المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

العبادة هي التي يقصد بها فاعلها التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد عرفها السلف بأنها اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأفعال، الظاهرة والباطنة (1). وهي مبنية على أصلين:

أحدهما: إخلاص العبادة لله وحده.

ثانيهما: تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما العادية: فهي ما لا يقصد منه التقرب إلى الله تعالى، أي إنها بحسب أصلها الموضوعة له، لم يقصد بها ذلك وإن صح فيها التقرب باعتبار أمر غير لازم لها وهي الأمور الجارية بين الخلق في الاكتساب وسائر المعاملات الدنيوية التي هي طرق لنيل الحظوظ العاجلة، مثل العقود على اختلافها والتصاريف المالية على تنوعها. ولا خلاف بين العلماء في حدوث الابتداع في العبادات ووقوعه، سواء أكانت العبادات أعمالاً قلبية وأموراً اعتقادية، أم كانت من أعمال الجوارح قولاً أو فعلاً. كمذهب القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة وكذلك مذهب الإباحية (2).

وإنما اختلف الناس في وقوع الابتداع في العاديات، والذي عليه التحقيق أن البدعة ترجع إلى اختراع عبادة لم تكن معروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يرد بها نقل صحيح، ولا تدل عليها أدلة شرعية معتبرة، فهي أولاً خاصة بما يتعبد به. وإذن فلا ابتداع في العادات، ولا في الصناعات، ولا في وسائل الحياة العامة.

والقائلون بإمكان وقوع البدع في العاديات بنوا قولهم على أن الشريعة جاءت وافية ببيان القوانين التي بها صلاح الناس في أمور المعاش والمعاد، فالعادات كالعبادات كلاهما مشروع، فكما أنا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها فكذلك العادات. فإذا جاز إمكان الابتداع فيما هو عبادة جاز فيما هو عادي من الأمور التي يقصد بها صلاح الدنيا. وهذا القول مردود، فإنه لو جاز ذلك لجاز أن تعد كل العادات التي حدثت بعد الصدر الأول من المآكل والمشارب، والملابس والمسائل النازلة بدعاً والتالي باطل.

أما الملازمة فلأن مناط الابتداع حينئذ على إحداث الطرائق الدينية عبادة كانت أو عادة، وهذه المذكورات كذلك. وأما بطلان التالي فلوجهين:

الأول: أنه لو عدت هذه المذكورات من البدع لكان كل من تلبس بشيء منها مخالفاً لما كان عليه الصدر الأول وهو موجب للذم، وهذا من الشناعة بمكان. فإن العادات من الأمور التي تدور مع الأزمنة والأمكنة، فللناس في كل زمان وفي كل مكان عادات مختلفة، وهم مع كل هذه العادات – حيث حوفظ فيها على القوانين الشرعية الجارية على مقتضى الكتاب والسنة – على تمام الموافقة للصدر الفاضل.

الثاني: إن عدّ هذه بدعاً يؤدي إلى نسبة الحرج والتضييق إلى الشريعة، فإن في التزام الزي الواحد، والحالة الواحدة، والعادة الواحدة تعباً ومشقة قضت به الشريعة، وإنما كان الالتزام كذلك لاختلاف الأخلاق والأزمنة والبقاع والأحوال (3).

(1)((العبودية)) لابن تيمية (ص: 38).

(2)

((الاعتصام)) للشاطبي (2/ 73) بتصرف.

(3)

((الابداع في مضار الابتداع)) لعلي محفوظ (ص: 64).

ص: 493

فإن قال قائل إنه قد جدت بدع في العاديات، نحو المكوس والمظالم المحدثة، وتقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية، وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة، واتخاذ المناخل، وغسل الأيدي بالصابون، ولبس الطيالس، وتوسيع الأكمام وأشباه ذلك من الأمور التي لم تكن في الزمن الفاضل، ولم يفعلها السلف الصالح فإنها أمور جرت في الناس وكثر العمل بها وشاعت وذاعت، فلحقت بالبدع، وصارت كالعبادات المخترعة الجارية في الأمة فقد رده أرباب الطريقة الأولى. قالوا لا نسلم أن هذه المذكورات مما وقع فيه الابتداع لأنها مخالفات للشرع، ومعاصي في الجملة، وليس كل معصية بدعة، سلمنا وقوع الابتداع فيها، لكن لا من حيث كونها عادية، بل من حيث كونها تعبدية. قال في الاعتصام ما محصله: ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادي من شائبة التعبد، لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، فالطهارات، والصلوات، والصيام والحج كلها تعبديات، والبيع، والنكاح، والشراء، والطلاق، والإجارات، والجنايات كلها عاديات لأن أحكامها معقولة المعنى، ولابد فيها من التعبد، إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها. فالقسمان مشتركان في معنى التعبد، والابتداع إنما يتصور دخوله في القسم الثاني من جهة التعبد فيه لا من جهة كونه عادة.

فمثل المكوس إذا نظر إليها من جهة كونها عادة، أي أنها ظلم كسائر المظالم. مثل الغصب والسرقة، وقطع الطريق، فلا يدخلها الابتداع إذ هي من هذه الجهة مما يتناولها نهي الشارع عن أكل أموال الناس بالباطل، وليس فيها جهة تشريع، وإنما يتصور دخول الابتداع في المكوس إذا لوحظت من جهة أنها وضعت على الناس كالدين الموضوع، والأمر المحتوم عليهم دائماً، أو في أوقات محدودة، على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي تحمل عليه العامة، ويؤخذون به، وتوجب على الممتنع منه العقوبة، كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك. فإنها من هذه الجهة تكون شرعاً مستدركاً، إذ هي حينئذ تشريع زائد، وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة، والديات المضروبة، والغرامات المحكوم بها في الأموال.

ففي المكوس على هذا الفرض جهتان: كونها محرمة كسائر أنواع الظلم، وجهة كونها اختراعاً لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت، كما يؤخذون بسائر التكاليف، فاجتمع فيها نهيان: نهي عن المعصية، ونهي عن البدعة، وليس ذلك موجوداً في البدع العبادية. وإنما يوجد فيها النهي من جهة كونها تشريعاً موضوعاً على الناس، أمر وجوب أو ندب. إذ ليس فيها جهة أخرى تكون بها معصية، بل التشريع نفسه هو الممنوع نفسه، فالعاديات من حيث هي عاديات لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبد بها، أو توضع وضع التعبد تدخلها البدعة، وكذا تقديم الجهال على العلماء، وتولية المناصب الشريفة من لا يصلح لها بطريق التوارث هو من هذا القبيل. فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتياً في الدين، أو حاكماً في الدماء، والأبضاع، والأموال مثلاً محرم في الدين، وكون ذلك يتخذ ديدناً حتى يصير الابن مستحقاً لرتبة الأب بطريق الوراثة وإن لم يبلغ رتبة الأب في ذلك المنصب بحيث يشيع ذلك العمل ويطرد ويعده الناس كالشرع الذي لا يخالف فهو بدعة بلا إشكال.

ص: 494

وأما اتخاذ المناخل. فإن فرض كونه مباحاً كما قالوا فإنما إباحته بدليل شرعي فلا ابتداع، وإن فرض كونه مكروهاً كما أشار إليه محمد بن أسلم فوجه الكراهة عنده كونها عدت في الأثر الآتي من المحدثات. والظاهر أن الكراهة من ناحية السرف والتنعم الذي أشار إلى كراهته قوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا

[الأحقاف: 20]. لا من جهة أنه بدعة محدثة، وكذا يقال في باقي الأمثلة.

وجملة القول أن الابتداع إن دخل في الأمور العادية فهو لما فيها من معنى التعبد، فرجع الأمر إلى أن الابتداع المذموم لا يكون في العادي المحض، كالمخترعات في أمور الدنيا التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وترقى برقى الأمم والشعوب.

ولما كانت بذلك لا يمكن للناس حصر جزئياتها، ويعسر عليهم أن يتقيدوا بجزئيات مخصوصة منها ترك الشارع التصرف لكل أمة تدير شؤونها بما يوافق زمانها، وجاءهم بقواعد كلية تنطبق على كل أمة، وتصلح لكل زمان، فجعل العدل أساس الأعمال. واتقاء الشر مقدماً في أي حال من الأحوال، فمتى كان ذلك قصد الناس في أمورهم الدنيوية فليخترعوا ما شاءوا من الطرق النافعة، وليبتدعوا ما أرادوا من الحيل والأساليب الصحيحة، فإنه لا حجر في ذلك. أما إذا جاوز المخترعون العدل باختراعهم. وانصرفوا إلى الشر والإفساد في ابتداعهم، فتلك سنة سيئة ((ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها)) (1).

ومما تقدم من الكلام على حكم الابتداع في نحو لبس الثياب، والأكل، والشرب، والمشي، والنوم، يتضح أن هذه أمور عادية، وقد دخلها التعبد، وقيدها الشارع بأمور لا خيرة فيها كنهي اللابس عن إطالة الثوب، وطلب التسمية عند الأكل والشرب، والنهي عن الإسراف فيهما، والنهي عن النوم عارياً على سطح ليس ستر، إلى غير ذلك من القيود التي قيد بها الشارع، فالأمور المذكورة عادية، ومن هذه الجهة لا يدخلها الابتداع، وإنما من الجهة التي رسمها الشارع فيها. فإذا خولف بها الوجه المشروع، واعتبر ذلك ديناً يتقرب به إلى الله تعالى كانت بدعاً، بل هي معصية وابتداع باعتبارين كما سبق في وضع المكوس. فهي باعتبار مخالفتها الأمر والنهي عصيان، ومن حيث التقرب بها إلى الله تعالى من الجهة المضادة للطريق التي رسمها تكون مذمومة. تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار لصالح بن سعد السحيمي – ص 106

(1) رواه مسلم (1017) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

ص: 495