المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

البدعة لا يُقْبَلُ معها عمل:

كبدعة القدرية حيث قال فيها عبدالله بن عمر رضي الله عنه: (إذا لقيت أُولئك فأخبرهم أنِّي بريءٌ منهم، وأنَّهم بُرَءَاءُ مني، فوالذي يحلف به عبدالله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أُحُدٍ ذهباً فأنفقه ما تَقَبَّله الله منه حتى يؤمن بالقدر)(1).

ومثله حديث الخوارج وقوله فيه: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية - بعد قوله - تَحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم)) الحديث (2).

وإذا ثبت في بعضهم هذا لأجل بدعته فكل مبتدع يُخاف عليه مثل من ذُكِر، فإنَّ كون المبتدع لا يقبل منه عمل، إما أن يراد أنَّه لا يُقبل له بإطلاق على أي وجه وقع، من وِفاق سنة أو خلافِها، وإما أن (يراد) أنَّه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه.

فأمَّا الأوَّل: فيمكن على أحد أوجهٍ ثلاثة:

1 -

أن يكون على ظاهره من أنَّ كلَّ مبتدع أي بدعة كانت؛ فأعماله لا تقبل معها - داخلتها تلك البدعة أم لا-.

2 -

أن تكون بدعته أصلاً يتفرع عليه سائر الأعمال، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإنَّ عامة التكليف مبنيٌ عليه، لأنَّ الأمر إنَّما يَرِد على المُكلَّف من كتاب الله أو من سنة رسوله. وما تَفَرَّع منهما راجع إليهما.

3 -

أنَّ صاحب البدعة في بعض الأُمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصيِّر اعتقاده في الشريعة ضعيفاً، وذلك يبطل عليه جميع عمله. بيان ذلك أمثلة:

- منها أن يُشْرِكَ العقلَ مع الشرع في التشريع، وإنَّما يأتي الشرع كاشفاً لما اقتضاه العقل، فيا ليت شعري هل حكَّم هؤلاء في التعبد لله شَرْعَه أم عقولَهم؟ بل صار الشرع في نِحْلَتِهم كالتابع المعين لا حاكماً متبعاً، وهذا هو التشريع الذي لم يبق للشرع معه أصالة، فكلُ ما عمل هذا العامل مبنياً على ما اقتضاه عقله، وإن شَرَّك الشرع فعلى حكم الشركة لا على إفراد الشرع.

- ومنها أنَّ المستحسن للبدع يلزمه عادة أن يكون الشرع عنده لم يكمل بعدُ، فلا يكون لقوله تعالى: الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] معنى يعتبر به عندهم.

وأمَّا الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة فيظهر أيضاً، وعليه يَدُلُّ الحديث المتقدِّم ((كلُّ عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ)) (3) والجميع من قوله:((كل بدعة ضلالة)) (4). أي أنَّ صاحبها ليس على الصراط المستقيم، وهو معنى عدم القبول، وفاق قول الله: وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153]، وصاحبُ البدعة لا يقتصر في الغالب على الصلاة دون الصيام، ولا على الصيام دون الزكاة، ولا على الزكاة دون الحج، ولا على الحج دون الجهاد، إلى غير ذلك من الأعمال، لأنَّ الباعث له على ذلك حاضر معه في الجميع، وهو الهوى والجهل بشريعة الله.

(1)[15014])) رواه مسلم (8).

(2)

[15015])) رواه البخاري (5058)، ومسلم (1064). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (7350) كتاب: الاعتصام، باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ. ومسلم (1718)(18). من حديث عائشة رضي الله عنها.

(4)

[15017])) رواه مسلم (867). من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 476

صاحب البدعة تُنْزَع منه العصمة ويوكل إلى نفسه، فإنَّ الله تعالى بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين حسبما أخبر في كتابه، وقد كنا قبل طلوع ذلك النور الأعظم لا نهتدي سبيلاً، ولا نعرف من مصالحنا الدنيوية إلا قليلاً، ولا من مصالحنا الأُخروية قليلاً ولا كثيراً، حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم لزوال الريب والالتباس، وارتفاع الخلاف الواقع بين الناس، فإذا ترك المبتدع هذه الهبات العظيمة، والعطايا الجزيلة، وأخذ في استصلاح نفسه أو دنياه بنفسه بما لم يجعل الشرع عليه دليلاً، فكيف له بالعصمة والدخول تحت هذه الرحمة؟ وقد حل يده من حبل العصمة إلى تدبير نفسه، فهو حقيق بالبعد عن الرحمة. قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103]، بعد قوله: اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران: 102] فأشعرَ أنَّ الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقاً، وأنَّ ما سوى ذلك تفرقة، لقوله: وَلَا تَفَرَّقُوا والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة، لأنَّه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام.

الماشي إليه والموقِّر له مُعين على هدم الإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام:((من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) الحديث (1)

فإنَّ الإيواء بجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر لأنَّ المشي إليه والتوقير له تعظيم له لأجل بدعته والشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا، كالضرب والقتل، فصار توقيره صدوداً عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالاً على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه.

وأيضاً فإنَّ توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:

إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنَّه أفضل الناس، وأنَّ ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السُّنَّة على سنتهم.

والثانية: أنَّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المُحرِّض له على إنشاء الابتداع في كلِّ شيءٍ. فتحيا البدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه، وعلى ذلك دلَّ النقل عن السلف زيادة إلى صحة الاعتبار، لأنَّ الباطل إذا عُمِل به لزم ترك العمل بالحق كما في العكس، لأنَّ المحلَّ الواحد لا يشتغل إلا بأحد الضدين.

صاحبها ملعون على لسان الشريعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) (2) وعد من الإحداث، الاستنان بسنة سوء لم تكن.

يزداد من الله بعداً. لما رُوِيَ عن الحسن أنَّه قال: صاحب البدعة ما يزداد لله اجتهاداً، صياماً وصلاة، إلا ازداد من الله بعداً.

وعن أيوب السِّخْتِياني قال: (ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً)(3).

ويصحح هذا النقل ما أشار إليه الحديث الصحيح في قوله عليه الصلاة والسلام في الخوارج ((يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ـ إلى أن قال ـ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة)) (4) فبين أوَّلاً اجتهادهم ثم بيَّن آخراً بُعْدهُمْ من الله تعالى.

البدع مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام. لأنَّها تقتضي التفرق شِيَعاً.

(1)[15018])) رواه البخاري (1870) ومسلم (1370) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(2)

[15019])) رواه البخاري (1870) ومسلم (1370) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(3)

[15020])) رواه ابن وضاح في ((البدع والنهي عنها)) (ص: 16).

(4)

[15021])) رواه البخاري (3610)، ومسلم (1064). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 477

وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 103]، وقوله: إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ في شَيْءٍ [الأنعام: 159]، وما أشبه ذلك من الآيات في هذا المعنى.

وقد بيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّ فساد ذات البيْنِ هي الحالقة وأنَّها تحلق الدين، هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع.

وأوَّل شاهد عليه في الواقع قصة الخوارج إذ عادوا أهل الإسلام حتى صاروا يقتلونهم وَيَدَعُون الكفار. ثم يليهم كل من كان له صَوْلة منهم بقرب الملوك فإنَّهم تناولوا أهل السُّنَّةِ بكل نَكالٍ وعذاب وقتل.

ثم يليهم كل من ابتدع بدعة فإنَّ من شأْنهم أن يُثَبِّطوا الناس عن اتباع الشريعة ويذمونهم.

وأيضاً فإنَّ أهل السُّنَّةِ مأْمورون بعداوة أهل البدع وقد حذَّر العلماءُ من مصاحبتهم ومجالستهم، وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء. لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة مما أحدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين لا على التعادي مطلقاً. كيف ونحن مأْمورون بمعاداتهم وهم مأْمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة؟

وأما أنها مانعة من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لما في الصحيح قال: ((أوَّل من يُكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنَّه سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ـ إلى قوله ـ فيقال لم يزالوا مرتدين على أعقابهم)) الحديث (1)، ففيه أنَّه لم يذكر لهم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر من أوَّل الحديث أنَّ ذلك الارتداد لم يكن ارتداد كفرٍ لقوله:((وإنَّه سيؤتى برجال من أمتي)) ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لما نُسبوا إلى أُمته، ولأنَّه عليه السلام أتى بالآية وفيها: وَإنْ تَغْفِرْ لهُمْ فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]، ولو علم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهم خارجون عن الإسلام جملة لما ذكرها، لأنَّ من مات على الكفر لا غفران له البتة، وإنَّما يرجى الغفران لمن لم يخرجه عملُه عن الإسلام لقول الله تعالى: إنَّ الله لَا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 116].

وأمَّا أنَّ على مبتدعها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة؛ فلقوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل: 25] ولما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: ((من سَنَّ سنةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها)) الحديث (2).

وأمَّا أنَّ صاحبها ليس له من توبة فلما جاء من قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله حَجَرَ التوبة على كلِّ صاحب بدعة)) (3)

(1)[15022])) رواه البخاري (6526) ومسلم (2860) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

[15023])) رواه مسلم (1017) من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه.

(3)

[15024])) رواه أبو الشيخ في ((طبقات المحدثين بأصبهان)) (3/ 609)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (37)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/ 281)(4202)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 59)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (6/ 73) (2055). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي (10/ 192): رجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة، وحسن إسناده السفاريني في ((لوائح الأنوار السنية)) (1/ 203)، وصححه الألباني في كتاب ((السنة لابن أبي عاصم)).

ص: 478

ويدل على ذلك أيضاً حديث الفِرَق إذ قال فيه: ((وإنَّه سيخرج في أُمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواءُ، كما يتجارى الكَلَبُ (1) بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)) (2) وهذا النفي يقتضي العموم بإطلاق، ولكنه قد يحمل على العموم العادي، إذ لا يبعد أن يتوب عما رأى ويرجع إلى الحق، كما نُقِل عن عبدالله بن الحسن العنبري، وما نقلوه في مناظرة ابن عباس الحرورية الخارجين على عليّ رضي الله عنه، وفي مناظرة عمر بن عبد العزيز لبعضهم. ولكن الغالب في الواقع الإصرار.

ومن هنا قلنا: يبعد أن يتوب بعضهم لأنَّ الحديث يقتضي العموم بظاهره.

وسبب بعده عن التوبة: أنَّ الدخول تحت تكاليف الشريعة صعبٌ على النفس لأنَّه أمرٌ مخالف للهوى، وصادٌ عن سبيل الشهوات، فيثقل عليها جداً لأنَّ الحق ثقيل، والنفس إنَّما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنَّها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع، والمبتدع لا بد له من تعلُّقٍ بشبهةِ دليل ينسبها إلى الشارع، ويدَّعِي أنَّ ما ذكره هو مقصود الشارع، فصار هواه مقصوداً بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك وداعي الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به؟ وهو الدليل الشرعي في الجملة.

المبتدع يُلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى. لقوله تعالى: إنَّ الذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَينَالهُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ في الحياةِ الدُّنْيا وكذلِك نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152] قال الله تعالى: وَكذلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ فهو عموم فيهم وفيمن أشبههم، من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله حسبما أخبر في كتابه في قوله تعالى: قَدْ خَسِر الَّذِينَ قتَلُوا أولَادهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم وحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ الله افْتِراءً علَى الله [الأنعام: 140]

فإذاً كلُّ من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي في عِزِّهِ وجَبَرِيَّتِهِ فهم في أنفسهم أذلاء، وأيضاً فإنَّ الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال. ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك استخفى ببدعته وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التَّقِيَّة.

البعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم: لحديث البخاري عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((أنا على حوضي أنتظر من يرد عليَّ، فيؤخذ بناسٍ من دوني، فأقول: أمتي، فيقال: إنَّك لا تدري، مشوا القهقرى)) (3).

(1)[15025])) الكَلَبُ: داءٌ معروف يعرض للكلْب، فمن عضَّه قتله. انظر:((لسان العرب)) (14/ 139).

(2)

رواه أبو داود (4597) ، وأحمد (4/ 102)(16979) ، والحاكم (1/ 218)، والطبراني ((19/ 376). من حديث معاوية رضي الله عنه. قال الحاكم: هذه أسانيد تقام به الحجة في تصحيح هذا الحديث، وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 137): محفوظ من حديث صفوان بن عمرو، وقال الألباني في ((كتاب السنة)) (2): صحيح لغيره.

(3)

[15027])) رواه البخاري (7048) ومسلم (2293).

ص: 479

الخوف عليه من أن يكون كافراً. لأنَّ العلماء من السلف الأوَّل وغيرهم اختلفوا في تكفير كثير من فرقهم مثل الخوارج والقدرية وغيرهم، ودل على ذلك ظاهر قوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ [الأنعام: 159]، وقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106]. وقد حكم العلماءُ بكفر جملة منهم كالباطنية وسواهم، والعلماءُ إذا اختلفوا في أمر: هل هو كفر أم لا؟ فكل عاقل يربأُ بنفسه أن يُنسب إلى خطة خسف كهذه بحيث يقال له: إنَّ العلماءَ اختلفوا: هل أنت كافر أم ضال غير كافر؟ أو يقال: إنَّ جماعة من أهل العلم قالوا بكفرِك وأنت حلال الدم.

يُخافُ على صاحبها سوء الخاتمة والعياذ بالله. لأنَّ صاحبها مرتكبٌ إثماً، وعاصٍ لله تعالى حتماً، ومن مات مُصِرَّاً على المعصية فيخاف عليه.

لأنَّ المبتدع مع كونه مُصِرَّاً على ما نُهِيَ عنه يزيد على المُصِرِّ بأنه معارضٌ للشريعة بعقله، غير مُسَلِّمٍ لها في تحصيل أمرِه، معتقداً في المعصية أنها طاعة، حيث حسَّن ما قبَّحه الشارع، وفي الطاعة أنها لا تكون طاعة إلا بضميمة نظره، فهو قد قبَّح ما حسَّنه الشارع، ومن كان هكذا فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة إلا ما شاء الله.

اسوداد الوجه في الآخرة، لقوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجوهٌ [آل عمران: 106].

البراءَةُ منه في قوله: إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ [الأنعام: 159]

وقال ابن عمر رضي الله عنه في أهل القدر: (إذا لقيت أُولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم بُرَآءُ مني)(1).

والآثار في ذلك كثيرة. ويعضدها ما رُوِيَ عنه عليه السلام أنه قال: ((المرءُ على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) (2). ووجه ذلك ظاهر.

يخشى عليه الفتنة لما حكى عياض عن سفيان بن عيينة أنه قال: سألت مالكاً عمن أحرم من المدينة وراءَ الميقات؟ فقال: هذا مخالف لله ورسوله، أخشى عليه الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة. أما سمعت قوله تعالى: فلْيَحْذَرِ الَّذِين يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ [النور: 63]، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُهلَّ من المواقيت. مختصر كتاب الإعتصام للشاطبي لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص 29 بتصرف

(1)[15028])) رواه مسلم (8).

(2)

[15029])) رواه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وأحمد (2/ 334)(8398)، والحاكم (4/ 188). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (6/ 470): حسن غريب، وصحح إسناده النووي في ((رياض الصالحين)) (ص: 177).

ص: 480