المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: المسح على الخفين - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

‌الفصل الأول: المسح على الخفين

من أقدم الأئمة الذين قرروا تلك المسألة: الإمام سفيان الثوري في عقيدته حيث قال مخاطباً من سأله عن معتقده:

(يا شعيب بن حرب، لا ينفعك ما كتبت لك حتى ترى المسح على الخفين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قدميك)(1).

بل قال سفيان الثوري: (من لم يمسح على الخفين فاتهموه على دينكم)(2).

وعد سهل بن عبد الله التستري المسح على الخفين من خصال أهل السنة (3).

كما قرر ذلك أبو حنيفة (4) وأبو الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة)(5)، والطحاوي في (عقيدته)(6)، وابن بطة في (الإبانة الصغرى)(7)، والبربهاري في (شرح السنة)(8)، وابن خفيف في (عقيدته)(9)، وأبو عمرو الداني في (الرسالة الوافية)(10).

ووجه إيراد مسألة المسح على الخفين ضمن كتب الاعتقاد: مخالفة الروافض والخوارج الذين لا يجيزون المسح على الخفين، وكما قال الإمام محمد بن نصر المروزي:(وقد أنكر طوائف من أهل الأهواء والبدع من الخوارج والروافض المسح على الخفين)(11).

وقال الإمام النووي: (أجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء كان لحاجة أو لغيرها

وإنما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يعتد بخلافهم) (12).

وجاء عن الإمام الشعبي أنه قال: (واليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة)(13).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: (وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين، وبغسل الرجلين، والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة، كما تخالف الخوارج نحو ذلك)(14).

وقال في موضع آخر: (وكان سفيان الثوري يذكر من السنة المسح على الخفين؛ لأن هذا كان شعاراً للرافضة)(15). مسائل الفروع الواردة في مصنفات العقيدة جمعاً ودراسة لعبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف– ص: 4

يقول العلامة الطحاوي: (وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ).

يريد بذلك أَنَّ أهل السنة والجماعة المتبعين للآثار لا يُعَارِضُون الآثار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام بالأقْيِسَةْ أو بالدِّلالات العقلية، وإنما يجعلونها مُقَدَّمَةً على ما هو دونها من القياس والدلالة العقلية ونحو ذلك؛ لأنَّ منهج الاستدلال عندهم أنْ يُؤْخَذَ بما جاء في الكتاب والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في القرآن حق وما جاءت به السنة حق، والحق يعضد الحق ولا يعارضه أو يناقضه؛ بل هذا يدل على هذا كما السنة تدل على القرآن وتُبَيِّنُهْ.

(1) أخرجه اللالكائي في ((أصول السنة)) (1/ 154)، وأنظر:((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (4/ 151).

(2)

أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (7/ 32).

(3)

انظر: ((السنة للالكائي)) (1/ 33).

(4)

انظر: ((الفقه الأكبر)) (ص: 4).

(5)

انظر: ((الإبانة)) (ص: 61).

(6)

((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 552).

(7)

انظر: ((الإبانة الصغرى)) (ص: 287).

(8)

((شرح السنة)) (ص: 30).

(9)

انظر: ((الفتوى الحموية)) لابن تيمية (ص: 443).

(10)

انظر: ((الرسالة الوافية)) (ص: 145).

(11)

((السنة)) (ص: 104)، وانظر ((المجموع)) للنووي (1/ 500)، و ((المغني)) لابن قدامة (1/ 360)، و ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (2/ 161)، و ((فقه الإمامية)) للسالوس (ص: 112).

(12)

((صحيح مسلم بالنووي)) (3/ 160).

(13)

((منهاج السنة النبوية)) (1/ 33).

(14)

((منهاج السنة النبوية)) (4/ 174).

(15)

((مجموع الفتاوى)) (22/ 423) = باختصار.

ص: 312

وهذه المسألة كما هو ظاهر مسألة المسح على الخفين هي من مسائل الفقه لا من مسائل العقيدة؛ ولكن أُدْخِلَتْ في مسائل الاعتقاد لأجل أنَّ أهل السنة تميَّزُوا عن عدد من الفرق بأنَّهُمْ يرون المسح على الخفين، والمخالف في ذلك هم الخوارج -أعني طائفةً منهم- والرافضة وعدد من الناس مختلفون في أماكنهم لا يُنْسَبُونَ إلى فرقة من الفرق.

فلأجل مخالفة تلك الفرق صارت المسألة من المسائل العقدية؛ لأنَّهَا تُمَيِّزْ أهل العقيدة الحقة من الفرق الباطلة، فصارت هذه المسألة وهي المسح على الخفين صارت عَلَمَاً يُفَرَّقُ به ما بين السني وما بين الرافضي والخارجي ونحوهما.

ولهذا فإنَّ مسائل الاعتقاد أعني المسائل التي تُذْكَرْ في العقيدة في مصنفات أهل السنة في الماضي وفي الحاضر على أقسام منها:

القسم الأول: ما هو في بيان الأركان الستة.

القسم الثاني: ما تميَّز به أهل السنة عن غيرهم في مسائل المعاملة؛ معاملة ولاة الأمر أو معاملة المبتدع أو معاملة العصاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التعامل مع صحابة رسول الله? وزوجاته? وهكذا.

وأمَّا المسح على الجوارب فليس كذلك؛ لأنَّهُ نُقِلَ عن نحو سبعة أو ثمانية من الصحابة أو أكثر بقليل، ولهذا المسح على الجوربين فيه خلافٌ فقهي معروف عند أهل السنة.

أما المسح على الخفين فهو أصل من الأصول العظيمة في العمل؛ لأنَّ النبي تواتَرَ عنه المسح وفَعَلَهُ صحابته وتواتر عنهم ونقلوه نقلاً قولياً وعملياً.

والآثار في مسحه على الخفين في أسفاره وفي الحضر أيضاً، كما قال ((يمسح المقيم يوما وليلة، ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن)) (1)، فهذا معنى قوله في السفر والحضر؛ لأنَّ السُّنَّةَ ماضية في هذا وهذا.

المسألة الثالثة:

مما أُسْتُدِلَّ به على المسح على الخفين من القرآن قوله: في آية الوضوء يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، اسْتُدِلَّ به على أنَّ المسح هنا -مسح الأرجل- يُرَادُ به المسح على الخفين، والقراءة هكذا بالجر هي أحد القراءتين السبعيَّتَين، هاهنا قراءتان:

القراءة الأولى وَأَرْجُلَكُمْ بنصب الأرْجُل عطفاً على المغسولات.

والثانية وَأَرْجُلِكُمْ عَطْفَاً على الرأس عند أصحاب هذا القول؛ يعني فتكون مجرورة.

وهذا الاستدلال فيه نظر، وإن كان محلُّهُ كتب الفقه؛ لكن من باب الاستطراد نذكره، فيه نظر لأنَّ المسح على الخفين لا يكون إلى الكعبين، وإنما يَمْسَحُ ظاهر الخف على ظاهر القدم، وليست السُّنَّة أن تُسْتَوعَبْ الرجل مسحاً إلى الكعبين، ولهذا صار القول الظاهر في الآية على قراءة الجر أنَّ لها توجيهين:

(التوجيه الأول: أن يكون هذا الجر لأجل المجاورة، والجر بالمجاورة أسلوب عربي معروف كثير الاستعمال، ومنه قول الله إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود: 26]، مع أنَّ الألم وصف للعذاب، وأما اليوم فهو ظرف ولا يُوصف اليوم بأنه مؤلم أو ليس بمؤلم، ولهذا صار الظاهر هنا في هذه الآية أنَّ معناها إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم، يعني عذاباً أليماً في يوم، كما هو القول الأظهر من قولي العلماء هنا.

وجُرَّ هنا لأجل المجاورة فهي أسهل في اللفظ ولأجل الختام قال عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ، وأما في لغة العرب فهو كثير معروف ومنه قول الشاعر:

فظلّ طُهَاةُ اللحم ما بين مُنْضِجٍ خفيفاً شواءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ

(ما بين منضج خفيفاً شواء)؛ لأنها مفعول لاسم الفاعل.

(1)[14253])) رواه مسلم (276) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: 313

(خفيف شواء) فجر شواء لأنها مضاف إليه.

ثم قال (أو قديرٍ) مع أنَّ حقها أن يقول أو قديراً لأنها معطوفة على ما يُنْضَجْ لكنه جَرَّهَا بالمجاورة.

(التوجيه الثاني: أنَّ قراءة الجر إذا كانت معطوفة على الرأس فإنه يكون المسح هنا بأنَّ العطف في مقام تسليط الفعل الأول على الجملة الثانية أو على الاسم الثاني.

فكأنه قال: وامسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين.

والمسح هنا لما جَعَلَ له غاية وهي أنه إلى الكعبين دلَّ على دخول الكعبين في المسح، وهذا يدل على أنَّ المسح المراد به هنا الغسل الخفيف؛ لأنَّ العرب تُطْلِقُ على الغسل مسحاً لأنَّهُ إمرارٌ خفيف وهو موجودٌ في اللغة، ومنه قوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [ص: 33] يعني مَرَّ عليها قتلاً على خفة.

فالمسح يكون بمرورٍ على خِفَّة، فالمسح الذي هو من الغَسْلْ هو غسل خفيف وهو مستعمل عندهم حيث يقولون مثلاً: تَمَسَّحْتُ للصلاة إذا أراد أن يكون وضوؤه خفيفاً.

المسألة الرابعة:

قراءة الجر هذه بأبْعَدَ من أن تكون دليلاً على المسح على الخفين؛ قيل إنَّهَا دليلٌ على إبطال المسح على الخفين، وهذا هو الذي يتوجه إليه من يتكلم على الآية وذَكَرَهُ عندكم الشارح والرَّدُّ بَأَوْجَهْ أن يكون بالوجهين السالفين. شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ

الحكم الجليل الذي به فرق بين أهل السنة وأهل البدع وهو المسح على الخفين لا ينكره إلا مخذول أو مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر لا خلاف بينهم في ذلك بالحجاز والعراق والشام وسائر البلدان إلا قوما ابتدعوا فأنكروا المسح على الخفين وقالوا إنه خلاف القرآن وعسى القرآن نسخه ومعاذ الله أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الله بل بين مراد الله منه كما أمره الله عز وجل في قوله: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. [النحل: 44] وقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية [النساء: 65].

والقائلون بالمسح جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين قديما وحديثا وكيف يتوهم أن هؤلاء جاز عليهم جهل معنى القرآن أعاذنا الله من الخذلان.

روى ابن عيينة والثوري وشعبة وأبو معاوية وغيرهم عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: ((رأيت جريرا يتوضأ من مطهرة ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا فقال وما يمنعني أن أفعله وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)).

قال إبراهيم: فكانوا يعني أصحاب عبد الله وغيرهم يعجبهم هذا الحديث ويستبشرون به لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

وعن

جرير بن عبد الله قال: ((وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على خفيه بعد ما أنزلت سورة المائدة)) .....

عن همام بن الحارث قال: ((رأيت جرير بن عبد الله يتوضأ من مطهرة ومسح على خفيه فقالوا أتمسح على خفيك فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه)) وكان هذا الحديث يعجب أصحاب عبد الله يقولون إنما كان إسلامه بعد نزول المائدة.

عن إبراهيم عن همام قال: ((بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا وقد بلت فقال نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه)) قال إبراهيم: وكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة.

وعن إبراهيم عن همام بن الحارث ((عن جرير أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه وصلى فسئل عن ذلك فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا)).

وكان يعجبهم هذا الحديث من أجل أن جريرا كان من آخر من أسلم.

ص: 314

عن بكير بن عامر بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن جريرا بال ثم توضأ ومسح على الخفين فقيل له في ذلك فقال ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة قال ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وأتت به الفرق إلا أن بعضهم زعم أنه كان قبل نزول المائدة وهذه دعوى لا وجه لها ولا معنى.

وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله قال أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يمسح على خفيه.

وعمل بالمسح على الخفين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين أجمعين وفقهاء المسلمين في جميع الأمصار وجماعة أهل الفقه والأثر كلهم يجيز المسح على الخفين في الحضر والسفر للرجال والنساء .......

ممن روينا عنه أنه مسح على الخفين وأمر بالمسح عليهما في الحضر والسفر بالطرق الحسان من مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وأنس بن مالك والبراء بن عازب وحذيفة بن اليمان والمغيرة وسليمان وبلال وخزيمة بن ثابت وعمرو بن أبي أمية وعبد الله بن الحارث بن جرير الزبيري وأبو أيوب وجرير وأبو موسى وعمار وسهل بن سعد وأبو هريرة.

ولم يرو عن غيرهم منهم خلاف إلا شيء لا يثبت عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة. التمهيد لابن عبد البر - بتصرف -11/ 134

ص: 315