الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي (1)(يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الآباء سواء)(2) وأمه رضي الله عنه الصعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن وهي أخت العلاء بن الحضرمي (3) أسلمت ولها صحبة وظفرت بشرف الهجرة (4) وطلحة رضي الله عنه أحد العشرة الذين بشروا بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان رضي الله عنه عند وقعة بدر قد وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيد بن زيد يتجسسان خبر العير قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى بدر فلم يرجعا إلا وقد فرغ من موقعة بدر وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما (5).
وقال الواقدي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتحسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر (6) فخروجهما لجس الأخبار يعتبر في صالح المعركة وهو نوع من المشاركة فيها.
وشهد طلحة رضي الله عنه أحداً وما بعدها من المشاهد وقد أبلى في غزوة أحد بلاء حسناً فقد وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه واتقى النبل عنه بيده حتى شلت أصبعه (7).
وفضائله رضي الله عنه كثيرة مشهورة ومنها:
- ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (8).
هذا الحديث اشتمل على منقبة عظيمة خص بها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهي أنه وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد لما أراد بعض المشركين أن يضربه فاتقى طلحة الضربة بيده حتى أصابها شلل والشلل بطلان في اليد أو في الرجل من آفة تعتريها فالحديث فيه بيان فضيلة عظيمة لطلحة رضي الله عنه وأرضاه.
- وروى أيضاً بإسناده إلى أبي عثمان النهدي قال: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد عن حديثهما (9).
وهذا الحديث أيضاً تضمن منقبة ظاهرة لأبي محمد طلحة بن عبيد الله من حيث إنه بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تفرق الناس عنه يوم أحد والمراد بقوله في الحديث: ((في بعض تلك الأيام)) يوم أحد.
(1)((الإصابة)) (2/ 220)، وانظر:((الاستيعاب)) لابن عبد البر على ((حاشية الإصابة)) (2/ 210).
(2)
((فتح الباري)) (7/ 82).
(3)
((الإصابة)) (2/ 220).
(4)
((الإصابة)) (4/ 337)، وانظر:((فتح الباري)) (7/ 82).
(5)
انظر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (3/ 216 - 217، 382 - 382)، ((المستدرك)) للحاكم (3/ 416)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (21/ 69 - 70)، وانظر:((الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري)) (4/ 256).
(6)
((مغازي الواقدي)) (1/ 19)، ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (3/ 216 - 217، 382 - 382)، ((المستدرك)) للحاكم (3/ 416).
(7)
انظر: ((الاستيعاب على حاشية الإصابة)) (2/ 210 - 216)، ((تاريخ دمشق)) (25/ 60)، ((الإصابة في تمييز الصحابة)) لابن حجر (2/ 220)، وانظر:((الرياض النضرة في مناقب العشرة)) (4/ 245) وما بعدها، وانظر:((المستدرك للحاكم)) (3/ 416).
(8)
رواه البخاري (4063).
(9)
رواه البخاري (3722). والحديث رواه مسلم (2414).
- وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى الزبير رضي الله عنه قال: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد تحته طلحة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوى على الصخرة قال: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أوجب طلحة)) (1).
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ((أوجب طلحة)) أي: وجبت له الجنة بسبب عمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها وقاية له حتى طعن ببدنه وجرح جميع جسده حتى شلت يده (2).
- وروى أبو نعيم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك كله يوم طلحة (3).
وهذا مدح وثناء عظيم من صديق هذه الأمة وشهادة صادقة لأبي محمد طلحة بن عبيد الله بثباته مع النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة أحد التي أبلى فيها بلاء حسناً وكان موقفه عظيماً في غزوة أحد يذكر به في الآخرين رضي الله عنه وأرضاه.
- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن طلحة ممن قضى نحبه ووفى لله بما نذره على نفسه من القتال في سبيله ونصرة دينه.
فقد روى الترمذي بإسناده إلى موسى بن طلحة قال: دخلت على معاوية فقال: ألا أبشرك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((طلحة ممن قضى نحبه)) (4).
وروى أيضاً: بإسناده إلى موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يتجرؤون هم على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أين السائل عمن قضى نحبه)) قال الأعرابي: أنا يا رسول الله قال: ((هذا ممن قضى نحبه)) (5).
هذان الحديثان فيهما بيان فضل طلحة بن عبيد الله حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة ممن قضى نحبه وكان طلحة ضمن جماعة كعثمان بن عفان ومصعب وسعيد وغيرهم نذروا إذا لقوا حرباً ثبتوا حتى يستشهدوا وقد ثبت طلحة يوم أحد وبذل جهده حتى شلت يده ووقى بها النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وأرضاه.
قال أبو بكر بن العربي أثناء ذكره لمسائل اشتمل عليها الحديث قال رحمه الله تعالى:
الرابعة: إلا أن قوماً تحققت عاقبتهم وأخبر الله تعالى عن حسن مآلهم وإن كانوا لم يوافوا بعد، فلهم شرف الحالة بذلك وعلو المنزلة وطلحة منهم.
الخامسة: وكان ذلك له -والله أعلم- بوقايته بنفسه للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى شلت يمينه فقدمته يداه إلى الجنة وتقدمه إليها وتعلق بسبب عظيم لا ينقطع منها) (6)
…
(1) رواه الترمذي (1692). وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/ 152): صحيح، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 508) كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وقال ابن حجر في ((الإمتاع)) (1/ 92): صحيح.
(2)
انظر: ((تحفة الأحوذي)) (5/ 341).
(3)
((حلية الأولياء)) (1/ 87).
(4)
رواه الترمذي (3202). وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/ 288): حسن صحيح، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(5)
رواه الترمذي (3203). وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.
(6)
((عارضة الأحوذي بشرح الترمذي)) (12/ 82 - 83).
- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يموت شهيداً. فقد روى مسلم في (صحيحه) بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)) وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم (1).
قال النووي رحمه الله تعالى: (وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء؛ فإن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلماً شهداء، فقتل الثلاثة مشهور وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركاً للقتال فأصابه سهم فقتله وقد ثبت أن من قتل ظلماً فهو شهيد والمراد شهداء في أحكام الآخرة وعظم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وفيه بيان فضيلة هؤلاء)(2).
- ومن مناقبه الرفيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنه راض. قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله، وقال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض)(3).
- ومما يدل على عظم مكانته وعلو منزلته أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ضمن جماعة من فضلاء الصحابة. فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)) (4) ثم قال: وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا (5).
ففي هذا الحديث منقبة واضحة لطلحة رضي الله عنه حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة وأكرم بها من شهادة فإنها تضمنت الإخبار بسعادته في الدنيا والآخرة، ذلك هو الصحابي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وتلك طائفة من الأحاديث التي دلت على عظيم قدره وعلو منزلته رضي الله عنه وأرضاه. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم لناصر بن علي عائض -بتصرف- 287/ 1
(1) رواه مسلم (2417).
(2)
((شرح النووي على صحيح مسلم)) (15/ 190).
(3)
رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث رقم (3722)، ورواه موصولاً (1392) بلفظ: ((توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ
…
)). من حديث عمرو بن ميمون رضي الله عنه.
(4)
رواه الترمذي (3747)، وأحمد (1/ 193)(1675). وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (5/ 436) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (3/ 136): إسناده صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(5)
((سنن الترمذي)) (5/ 647).