بل يرون أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا لمن رآه، أما من اتفق له الذب عنه، والسبق إليه بالهجرة، أو النصرة، أو ضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما من خصلة إلا والذي سبق بها له مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر بذلك فضلهم (1).
قال ابن عمر رضي الله عنه وهو يتحدث عن فضائل الصحابة: (فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة)(2).
وعن الإمام أحمد أنه قال: (فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال)(3).
وقال الإمام النووي: (وفضيلة الصحبة، ولو لحظة، لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بالقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)(4).
فمذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى حين: أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف: 9] اختار لصحبته وتلقي الشريعة عنه قوماً هم أفضل هذه الأمة التي هي خير الأمم، فشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وخصهم في الحياة الدنيا بشرف رؤيته والنظر إليه، وسماع حديثه، وقد بلغوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله به من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها، فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجهاد معه في سبيل الله، وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام، ولهم مثل أجور من بعدهم لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
ومعتقدهم في الصحابة (وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وسط بين المفرطين الغالين الذين يرفعون من يعظمون منهم إلى ما لا يليق إلا بالله أو برسله، وبين المفرطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم، فهم وسط بين الغلاة والجفاة، يحبونهم جميعاً وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فلا يرفعونهم إلى ما لا يستحقون ولا يقصرون بهم عما يليق بهم، فألسنتهم رطبة بذكرهم الجميل اللائق بهم وقلوبهم عامرة بحبهم، وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا بمعصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم، إذا نسب إلى خطأ غيرهم، ولهم من الله المغفرة والرضوان)(5).
ولأهمية هذه المسألة فإن أهل السنة والجماعة يذكرون معتقدهم في الصحابة في كتب العقيدة، وكأنهم يجعلون منها علامة فارقة بينهم وبين غيرهم.
(1) ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (8/ 7).
(2)
رواه ابن ماجه (133)، وأحمد بن حنبل في ((فضائل الصحابة)) (1/ 57)، وابن أبي شيبة (12/ 178)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (3/ 23) (839) كلهم بلفظ:((خير من عمل أحدكم عمره)). قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (1/ 24): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. والحديث حسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(3)
((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (1/ 160).
(4)
((شرح النووي على صحيح مسلم)) (16/ 93).
(5)
((عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة)) – محاضرة للشيخ عبد المحسن العباد نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية (ص: 32 - 33)، شوال 1391هـ العدد الثاني.
أما كتب مصطلح الحديث والأصول، فقد تكفلت بذكر عدالتهم وأدلة العلماء عليها، في حين ذكرت كتب السنة جملة كبيرة من الأحاديث التي ثبتت في فضلهم والثناء عليهم، ونوهت كتب التفسير بفضلهم عند تفسير الآيات التي تخص الصحابة.
لذلك فإن أهل السنة والجماعة يرون أن شرف الصحبة يضيف على صاحبه إطلاق مفهوم العدالة عليه، وهذا قول كل من يعتد به منهم، فإنهم يقولون بتعديل جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أسلم منهم قبل الفتح، ومن أسلم بعده، ومن لابس الفتن أو لم يلابس.
قال ابن الصلاح: (الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ولا يعتد بخلاف من خالفهم)(1).
وقال الشيخ تقي الدين: (الذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عدول بتعديل الله تعالى لهم)(2).
وحكى ابن عبد البر في (الاستيعاب) إجماع أهل السنة والجماعة على تعديل الصحابة (3)، وحكاه إمام الحرمين أيضا على ما ذكره الشوكاني في (إرشاد الفحول)(4).
وقال شارح مسلم الثبوت: (إن عدالة الصحابة مقطوعة ولا سيما أصحاب بدر، وبيعة الرضوان، كيف لا وقد أثنى عليهم الله تعالى في مواضع عديد من كتابه، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائلهم غير مرة)(5).
وقال الحافظ الذهبي: (فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى – إلى أن قال – إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل وبه ندين الله تعالى)(6).
وذكر ابن كثير أن (الصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة)(7).
وبناء على ذلك، يرى أهل السنة والجماعة أن جهالة الصحابي لا تضر، فإذا قال التابعي عن رجل ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر ذلك في المروي، لأن الجهالة في الصحابة لا تضر.
قال الخطيب: (كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم، سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن الكريم)(8).
ويعتقد أهل السنة والجماعة أن الصحابة رضي الله عنهم اكتسبوا هذا التعديل بتعديل الله تعالى لهم وثنائه عليهم، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الحال التي كانوا عليها شاهدة على ذلك. عدالة الصحابة رضي الله عنهم عند المسلمين لمحمد محمود لطيف الفهداوي – ص: 54
(1)((المقدمة)) (ص: 146 - 147).
(2)
((المسودة)) آل تيمية (ص: 292).
(3)
((الإستيعاب)) لابن عبد البر (1/ 9).
(4)
((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص: 69).
(5)
((شرح مسلم الثبوت)) (2/ 401).
(6)
((الرواة الثقاة المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم)) للذهبي (ص: 4).
(7)
((إختصار علوم الحديث)) لابن كثير (ص: 220).
(8)
((الكفاية)) للخطيب (ص: 93)، وينظر:((قواعد التحديث)) للقاسمي (ص: 199)، ((تيسير مصطلح الحديث)) للدكتور الطحان (ص: 74).