المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

البدعة من حيث قيل فيها: إنَّها طريقة في الدين مخترعة ـ إلى آخره ـ يدخل في عموم لفظها البدعة التَّرْكِيَّةُ، كما يدخل فيه البدعة غير التَّرْكِيَّةِ فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريماً للمتروك أو غير تحريم، فإنَّ الفعل ـ مثلاً ـ قد يكون حلالاً بالشرع فيحرمه الإنسان على نفسه أو يقصد تركه قصداً.

فبهذا التَّرْك إما أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعاً أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه، إذ معناه أنَّه ترك ما يجوز تركه أو ما يُطْلب تركُه، كالذي يُحَرِّم على نفسه الطعام الفلاني من جهة أنَّه يضره في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من الترك: بل إن قلنا بطلب التداوي للمريض فإنَّ الترك هنا مطلوب، وإن قلنا بإباحة التداوي، فالترك مباح.

وكذلك إذا ترك ما لا بأس به، حذراً مما به البأس فذلك من أوصاف المتقين، وكتارك المتشابه، حذراً من الوقوع في الحرام، واستبراءً للدِّين والعِرض.

وإن كان الترك لغير ذلك، فإما أن يكون تديناً أو لا، فإن لم يكن تديناً فالتارك عابث بتحريمه الفعل أو بعزيمته على الترك. ولا يسمى هذا الترك بدعة إذ لا يدخل تحت لفظ الحد إلا على الطريقة الثانية القائلة: إنَّ البدعة تدخل في العادات. وأمَّا على الطريقة الأُولى فلا يدخل. لكن هذا التارك يصير عاصياً بتركه أو باعتقاده التحريم فيما أحلَّ الله.

وأمَّا إن كان الترك تديناً فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين، إذ قد فرضنا الفعل جائزاً شرعاً فصار الترك المقصود معارضة للشارع.

لأنَّ بعض الصحابة همَّ أن يُحرِّم على نفسه النوم بالليل، وآخر الأكل بالنهار، وآخر إتيان النساء، وبعضهم هَمَّ بالاختصاء، مبالغةً في ترك شأْن النساء. وفي أمثال ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من رغب عن سنتي فليس مني)) (1).

فإذاً كلُّ من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي فهو خارجٌ عن سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، والعامل بغير السُّنَّةِ تديناً، هو المبتدع بعينه.

(فإن قيل) فتارك المطلوبات الشرعية نَدْباً أو وجوباً، هل يسمى مبتدعاً أم لا؟

(فالجواب) أنَّ التارك للمطلوبات على ضربين:

(أحدهما) أن يتركها لغير التدين إما كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية. فهذا الضرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية وإن كان في ندب فليس بمعصية، إذا كان الترك جزئياً، وإن كان كلياً فمعصية حسبما تبين في الأُصول.

(الثاني) أن يتركها تديناً. فهذا الضرب من قبيل البدع حيث تدين بضد ما شرع الله.

فإذاً قوله في الحد: طريقة مخترعة تضاهي الشرعية يشمل البدعة التركية، كما يشمل غيرها، لأنَّ الطريقة الشرعية أيضاً تنقسم إلى ترك وغيره.

وسواءٌ علينا قلنا: إنَّ الترك فعل أم قلنا: إنَّه نفي الفعل.

وكما يشمل الحدُّ الترك يشمل أيضاً ضد ذلك.

وهو ثلاثة أقسام:

قسم الاعتقاد، وقسم القول، وقسم الفعل، فالجميع أربعة أقسام.

وبالجملة، فكل ما يتعلق به الخطاب الشرعي، يتعلق به الابتداع (2). مختصر كتاب الإعتصام للشاطبي لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص 11

(1) رواه البخاري (5063) ، ومسلم (1401). من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

[15040])) ((الاعتصام)) للشاطبي (1/ 42 - 45).

ص: 484

فالبدعة تنقسم باعتبار فعلها إلى فعلية، وتركية، فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريماً للمتروك أو غير تحريم. فإن الفعل مثلاً قد يكون حلالاً بالشرع، فيحرمه الإنسان على نفسه بالحلف أو يتركه قصداً بغير حلف، فهذا الترك إما أن يكون لأم يعتبر مثله شرعاً أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حجر فيه، كالذي يمنع نفسه من الطعام الفلاني من أجل أنه يضره في جسمه، أو عقله، أو دينه وما أشبه ذلك. وكالذي يمنع نفسه من تناول اللحم لكونه مصاباً بمرض الكلى فإنه يهيجه عليه. فلا مانع من الترك. بل إن قلنا يطلب التداوي للمريض كان الترك هنا مطلوباً، فهذا راجع إلى العزم على الحمية من المضرات وأصله قوله عليه الصلاة والسلام:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) (1).

(1) رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 485

ذلك أن يكسر من شهوة الشباب حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العنت، وكذلك إذا ترك ما لا بأس به حذراً مما به البأس، كترك الاستمتاع بما فوق الإزار من الحائض خشية الإتيان. فذلك من أوصاف المتقين، وكترك المتشابه حذراً من الوقوع في الحرام، واستبراء للدين والعرض، كما إذا وجد في بيته طعاماً لا يدري أهو له أو لغيره، وكمن أراد أن يتزوج امرأة فأخبرته امرأة أنها أرضعتها ولا يعلم صدقها من كذبها، فإن ترك أزال عن نفسه الشك، وإن تزوجها فإن نفسه لا تطمئن إلى حلِّها. وإن كان الترك لغير ذلك فإما أن يكون تديناً أو لا، فإن لم يكن تديناً، فالتارك عابث بتحريمه الفعل، أو بعزيمته على الترك، ولا يسمى هذا الترك بدعة إلا على الرأي القائل: إن البدع تدخل في العادات، أما على الآخر فلا. لكن التارك يصير عاصياً بتركه، أو اعتقاده التحريم فيما أحل الله، وأما إن كان الترك تديناً فهو الابتداع في الدين على كلا الرأيين، إذ قد فرضنا الفعل جائزاً شرعاً فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع التحليل. كترك كثير من العباد والمتصوفة تناول الطيبات تنسكاً وتعبداً لله بتعذيب النفس وحرمانها. اتبعوا في هذا سنن من قبلهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع كعباد بني إسرائيل، ورهبان النصارى، وهؤلاء أخذوها عن بعض الوثنيين من البراهمة الذين يحرمون جميع اللحوم، ويزعمون أن النفس لا تزكو ولا تكمل إلا بحرمان الجسد من اللذات، وقهر الإرادة بمشاق الرياضات، وكترك أهل الأستانة أكل لحم الحمام فهو يفرخ في مساجدهم وبيوتهم ولا يأكل أحد منه شيئاً، بل يتحرجون من أكله وينكرونه، فإن كان تركهم له تديناً لاعتقادهم حرمته فهو بدعة تركية وإلا فلا، مع عصيانهم باعتقاد التحريم فيما أحل لهم، وفي نحوهم نزل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87]. فنهى أولاً عن تحريم الحلال، وأشعر ثانياً بأن ذلك اعتداء، وأن من اعتدى لا يحبه الله. لأن بعض الصحابة أراد أن يحرم على نفسه النوم بالليل، وآخر الأكل بالنهار، وآخر أكل اللحم، وآخر إتيان النساء، وبعضهم همَّ بالاختصاء مبالغة في قطع الميل إلى النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((ما بال أقوام يقول أحدهم: كذا وكذا؟ لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) متفق عليه من حديث أنس (1). فإذا كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنة النبي صلوات الله وسلامه عليه. والعامل بغير السنة تديناً هو المبتدع بعينه، وكذلك ترك المطلوبات الشرعية وجوباً أو ندباً يسمى بدعة إن كان الترك تديناً. لأنه تدين بضد ما شرع الله. أما تركها كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية فهو راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في اجب فمعصية وإلا فلا.

مثال الترك تديناً أهل الإباحة القائلون بإسقاط التكليف إذا بلغ السالك عندهم المبلغ الذي حددوه، وذلك هو الضلال البعيد. فإن الله جلت حكمته كلف عباده كافة بما شاء، ولا يسقط التكليف إلا بزوال العقل، فلو بلغ المكلف من مراتب الكمال ما بلغ بقي التكليف عليه إلى الموت، ولم يبلغ أحد من الكمال مرتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرتبة أصحابه الأطهار الأخيار، ولم يسقط عنهم من التكليف مثقال ذرة، إلا ما لا طاقة له به، كالزَّمِنِ لا يطالب بالجهاد، والمقعد لا يطالب بالصلاة قائماً، والحائض لا تطالب بالصلاة حال الحيض، وما إلى ذلك من الأعذار، فمن زعم أن التكليف قد يرفعه البلوغ إلى مرتبة ما من مراتب الكمال كما يزعمه أهل الإباحة كان اعتقاده هذا بدعة مخرجة من الدين نعوذ بالله من الضلال. وبعض الروافض الذين يدينون بشهادة الزور لموافقيهم في العقيدة إذا حلف على صدق دعواه (2).

أما عن البدعة الفعلية فهي كثيرة، ومنها اختراع أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزيادة في شرع الله ما ليس منه، كمن يزيد في الصلاة ركعة، أو يزيد في وقت الصيام المحدد من اليوم، أو يصلي في أوقات النهي عن الصلاة، أو يصوم في أوقات النهي عن الصيام، أو يدخل في الدين ما ليس منه من الآراء أو الأفعال (3). تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار لصالح بن سعد السحيمي – ص 97

(1) رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401).

(2)

((الإبداع في مضار الابتداع)) لعلي محفوظ (51 - 53).

(3)

((البدعة)) لعزت عطية (357 - 358).

ص: 486