الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: تعريف العدالة في الاصطلاح
أما تعريف العدالة في الاصطلاح فقد تنوعت فيها عبارات العلماء من محدثين وأصوليين وفقهاء:
(1)
روى الخطيب البغدادي بإسناده إلى القاضي أبي بكر محمد بن الطيب أنه قال: (العدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه، وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق، وما يجري مجراه مما اتفق على أنه مبطل العدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها)(1).
(2)
وعرفها الخطيب البغدادي بقوله: (العدل هو من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما أمر به وتوقي ما نهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقاً حتى يكون مع ذلك متوقياً لما يقول كثير من الناس أنه لا يعلم أنه كبير)(2).
(3)
وعرفها الغزالي بقوله: (والعدالة: عبارة عن استقامة السيرة والدين ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه فلا ثقة بقول من لا يخاف الله تعالى خوفاً وازعاً عن الكذب، ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي ولا يكفي أيضاً: اجتناب الكبائر بل من الصغائر ما يرد به كسرقة بصلة وتطفيف في حبة قصداً، وبالجملة كل ما يدل على ركاكة دينه إلى حد يستجرئ على الكذب بالأغراض الدنيوية كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة نحو الأكل في الطريق والبول في الشارع وصحبة الأراذل وإفراط المزح وضابط ذلك فيما جاوز محل الإجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم فما دل عنده على جرأته على الكذب رد الشهادة به وما لا، فلا)(3).
(4)
وعرفها ابن الحاجب: بقوله: (العدالة: هي محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ليس معها بدعة، وتتحقق باجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر وبعض المباح كاللعب بالحمام والاجتماع مع الأراذل والحرف الدنية مما لا يليق به ولا ضرورة)(4).
(5)
وعرفها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله: (المراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة)(5).
(6)
وعرفها أيضاً بتعريف آخر فقال: (والعدل والرضا عند الجمهور من يكون مسلماً مكلفاً حراً غير مرتكب كبيرة ولا مصر على صغيرة. زاد الشافعي: وأن يكون ذا مروءة)(6).
واشتراط الحرية فيه نظر.
(7)
وذكر علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي عدة تعريفات للعدالة في كتابه (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف) حيث قال: (العدالة: هي استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله، وقيل: العدل من لم تظهر منه ريبة)(7).
وذكر أبو محمد الجوزي في العدالة: (اجتناب الريبة وانتفاء التهمة). زاد في (الرعاية): (وفعل ما يستحب وترك ما يكره)(8) اهـ.
(1)((الكفاية)) (ص: 102).
(2)
((الكفاية)) (ص: 103).
(3)
((المستصفي)) للغزال (1/ 157).
(4)
((مختصر منتهى الأصول مع شرح القاضي عضد الملة والدين)) (2/ 63).
(5)
((نزهة النظر شرح نخبة الفكر)) (ص: 29)، وانظر:((شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول)) للقرافي (ص: 361).
(6)
((فتح الباري)) (5/ 251 - 252)، وانظر:((تيسير التحرير)) (3/ 44).
(7)
((الإنصاف)) (12/ 43).
(8)
انظر: ((الفروع)) (11/ 354)، ((الإنصاف)) (12/ 23).
(8)
وقال السيوطي في تعريف العدالة: (حدها الأصحاب: بأنها ملكة أي: هيئة راسخة في النفس تمنع من اقتراف كبيرة أو صغيرة دالة على الخسة أو مباح يخل بالمروءة وهذه أحسن عبارة في حدها وأضعفها قول من قال: اجتناب الكبائر والإصرار على الصغائر لأن مجرد الاجتناب من غير أن تكون عنده ملكة وقوة تردعه عن الوقوع فيما يهواه غير كاف في صدق العدالة، ولأن التعبير بالكبائر بلفظ الجمع يوهم أن ارتكاب الكبيرة الواحدة لا يضر وليس كذلك، ولأن الإصرار على الصغائر من جملة الكبائر فذكره في الحد تكرار)(1).
هذه تعريفات أهل العلم للعدالة في الاصطلاح، وهي وإن تنوعت عباراتها إلا أنها ترجع إلى معنى واحد وهو أن العدالة ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ولا تتحقق للإنسان إلا بفعل المأمور وترك المنهي وأن يبعد عما يخل بالمروءة، وأيضاً: لا تتحقق إلا بالإسلام، والبلوغ، والعقل، والسلامة من الفسق.
والمراد بالفسق: ارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب والإصرار على صغيرة من الصغائر لأن الإصرار على فعل الصغائر يصيرها من الكبائر.
والمروءة التي يعبر عنها أهل العلم: هي الآداب النفسية التي تحمل صاحبها على الوقوف عند مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات وما يخل بالمروءة يعود إلى سببين:
الأول: ارتكاب الصغائر من الذنوب التي تدل على الخسة كسرقة شيء حقير كبصلة أو تطفيف في حبة قصداً.
الثاني: فعل بعض الأشياء المباحة التي ينتج عنها ذهاب كرامة الإنسان أو هيبته وتورث الاحتقار، وذلك مثل كثرة المزاح المذموم.
ولم تتحقق العدالة في أحد تحققها في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجميعهم رضي الله عنهم عدول تحققت فيهم صفة العدالة ومن صدر منه ما يدل على خلاف ذلك كالوقوع في معصية فسرعان ما يحصل منه التوجه إلى الله تعالى بالتوبة النصوح الماحية التي تحقق رجوعه وتغسل حوبته فرضي الله عنهم أجمعين. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –2/ 795
(1)((الأشباه والنظائر)) (ص: 384 - 385).