الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: المفاضلة بين الخلفاء الراشدين
قد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب شتى:
المذهب الأول:
يرى أن أفضل أفراد الصحابة، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنه.
وهو مذهب أهل السنة، كما ذكر ذلك الإمام النووي حيث قال:
(واتفق أهل السنة على أن أفضلهم أبو بكر ثم عمر، وقال جمهورهم: ثم عثمان، ثم علي)(1).
والإمام القسطلاني، حيث قال في (المواهب):
(إن أفضلهم على الإطلاق عند أهل السنة إجماعاً أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، إلى أن قال: ثم اختلفوا فيمن بعدهما، فالجمهور على تقديم عثمان)(2).
وابن كثير، حيث قال في (الباعث الحثيث):
(وأفضل الصحابة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء – عليهم السلام: أبو بكر الصديق ثم من بعده عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب)(3).
وابن الصلاح حيث قال في (مقدمته):
(أفضلهم على الإطلاق: أبو بكر ثم عمر، ثم إن جمهور السلف على تقديم عثمان على علي – رضي الله عنهم أجمعين)(4).
وغيرهم من العلماء (5).
وهو مذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه، فقد ذكر البيهقي عن الربيع عن الشافعي أنه قال:(أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم)(6).
ومذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه حيث قال:
(كنا نقول أبو بكر وعمر وعثمان ونسكت، حتى صح لنا حديث ابن عمر بالتفضيل)(7).
قال ابن بدران الدمشقي في (المدخل): (وأما الحديث الذي أشار إليه الإمام، فإني كشفت عليه في المسند فلم أجده، ولست أدري هل هو فيه فزاغ عنه البصر، أم هو مفقود منه؟ وكذلك فتشت عليه في الكتب الستة فلم أجده، لكنني وجدت أن الحافظ أبا القاسم ابن عساكر الدمشقي رواه في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه من تاريخه الكبير عن ابن عمر قال: كنا نقول ورسول الله حي: أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فيبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره، وفي لفظ: ثم ندع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -فلا نفاضل بينهم-).
قال ابن بدران:
(وحيث إن الإمام أشار إلى صحة هذا الحديث تركنا الكلام عليه، اكتفاء بتوثيق إمام المحدثين)(8).
وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – في (منهاج السنة):
(وأما جمهور الناس ففضلوا عثمان، وعليه استقر أمر أهل السنة، وهو مذهب أهل الحديث ومشايخ الزهد والتصوف وأئمة الفقهاء كالشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وإحدى الروايتين عن مالك وأصحابه، وذكر أن هذا هو مذهب جماهير أهل الكلام، ونقل عن أبي أيوب السختياني قوله: من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار قال: وهكذا قال أحمد والدارقطني وغيرهما)(9).
وهو مذهب المتقدمين من المعتزلة: كأبي عثمان عمرو بن عبيد، وأبي إسحاق النظام: إبراهيم بن يسار، وأبي عثمان الجاحظ، وغيرهم، كما ذكر ذلك القاضي عبد الجبار في (شرح الأصول الخمسة) حيث قال:
(1)((النووي على مسلم)) (15/ 148).
(2)
((المواهب اللدنية)) (7/ 36، 39).
(3)
((الباعث الحثيث)) (ص: 183).
(4)
((مقدمة ابن الصلاح)) (ص: 149).
(5)
انظر: ((المنتقى)) (ص: 531)، ((المختصر في علم رجال الأثر)) (ص: 32)، ((مختصر لوامع الأنوار)) (ص: 521)، ((تقريب النواوي ومعه تدريب الراوي)) (2/ 222 - 223).
(6)
((مناقب الشافعي)) (1/ 433).
(7)
((المدخل)) (ص: 17).
(8)
((المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل)) (ص: 18).
(9)
انظر: ((منهاج السنة)) (4/ 202).
(إن المتقدمين من المعتزلة ذهبوا إلى أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي)(1).
وأيدوا ما ذهبوا إليه:
بأن إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار على الترتيب بينهم في الإمامة، دليل على الترتيب بينهم في الفضل، ومن خرج على ذلك يعتبر - كما يقول أبو أيوب السختياني – ممن أزرى بالمهاجرين والأنصار، قال القسطلاني في (المواهب):(إن هؤلاء الأربعة اختارهم الله لخلافة نبيه، وإقامة دينه، فمنزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة)(2).
وقال ابن كثير: (هذا – أي الترتيب بين الأربعة في الفضل كالترتيب بينهم في الخلافة – رأي المهاجرين والأنصار، حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة، فانحصر في عثمان، وعلي، واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها حتى سأل النساء في خدورهن على علي، وولاه الأمر قبله، قال: ولهذا قال الدارقطني: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وصدق رضي الله عنه وأكرم مثواه، وجعل جنة الفردوس مأواه)(3).
ويشير إلى هذا قول الشافعي:
(أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي – كما ذكر ذلك ابن حجر في (فتح الباري)(4).
ثم إن أهل السنة لم يتعرضوا بعد ذلك إلى بيان التفاضل بين بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عندهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
قال الشيخ عبد السلام اللقاني في (إتحاف المريد) بعد أن ذكر الستة من العشرة المبشرة: (ولم يرد نص بتفاوت بعضهم على بعض في الأفضلية، فلا قائل به لعدم التوقيف)(5). صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة – عيادة أيوب الكبيسي – ص: 176
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على تفضيل أبي بكر وعمر على عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(فهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، والليث بن سعد وأهل مصر، والأوزاعي وأهل الشام، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة وأمثالهم من أهل العراق، وهو مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد وغير هؤلاء من الأئمة)(6)(7).
وحكى مالك إجماع أهل المدينة على ذلك فقال: (ما أدركت أحدًا ممن يقتدى به يشك في تقديم أبي بكر وعمر)(8).
ونقل البيهقي في (الاعتقاد) بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي أنه قال: (أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي)(9).
والأدلة على ما ذهبوا إليه مستفيضة منها على سبيل المثال:
(1)((شرح الأحول الخمسة)) (ص: 766 - 767)، وانظر ((المختصر في علم رجال الأثر)) (ص: 32).
(2)
((المواهب اللدنية)) (7/ 39).
(3)
((الباعث الحثيث)) (ص: 183)، وانظر ((محاسن الاصطلاح)) (ص: 433).
(4)
((فتح الباري)) (7/ 17)، ((الزرقاني على المواهب)) (7/ 39).
(5)
((إتحاف المريد)) (ص: 200).
(6)
[11181])) انظر: ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص: 369)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) لللالكائي (8/ 1369)، ((الفرق بين الفرق)) (ص: 238)، ((الصواعق المحرقة)) (1/ 172)، ((لوامع الأنوار)) للسفاريني (2/ 356).
(7)
[11182])) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (4/ 421).
(8)
[11183])) انظر: ((الاستذكار)) (14/ 244)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (4/ 421).
(9)
[11184])) ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص: 369).
- ما رواه البخاري وغيره عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم (1).
- وفي رواية قال سالم بن عبد الله: إن عبد الله بن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم (2).
وكلا الحديثين نص في المسألة.
- وقد روي آثار مستفيضة عن علي رضي الله تعالى عنه نفسه ففي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفية أنه قال: (قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين)(3). قال ابن تيمية: (وروي هذا عن علي بن أبي طالب من نحو ثمانين وجهًا، وأنه كان يقول على منبر الكوفة، بل قال: ((لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري)) (4)، فمن فضله على أبي بكر وعمر جلد بمقتضى قوله رضي الله عنه ثمانين سوطًا) (5).
قلت: وفي هذا أكبر حجة على بطلان قول الرافضة بأنه لم يبايع إلا تقية وكان مكرهًا وإلا فهو أفضل منهما، ولو كان الأمر كذلك لما أعلنه على رؤوس الأشهاد على المنبر، ولما جلد من يقول ذلك حد الافتراء.
ومنها ما رواه البخاري أيضًا وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (إني لواقف في قوم ندعو الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: رحمك الله إن كنتُ لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرًا ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما، فالتفتُّ فإذا هو علي بن أبي طالب)(6).
- وروي عن سفيان الثوري أنه قال: (من زعم أن عليًا كان أحق بالولاية منهما فقد خطَّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار رضي الله عن جميعهم وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء)(7) وفي رواية (
…
فقد أزرى على اثني عشر ألفًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أراه
…
إلخ الحديث) (8) هذا بالإضافة إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل منهم من الفضائل. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص 311
(1)[11185])) رواه البخاري (3655).
(2)
[11186])) رواه أبو داود (4628). وسكت عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(3)
[11187])) رواه البخاري (3671).
(4)
[11188])) رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (2/ 355) بلفظ: (لا يفضلني عن أبي بكر وعمر أو لا أجد أحدا يفضلني على أبي بكر وعمر إلا وجلدته جلد حد المفتري) قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (28/ 474): [روي] بأسانيد جيدة.
(5)
[11189])) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (4/ 422).
(6)
[11190])) رواه البخاري (3677).
(7)
[11191])) رواه أبو داود (4630). وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح الإسناد مقطوع.
(8)
[11192])) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1/ 254)(832). من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه بلفظ: (من فضل على أبي بكر وعمر أحدا من أصحاب رسول الله فقد أزرى على المهاجرين والأنصار واثني عشر ألفاً من أصحاب محمد). قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي سنان إلا حازم بن جبلة ولا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 56): رواه الطبراني في ((الأوسط)) وفيه حازم بن جبلة ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.