المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

كما أن الجن قبائل مختلفة، فهم كذلك أصحاب ملل ونحل متباينة، وفيهم المؤمن والكافر، والعادل والظالم، يقول سيد سابق:(والجن طوائف: فمنهم الكامل في الاستقامة وعمل الخير، ومنهم من هو دون ذلك، ومنهم البله المغفلون، ومنهم الكفرة وهم الكثرة الكاثرة)(1)، قال تعالى: إخباراً عنهم: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن: 11]. يقول القرطبي: (هذا من قول الجن، أي قال بعضهم لبعض لما دعوا إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم: وأنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون ومنا الكافرون، وقيل: ومنا دون ذلك، أي ومن دون الصالحين في الصلاح)(2).

وقوله تعالى: كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11] أي فرقاً شتى، قاله السدي، وقال الضحاك: أدياناً مختلفة، وقال قتادة: أهواء متباينة (3)، ومنه قول الشاعر:

القابض الباسط الهادي بطاعته

في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد

والمعنى: أي لم يكن كل الجن كفاراً، بل كانوا مختلفين، منهم كفار ومنهم مؤمنون صلحاء، ومنهم مؤمنون غير صلحاء (4). وقال مجاهد: يعنون مسلمين وكافرين، وقال الحسن والسدي: في الجن أمثالكم، فمنهم قدرية، ومرجئة، ورافضة، وخوارج وشيعة، وسنة، وقال سعيد بن جبير: ألواناً شتى. وقال ابن كيسان: شيعاً وفرقاً، ومعنى الكلام أصنافاً مختلفة ومذاهب متفرقة (5)، وقال سعيد بن المسيب: كنا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس) (6).

وذكر بعض العلماء أن هذه المذاهب المختلفة في الجن إنما هي بعد مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام واستماعهم للقرآن منه، يقول الإمام القرطبي في قوله تعالى إخباراً عن الجن: كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11](وقال قوم: أي وأنا بعد استماع القرآن مختلفون، منا المؤمنون ومنا الكافرون، والأول أحسن – يقصد أنهم كانوا مؤمنين وكافرين قبل استماعهم للقرآن، بعد مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام – لأنه كان في الجن من آمن بموسى وعيسى. وقد أخبر عنهم أنهم قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 30]، وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوارة، وكان هذا مبالغة منهم في دعاء من دعوهم إلى الإيمان (7).) قال السبكي: (لا شك أنهم مكلفون في الأمم الماضية كهذه الملة، إما بسماعهم من الرسول، أو من صادق عنه، وكونه إنسياً أو جنياً لا قاطع به)(8).

وظاهر القرآن يشهد للقرطبي من أنهم كانوا فرقاً شتى قبل استماعهم للقرآن، مسلمين وكفاراً وغير ذلك، لأن النفر الذين انطلقوا إلى قومهم بعد سماع القرآن، قالوا مخبرين عن أنفسهم: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن: 11]. فقد عبروا عن حالتهم السابقة قبل استماع القرآن بلفظ الماضي.

(1)((العقائد الإسلامية)) (ص: 134).

(2)

((تفسير القرطبي)) (19/ 15).

(3)

((تفسير الطبري)) (23/ 659)

(4)

((تفسير القرطبي)) (19/ 15).

(5)

((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (1/ 414) بتصرف.

(6)

((تفسير القرطبي)) (19/ 15).

(7)

((تفسير القرطبي)) (19/ 15).

(8)

((الفتاوى الحديثية)) (ص: 66).

ص: 365

وفي إخبار القرآن عن النفر من الجن الذين استمعوا للرسول بمكة ما يدل على أنهم كانوا عالمين بموسى عليه السلام ورسالته، قال تعالى: إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأحقاف: 30]، والنص يوحي أن هذا النفر كان من قوم عنده صلاح واستقامة، ومطالبة الجن بالإيمان غالباً ما ينشأ عنه استجابة لذلك الرسول من قبل بعضهم، أو رفضاً لدعوته من قبل البعض الآخر، وفي النهاية يدل على أنهم فرق شتى.

وأخبر القرآن عن أحوالهم أيضاً بقوله: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [الجن: 14]، قال ابن القيم:(فالمسلمون الذين آمنوا بالله ورسوله منهم، والقاسطون الجائرون العادلون عن الحق. قال ابن عباس: هم الذين جعلوا لله أنداداً، يقال: أقسط الرجل: إذا عدل فهو مقسط، ومنه: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 9]. وقسط: إذا جار فهو قاسط، قال تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن: 15]).

يقول ابن القيم تعليقاً على هذه الآيات التي تبين أحوال الجن وأصنافهم، وأنهم كأحوال الإنس في الإيمان والكفر، والصلاح والفساد:(وقد تضمنت هذه الآيات انقسامهم إلى ثلاث طبقات: صالحين، ودون الصالحين، وكفار. وهذه الطبقات بإزاء طبقات بني آدم، فإنها ثلاثة: أبرار، ومقتصدون، وكفار، فالصالحون بإزاء الأبرار ومن دونهم بإزاء المقتصدين، والقاسطون بإزاء الكفار، وهذا كما قسم سبحانه بني إسرائيل إلى هذه الأقسام الثلاثة في قوله: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: 168]، فهؤلاء الناجون منهم، ثم ذكر الظالمين وهم خلف السوء الذين خلفوا بعدهم. ولما كان الإنس أكمل من الجن وأتم عقولاً، ازدادوا عليهم بثلاثة أصناف أخر، ليس شيء منها للجن وهم: الرسل، والأنبياء، والمقربون، فليس في الجن صنف من هؤلاء بل حليتهم الصلاح (1) .. ). عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات –ص: 67

هل يسلم الشيطان؟ يظهر من الحديث أن الشيطان يمكن أن يسلم بدليل أن شيطان الرسول صلى الله عليه وسلم أسلم، إلا أن بعض العلماء يرفض ذلك ويقول: الشيطان لا يكون مؤمناً، منهم شارح الطحاوية - ص439 - ووجه قوله:((فأسلم)) أي فانقاد واستسلم.

وبعض العلماء يرى أن الرواية ((فأسلم)) برفع الميم، أي فأنا أسلم منه، ومع أن شارح الطحاوية يرى أن رواية الرفع تحريف للفظ، إلا أن النووي في شرحه على مسلم قال:(هما روايتان مشهورتان) وعزى إلى الخطابي أنه رجح رواية الضم (2).

وممن يرى أن الشيطان يمكن أن يسلم ابن حبان، قال معلقاً على الحديث:(في هذا الخبر دليل على أن شيطان المصطفى صلى الله عليه وسلم أسلم حتى أنه لم يكن يأمره إلا بخير، إلا أنه كان يسلم منه وإن كان كافراً)(3).

وما ذهب إليه شارح الطحاوية من أن الشيطان لا يكون إلا كافراً فيه نظر، فإن كان يرى أن الشيطان لا يطلق إلا على كافر الجن فهذا صحيح، وإن كان يرى أن الشيطان لا يمكن أن يتحول إلى الإسلام فهو بعيد جداً، والحديث حجة عليه (4) .. عالم الجن والشياطين لعمر سليمان الأشقر – ص: 49

(1)((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (1/ 416).

(2)

((شرح صحيح مسلم)) للنووي (17/ 157).

(3)

((صحيح ابن حبان)) (14/ 327).

(4)

الحديث رواه مسلم (2814).

ص: 366