الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: النصوص المشيرة إلى خلافته
1 -
الآيات القرآنية:
لقد وردت آيات في الكتاب العزيز فيها الإشارة إلى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أحق الناس من هذه الأمة بخلافة سيد الأولين والآخرين وتلك الآيات هي:
(1)
قوله تعالى: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6 - 7] ووجه الدلالة أن أبا بكر رضي الله عنه داخل فيمن أمر الله – جل وعلا – عباده أن يسألوه أن يهديهم طريقهم وأن يسلك بهم سبيلهم وهم الذين أنعم الله عليهم وذكر منهم الصديقين في قوله: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين (1) فدل ذلك على أنه واحد منهم بل هو المقدم فيهم ولما كان أبو بكر رضي الله عنه ممن طريقهم هو الصراط المستقيم فلا يبقى أي شك لدى العاقل في أنه أحق خلق الله من هذه الأمة بخلافة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر الرازي: (قوله: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [الفاتحة: 6 - 7] يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه لأنا ذكرنا أن تقدير الآية: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم الله عليهم من هم؟ فقال: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء: 69] الآية ولا شك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان معنى الآية أن الله أمرنا أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر الصديق وسائر الصديقين ولو كان أبو بكر ظالماً لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرناه دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر رضي الله عنه (2).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم – أعني الفاتحة – بأن نسأله أن يهدينا صراطهم فدل على أن صراطهم هو الصراط المستقيم وذلك في قوله: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [الفاتحة: 6 - 7] وقد بين الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين وقد بين صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الصراط المستقيم وأن إمامته حق)(3).
(2)
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54].
(1) انظر: ((صحيح البخاري)) (2/ 293).
(2)
((التفسير الكبير)) (1/ 260).
(3)
((أضواء البيان)) (1/ 36).
هذه الصفات المذكورة في هذه الآية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين فقد مدحهم الله بأكمل الصفات وأعلى المبرات ووجه دلالة الآية على خلافة الصديق أنه (كان في علم الله سبحانه وتعالى ما يكون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتداد قوم فوعد سبحانه – ووعده صدق – أنه يأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فلما وجد ما كان في علمه في ارتداد من ارتد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد تصديق وعده بقيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بقتالهم فجاهد بمن أطاعه من الصحابة من عصاه من الأعراب ولم يخف في الله لومة لائم حتى ظهر الحق وزهق الباطل وصار تصديق وعده بعد وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم آية للعالمين ودلالة على صحة خلافة الصديق رضي الله عنه (1) روى ابن جرير الطبري بإسناده إلى علي رضي الله عنه أنه قال في قوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] قال: (فسوف يأتي الله المرتدة في دورهم بقوم يحبهم ويحبونه بأبي بكر وأصحابه)(2) وروى الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناده إلى الحسن البصري رحمه الله أنه قال في قوله: مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] قال: (هم الذين قاتلوا مع أبي بكر أهل الردة من العرب حتى رجعوا إلى الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وكذلك قال عكرمة وقتادة والضحاك، وروينا عن عبد الله بن الأهتم أنه قال لعمر بن عبد العزيز: (إن أبا بكر الصديق قام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا إلى سنته ومضى على سبيله فارتدت العرب، أو من ارتد منهم فعرضوا أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة فأبى أن يقبل منهم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلاً في حياته فانتزع السيوف من أغمادها وأوقد النيران في شعلها وركب بأهل حق الله أكتاف أهل الباطل حتى قررهم بالذي نفروا منه وأدخلهم من الباب الذي خرجوا منه حتى قبضه الله)(3).
فدلت الآية السابقة على خلافة الصديق حيث حصل في خلافته ما نطقت به الآية من ارتداد الكثير من العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدهم أبو بكر رضي الله عنه هو والصحابة الكرام رضي الله عنهم حتى رجعوا إلى الإسلام كما أخبر الله تعالى في الآية وهذا من الكائنات التي أخبر بها الرب – جل وعلا – قبل وقوعها.
(1)((الاعتقاد)) للبيهقي (ص: 344).
(2)
((تفسير الطبري)) (6/ 285).
(3)
((الاعتقاد)) (ص: 174).
(3)
قال تعالى: إِلَاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [التوبة: 40] ففي هذه الآية الكريمة جعل الله أبا بكر في مقابلة الصحابة أجمع حيث خاطبهم بأنهم إن لم يعينوا رسوله صلى الله عليه وسلم بالنفير معه للمقاتلة في سبيل الله فقد نصره بصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وأيده بجنود من الملائكة ثم بين –تعالى- أنه ثاني اثنين – ثالثهما رب العالمين وهذه الميزة الشريفة والمنزلة العظيمة اعتبرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفاته العالية التي جعلته أحق الناس بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا أفضل في الأمة المحمدية من أبي بكر الذي هو ثاني اثنين قال عليه الصلاة والسلام في شأنهما: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) (1).
قال أبو عبد الله القرطبي: (قال بعض العلماء في قوله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الْغَارِ ما يدل على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأن الخليفة لا يكون أبداً إلا ثانياً وسمعت شيخنا أبا العباس أحمد بن عمر يقول: إنما استحق الصديق أن يقال له ثاني اثنين لقيامه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر كقيام النبي صلى الله عليه وسلم به أولا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدت العرب كلها ولم يبق الإسلام إلا بالمدينة وجواثا فقام أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقه ثاني اثنين)(2).
(4)
قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [التوبة: 100] الآية (ووجه دلالة الآية على أحقية الصديق بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن الهجرة فعل شاق على النفس ومخالف للطبع فمن أقدم عليه أولا صار قدوة لغيره في هذه الطاعة وكان ذلك مقوياً لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام وسبباً لزوال الوحشة عن خاطره وكذلك السبق في النصرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة فازوا بمنصب عظيم وإذا ثبت هذا فإن أسبق الناس إلى الهجرة أبو بكر الصديق فإنه كان في خدمة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكان مصاحباً له في كل مسكن وموضع فكان نصيبه من هذا المنصب أعلى من نصيب غيره وإذا ثبت هذا صار محكوماً عليه بأنه رضي الله عنه ورضي هو عن الله وذلك في أعلى الدرجات من الفضل، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون إماماً حقاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت هذه الآية من أدل الدلائل على فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعلى صحة إمامتهما)(3).
(5)
قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55].
(1) رواه البخاري (4663)، ومسلم (2381). من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(2)
((الجامع لأحكام القرآن)) (8/ 147 - 148).
(3)
انظر: ((التفسير الكبير)) للفخر الرازي (16/ 168 - 169).
(هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق رضي الله عنه وعلى خلافة الثلاثة بعده فلما وجدت هذه الصفة من الاستخلاف والتمكين في أمر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي دل ذلك على أن خلافتهم حق)(1).
قال الحافظ ابن كثير: (وقال بعض السلف خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حق في كتاب الله ثم تلا هذه الآية)(2).
(6)
قال تعالى: قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح: 16].
قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: (وقد دل الله على إمامة أبي بكر في (سورة براءة) فقال للقاعدين عن نصرة نبيه عليه السلام والمتخلفين عن الخروج معه فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا [التوبة: 83] وقال في سورة أخرى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ [الفتح: 15] يعني قوله: لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا ثم قال: كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الفتح: 15]-يعني تعرضوا عن إجابة الداعي لكم إلى قتالهم- كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح: 16] والداعي لهم إلى ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله –عز وجل له فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا وقال في سورة الفتح: يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ فمنعهم عن الخروج مع نبيه عليه السلام وجعل خروجهم معه تبديلا لكلامه فوجب بذلك أن الداعي الذي يدعوهم إلى القتال داع يدعوهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم (3). (وقد قال مجاهد في قوله: أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: هم فارس والروم وبه قال الحسن البصري. وقال عطاء: هم فارس، وهو أحد قولي ابن عباس رضي الله عنه، وفي رواية أخرى عنه أنهم بنو حنيفة يوم اليمامة فإن كانوا أهل اليمامة فقد قوتلوا في أيام أبي بكر، وهو الداعي إلى قتال مسيلمة وبني حنيفة من أهل اليمامة، وإن كانوا أهل فارس والروم)(4) فقد قوتلوا في أيام أبي بكر وقاتلهم عمر من بعده وفرغ منهم وإذا وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أبي بكر كما وجبت إمامة عمر لأنه العاقد له الإمامة فقد دل القرآن على إمامة الصديق والفاروق رضي الله عنهما، وإذا وجبت إمامة أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أنه أفضل المسلمين رضي الله عنه (5).
(7)
قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر: 8].
(1) انظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 121).
(2)
انظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 121).
(3)
((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 67)، وانظر:((مقالات الإسلاميين)) (2/ 144)، ((الاعتقاد للبيهقي)) (ص: 172 - 173).
(4)
انظر تلك الروايات في ((تفسير الطبري)) (26/ 82 - 84)، ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص: 173)، ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 340).
(5)
((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 67).
وجه دلالة هذه الآية على خلافته رضي الله عنه أن الله –جل وعلا- سماهم (صادقين) ومن شهد له الرب –جل وعلا- بالصدق فإنه لا يقع في الكذب ولا يتخذه خلقاً بحال وقد أطبق هؤلاء الموصوفون بالصدق على تسمية الصديق رضي الله عنه (خليفة رسول الله)(1) صلى الله عليه وسلم ومن هنا كانت الآية دالة على ثبوت خلافته رضي الله عنه. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –2/ 532
2 -
الأحاديث النبوية
وأما الأحاديث النبوية التي جاء التنبيه فيها على خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكثيرة شهيرة متواترة ظاهرة الدلالة إما على وجه التصريح، أو الإشارة ولاشتهارها وتواترها صارت معلومة من الدين بالضرورة بحيث لا يسع أهل البدعة إنكارها ومن تلك الأحاديث:-
(1)
ما رواه الشيخان في (صحيحيهما) عن جبير بن مطعم قال: ((أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك –كأنها تقول الموت- قال صلى الله عليه وسلم: إن لم تجديني فأتي أبا بكر)) (2).
اشتمل هذا الحديث على إشارة واضحة في أن الذي يخلفه على الأمة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو محمد بن حزم: (وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر)(3).
وقال الحافظ ابن حجر: (وفي الحديث أن مواعيد النبي صلى الله عليه وسلم كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها وفيه رد على الشيعة في زعمهم أنه نص على استخلاف علي والعباس)(4).
(2)
وروى مسلم رحمه الله بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال: (سمعت عائشة وسئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر. فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر، ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا)(5).
قال النووي: (هذا دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر ثم عمر للخلافة مع إجماع الصحابة وفيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته صريحاً بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولا ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعوا إليه لكن تنازعوا أولا ولم يكن هناك نص ثم اتفقوا على أبي بكر واستقر الأمر وأما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله: (ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة)(6) الحديث، ولو كان عنده نص لذكره ولم ينقل أنه ذكره في يوم من الأيام ولا أن أحداً ذكره له والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم .. ((للمرأة حين قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك قال: فإن لم تجديني فأتي أبا بكر)) (7) فليس فيه نص على خلافته وأمر بها بل هو إخبار بالغيب الذي أعلمه الله تعالى به والله أعلم) (8).
(1) انظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (4/ 107)، ((منهاج السنة)) (1/ 135).
(2)
رواه البخاري (3659)، ومسلم (2386).
(3)
((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (4/ 108).
(4)
((فتح الباري)) (7/ 24).
(5)
رواه مسلم (2385).
(6)
رواه البخاري (3172)، ومسلم (1370). من حديث علي رضي الله عنه.
(7)
رواه البخاري (3659)، ومسلم (2386). من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(8)
((شرح النووي على مسلم)) (15/ 154 - 155).
(3)
وروى الإمام أحمد وغيره عن حذيفة قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: ((إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر وتمسكوا بعهد عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه)) (1).
فقوله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذين من بعدي)) أي: (بالخليفتين اللذين يقومان من بعدي وهما أبو بكر وعمر. وحث على الاقتداء بهما لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وفي الحديث إشارة لأمر الخلافة)(2).
(4)
وروى الشيخان في (صحيحيهما) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني فنزع دلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر)) (3).
هذا الحديث فيه إشارة ظاهرة إلى خلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (رؤيا الأنبياء وحي وقوله: ((وفي نزعه ضعف)) قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته) (4).
(5)
وروى الشيخان في (صحيحيهما) من حديث عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ((ادعي لي أبا بكر، وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) (5).
(6)
وعند الإمام أحمد عنها رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ((ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر)) (6).
دل هذا الحديث دلالة ظاهرة على فضل الصديق رضي الله عنه حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد التحاقه بالرفيق الأعلى وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره رضي الله عنه وفي الحديث إشارة أنه سيحصل نزاع ووقع كل ذلك كما أخبر عليه الصلاة والسلام ثم اجتمعوا على أبي بكر رضي الله عنه قال أبو محمد بن حزم بعد أن ذكر هذا الحديث: (فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده)(7).
(7)
وروى البخاري من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)) (8).
(1) رواه أحمد (5/ 385)(23324)، ورواه الترمذي (3799)، وابن ماجه (97)، وابن حبان (15/ 327)(6902). قال الترمذي، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1165)، وابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 578): حسن، وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 143): مثله حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(2)
انظر: ((تحفة الأحوذي)) (10/ 102).
(3)
رواه البخاري (7022)، ومسلم (2392).
(4)
((الأم)) (1/ 163).
(5)
رواه البخاري (5666)، ومسلم (2387).
(6)
رواه أحمد (6/ 47)(24245). قال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (690): [فيه] ابن أبي مليكة ضعيف لكنه لم يتفرد به وله شواهد، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: إسناده ضعيف.
(7)
((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (4/ 108).
(8)
رواه البخاري (3654).
وفي لفظ آخر للشيخين: ((لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر)) (1) فأمره صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب جميعها إلا باب أبي بكر فيه إشارة قوية إلى أنه أول من يلي أمر الأمة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ ابن حجر: (قوله إلا باب أبي بكر) هو استثناء مفرغ والمعنى لا تبقوا باباً غير مسدود إلا باب أبي بكر فاتركوه بغير سد قال الخطابي وابن بطال وغيرهما: (في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ولاسيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه لا يؤمهم إلا أبو بكر وقد ادعى بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة والأمر بالسد كناية عن طلبها كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلا أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها وإلى هذا جنح ابن حبان فقال بعد أن أخرج هذا الحديث: في هذا الحديث دليل على أنه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حسم بقوله سدوا عنى كل خوخة في المسجد أطماع الناس كلهم على أن يكونوا خلفاء بعده)(2).
(8)
وروى الشيخان في (صحيحيهما) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة: إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فعادت فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم)(3).
(9)
وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً)) (4).
(1) رواه البخاري (3904)، ومسلم (2382).
(2)
((فتح الباري)) (7/ 14).
(3)
رواه البخاري (678)، ومسلم (420).
(4)
رواه البخاري (679)، ومسلم (418).
(10)
وروى مسلم في (صحيحه) بإسناده إلى عبيد الله بن عبد الله قال: ((دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بلى ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس قلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس قلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر، وكان رجلا رقيقاً: يا عمر صل بالناس قال: فقال: عمر أنت أحق بذلك قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر وقال لهما: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هات فعرضت حديثها عليه فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت: لا قال: هو علي)) (1).
هذا الحديث اشتمل على فوائد عظيمة منها: (فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وترجيحه على جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتفضيله، وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره ومنها أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم، ومنها فضيلة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه لأن أبا بكر رضي الله عنه لم يعدل إلى غيره)(2).
(11)
وروى الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه ((أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً قال: فبهتنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك)) (3).
(1) رواه مسلم (418). والحديث رواه البخاري (687).
(2)
((شرح النووي على مسلم)) (4/ 137).
(3)
رواه مسلم (419).
(12)
وروى البخاري بإسناده إلى أنس رضي الله عنه قال: ((لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات)) (1) فهذه الأحاديث التي فيها تقديم الصديق رضي الله عنه في الصلاة على اختلاف رواياتها واضحة الدلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة وقد فهم هذه الدلالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(13)
فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير قال: فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر رضي الله عنه فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر)) (2).
(14)
وروى ابن سعد بإسناده إلى الحسن قال: قال علي: ((لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر)) (3).
وكما فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقديم الصديق في الصلاة أن ذلك إشارة إلى أنه أحق بالإمامة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كذلك فهم هذا الفهم من جاء بعدهم من أهل العلم، فقد قال أبو بكر المروذي:(قيل لأبي عبدالله – أحمد بن حنبل – قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم فلما مرض قال: قدموا أبا بكر يصلي بالناس)) (4)، وقد كان في القوم من هو أقرؤ من أبي بكر فقال أبو عبدالله: إنما أراد الخلافة) (5). وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: (وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سناً، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلاماً)) (6) – قال ابن كثير – وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وأرضاه) (7).
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي بعد أن ساق الأحاديث التي فيها تقديم أبي بكر الصديق في الصلاة: (فهذه الأخبار وما في معناها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يكون الخليفة من بعده أبو بكر الصديق فنبه أمته بما ذكر من فضيلته وسابقته وحسن أثره، ثم بما أمرهم به من الصلاة خلفه، ثم الاقتداء به وبعمر بن الخطاب رضي الله عنهما على ذلك وإنما لم ينص عليه نصاً لا يحتمل غيره والله أعلم لأنه علم بإعلام الله إياه أن المسلمين يجتمعون عليه وأن خلافته تنعقد بإجماعهم على بيعته) اهـ (8). عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – 2/ 539
(1) رواه البخاري (681)، ومسلم (419).
(2)
رواه الحاكم (3/ 70). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 151)، والألباني في ((تخريج السنة)) (1159).
(3)
رواه ابن سعد في ((الطبقات)) (3/ 183).
(4)
رواه البخاري (679)، ومسلم (418).
(5)
((المسند من مسائل الإمام أحمد)) للخلال ورقة (43) وهو مخطوط يوجد في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية. وانظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 160).
(6)
رواه مسلم (673). من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه.
(7)
((البداية والنهاية)) (5/ 265).
(8)
((الاعتقاد)) (ص: 172).