المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

الحديث الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) (1).

يقول النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث العظيم: (وأما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده، وهو اتباع كتابه العزيز، وحدوده والتأدب بأدبه. والحبل يطلق على العهد، وعلى الأمان، وعلى الوصلة، وعلى السبب، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم، ويوصلون بها المتفرق، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تفرقوا)) فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتآلف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام) (2).

لقد اعتبر النووي رحمه الله لزوم جماعة المسلمين وتآلف المسلمين فيما بينهم إحدى قواعد الإسلام، وهذه القاعدة التي يؤصلها النووي بناء على ما جاء في الحديث الصحيح، هي قول علماء السلف قاطبة، وسيأتي ذكر بعض النقولات عنهم مما يبين ذلك ويؤكده.

الحديث الثاني:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((نضر الله عبداً سمع مقالتي هذه فحملها، فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم، إخلاص العمل لله عز وجل، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) (3).

الحديث الثالث:

خطب عمر رضي الله عنه بالشام فقال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقامي فيكم. فقال: استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين لونهم، ثم يفشوا الكذب حتى يعجل الرجل بالشهادة قبل أن يسألها، وباليمين قبل أن يسألها، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد، فمن سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن)) (4).

ففي هذين الحديثين الأمر الصريح بلزوم جماعة المسلمين، ولقد وقفت على كلام نفيس للإمام الشافعي رحمه الله يبين فيه معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بلزوم جماعة المسلمين. فبعد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله لحديث عمر السابق قال:

(قال: فما معنى أمر النبي بلزوم جماعتهم؟

- قلت: لا معنى له إلا واحد.

- قال: فكيف لا يحتمل إلا واحداً؟

- قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما.

(1) رواه مسلم (1715).

(2)

((صحيح مسلم بشرح النووي)) (12/ 11).

(3)

[14865])) رواه ابن ماجه (194)، أحمد (3/ 225)(13374)، والطبراني (9/ 170) (9444). قال الجورقاني في ((الأباطيل والمناكير)) (1/ 236): مشهور حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

(4)

رواه الترمذي (2165)، وأحمد (1/ 18)(114)، والحاكم (1/ 198). قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 26): حسن صحيح، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/ 401): له طرق وهو حديث مشهور جداً، وصحح إسناده ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (5/ 388).

ص: 443

1320 -

ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها) (1).

ونستخلص من كلام الشافعي رحمه الله أن المقصود بلزوم جماعة المسلمين أن يتحقق في الشخص أمران:

الأول:

أن يتبع ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم. وهذا خاص بأمر الأحكام والمعاملات.

الثاني:

أن يقول بما تقول به جماعتهم. وهذا خاص بأمر الاعتقاد. والله أعلم.

والمقصود هنا الكلام على المراد بمعنى لزوم جماعة المسلمين. أما من هي الجماعة المراد لزومها فسيأتي له مزيد بيان وتفصيل في الفصل القادم من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

الحديث الرابع:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.

قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي – تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟

قال: نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا.

قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟

قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (2).

قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ((دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) (قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج، والقرامطة، وأصحاب المحنة، وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته وإن فسق، وعمل المعاصي)(3).

ونلاحظ أن النووي رحمه الله قد أورد هذا الحديث تحت باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة (4).

وقال ابن حجر رحمه الله في ثنايا شرحه لهذا الحديث: (قال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة الجور)(5).

ثم ذكر قول الطبري بأن الأمر هنا في الحديث للوجوب، وساق ما ذكره الطبري من أقوال في المراد بالجماعة، إلى أن قال:(قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحداً في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر)(6).

ويتبين لنا من كلام العلماء في شرحهم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أمور:

الأول: وجوب ملازمة جماعة المسلمين.

الثاني: عدم الخروج على أئمة الجور.

الثالث: اعتزال الفرق عندما لا يكون للمسلمين إمام ولا جماعة.

الحديث الخامس:

(1)((الرسالة)) للإمام الشافعي بتحقيق أحمد شاكر (ص: 474 - 476).

(2)

رواه البخاري (3606)، ومسلم (1847).

(3)

((صحيح مسلم بشرح البخاري)) (12/ 237).

(4)

((صحيح مسلم بشرح البخاري)) (12/ 237).

(5)

((فتح الباري)) (13/ 37) ط دار الفكر.

(6)

((فتح الباري)) (13/ 37) ط دار الفكر.

ص: 444

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ إلى النار)) (1).

الحديث السادس:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبداً – قال- يد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذَّ شذَّ في النار)) (2).

الحديث السابع:

عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((يد الله على الجماعة، فإذا شذَّ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم)) (3).

الحديث الثامن:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) (4).

الحديث التاسع:

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:((اثنان خير من واحد، وثلاث خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة فإن الله عز وجل لن يجمع أمتي إلا على هدى)) (5).

الحديث العاشر:

عن كعب بن عاصم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:((إن الله تعالى قد أجار لي على أمتي من ثلاث: لا يجوعوا، ولا يجتمعوا على ضلالة، ولا يستباح بيضة المسلمين)) (6).

نلاحظ أن الأحاديث الستة السابقة متقاربة الألفاظ، وقد جعلت التعليق عليها جميعها بعد سردها لهذا السبب، وهي تدل على أمور منها:

الأول:

أنَّ أمة الإسلام لا تجتمع على ضلالة، والمراد هنا هو إجماع العلماء خاصة.

يقول المباركفوري رحمه الله عند شرحه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق: (الحديث يدل على أن اجتماع المسلمين حق، والمراد إجماع العلماء، ولا عبرة بإجماع العوام لأنه لا يكون عن علم).

الثاني:

حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أمته على الجماعة، وعلى اعتبار أن المراد باجتماع الأمة هو إجماع العلماء، فإن العوام تبع لهم في ذلك، وعليهم متابعة العلماء، وعدم الخروج عما أجمعوا عليه من أمور الدين.

الثالث:

(1) رواه الترمذي (2166) مختصراً، والحاكم (1/ 202)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (702). قال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: لا أدعي صحته ولا أحكم بتوهينه بل يلزمني ذكره، وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 114): رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن ميمون فإنهما لم يخرجا له، وقد وقع لي من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري لكن موقوفاً، وحسنه السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (315).

(2)

[14874])) رواه الترمذي (2167)، والحاكم (1/ 200). قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 27): وإن لم يكن لفظه صحيحاً فإن معناه صحيح.

(3)

رواه الطبراني (1/ 186)(492). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 221): فيه عبد الأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف.

(4)

رواه ابن ماجه (788). قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (2/ 272)، وابن كثير في ((تحفة الطالب)) (ص: 122): إسناده ضعيف، وقال العراقي في ((تخريج مختصر المنهاج)) (ص: 49): فيه نظر.

(5)

رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على ((المسند)) (5/ 145)(21331). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 182): فيه البختري بن عبيد بن سلمان وهو ضعيف، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (1797): موضوع.

(6)

رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (ص: 92) وحسنه الألباني.

ص: 445

الوعيد الشديد لمن فارق الجماعة، ويفهم هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم:((ومن شذَّ شذَّ في النار)) (1).

الرابع:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) (2).

الخامس:

وفي الأحاديث بشرى لمن امتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن لزم الجماعة، ويفهم هذا من وجهين:

الوجه الأول:

بصريح العبارة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((يد الله مع الجماعة)) (3)

الوجه الثاني:

بمفهوم المخالفة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((ومن شذَّ شذَّ في النار)) (4). فدل هذا على أن من لزم الجماعة فهو في الجنة، وقد جاء التصريح بهذه البشرى في حديث عمر رضي الله عنه حيث جاء فيه:((من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)) (5).

الحديث الحادي عشر:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب)) (6).

وهذا الأمر العظيم الذي قرره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث الشريف هو من الأصول الإعتقادية لأهل السنة والجماعة، حيث أدرجه الإمام الطحاوي رحمه الله ضمن بيان عقيدة أهل السنة والجماعة بقوله:(ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً)(7).

الحديث الثاني عشر:

عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات

)). فذكر الحديث بطوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((وأنا آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع والطاعة، والهجرة والجهاد في سبيل الله، فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع)) (8).

(1)[14879])) رواه الترمذي (2167). وقال: غريب من هذا الوجه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 27): وإن لم يكن لفظه صحيحاً فإن معناه صحيح.

(2)

رواه ابن ماجه (788). قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (2/ 272)، وابن كثير في ((تحفة الطالب)) (ص: 122): إسناده ضعيف، وقال العراقي في ((تخريج مختصر المنهاج)) (ص: 49): فيه نظر.

(3)

[14881])) رواه الترمذي (2167). وقال: غريب من هذا الوجه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 27): وإن لم يكن لفظه صحيحاً فإن معناه صحيح.

(4)

[14882])) رواه الترمذي (2167). وقال: غريب من هذا الوجه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 27): وإن لم يكن لفظه صحيحاً فإن معناه صحيح.

(5)

رواه الترمذي (2165)، وأحمد (1/ 18)(114)، والحاكم (1/ 198). قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 26): حسن صحيح، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/ 401): له طرق وهو حديث مشهور جداً، وصحح إسناده ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (5/ 388).

(6)

رواه عبد الله بن أحمد فى زوائد المسند (4/ 375)(19370)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) (5/ 220)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (6/ 516)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 103). وقال: إسناده لا بأس به، وحسنه ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 332)، وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني ورجالهما ثقات.

(7)

انظر ((متن الطحاوية)) (ص: 15) فقرة 102 ط المكتب الإسلامي، و ((شرح الطحاوية)) (ص: 512) ط 8 المكتب الإسلامي.

(8)

رواه الترمذي (2863)، وأحمد (4/ 130)(17209)، وابن حبان (14/ 124)(6233)، والحاكم (1/ 582). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (5/ 304): حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (8/ 6).

ص: 446

فالأمر بالجماعة والائتلاف هو أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، وأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمته، والأمر للوجوب كما هو معلوم ومقرر في علم الأصول، وعلى قدر امتثال المؤمنين لهذا الأمر تكون سعادتهم في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة.

وتوجد أحاديث أخرى في الباب تعاضد الأحاديث السابقة وتدل إجمالاً على ما دلت عليه.

فمنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) (1).

ومنها حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (2).

ومن الأحاديث التي رويت مرفوعة بسند ضعيف وصحت موقوفة على ابن مسعود رضي الله عنه ما رواه اللالكائي بسنده عن ثابت بن قطبة قال: (سمعت ابن مسعود وهو يخطب. وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة)(3). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق لجمال بن أحمد بادي – ص: 65

(1) رواه البخاري (481)، ومسلم (2585).

(2)

رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586).

(3)

رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/ 108)، ورواه الطبراني (9/ 198)(8971)، والحاكم (4/ 598). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 331): رواه الطبراني بأسانيد وفيه مجالد وقد وثق وفيه خلاف وبقية رجال إحدى الطرق ثقات.

ص: 447