المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

يقول بعض الناس: لا يجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أمرنا الله تعالى بالاهتمام بأنفسنا وبين أنه لا يضرنا ضلال الآخرين واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105].

تبيين حقيقة الشبهة من جانبين:

1 -

من الآية نفسها.

2 -

بالنصوص الأخرى الواردة في الكتاب والسنة.

أولاً: كشف النقاب عن حقيقة الشبهة من الآية نفسها:

لو تدبر أصحاب هذه الشبهة في الآية نفسها لما نطقوا بها. اشترط الله تعالى لعدم إصابة الضرر بسبب ضلال الآخرين أن يكون الشخص مهتديا حيث قال تعالى: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ولا يصير الشخص مهتديا إلا إذا أدى ما أوجبه الله عليه. ومما أوجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فالذي لا يقوم بهذا لا يكون مهتديا لأن فوات الشرط يستلزم فوات المشروط. وقد بين هذا بعض الصحابة والتابعين وكثير من المفسرين والعلماء القدامى والمتأخرين.

فعلى سبيل المثال فقد نقل الإمام ابن جرير الطبري عن حذيفة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أنه قال: (إذا أمرتم ونهيتم)(1).

كما نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب في تفسير الآية أنه قال: (إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت)(2).

ويقول الإمام أبو بكر الجصاص في تفسير الآية: (ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا، فلا دلالة فيها إذا على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

ويقول الإمام النووي: وأما قول الله عز وجل: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فمعناه: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم. وإذا كان كذلك، فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول. والله أعلم (3).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد: (والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال)(4).

إضافة إلى ذلك بين بعض العلماء أن قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغبه في الخيرات وينزه عن القبائح والسيئات (5).

ثانيا: تفنيد الشبهة بالنصوص الأخرى:

وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تبين أنه مما يجب على الصالحين تجاه أعمال الآخرين السيئة تذكيرهم ومنعهم عنها. وإن لم يفعلوا هذا يوشك أن ينزل عليهم غضب الله فيدعونه فلا يستجيب لهم.

ومن تلك النصوص قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأنعام: 68 - 69].

(1)((تفسير الطبري)) (11/ 148).

(2)

((تفسير الطبري)) (11/ 148).

(3)

((شرح النووي على صحيح مسلم)) (2/ 22) بتصرف يسير واختصار.

(4)

((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص: 17).

(5)

نقلا عن ((تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) (7/ 45). وانظر أيضاً قول الإمام الحاكم في هذا الصدد في ((تفسير القاسمي)) (6/ 406).

ص: 261

بين الله تعالى أنه لا يجب على المتقين بسبب خوض من يخوض في آيات الله إلا شيء واحد، وهو: تذكيرهم. يقول القاضي البيضاوي: (وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم شيء مما يحاسبون عليه، ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم من الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها)(1).

وإذا كان تذكير هؤلاء الأشرار يجب على المتقين فكيف يتصور مهتديا عند تركه هذا الواجب. ولذا يقول الشيخ ثناء الله الأمرتسري: (ومن جملة اهتدائكم تذكيرهم لقوله تعالى: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (2).

ومن تلك النصوص أيضا قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ [الأنفال: 25].

يقول الحافظ الكلبي الغرناطي في تفسير الآية: (أي لا تصيب الظالمين، بل تصيب معهم من لم يغير المنكر، ولم ينه عن الظلم، وإن كان لم يظلم)(3).

وسبيل الاتقاء من العذاب هو الإنكار على ظلم الظالمين كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: (أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعقاب)(4).

هذا وقد بين أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطأ المستدلين بهذه الآية على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما كان قد سمع من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقد روى الإمام أبو داود عن قيس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)) (5).

(1)((تفسير البيضاوي)) (1/ 306). وانظر أيضا ((تفسير أبي السعود)) (3/ 47).

(2)

((تفسير القرآن بكلام الرحمن)) (ص: 103).

(3)

((كتاب التسهيل)) (2/ 116)، وانظر أيضاً ((أحكام القرآن)) لابن العربي (2/ 846)، و ((التفسير الكبير)) (15/ 149)، و ((تفسير القرطبي)) (7/ 293)، و ((تفسير الجلالين)) (ص: 237)، و ((تفسير روح المعاني)) (9/ 129)، و ((أضواء البيان)) (2/ 171).

(4)

((تفسير الطبري)) (13/ 474)، (رقم الأثر 5909). ويقول الحافظ ابن كثير بعد ذكره: وهذا تفسير حسن جداً. ((مختصر تفسير ابن كثير)) (2/ 96)، وانظر أيضاً ((تفسير القرطبي)) (7/ 391)، و ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 135)، و ((تفسير الجلالين)) (ص: 237).

(5)

رواه أبو داود (4338)، والترمذي (2168)، وأحمد (1/ 7)(29، 30)، وابن حبان (1/ 539)(304). قال الترمذي، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3/ 208): صحيح، وصحح إسناده النووي في ((الأذكار)) (ص: 412)، وابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 193)، وأحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/ 36)، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

ص: 262

ولا يقف الأمر عند نزول العذاب بسبب ترك الناس الآخرين فيما هم فيه من المنكرات والمعاصي، بل إن الله تعالى لا يستجيب دعاءهم إذا دعوه لكشف العذاب عنهم. فقد روى الإمام الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، فتدعونه فلا يستجيب لكم)) (1).

كل هذا يؤكد أن قول القائل: (علينا أن نهتم بأنفسنا لأنه لا يضرنا ضلال الآخرين) يخالف نصوص الكتاب والسنة.

احتجاج أصحاب الشبهة بحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه:

قد يحتج محتج فيقول: إن ما فسرت به الآية: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ لا يتفق مع ما جاء في تفسيرها في حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه من سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقد روى الإمام أبو داود عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة – رضي الله عنه – فقلت: يا أبا ثعلبة! كيف تقول في هذه الآية: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ؟

قال: أما والله! لقد سألت عنها خبيراً. سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك – يعني بنفسك – ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر. للعامل فيهم أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله)).

وزادني غيره قال: يا رسول الله! أجر خمسين منهم؟

قال: ((أجر خمسين منكم)) (2).

الرد على الاحتجاج:

نرد بعون الله تعالى على احتجاج هؤلاء بحديث أبي ثعلبة رضي الله عنه من وجهين:

أولا: تحدث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف عن الأحوال الاستثنائية التي يؤجر العامل فيها أجر خمسين رجلاً من الصحابة، وذلك لشدتها، ومن المعلوم أن للظروف والأحوال الطارئة أحكامها ورخصها، ولا تثبت بها معارضة ما ثبت لعامة الأحوال من الأحكام. وفي هذا الصدد يقول الإمام أبو بكر بن العربي بعد ذكر حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه:

(وذلك لعدم الاستطاعة على معارضة الخلق، والخوف على النفس أو المال من القيام بالحق. وتلك رخصة من الله عز وجل يسرها علينا، وفضله العميم آتانا)(3).

ثانياً: هذه الرخصة التي نجدها في الحديث الشريف لا تدل على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في الظروف الاستثنائية، وذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درجات. فإذا تعذر للمسلم القيام به باليد واللسان فعليه أن يقوم به بالقلب، وهذا لا يسقط في حال من الأحوال. وفي هذا يقول الإمام أبو بكر الجصاص:

(وهذا لا دلالة فيه على سقوط فرض الأمر بالمعروف إذا كانت الحال ما ذكر، لأن ذكر تلك الحال تنبئ عن تعذر تغيير المنكر باليد واللسان لشيوع الفساد وغلبته على العامة، وفرض النهي عن المنكر في مثل هذه الحال إنكاره بالقلب كما قال عليه السلام: ((فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) (4).

فكذلك إذا صارت الحال إلى ما ذكر كان فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب للتقية ولتعذر تغييره. وقد يجوز إخفاء الإيمان وترك إظهاره تقية بعد أن يكون مطمئن القلب بالإيمان، قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل: 106] فهذه منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (5).

فخلاصة الكلام أنه ليس في الآية: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ولا في حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه ما يدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يجب على كل مسلم أن يقوم به على قدر استطاعته. شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفضل إلهي - بتصرف– ص: 13

(1) رواه الترمذي (2169)، وأحمد (5/ 391) (23375). قال الترمذي: حسن، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (7/ 357): حسن إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمر، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 484) كما أشار إلى ذلك في مقدمته، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (4/ 358): إسناده جيد، وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 715): إسناده صحيح، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

(2)

رواه أبو داود (4341)، والترمذي (3058)، وابن ماجه (801). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3/ 212).

(3)

((أحكام القرآن)) (2/ 710).

(4)

رواه مسلم (49). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(5)

((أحكام القرآن)) (2/ 487).

ص: 263