المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: أهداف الشيطان - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

الهدف البعيد:

هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية الأمر، هو أن يلقى الإنسان في الجحيم، ويحرمه الجنة، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

الأهداف القريبة

ذلك هو هدف الشيطان البعيد، أما الأهداف فهي:

1 -

إيقاع العباد في الشرك والكفر:

وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله والكفر بالله وشريعته: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر: 16].

وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته:((يا أيها الناس، إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا، إن كل ما منحته عبدي فهو له حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)) (1).

2 -

إذا لم يستطع تكفيرهم فيوقعهم في الذنوب:

فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر، فإنه لا ييئس، ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب والمعاصي، وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم، ففي سنن الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن:((ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم، فيرضى بها)) (2). وفي صحيح البخاري وغيره: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) (3). أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم، وإغراء بعضهم ببعض، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة: 91].

وهو يأمر بكل شر إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169].

وخلاصة الأمر فكل عبادة محبوبة لله فهي بغيضة إلى الشيطان، وكل معصية مكروهة للرحمن فهي محبوبة للشيطان.

3 -

صده العباد عن طاعة الله:

(1) رواه مسلم (2865).

(2)

رواه الترمذي (3087)، وابن ماجه (2497)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 444) (4100). من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

(3)

رواه مسلم (2812) من حديث جابر رضي الله عنه. ولم أجده في البخاري.

ص: 402

وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي بل يصدهم عن فعل الخير، فلا يترك سبيلاً من سبل الخير يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه، يصدهم ويميل بهم، ففي الحديث:((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (الطول: الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه، ويرعى ولا يذهب لوجهه). فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟! قال: فعصاه فجاهد: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخل الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخل الجنة)) (1).

ومصداق ذلك في كتاب الله ما حكاه الله عن الشيطان أنه قال لرب العزة: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16 - 17].

وقوله لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ: أي على صراطك، فهو منصوب بنزع الخافض أوهو منصوب بفعل مضمر، أي لألزمن صراطك، أو لأرصدنه، أو لأعوجنه.

وعبارات السلف في تفسير الصراط متقاربة، فقد فسره ابن عباس بأنه الدين الواضح، وابن مسعود بأنه كتاب الله، وقال جابر:(هو الإسلام)، وقال مجاهد:(هو الحق)(2).

فالشيطان لا يدع سبيلاً من سبل الخير إلا قعد فيه يصد الناس عنه.

4 -

إفساد الطاعات:

إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات، فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة، كي يحرمهم الأجر والثواب، فقد جاء أحد الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: ((إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها عليَّ.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه. واتفل على يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني)) (3).

فإذا دخل العبد في صلاته أجلب عليه الشيطان يوسوس له، ويشغله عن طاعة الله، ويذكره بأمور الدنيا، ففي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة، أحال له ضراط، حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة، ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس)) (4).

وفي رواية: ((فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى)) (5). عالم الجن والشياطين لعمر سليمان الأشقر – ص: 55

5 -

الإيذاء البدني والنفسي:

كما يهدف الشيطان إلى إضلال الإنسان بالكفر والذنوب، فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه، ونحن نسوق بعض ما نعرفه من هذا الإيذاء.

أ- مهاجمة الرسول صلى الله عليه وسلم:

(1) رواه النسائي (6/ 21)، وأحمد (3/ 483)(16000)، وابن حبان (10/ 453)(4593)، والطبراني (7/ 117)(6558)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/ 21) (4246). من حديث سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه. قال ابن حجر في ((الإصابة)) (2/ 14): إسناده حسن إلا أن في إسناده اختلاف، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).

(2)

رواه الطبري في تفسيره (12/ 336).

(3)

رواه مسلم (2203). من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.

(4)

رواه مسلم (389). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

رواه البخاري (608)، ومسلم (389). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 403

وذلك كما في الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له، ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ب – الحلم من الشيطان:

للشيطان القدرة على أن يرى الإنسان في منامه أحلاماً تزعجه وتضايقه بهدف إحزانه وإيلامه.

فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلاثة: رؤيا من الرحمن، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا حديث نفس (1) وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره)) (2).

ج- إحراق المنازل بالنار:

وذلك بواسطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك، ففي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان بإسناد صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه الفأرة على هذا السراج فيحرقكم)) (3).

د- تخبط الشيطان للإنسان عند الموت:

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من التردي، والهدم، والغرق، والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً)) (4).

هـ- إيذاؤه الوليد حين يولد:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها)) (5). وفي صحيح البخاري: ((كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب)) (6). وفي البخاري أيضاً: ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها)) (7). والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة الله دعاء أم مريم حين ولدتها: وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 36].

فلما كانت صادقة في طلبها استجاب الله لها فأجار مريم وابنها من الشيطان الرجيم، وممن أجاره الله أيضاً عمار بن ياسر، ففي صحيح البخاري أن أبا الدرداء قال:(أفيكم الذي أجاره الشيطان على لسان نبيه، قال المغيرة: الذي أجاره الشيطان على لسان نبيه يعني عماراً)(8).

ومرض الطاعون من الجن:

(1) الحديث رواه البخاري (7017)، ومسلم (2263). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري (7045). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

رواه أبو داود (5247)، وابن حبان (12/ 327)(5519). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (3/ 540): رجاله رجال مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 191) كما قال ذلك في المقدمة.

(4)

رواه أبو داود (1552)، والنسائي (8/ 283)، وأحمد (3/ 427)(15562). من حديث أبي اليسر رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن حجر في ((بذل الماعون)) (ص: 199): ثابت، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

(5)

رواه البخاري (4548)، ومسلم (2366). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

رواه البخاري (3286). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

رواه البخاري (3431). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(8)

رواه البخاري (3287). من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

ص: 404

أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن فناء أمته ((بالطعن والطاعون؛ وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة)) (1).

وفي مستدرك الحاكم: ((الطاعون وخز أعدائكم من الجن، وهو له شهادة)) (2).

ولعل ما أصاب نبي الله أيوب كان بسبب الجن كما قال: وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص: 41].

ز- بعض الأمراض الأخرى:

قال صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة: ((إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان)) (3).

ح – مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومساكنهم:

ومن الأذى الذي يجلبه الشيطان للإنسان أنه يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما، ويشركه في المبيت في منزله، يكون ذلك منه إذا خالف العبد هدى الرحمن، أو غفل عن ذكره، أما إذا كان ملتزماً بالهدى الذي هدانا الله إليه، لا يغفل عن ذكر الله، فإن الشيطان لا يجد سبيلاً إلى أموالنا وبيوتنا. فالشيطان لا يستحل الطعام إلا إذا تناول منه أحد بدون أن يسمي، فإذا ذكر اسم الله عليه، فإنه يحرم على الشيطان، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال:((كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعاماً. فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده. والذي نفسي بيده! إن يده في يدي مع يدها)) (4).

وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلاق الأبواب، وتخمير الآنية، وذكر اسم الله، فإن ذلك حرز لها من الشيطان، يقول صلى الله عليه وسلم:((أغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم)) (5).

(1) رواه أحمد (4/ 395)(19546) والبزار (8/ 16)، وأبو يعلى (13/ 194)(7226)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 367)(3422). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 293)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/ 314): رواه أحمد بأسانيد أحدها صحيح، وحسنه ابن حجر في ((بذل الماعون)) (53).

(2)

رواه الحاكم (1/ 114). وقال: صحيح على شرط مسلم.

(3)

رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، وأحمد (6/ 439)(27514)، والحاكم (1/ 279). من حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها. قال البخاري في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (1/ 237): حسن، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم:(له) شواهد، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 422).

(4)

رواه مسلم (2017).

(5)

رواه البخاري (5623)، ومسلم (2012). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

ص: 405

ويأكل الشيطان ويشرب مع الإنسان إذا أكل أو شرب بشماله، وكذلك إذا شرب واقفاً، ففي مسند أحمد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من أكل بشماله أكل معه الشيطان، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان)) (1).

وفي المسند أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: قه، قال: لم؟ قال: أيسرك أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: فإنه قد شرب معك من هو شر منه، الشيطان)) (2).

وكي تطرد الشياطين من المنزل لا تنس أن تذكر اسم الله عند دخول المنزل، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، حيث يقول:((إذا دخل الرجل بيته، فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء)) (3). عالم الجن والشياطين لعمر سليمان الأشقر بتصرف – ص: 59

والشيء الذي نخلص إليه أن الشيطان يأمر بكل شر، ويحث عليه، وينهي عن كل خير، ويخوف منه؛ كي يرتكب الأول، ويترك الثاني. كما قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268]. وتخويفه إيانا الفقر بأن يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم، والفحشاء التي يأمرنا بها: هي كل فعلة فاحشة خبيثة من البخل والزنا وغير ذلك. عالم الجن والشياطين لعمر سليمان الأشقر – ص: 58

(1) رواه أحمد (6/ 77)(24523)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1/ 96) (292). قال الهيثمي (5/ 28): رواه أحمد والطبراني في ((الأوسط)) وفي إسناد أحمد رشدين بن سعد وهو ضعيف وقد وثق وفي الآخر ابن لهيعة وحديثه حسن، وحسن إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (9/ 433)، والعيني في ((عمدة القاري)) (21/ 44).

(2)

رواه أحمد (2/ 301)(7990)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/ 109) (5981). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 82): رجاله ثقات، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 85): صحيح بمجموع طرقه، وقال السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (1/ 224): رجاله ثقات.

(3)

رواه مسلم (2018). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

ص: 406