الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: كيفية توليه الخلافة رضي الله عنه
لما طعن عمر رضي الله عنه لم يستخلف أحداً بعينه ليكون الخليفة على المسلمين من بعده بل أوصى أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وتحرج أن يجعلها لواحد من هؤلاء على التعيين وقال:(لا أتحمل أمرهم حياً وميتاً)(1)، وإن يرد الله بكم خيراً يجمعكم على خير هؤلاء، كما جمعكم على خيركم بعد نبيكم صلى الله عليه وسلم. ومن تمام ورعه لم يذكر في الشورى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل لأنه ابن عمه، خشي أن يراعى فيولى لكونه ابن عمه فلذلك تركه وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ولما مات الفاروق رضي الله عنه ودفنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه اجتمع النفر الذين جعل عمر الأمر فيهم شورى للتشاور فيمن يلي الخلافة بعد عمر رضي الله عنه ففوض ثلاثة منهم ما لهم في ذلك إلى ثلاثة حيث فوض الزبير ما يستحقه من الإمارة إلى علي وفوض سعد ماله في ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف وترك طلحة حقه إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال عبد الرحمن لعلي وعثمان: أيكما يبرأ من هذا الأمر فنفوض الأمر إليه؟
والله عليه والإسلام ليولين أفضل الرجلين الباقيين فسكت علي وعثمان رضي الله عنهما، فقال عبد الرحمن: إني أترك حقي من ذلك، والله علي والإسلام أن أجتهد فأولي أولاكما بالحق فقالا: نعم ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق لئن ولاه ليعدلن، ولئن ولي عليه ليسمعن وليطيعن فقال كل منهما: نعم ثم تفرقوا (2).
(1) روى مسلم في صحيحه (1823) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن الصحابة قالوا له: استخلف فقال: أتحمل أمركم حياً وميتاً لوددت أن حظي منها الكفاف لا علي ولا لي فإن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني (يعني أبا بكر) وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله: (فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف).
(2)
انظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 158 - 159).
وقد روى البخاري في (صحيحه) من حديث طويل عن عمرو بن ميمون فيه تفاصيل حادثة استشهاد عمر رضي الله عنه وعدد الذين طعنوا معه، ووصية عمر لابنه عبدالله أن يحسب ما عليه من الدين وكيف يقضيه، وطلبه رضي الله عنه الاستئذان من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فأذنت في ذلك رضي الله عنها بطيب نفس كما اشتمل هذا الحديث على الكيفية التي بويع بها لعثمان والاتفاق عليه ومما جاء فيه بشأن خلافة عثمان رضي الله عنه أنهم ((قالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذلك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة –إلى أن قال- لما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن بن عوف: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكم قالا: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه فبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه)) (1).
وروى أيضاً: بإسناده إلى الزهري أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره ((أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائماً فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم انطلق فادع الزبير وسعداً فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئاً، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح، فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون)) (2). ففي هذين الحديثين بيان أن عمر رضي الله عنه لم يعهد بالخلافة من بعده إلى واحد بعينه وإنما جعلها شورى في الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وقد التمس بعض أهل العلم وجه الحكمة من جعل عمر الأمر شورى بين الستة دون أن يعين واحداً.
(1) رواه البخاري (3700).
(2)
رواه البخاري (7207).
فقد قال ابن بطال: (إن عمر سلك في هذا الأمر مسلكاً متوسطاً خشية الفتنة فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين فجعل الأمر معقوداً على الستة لئلا يترك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فأخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم طرفاً وهو ترك التعيين، ومن فعل أبي بكر طرفاً وهو العقد لأحد الستة وإن لم ينص عليه) اهـ (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وأما عمر رضي الله عنه فرأى الأمر في الستة متقارباً فإنهم وإن كان لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر ورأى أنه إن عين واحداً فقد يحصل بولايته نوع من الخلل فيكون منسوباً إليه فترك التعيين خوفاً من الله –تعالى- وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا الأمر منهم لما تخوفه من التقصير، والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة، وإذا كان من الأمور أمور لا يمكن دفعها فتلك لا تدخل في التكليف وكان كما رآه فعلم أنه إن ولي واحداً من الستة فلابد أن يحصل نوع من التأخر عن سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأن يحصل بسبب ذلك مشاجرة كما جبل الله ذلك طباع بني آدم، وإن كانوا من أولياء الله المتقين، وذكر في كل واحد من الستة الأمر الذي منعه من تعيينه وتقديمه على غيره ثم إن الصحابة اجتمعوا على عثمان رضي الله عنه لأن ولايته كانت أعظم مصلحة وأقل مفسدة من ولاية غيره والواجب أن يقدم أكثر الأمرين مصلحة، وأقلهما مفسدة، وعمر رضي الله عنه خاف أن يتقلد أمراً يكون فيه ما ذكر، ورأى أنهم إذا بايعوا واحداً منهم باختيارهم حصلت المصلحة بحسب الإمكان وكان الفرق بين حال المحيا وحال الممات أنه في الحياة يتولى أمر المسلمين فيجب عليه أن يولي عليهم أصلح من يمكنه، وأما بعد الموت فلا يجب عليه أن يستخلف معيناً إذا كانوا يجتمعون على أمثلهم، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم علم أنهم يجتمعون على أبي بكر استغنى بذلك عن كتابة العهد الذي كان قد عزم على أن يكتبه لأبي بكر أيضاً: فلا دليل على أنه يجب على الخليفة أن يستخلف بعده فلم يترك عمر واجباً ولهذا روجع في استخلاف المعين وقيل له أرأيت لو أنك استرعيت فقال: إن الله تعالى لم يكن يضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض)(2) اهـ.
ومما تقدم تبين لنا الكيفية التي تولى بها ذو النورين عثمان رضي الله عنه الخلافة وأنها تمت باختيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له قاطبة فهو أحق الناس على الإطلاق بالخلافة بعد عمر رضي الله عنه. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –2/ 651
(1)((شرح صحيح البخاري)) (8/ 283)، وانظر:((فتح الباري)) (13/ 207).
(2)
((منهاج السنة)) (3/ 164).