الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: الأدلة من كلام السلف على تحريم سب الصحابة
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم كثيرة جداً ومتنوعة في ذم وعقوبة من أطلق لسانه على أولئك البررة الأخيار وأقوال السلف التي كانوا يواجهون بها الذين ابتلوا بالنيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت في غاية الإنكار على من وقع في ذلك وبيان الخسارة الكبيرة التي يكسبها من أراد الله فتنته بالوقوع والنيل من خير القرون.
(1)
فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى يوسف بن سعد عن محمد بن حاطب قال: (ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة، فقال لي يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه، فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده، فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه، فقال علي رضي الله عنه كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى فيهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف: 16]، قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم قالها ثلاثاً: قال يوسف: فقلت لمحمد بن حاطب الله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه، قال: آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه (1).
(2)
وكان رضي الله عنه يعاقب بالجلد الموجع على الكلام الذي فيه إيماء أو إشارة إلى النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد ذكر ابن الأثير (أن رجلين وقفا على باب الدار الذي نزلت فيه أم المؤمنين بالبصرة، فقال أحدهما: جزيت عنا أمنا عقوقاً.
وقال الآخر: يا أمي توبي فقد أخطأت – فبلغ ذلك علياً – فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة وهما: عجلان، وسعد ابنا عبد الله فضربهما مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما) (2).
(3)
روى أبو داود بإسناده إلى رباح بن الحارث قال: ((كنت قاعداً عند فلان في مسجد الكوفة، وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فرحب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس بن علقمة، فاستقبله فسب وسب، فقال سعيد: من يسب هذا الرجل؟ قال: يسب علياً، فقال: ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك ثم لا تنكر ولا تغير؟ أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – وإني لغني أن أقول عنه ما لم يقل فيسألني عنه غداً إذا لقيته –: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة، وسكت عن العاشر، قالوا: من هو العاشر؟ فقال: سعيد بن زيد –يعني نفسه-، ثم قال: والله لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح)) (3).
زاد رزين: ثم قال: ((لا جرم لما انقطعت أعمارهم، أراد الله أن لا يقطع الأجر عنهم إلى يوم القيامة، والشقي من أبغضهم، والسعيد من أحبهم)) (4).
(1) رواه ابن أبي حاتم (10/ 3295).
(2)
((الكامل في التاريخ)) (3/ 257).
(3)
رواه أبو داود (4650) وسكت عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(4)
انظر: ((جامع الأصول)) (9/ 411).
(4)
وذكر ابن الأثير عن رزين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر)(1).
(5)
روى ابن بطة بإسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه قال: ((لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة – يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم – خير من عمل أحدكم أربعين سنة)) (2).
وفي رواية وكيع: ((خير من عبادة أحدكم عمره)) (3).
(6)
وروى أبو نعيم بإسناده (أن مزيد بن هزاري أنه لقي سعيد بن جبير بأصبهان، فقال له: إن رأيت أن تفيدني مما عندك؟ فحبس دابته وقال: قال لي ابن عباس: احفظ عني ثلاثاً: إياك والنظر في النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة، وإياك والنظر في القدر، فإنه يدعو إلى الزندقة، وإياك وشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكبك الله في النار على وجهك يوم القيامة)(4).
(7)
وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي إلى عريب بن حميد قال: (قام رجل فنال من عائشة رضي الله عنها، فقام عمار رضي الله عنه يتخطى الناس فقال: اجلس مقبوحاً منبوحاً أنت تقع في حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة)(5).
(8)
وروى أبو يعلى والطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: (يا أبا عبد الله أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم، قلت: أنى يسب رسول صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه)(6).
(9)
وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، قال:(قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكر؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يقتل)(7).
(1)((جامع الأصول)) (9/ 408 - 409)، ((مسند عائشة)) للسيوطي (ص: 164).
(2)
ذكره ((شارح الطحاوية)) (ص: 530)، وانظر ((الشرح والإبانة)) لابن بطة (ص: 119).
(3)
ذكره أيضاً: ((شارح الطحاوية)) (ص: 531).
(4)
((أخبار أصبهان)) (1/ 324).
(5)
كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 21 - 22)، وأورده ابن الأثير في (النهاية)) (4/ 3).
(6)
رواه أبو يعلى (12/ 444)(7013)، والطبراني (23/ 322) (19689). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 133): رجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد الله وهو ثقة، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (7/ 996): إسناد جيد.
(7)
كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 23).
هذه تسعة نماذج عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها توضيح للطريقة التي كانوا يواجهون بها من أزاغ الله قلبه عن معرفة ما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتن بسبهم والنيل منهم، فقد كان إنكارهم عظيماً على من صدر منه ذلك، فلم يسكتوا عن المتقولين فيهم بل كانوا يردون عليهم إما بذكر فضائلهم وما لهم عند الله من المنزلة العظيمة التي لا يلحقهم فيها غيرهم مهما قدم من العمل، وإما أن يعاقبوا بجلدهم بالسياط، وقد حصل الأمران في موقف علي رضي الله عنه ممن قلل من عثمان وعائشة رضي الله عنهما، وبعض الصحابة كان يعتبر سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سباً للرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذلك عن أم سلمة، وبعضهم كان يفتي بقتل من سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وكل ذلك يدل على عظم الجرم الذي يقع فيه من امتلأ قلبه ببغضهم وخبث لسانه بالقول القبيح فيهم الذي لا يليق إلا بمن صدر منه وقد سلك التابعون بإحسان من أهل السنة والجماعة في مواجهة السابين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقة الغلظة والشدة عليهم ولم يسكتوا عن أي تعريض بهم، بل اعتبروا الطعن في الصحابة والسب لهم مروقاً من الدين أعاذنا الله من ذلك.
(10)
فقد روى أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال لجابر الجعفي: (يا جابر بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا ويتناولون أبا بكر وعمر، ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم عني أني إلى الله منهم بريء والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما، فأبلغهم أني بريء منهم وممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (1).
(11)
وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن الحسن بن علي أنه قال: (ما أرى رجلاً يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبداً)(2).
(12)
وقال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: (من شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقد ارتد عن دينه وأباح دمه)(3).
(13)
وقال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: (الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام)(4).
(14)
روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى الحسن بن الربيع قال: (سمعت أبا الأحوص يقول: لو أن الروم أقبلت من موضعها يعني تقتل ما بين يديها وتقبل حتى تبلغ النخيلة ثم خرج رجل بسيفه فاستنقذ ما في أيديها وردها إلى موضعها ولقي الله وفي قلبه شيء على بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأينا أن ذلك ينفعه)(5).
(1) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 12)، وأورده الحافظ ابن كثير في كتابه ((البداية والنهاية)) (9/ 349)، والسياق له.
(2)
((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 17).
(3)
((الشرح والإبانة))، لابن بطة، (ص: 162).
(4)
((الشرح والإبانة))، لابن بطة، (ص: 162).
(5)
كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 12).
(15)
وروى أيضاً: بإسناده إلى عبد الله بن مصعب قال: (قال لي أمير المؤمنين – المهدي – ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: زنادقة يا أمير المؤمنين، قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك فكيف ذلك؟ قلت: إنما قوم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا أحداً من الأمة يتابعهم على ذلك فيه فشتموا أصحابه رضي الله عنهم يا أمير المؤمنين ما أقبح بالرجل أن يصحب صحابة السوء فكأنهم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم صحب صحابة السوء، فقال لي: ما أرى إلا كما قلت)(1).
(16)
روى أبو عبيد الله بن بطة إلى أبي بكر بن عياش أنه قال: (لا أصلي على رافضي ولا حروري لأن الرافضي يجعل عمر كافراً، والحروري يجعل علياً كافراً)(2).
(17)
روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى يعقوب بن حميد قال: (سمعت سفيان بن عيينة يقول: حج هارون الرشيد أمير المؤمنين فدعاني فقال: يا سفيان إن أبا معاوية الضرير حدثني عن أبي جناب الكلبي عن أبي سليمان الهمداني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سيكون بعدي قوم لهم نبز يسمون الرافضة وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر، فإذا وجدتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون، فقلت: يا أمير المؤمنين اقتلهم بكتاب الله، فقال: يا سفيان وأين موضع ذلك من كتاب الله؟ فقلت: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ إلى قوله لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح: 29]، يا أمير المؤمنين، فمن غاظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر)(3).
(18)
وقال أيضاً: (من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى)(4).
(19)
ذكر القرطبي عن عمر بن حبيب قال: (حضرت مجلس هارون الرشيد فجرت مسألة تنازعها الحضور وعلت أصواتهم فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع بعضهم الحديث وزادت المرافعة والخصام، حتى قال قائلون منهم: لا يقبل هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن رسول الله وأبو هريرة صحيح النقل صدوق فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فنظر إليّ الرشيد نظر مغضب وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل: صاحب البريد بالباب، فدخل فقال لي: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه، فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي .. حاسر عن ذراعيه بيده السيف، وبين يديه النطع، فلما بصر بي قال لي: يا عمر بن حبيب ما تلقاني أحد من الرد والدفع لي بمثل ما تلقيتني به، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الذي قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول، فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله)(5).
(1) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 22 - 23)، وأخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (ص: 10/ 175).
(2)
((الشرح والإبانة)) لابن بطة، (ص: 160).
(3)
كتاب ((النهي عن سب الأصحاب)) (ص: 24 - 25).
(4)
ذكره عبد القادر الجيلاني في كتابه ((الغنية لطالبي طريق الحق)) (1/ 79).
(5)
((الجامع لأحكام القرآن)) (16/ 298 - 299).
(20)
روى أبو عبيد الله بن بطة بإسناده إلى هارون بن زياد، قال:(سمعت الفريابي ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر، فقال: كافر، قال: فنصلي؟ قال: لا، فسألته: كيف نصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله، قال: لا تمسوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته)(1).
(21)
وقال بشر بن الحارث: (من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين)(2).
(22)
وقال أبو بكر المروزي: (سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم، فقال: ما أراه على الإسلام)(3).
(23)
وقال محمد بن بشار: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (لو كان من عصبتي ما ورثته)(4).
(24)
وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى إسماعيل بن القاسم، قال:(قال لي عبد الله بن سليمان: يا إسماعيل ما تقول فيمن يسب أبا بكر وعمر، قلت: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، قال لي القتال؟ قلت: نعم، قال: وأني لك هذا؟ قلت: بآية من كتاب الله تعالى، فقال: وآية من كتاب الله؟ قلت: نعم، قال: وأي هي من كتاب الله تعالى، قلت له: قال الله تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ [المائدة: 3]، ولا فساد في الأرض أعظم من سب أبي بكر وعمر عليهما السلام، قال لي: أحسنت يا إسماعيل)(5).
وهذه الآثار عن هؤلاء الأئمة كلها دلت على تحريم سب الصحابة عموماً وفيها بيان الخسارة الواضحة التي تلحق من أقحم نفسه في هذا الجرم الكبير وأن من ابتلي بداء المبغضين لخيار الأمة وحمله ذلك على سبهم وتجريحهم إنما رام الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبطال الشريعة الإسلامية من أساسها لأن الصحابة إذا كانوا كذابين فجميع أحكام دين الإسلام باطلة، إذ الدين لم يصل إلينا إلا عن طريقهم فهم الذين تلقوه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم لم يأخذه إلا عنهم، ومن طعن فيهم، أو جرحهم ماذا يبقى له من الدين وكما دلت تلك الآثار عن أولئك الأسلاف على تحريم سب الصحابة دلت كذلك على أن من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي فإنه لا يضرهم وإنما يضر نفسه، فهم رضي الله عنهم قدموا على ما قدموا، وقد قدموا الخير الكثير من الأعمال الجليلة والمآثر الحميدة في نصرة دين الإسلام والكلام فيهم بغير حق إن كانت له حسنات فإنهم يأخذون من حسناته ويضاف ذلك إلى حسناتهم ويزدادون بذلك رفعة عند الله تعالى، وإن لم يكن للمتكلم فيهم حسنات فلا تأثير لكلامه فيهم ولا مضرة عليهم، إذ الذي مدحه الله وأثنى عليه لا يضيره ذم الخلق وتنقصهم. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – ناصر بن علي عائض – 2/ 846
(1)((الشرح والإبانة)) (ص: 160).
(2)
((الشرح والإبانة)) لابن بطة (ص: 162).
(3)
((الشرح والإبانة)) لابن بطة (ص: 161).
(4)
((الشرح والإبانة)) (ص: 160).
(5)
كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 25).