الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة
ووجه الاستدلال بهذا الإجماع في مسألتنا: أن تارك أعمال الجوارح بالكلية تارك للصلاة ضمنا، فإذا ثبت إجماعهم على كفر تارك الصلاة وحدها، كان كفر تارك العمل الظاهر كله أحق وأولى بالإجماع.
وقد حكى هذا الإجماع جماعة من الصحابة والأئمة الذين لم يُعرفوا بالتساهل في نقل الإجماع، ومنهم:
1 -
جابر بن عبدالله رضي الله عنه: وقد سأله مجاهد بن جبر: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الصلاة (1).
2 -
أبو هريرة رضي الله عنه: عن عبدالله بن شقيق عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة (2).
3 -
الحسن البصري: قال: بلغني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة من غير عذر (3).
4 -
عبدالله بن شقيق: قال: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة (4).
5 -
أيوب السختياني: قال: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه (5).
6 -
إسحاق بن راهويه: قال الإمام محمد بن نصر: سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. (6).
وقال ابن رجب: (وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة، وكذلك قال سفيان بن عيينة
…
) (7).
(1) رواه ابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 672)، ومحمد بن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 877)، واللالكائي (4/ 910)، وحسن الشيخ الألباني إسناده في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (1/ 227).
(2)
رواه الحاكم (1/ 48) وقال: إنه على شرط الشيخين، فإنه ذكر حديث بريدة:((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ثم قال: ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعا ثم ساقه. وكأن الذهبي لم ينتبه لكلام الحاكم المتقدم فقال: (لم يتكلم عليه، وإسناده صالح).
(3)
رواه ابن بطة (2/ 673)، واللالكائي (4/ 910).
(4)
رواه الترمذي (2622) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (6/ 172)، ومحمد بن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 904). قال النووي في ((المجموع)) (3/ 16)، والعراقي في ((طرح التثريب)) (2/ 146)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/ 819): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(5)
رواه محمد بن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 925). وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (1/ 230).
(6)
((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 929).
(7)
((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 22).
7 -
محمد بن نصر المروزي: قال: (قد ذكرنا في كتابنا هذا ما دل عليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تعظيم قدر الصلاة وإيجاب الوعد بالثواب لمن قام بها، والتغليظ بالوعيد على من ضيعها، والفرق بينها وبين سائر الأعمال في الفضل، وعظم القدر. ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك)(1).
8 -
ابن تيمية: قال في بيان أدلة تكفير تارك الصلاة، بعد ذكر أدلة من الكتاب والسنة، وبيان أنه القول المنقول عن جمهور السلف:(ولأنّ هذا إجماع الصحابة. قال عمر لما قيل له وقد خرج إلى الصلاة: نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقصته في الصحيح، وفي رواية عنه قال: لا إسلام لمن لم يصل رواه النجاد، وهذا قاله بمحضر من الصحابة)(2).
(1)((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 925). وزعم المخالف أن إجماع الصحابة إنما هو على الرواية، أي رواية الأحاديث في إكفار تارك الصلاة فقط، وأن كلام المروزي يدل على ذلك. وهذا خطأ بين من وجهين: الأول: أن المروزي / قال بعد كلامه السابق: (ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن الصحابة أي في إكفار تاركها) فالمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأحاديث المعروفة، والمروي عن الصحابة هو أقوالهم في كفر تارك الصلاة، وهي أقوال مشهورة صحت عن عدد منهم، وانظر هذه الآثار في كتاب:((الخلاف في حكم تارك الصلاة)) لشيخنا الدكتور عبدالله بن إبراهيم الزاحم (ص61 - 66). والوجه الثاني: أنه لو دخل الاحتمال في عبارة المروزي، فإن عبارة غيره، كعبد الله بن شقيق وإسحاق وشيخ الإسلام، صريحة في أن الصحابة مجمعون على تكفير تارك الصلاة، لا على مجرد رواية أحاديث التكفير.
(2)
((شرح العمدة)) لابن تيمية (2/ 75). وهذا هو الإجماع الذي يتصور نقله عن الصحابة رضي الله عنهم، إذ لا يمكن النقل عن جميعهم فرداً فرداً، ولهذا قال ابن قدامة في مسألة تحريم شراء الأرض الخراجية:(وهذا قول عمر في المهاجرين والأنصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم فلم ينكر فكان إجماعا، ولا سبيل إلى وجود إجماع أقوى من هذا وشبهه؛ إذ لا سبيل إلى نقل قول جميع الصحابة في مسألة ولا إلى نقل قول العشرة ولا يوجد الإجماع إلا القول المنتشر) انتهى من ((المغني)) (2/ 310) مع أن تكفير تارك الصلاة منقول عن ستة عشر صحابيا، كما قال ابن حزم.
9 -
ابن القيم: وقد ذكر أن من كفر تارك الصلاة استدل بالكتاب والسنة وبإجماع الصحابة، ثم قال:(وأما إجماع الصحابة، فقال ابن زنجويه: حدثنا عمر بن الربيع حدثنا يحيى بن أيوب عن يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عبدالله بن عباس أخبره أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد، قال: فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته. قال: فأمر عبدالرحمن بن عوف أن يصلي بالناس. قال: فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت، فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق فقال: هل صلى الناس؟ قال: فقلنا: نعم، فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة، وفي سياق آخر: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى، وذكر القصة. فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه. وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، ولا يعلم عن صحابي خلافهم)(1).
ثم قال ابن القيم في خاتمة الفصل الذي جعله في الحكم بين الفريقين: (ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويُشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبدا. ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول: هذا مؤمن مسلم، يغسّل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين (2) وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل! فلا يستحي من هذا قوله، من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة. والله الموفق) (3).
10 -
الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، قال:(فهذه الأحاديث كما ترى، صريحة في كفر تارك الصلاة، مع ما تقدم من إجماع الصحابة، كما حكاه إسحاق بن راهويه، وابن حزم، وعبد الله بن شقيق، وهو مذهب جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم)(4).
11 -
الشيخ محمد بن إبراهيم، قال: (فقد وصلني كتابك الذي تستفتي به عن الرجل الذي وعظ في أَحد المساجد وقال: من ترك الصلاة تهاونًا وكسلا يقتل. وتسأَل عن كلام العلماء في ذلك؟
(1)((الصلاة وحكم تاركها)) (ص42) وما بعدها. وقول عمر رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة رواه مالك (51)، وابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (103)، ومحمد بن نصر المروزي (2/ 893) واللالكائي (4/ 906) وصححه الشيخ الألباني في تحقيق ((الإيمان)) لابن أبي شيبة (ص40)، وروى محمد بن نصر المروزي (930) عن أبي المليح قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: لا إسلام لمن لم يصل. قيل لشريك: على المنبر؟ قال: نعم.
(2)
وهذا مذهب المالكية والشافعية، ورغم شناعة هذا القول كما ترى، فلا يزال البعض يستكثر به، ويقول: هذا مذهب جمهور الفقهاء!
(3)
((الصلاة وحكم تاركها)) (ص53).
(4)
((الدرر السنية)) (10/ 307).
فالجواب: الحمد لله. ذهب إِمامنا أَحمد بن حنبل والشافعي في أَحد قوليه وإِسحاق بن راهويه، وعبدالله بن المبارك والنخعي والحكم وأَيوب السختياني وأَبو داود الطيالسي وغيرهم من كبار الأَئمة والتابعين إِلى أَن تاركها كافر. وحكاه إِسحق بن راهويه إِجماعًا، ذكره عنه الشيخ أَحمد بن حجر الهيثمي في شرح الأَربعين، وذكره في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) عن جمهور الصحابة. وقال الإِمام أَبو محمد بن حزم: سائر الصحابة ومن بعدهم من التابعين يكفرون تارك الصلاة مطلقًا، ويحكمون عليه بالارتداد منهم أَبو بكر وعمر وابنه عبدالله وعبدالله بن مسعود وابن عباس ومعاذ وجابر وعبد الرحمن بن عوف وأَبو الدرداء وأَبو هريرة وغيرهم من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة، واحتجوا على كفر تاركها بما رواه مسلم في (صحيحه) عن جابر بن عبدالله، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((بَيْن الرَّجل وَبَيْن الشِّرْكِ وَالكُفر ترْكُ الصَّلاةِ)) (1)، وعن بريدة بن الحصيب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((الْعَهدُ الَّذِيْ بَيْننا وَبَيْنهُمْ الصَّلاةُ فمَن ترَكها فقدْ كفرَ)) رواه الإِمام أَحمد وأَهل السنن. (2)
…
وعن معاذ مرفوعًا ((مَن تَرَكَ صَلَاةً مَكتُوْبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرئَت مِنهُ ذِمَّةُ اللهِ)) (3)، وعن عبدالله بن شقيق العقيلي قال: كان أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأَعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي. فهذه الأَحاديث كما ترى صريحة في كفر تارك الصلاة مع ما تقدم من إِجماع الصحابة، كما حكاه إِسحق بن راهويه وابن حزم وعبدالله بن شقيق، وهو مذهب جمهور العلماء والتابعين ومن بعدهم) (4).
(1) رواه مسلم (82).
(2)
رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) وأحمد (5/ 346)(22987). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 492) كما أشار لذلك في مقدمته. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(3)
رواه أحمد (5/ 238)(22128) والطبراني في ((الأوسط))، وقال المنذري: لا بأس بإسناده في المتابعات، وقال الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (569): حسن لغيره.
(4)
((فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم)) (2/ 107 - 109).
12 -
الشيخ عبدالعزيز بن باز، قال: (
…
ولهذا ذكر عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر، لكنه كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، ومثل القتال بين المؤمنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((سِبَابُ المُسْلِمُ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)) (1) فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ كُفْراً بِكُمْ التَّبَرُّؤُ مِنْ آبَائِكُمْ)) (2)، وقوله عليه الصلاة والسلام:((اثْنَتَانِ فِي الناسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ النِّيَاحَةُ وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ)) (3) فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكرا غير معرف بـ (أل)، ودلت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين، وعمود الإسلام) (4).
وبعد: (فهذا الإجماع أقوى دليل في هذه المسألة، وأصرح دليل فيها؛ إذ لا يعتريه احتمال ولا تأويل. وهو ما يؤكد ما دلت عليه ظواهر النصوص بأن المراد بالكفر فيها الكفر المخرج من الملة. وهو يردُّ على كل من أراد صرف تلك النصوص عن ظواهرها، بأن المراد كفر دون كفر. بل هذا الإجماع يوجب على كل منصف الرجوع عن كل قول مخالف له، فإن الأئمة الأربعة وعامة العلماء على أن الإجماع حجة قطعية، لا يجوز العدول عنها. فمن قال من العلماء بخلاف ما دل عليه هذا الإجماع، لعل له عذره أو اجتهاده الذي يؤجر عليه، لكن هذا العذر قد زال عمن اطلع على هذا الإجماع ووقف عليه)(5).
تنبيهان:
الأول: ما ذهب إليه بعض أهل العلم من حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على الكفر الأصغر، قد ردّه شيخ الإسلام من تسعة أوجه، قال في (شرح العمدة): وأما حمله على كفر دون كفر، فهذا حمل صحيح ومحمل مستقيم في الجملة في مثل هذا الكلام، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين في كثير من المواضع مفسراً، لكن الكفر الوارد في الصلاة هو الكفر الأعظم لوجوه:
أحدها: أن الكفر المطلق هو الكفر الأعظم المخرج عن الملة فينصرف الإطلاق إليه، وإنما صرف في تلك المواضع إلى غير ذلك لقرائن انضمت إلى الكلام، ومن تأمل سياق كل حديث وجده معه، وليس هنا شيء يوجب صرفه عن ظاهره، بل هنا ما تقرره على الظاهر.
الثاني: أن ذلك الكفر منكر مبهم مثل قوله: ((وقتاله كفر))، ((هما بهم كفر)) وقوله:((كفر بالله)) وشبه ذلك، وهنا عرف باللام بقوله:((ليس بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك)) والكفر المعرف ينصرف إلى الكفر المعروف وهو المخرج عن الملة.
الثالث: أن في بعض الأحاديث: ((فقد خرج من الملة)) وفي بعضها: ((بينه وبين الإيمان)) وفي بعضها: ((بينه وبين الكفر)) وهذا كله يقتضي أن الصلاة حدٌّ تُدخله إلى الإيمان إن فعله، وتخرجه عنه إن تركه.
(1) رواه البخاري (48)، ومسلم (64). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (6830) بلفظ: ((إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم))، وهي من القرآن الذي نسخ لفظه.
(3)
رواه أحمد (2/ 377)(8892). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر فمن رجال البخاري.
(4)
((مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز)) (10/ 240) وما بعدها.
(5)
((الخلاف في حكم تارك الصلاة)) (ص58) لشيخنا الدكتور عبدالله بن إبراهيم الزاحم حفظه الله.
الرابع: أن قوله: (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة)، وقوله:(كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم؛ لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمى كفرا أشياء كثيرة، ولا يقال: فقد يخرج من الملة بأشياء غير الصلاة، لأنا نقول: هذا ذكر في سياق ما كان من الأعمال المفروضة، وعلى العموم يوجب تركه الكفر، وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس من الأعمال الظاهرة.
الخامس: أنه خرج هذا الكلام مخرج تخصيص الصلاة وبيان مرتبتها على غيرها في الجملة، ولو كان ذلك الكفر فسقاً لشاركها في ذلك عامة الفرائض.
السادس: أنه بين أنها آخر الدين، فإذا ذهب آخره ذهب كله.
السابع: أنه بين أن الصلاة هي العهد الذي بيننا وبين الكفار، وهم خارجون عن الملة ليسوا داخلين فيها، واقتضى ذلك أن من ترك هذا العهد فقد كفر، كما أن من أتى به فقد دخل في الدين، ولا يكون هذا إلا في الكفر المخرج من الملة.
الثامن: أن قول عمر: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) أصرح شيء في خروجه عن الملة، وكذلك قول ابن مسعود وغيره، مع أنه بيّن أن إخراجها عن الوقت ليس هو الكفر وإنما هو الترك بالكلية، وهذا لا يكون إلا فيما يخرج من الملة.
التاسع: ما تقدم من حديث معاذ (1)؛ فإن فسطاطا على غير عمود لا يقوم، كذلك الدين لا يقوم إلا بالصلاة.
وفي هذه الوجوه يبطل قول من حملها على من تركها جاحدا.
وأيضا قوله: (كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر" وقوله: ليس بين العبد وبين الكفر وغير ذلك مما يوجب اختصاص الصلاة بذلك، وترك الجحود لا فرق فيه بين الصلاة وغيرها؛ ولأن الجحود نفسه هو الكفر من غير ترك حتى لو فعلها مع ذلك لم ينفعه، فكيف يعلق الحكم على ما لم يذكر؟!
ولأن المذكور هو الترك، وهو عام في من تركها جحودا أو تكاسلا، ولأن هذا عدول عن حقيقة الكلام من غير موجب فلا يلتفت إليه) (2).
التنبيه الثاني: ما يردده بعض المخالفين من قولهم: كيف خفي هذا الإجماع على الأئمة الذين ذهبوا إلى عدم تكفير تارك الصلاة؟
جوابه أن يقال: إذا ثبت إجماع الصحابة، فهو حجة على من بعدهم، وأقوال العلماء يحتج لها، ولا يحتج بها، وباب العذر واسع، فالمخالف ربما لم يبلغه الإجماع، أو تأوله بنوع تأويل، والمسألة لها نظائر، فمن ذلك:
1 -
أنه قد نقل غير واحد إجماع الصحابة على منع بيع أمهات الأولاد، وخالف في ذلك من خالف (3).
قال ابن قدامة: (ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كرم الله وجهه: كان رأيي ورأي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد، وقوله: فقضى به عمر حياته وعثمان حياته، وقول عبيدة: رأي علي
…
وعمر في الجماعة أحب إلينا من رأيه وحده. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنهم: ما من رجلٍ كان يقر بأنه يطأ جاريته ثم يموت إلا أعتقها ولدها إذا ولدت وإن كان سقطا.
(1) وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد)). رواه الترمذي (2626)، وابن ماجه (3963)، وأحمد (5/ 231) (22069). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2)
((شرح العمدة)) (2/ 81).
(3)
قال الصنعاني في ((سبل السلام)) (2/ 14): (وادعى الإجماع على المنع من بيعها جماعة من المتأخرين، وأفاد الحافظ ابن كثير الكلام على هذه المسألة في جزء مفرد، قال: وتلخص لي عن الشافعي فيها أربعة أقوال، وفي المسألة من حيث هي ثمانية أقوال. وقد ذهب الناصر والإمامية وداود إلى جواز بيعها).
فإن قيل: فكيف تصح دعوى الإجماع مع مخالفة علي وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم؟ قلنا: قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة، فقد روى عبيدة قال: بعث إليَّ علي
…
وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقضون فإني أبغض الاختلاف. وابن عباس قال: ولد أم ولد بمنزلتها، وهو الراوي لحديث عتقهن عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر، فيدل على موافقته لهم، ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة، واتفاقهم معصوم عن الخطأ؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يجوز أن يخلو زمن عن قائم لله بحجته، ولو جاز ذلك في بعض العصر لجاز في جميعه، ورأي الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده، فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره.
فإن قيل: فلو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعا حرمت مخالفته، فكيف خالفه هؤلاء الأئمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام؟ قلنا: الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون، وهذا من المظنون، فيمكن وقوع المخالفة منهم له مع كونه حجة، كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية، ولا تخرج بمخالفتهم عن كونها حجة، كذا ههنا) (1).
ويقال هنا أيضا: لا يجوز أن يخلو زمن عن قائم لله بحجته، فأين النقل عن صحابي واحد بما يخالف هذا الإجماع؟!
2 -
ومن ذلك أيضا: إجماع الصحابة على انتقاض عهد الذمي بسب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مخالفة بعض الفقهاء في ذلك (2)، قال شيخ الإسلام:(والدلالة على انتقاض عهد الذمي بسب الله أو كتابه أو دينه أو رسوله ووجوب قتله وقتل المسلم إذا أتى ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين والاعتبار)(3).
إلى أن قال: (وأما إجماع الصحابة فلأن ذلك نُقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض، ولم ينكرها أحد منهم، فصارت إجماعا. واعلم أنه لا يمكن ادعاء إجماع الصحابة على مسألة فرعية بأبلغ من هذا الطريق)(4).
3 -
ومن ذلك: مسألة اشتراط المرأة على الرجل ألا يتزوج عليها ولا يتسرى، ولا يخرجها من دارها أو بلدها، فقد حكى فيها ابن القيم إجماع الصحابة على أن الشرط لازم، مع مخالفة من خالف من الأئمة.
قال رحمه الله: (إذا تزوجها على أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها فالنكاح صحيح، والشرط لازم. هذا إجماع الصحابة، فإنه صح عن عمر، وسعد، ومعاوية، ولا مخالف لهم من الصحابة، وإليه ذهب عامة التابعين، وقال به أحمد. وخالف في ذلك الثلاثة، فأبطلوا الشرط، ولم يوجبوا الوفاء به)(5).
4 -
ومن ذلك: الإجماع القديم على طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه، وقد خالف فيه أبو حنيفة والشافعي (6). قال شيخ الإسلام:(وكذلك مذهب مالك وأهل المدينة في أعيان النجاسات الظاهرة في العبادات أشبه شيء بالأحاديث الصحيحة، وسيرة الصحابة، ثم إنهم لا يقولون بنجاسة البول والروث مما يؤكل لحمه، وعلى ذلك بضع عشرة حجة، من النص، والإجماع القديم، والاعتبار، ذكرناها في غير هذا الموضع، وليس مع المنجّس إلا لفظ يظن عمومه، وليس بعام، أو قياس يظن مساواة الفرع فيه للأصل، وليس كذلك)(7).
(1)((المغني)) (10/ 414).
(2)
كالحنفية ووجه عند الشافعية، وينظر:((تبيين الحقائق)) (3/ 281)، ((مغني المحتاج)) (6/ 83)، ((المغني)) (9/ 283)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (7/ 138).
(3)
((الصارم المسلول)) (2/ 32).
(4)
((الصارم المسلول)) (2/ 378).
(5)
((إغاثة اللهفان)) (2/ 25)، وهذه الأمثلة الثلاث مستفادة من بحث مصوّر بعنوان:((حكم تارك الصلاة عند شيخ الإسلام ابن تيمية))، لأحد الفضلاء، لم أقف على اسمه.
(6)
انظر: ((المبسوط)) (1/ 54)، ((المجموع)) (2/ 567).
(7)
((مجموع الفتاوى)) (20/ 339).
وقال: (وبول ما أُكل لحمه وروثه طاهر، لم يذهب أحدٌ من الصحابة إلى تنجسه، بل القول بنجاسته قول محدثٌ لا سلف له من الصحابة)(1).
5، 6، 7 - ومن ذلك: الإجماع القديم على حل ذبائح أهل الكتاب، وحل نسائهم، وجواز أخذ الجزية منهم، سواء كانوا أو أحد آبائهم ممن دخلوا في الدين قبل نزول القرآن، أو بعده، وخالف في ذلك الشافعي (2).
قال الإمام محمد بن الحسين التميمي الجوهري (ت: 350هـ): (وأجمعوا أن ذبيحة الكتابي حلال للمسلم، وسواء دان بدينه ذلك واحد من آبائه قبل نزول القرآن، أو بعده، إلا الشافعي، فإنه لم يجز من ذبائحهم إلا ذبائح من دان منهم أو أحد من آبائهم قبل نزول القرآن، وأما من دان منهم أو أحد من آبائهم بعد نزول القرآن، فإنه لا يبيح للمسلم ذبيحته)(3).
وقال: (وأجمعوا أن الجزية على كل كتابي، وإن كان إنما دان بدينه بعد نزول الفرقان، إلا الشافعي فإنه قال: لا جزية إلا أن يكون قد دان، أو واحدة من آبائه بذلك الدين قبل نزول الفرقان)(4).
وقال أبو بكر الجصاص: (وقد روي عن جماعة من السلف القول في أهل الكتاب من العرب، لم يفرق أحدٌ منهم فيه بين من دان بذلك قبل نزول القرآن أو بعده، ولا نعلم أحدا من السلف والخلف اعتبر فيهم ما اعتبره الشافعي في ذلك، فهو منفرد بهذه المقالة خارج بها عن أقاويل أهل العلم)(5).
(1)((الفتاوى الكبرى)) (5/ 313).
(2)
قرر الشافعي هذه المسألة في مواضع من كتابه ((الأم))، فمن ذلك قوله: (وذكر الله عز وجل نعمته على بني إسرائيل في غير موضعٍ من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم، كان من دان دين بني إسرائيل قبل الإسلام من غير بني إسرائيل في غير معنى من بني إسرائيل أن ينكح؛ لأنه لا يقع عليهم أهل الكتاب، بأن آباءهم كانوا غير أهل الكتاب، ومن غير نسب بني إسرائيل، فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى، لا أهل كتابٍ مطلق، فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بني إسرائيل دان دين اليهود والنصارى بحال
…
فمن كان من بني إسرائيل يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته، ومن نكح نساؤه فسبي منهم أحد وطئ بالملك. ومن دان دين بني إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه، ولم تؤكل ذبيحته، ولم توطأ أمته) انتهى من ((الأم)) (4/ 193). وقال:(فكل من دان ودان آباؤه أو دان بنفسه وإن لم يدن آباؤه دينَ أهل الكتاب، أي كتابٍ كان قبل نزول الفرقان، وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول الفرقان، فهو خارج من أهل الأوثان، وعلى الإمام إذا أعطاه الجزية وهو صاغر أن يقبلها منه عربيا كان أو عجميا. وكل من دخل عليه الإسلام، ولا يدين دين أهل الكتاب ممن كان عربيا أو عجميا فأراد أن تؤخذ منه الجزية ويقر على دينه، أو يحدث أن يدين دين أهل الكتاب، فليس للإمام أن يأخذ منه الجزية، وعليه أن يقاتله حتى يسلم كما يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا). ((الأم)) (4/ 184). وقال: (أصل ما أبني عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه دانوا به قبل نزول الفرقان) نقله عنه المزني، انظر:((الأم)) (8/ 387) وانظر: ((المجموع)) (9/ 84)، ((فتاوى الرملي)) (4/ 63).
(3)
((نوادر الفقهاء)) (ص: 75).
(4)
((نوادر الفقهاء)) (ص: 179).
(5)
((أحكام القرآن)) (2/ 457).
وقال شيخ الإسلام: (وهذا مبني على أصل، وهو أن قوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] هل المراد به من هو بعد نزول القرآن متدين بدين أهل الكتاب؟ أو المراد به من كان آباؤه قد دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل؟ على قولين للعلماء. فالقول الأول هو قول جمهور المسلمين من السلف والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد، بل هو المنصوص عنه صريحا. والثاني: قول الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد).
إلى أن قال: (وأحمد إنما اختلف اجتهاده في بني تغلب، وهم الذين تنازع فيهم الصحابة. فأما سائر اليهود والنصارى من العرب مثل: تنوخ وبهراء وغيرهما من اليهود، فلا أعرف عن أحمد في حل ذبائحهم نزاعا، ولا عن الصحابة ولا عن التابعين وغيرهم من السلف، وإنما كان النزاع بينهم في بني تغلب خاصة).
ثم قال: (بل الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه، لا بنسبه. وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم، أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل، أو بعد ذلك. وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد، وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف. وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، ولا أعلم بين الصحابة في ذلك نزاعا، وقد ذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم)(1).
8 -
ومن ذلك: إجماع الصحابة على أن سجود التلاوة غير واجب، مع مخالفة الحنفية فيه. قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب عند إمامنا ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وهو مذهب عمر وابنه عبد الله، وأوجبه أبو حنيفة وأصحابه؛ لقول الله عز وجل: فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ [الانشقاق:20 - 21]، ولا يذم إلا على ترك واجب، ولأنه سجود يفعل في الصلاة فكان واجبا كسجود الصلاة.
ولنا ما روى زيد بن ثابت قال: ((قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد منا أحد)). متفق عليه (2). ولأنه إجماع الصحابة، وروى البخاري والأثرم عن عمر أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. ولم يسجد عمر. وفي لفظ: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وفي رواية الأثرم: فقال: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء. فقرأها ولم يسجد ومنعهم أن يسجدوا، وهذا بحضرة الجمع الكثير، فلم ينكره أحد ولا نُقل خلافه. فأما الآية فإنه ذمهم لترك السجود غير معتقدين فضله ولا مشروعيته. وقياسهم ينتقض بسجود السهو فإنه عندهم غير واجب) (3).
9 -
ومن ذلك: الإجماع على منع الرجوع في الوقف، مع مخالفة أبي حنيفة. قال ابن قدامة:(وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوصي به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم. وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود وابن عباس. وخالفه صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم. وهذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في وقفه: ((لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث)) (4) قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافا) (5).
ونظائر هذا كثيرة، تركت ذكرها خشية الإطالة. الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير- 1/ 369
(1)((مجموع الفتاوى)) (35/ 219 - 224) وقد ساق رحمه الله تسعة أوجه في تأييد مذهب الجمهور.
(2)
رواه البخاري (1073)، ومسلم (577).
(3)
((المغني)) (1/ 361).
(4)
رواه البخاري (2737)، ومسلم (1633).
(5)
((المغني)) (5/ 348).