الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: واجبات فرعية
بالإضافة إلى هذه الواجبات الرئيسة هناك بعض الواجبات اللازمة على الإِمام وإن لم يكن بعضها من الأهداف الرئيسة للإِمامة، وإنما هي وسائل إلى تحقيق هذه الأهداف، وبناء على القاعدة الأصولية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فهي واجبة على الإمام إذًا
…
ومن هذه الواجبات ما يلي:
أولاً: استيفاء الحقوق المالية لبيت المال وصرفها في مصارفها الشرعية:
من واجبات الإمام ومسؤولياته الجسام استيفاء الحقوق المالية أو الموارد أو كما يقول أبو يعلى: (جباية الفيء، والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا من غير عسف)(1) وكذلك المصروفات والنفقات والعطاءات، وعلى حدِّ قول القاضي أبي يعلى:(تقدير العطاء وما يستحق من بيت المال من غير سرف ولا تقصير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير)(2).
موارد بيت المال:
1 -
الزكاة:
وهي: الركن الثاني من أركان الإسلام، ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، تجب على كل مسلم ومسلمة مَلَكَ نصابًا وحال عليه الحول فيما يشترط فيه ذلك. وقد حدّدت الشريعة الإسلامية نصاب كل صنف من أصناف الأموال المزكَّاة.
وقد اتفق الصحابة على قتال مانعيها، وعلى هذا فمن أنكر وجوبها كفر، ومن منعها معتقدًا وجوبها وقدر الإمام على أخذها منه أخذها منه جبرًا وعزَّره على امتناعه، وإن كان خارجًا عن قبضة الإمام قاتله، كما فعل أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، وقال قولته المشهورة:(والله لو منعوني عقالاً - وفي رواية عناقًا - كانوا يُؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه)(3).
وهي ليست حقًا موكولاً للأفراد يؤديه منهم من شاء ويدعه من أراد، وإنما هي حق عام يتولاه الإمام وولاته فيقومون بجبايته ممن تجب عليه، ويصرفونه إلى من تجب له.
والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1 -
قول الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].
فالشاهد من الآية قوله: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا قال الفخر الرازي في تفسيره: (دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة يتولى أخذها وتفرقتها الإمام ومن يلي من قِبَله، والدليل عليه أن الله جعل للعاملين سهمًا فيها، وهذا يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل، والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات فدلّ هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ الزكوات)(4).
كما يدلّ ذلك أيضًا أن بعض المصارف المذكورة لا يمكن أن يصرفها إلا الإمام، مثل مصرف المؤلَّفة قلوبهم، فهذا لا يقوم به إلا الإمام، فدلّ على استحقاق دفعها إليه. ومثل إعداد العدَّة والعُدَدِ للجهاد في سبيل الله فلا يمكن تنظيم ذلك إلا بتصرف الإمام.
2 -
قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة: 103].
فالخطاب في قوله خُذْ للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يلي أمر المسلمين من بعده كما فهم الصحابة رضوان الله عليهم بذلك (5).
(1)[13110])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: 28).
(2)
[13111])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: 28).
(3)
[13112])) رواه البخاري (7284)، ومسلم (20). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
[13113])) ((التفسير الكبير)) للرازي (16/ 114).
(5)
[13114])) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 145).
3 -
ومنها ما رواه ابن عباس في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذًا إلى اليمن قال له: ((
…
أعْلِمْهُم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم
…
)) الحديث (1).
والشاهد من الحديث قوله: ((تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم)) فبين الحديث أن الشأن فيها أن يأخذها ويردها رادٌّ، لا أن تترك لاختيار من وجبت عليه (2).
قال الحافظ ابن حجر: (استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه وإما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه قهرًا)(3).
ومعروف في السيرة النبوية والتاريخ سعاة النبي صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم إلى الأمصار، وكذلك سار على نهجه خلفاؤه من بعد. وللصحابة فتاوى كثيرة في هذا الموضوع (4)، ولهذا قال العلماء: (يجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه فيه، ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ
…
) (5).
الحكمة في دفعها للإمام:
ولقيام الإمام بجمعها ثم توزيعها دون قيام المالك بتوزيعها بنفسه على مستحقيها حكم كثيرة منها:
1 -
أن كثيرًا من الأفراد قد تموت ضمائرهم أو يصيبها السقم والهزال فلا ضمان للفقير إذا ترك حقه لمثل هؤلاء.
2 -
في أخذ الفقير حقه من الحكومة لا من الغني نفسه حفظ لكرامته، وصيانة لماء وجهه أن يراق بالسؤال، ورعاية لمشاعره أن يجرحها المنُّ والأذى.
3 -
أن ترك الأمر للأفراد يجعل التوزيع فوضى فقد ينتبه أكثر من غني لإعطاء فقير واحد، على حين يغفل عن آخر لا يفطن له أحد، وربما كان أشدُّ فقرًا (6).
كل ما سبق يدل على أن على الإمام أن يطلب الزكاة ويجبيها من أصحابها، ثم يقوم بتوزيعها على مستحقيها الذين ذكرتهم الآية السابقة. وعلى الأمة أن تدفعها إليه أو إلى عماله الذين يرسلهم لجبايتها.
دفعها إلى أئمة الجور:
الواقع أننا عند استعراض الأدلة والفتاوى والنصوص الواردة في المسألة نجد منها ما يوجب الدفع ومنها ما يمنع ذلك، فلنستعرضها ونرى الراجح منها:
الأدلة الموجبة لدفع الزكاة لأئمة الجور:
1 -
عن جرير بن عبد الله قال: ((جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أناسًا من المصدقين (جباة الصدقة) يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضوا مصدقيكم)) (7).
2 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أدَّيت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ قال: نعم. إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله، ولك أجرها وإثمها على من بدَّلها)) (8).
3 -
كما يدلّ على ذلك فتاوى الصحابة والتابعين، وكلام الفقهاء من ذلك:
(1) رواه البخاري (1496)، ومسلم (19)(29).
(2)
[13116])) ((فقه الزكاة)) للقرضاوي (2/ 749).
(3)
[13117])) ((فتح الباري)) (3/ 360).
(4)
[13118])) انظر: ((فقه الزكاة)) للقرضاوي (2/ 754).
(5)
[13119])) ((المجموع)) (6/ 167) و ((روضة الطالبين)) النووي (2/ 210).
(6)
[13120])) انظر: ((فقه الزكاة)) للقرضاوي (2/ 756).
(7)
[13121])) رواه مسلم (989).
(8)
[13122])) رواه أحمد (3/ 136)(12417)، والطبراني في ((الأوسط)) (8/ 338) (8802). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 66): رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (41): رجاله رجال الصحيح، ولكن في ((تهذيب التهذيب)) أن رواية سعيد بن أبي هلال عن أنس مرسلة.
أ- ما روي عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال: (اجتمع عندي نفقة فيها صدقة - يعني بلغت نصاب الزكاة - فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري أن أقسمها أو أدفعها إلى السلطان؟ فأمروني جميعًا أن أدفعها إلى السلطان، ما اختلف علي منهم أحد). وفي رواية فقلت لهم: (هذا السلطان يفعل ما ترون - كان هذا في عهد بني أمية - فأدفع إليهم زكاتي؟ فقالوا كلهم: نعم فادفعها)(1).
ب- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم، فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها)(2). وفي رواية عن قزعة مولى زياد بن أبيه أن ابن عمر قال: (ادفعوا إليهم وإن شربوا بها الخمر)(3).
جـ- وعن المغيرة بن شعبة أنه قال لمولى له - وهو على أمواله بالطائف - (كيف تصنع في صدقة مالي؟ قال: منها ما أتصدق به، ومنها ما أدفع إلى السلطان، قال: وفيم أنت من ذلك؟ - أنكر عليه أن يفرقها بنفسه - فقال: إنهم يشترون بها الأرض ويتزوجون بها النساء. فقال: ادفعها إليهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندفعها إليهم)(4). قال ابن قدامة: (روي عن الإمام أحمد أنه قال: قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور، قال: ادفعها إليهم، قال: وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري)(5) من الخوارج.
د- أما أقوال الفقهاء: فللشافعية في دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام الجائر وجهان. أحدهما: يجوز، ولا يجب. قال النووي:(وأصحها يجب الصرف إليه لنفاذ حكمه وعدم انعزاله)(6).
أما الحنابلة فقد قال ابن قدامة في المغني: (لا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمام جائز سواء كان عادلاً أو غير عادل، وسواء كانت في الأموال الظاهرة أو الباطنة ويبرأ بدفعها إليه)(7).
القائلون بعدم جواز دفعها إلى أئمة الجور:
وفي المقابل نجد من الصحابة والتابعين والفقهاء من أفتى بعدم جواز دفعها إلى أئمة الجور إذا علم أنهم لا يضعونها في مواضعها فمنهم:
1 -
يروى رجوع ابن عمر عن فتاواه السابقة وإفتاؤه بعدم دفعها إليهم يدل على ذلك:
أ- ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد بسنده عن أبيه إلى خيثمة قال: سألت ابن عمر عن الزكاة؟ فقال: (ادفعها إليهم)، وسألته مرة أخرى فقال:(لا تدفعها إليهم، فقد أضاعوا الصلاة)(8).
ب- وروى أبو عبيدة بسنده عن ميمون قال: إن صديقًا لابن عمر أخبرني أنه قال لابن عمر: ما ترى في الزكاة فإن هؤلاء لا يضعونها مواضعها؟ فقال: ادفعها إليهم قال: فقلت: أرأيت لو أخَّروا الصلاة عن وقتها أكنت تصلي معهم؟ قال: لا، قال فقلت: هل الصلاة إلا مثل الزكاة؟ فقال: (لبَّسوا علينا لبَّس الله عليهم)(9).
(1)[13123])) رواه البيهقي (4/ 115)(7635)، وابن أبي شيبة (3/ 46). قال البيهقي: وروينا فى هذا أيضاً عن أبى هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم، وصححه الألباني في ((مشكلة الفقر)) (72).
(2)
[13124])) رواه البيهقي (4/ 115)(7631)، وابن أبي شيبة (3/ 47). قال النووي في ((المجموع)) (4/ 146): إسناده صحيح أو حسن، وصححه الألباني في ((مشكلة الفقر)) (73).
(3)
[13125])) رواه البيهقي (4/ 115)(7633). قال النووي في ((المجموع)) (4/ 164): إسناده صحيح أو حسن.
(4)
[13126])) رواه البيهقي (4/ 115)(7630). قال النووي في ((المجموع)) (2/ 162): إسناده فيه ضعف، وضعفه الألباني في ((مشكلة الفقر)) (74).
(5)
[13127])) ((المغني)) (2/ 505).
(6)
[13128])) ((المجموع)) (6/ 107).
(7)
[13129])) ((المغني)) (2/ 505).
(8)
[13130])) ((مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله)) (ص: 152).
(9)
[13131])) ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 508).
جـ- وروى أبو عبيد بسنده إلى حبان بن أبي جبلة عن ابن عمر أنه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان وقال: (ضعوها في مواضعها)(1).
2 -
وقال الثوري: (احْلِفْ لهم واكْذبهم ولا تُعْطِهم شيئًا إذا لم يضعوها مواضعها) وقال: (لا تعطهم)(2).
3 -
وقال عطاء: (اعطهم إذا وضعوها مواضعها) فمفهومه كما قال ابن قدامة: (أنه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك)(3).
4 -
وقال الشعبي وأبو جعفر: (إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة).
5 -
وقال إبراهيم: (ضعوها في مواضعها فإن أخذها السلطان أجزأك)(4). وروي عنه قوله: (لا تؤدوا الزكاة لمن يجور فيها)(5).
6 -
ومن أقوال الفقهاء ما ذهب إليه البهوتي بقوله: (وإن لم يكن يضعها أي الإمام - مواضعها (حَرُم) دفعها (ويجوز) وعبارة الأحكام السلطانية وكثير من النسخ ويجب (كتمها إذن) وهذا قول القاضي في الأحكام السلطانية) (6).
القول الراجح:
وعند النظر في هذه الأدلة يتضح رجحان قول القائلين بجواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وإجزائها إذا طلبوها وخيفت الفتنة عملاً بالأحاديث المذكورة وبعموم الأحاديث الموجبة لطاعتهم وإن جاروا، وأنَّ عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم، وأدّوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم. ونحوها
…
وقد روي عن بشير بن الخصاصية قال: ((قلنا: يا رسول الله إن قومًا من أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا)) (7). أمَّا إذا لم يُلِحُّوا في طلبها وأُمِنَتْ الفتنة، أو أمكن إخفاؤها، فعلى صاحبها تحرِّي الأحق بها من أهلها ودفعها إليه
…
والله أعلم.
(2)
الجزية:
المورد الثاني من موارد بيت مال المسلمين هو الجزية. وهي: المال المقدر المأخوذ من الذمي، يلتزم إذا ما دخل في ذمة المسلمين بأدائها إلى الدولة الإسلامية إذا أحبَّ البقاء على دينه. قال تعالى: قَاتِلُواْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29]
وتسقط الجزية بعد وجوبها إذا أسلم الذمي، أو عجزت الدولة عن حمايتهم، ولهذا ردّ أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه الجزية إلى الذميين في بعض مدن الشام عند عجز الجيش الإسلامي عن حمايتهم.
ولا تجب الجزية في السنة إلا مرة واحدة (8).
(3)
الخراج:
(1)[13132])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 505).
(2)
[13133])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 505).
(3)
[13134])) ((المغني)) (2/ 505). وانظر: ((موسوعة إبراهيم النخعي الفقهية)). د. محمد رواس قلعجي الكتاب الثاني (ص: 318).
(4)
[13135])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 505).
(5)
[13136])) مصنف عبد الرزاق (4/ 48).
(6)
[13137])) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 302).
(7)
[13138])) رواه أبو داود (1586) وسكت عنه، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 251) كما قال هذا في المقدمة.
(8)
[13139])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: 165).
وهو ما ضُرب على أراضي الكفار المغنومة عنوة التي تركت بيد أصحابها، وأول من فعل ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ فرض على أرض العراق الخراج وتركها بيد أصحابها بعد مشاورة منه للصحابة رضي الله عنهم وموافقتهم له على رأيه، وأما قدر الخراج المضروب فيعتبر بما تحتمله الأرض (1) نصَّ عليه أحمد في رواية محمد بن داود وقد سئل عن حديث عمر:(وضع على جَرِيب (2) الكَرْمِ كذا وعلى جريب كذا كذا) هو شيء موصوف على الناس لا يزاد عليه أو عن رأى الإمام غير هذا زاد ونقص؟ قال بل هو على رأي الإمام إن شاء زاد وإن شاء نقص. وقال هو بَيِّن في حديث عمر: (إن زدت عليهم كذا ألا يجهدهم؟) إنما نظر عمر إلى ما تطيق الأرض) (3).
(4)
العشور:
وهي ضريبة تؤخذ من الذميين والمستأمنين على أموالهم المعدَّة للتجارة إذا دخلوا بلاد المسلمين، ومقدارها نصف العشر على الذمي، والعشر على الحربي، لأنهم يأخذون على تجّار المسلمين مثله إذا قدموا بلادهم (4) أما الذميون فلأنهم صولحوا على ذلك، قاله أبو عبيد ومالك بن أنس (5) وقد روى أبو عبيد بإسناده إلى الشعبي قال:(أول من وضع العشر في الإسلام عمر)(6).
ويشترط فيه النصاب كما ذهب إلى ذلك الحنابلة (7) والحنفية (8)، أما مالك فلم يشترط ذلك (9).
(5)
الغنائم:
الغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بالقتال. وقد سمّاها الله تعالى أنفالاً لأنها زيادة في أموال المسلمين (10) وهي: أربعة أصناف: أسرى، وسبي، وأرضون، وأموال منقولة، وهذه هي الغنائم المألوفة.
(6)
الفيء:
وهو كل ما أخذه المسلمون من الكفار بغير قتال، قال الله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحشر: 6].
وسُمِّي فيئًا لأن الله تعالى أفاءه على المسلمين، أي ردّه عليهم من الكفار لـ (أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته، لأنه إنما خلق الخلق لعبادته، فالكافرون به أباح أنفسهم التي لم يعبدوه بها وأموالهم التي لم يستعينوا بها على عبادته، لعباده المؤمنين الذين يعبدونه)(11).
(7)
الموارد الأخرى:
(1)[13140])) ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: 145).
(2)
[13141])) ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: 148).
(3)
[13142])) الجريب لغة: الوادي، واستعير ليكون اسمًا لمساحة مربعة من الأرض، فهو وحدة قياس مربعة أو مكَسَّرة، وهو أيضًا وحدة كيل كبيرة ومساحة الجريب العُمَرية تعادل (1366.0416 م 2). انظر:((الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان)) لابن الرفعة الأنصاري (ص: 80 - 81)، أما جريب الكيل فيعادل (10448) غرامًا من القمح. انظر:((الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان)) (ص: 87) والمراد هنا وحدة المساحة.
(4)
[13143])) ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 473)
(5)
[13144])) ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 467).
(6)
[13145])) ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 467).
(7)
[13146])) ((المغني)) (10/ 589).
(8)
[13147])) ((بدائع الصنائع)) (2/ 36).
(9)
[13148])) ((الأموال)) (ص: 478).
(10)
[13149])) ((السياسة الشرعية)) لابن تيمية (ص: 32).
(11)
[13150])) ((السياسة الشرعية)) لابن تيمية (ص: 40).
ومن موارد بيت المال الأموال التي ليس لها مالك مُعًيَّن مثل من مات من المسلمين وليس له وارث معيَّن، وكالغصوب، والعواري، والودائع. التي تعذَّر معرفة أصحابها، والأراضي التي تستغلُّها الدولة أو تؤجرها، والمعادن التي تستخرجها الدولة من باطن الأرض، وخمس الركاز. وهي: المعادن المستخرجة من باطن الأرض، كالذهب والفضة والنحاس والملح ونحوها
…
أما إذا استخرجتها الدولة فهي لبيت مال المسلمين. ومنها ما يفرضه الإمام على الأغنياء عند الضرورة وعجز بيت المال لصرفه على شؤون الدولة والرعية الضرورية مثل نفقات الجند والسلاح وسد حاجات المحتاجين ونحو ذلك.
مصارف بيت المال:
1 -
الزكاة:
وتصرف لمن سمّاهم الله في كتابه في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].
ولا يجوز صرفها لغير هؤلاء الثمانية، ولا إلى بني هاشم ولا لمواليهم لقوله صلى الله عليه وسلم:((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس)) (1).
أما بنو المطلب ففيهم روايتان عن الإمام أحمد بالمنع وبالجواز (2)، وإلى الجواز ذهب أبو حنيفة (3)، واستدل المانعون بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنا وبنوا المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيءٌ واحد)) (4). قال ابن حزم: (فصحَّ أنه لا يجوز أن يُفَرَّق بين حكمهم في شيءٍ أصلاً، لأنَّهم شيءُ واحد بنصِّ كلامه عليه الصلاة والسلام، فصحّ أنهم آل محمد، وإذا هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام)(5).
2 -
الجزية والخراج والعشور ونحوها:
فهذه تُدخَل إلى بيت مال المسلمين، وتصرف في العطاءات والنفقات المستحقة ومصروفات بيت المال الأخرى على حسب ما يراه الإمام. ونحوها موارد بيت المال الخاصة بالدولة كالأراضي المؤجرة والأموال التي لا صاحب لها ونحو ذلك.
3 -
الغنائم:
وهذه تصرف كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ
…
[الأنفال: 1]. وقوله: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
…
الآية [الأنفال: 41]. فالواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخُمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين، قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:(الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهم الذين شهدوها للقتال سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا)(6).
(1)[13151])) رواه مسلم (1072) ولفظه: (( .... إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس إنها لاتحل لمحمد ولا لآل محمد
…
)).
(2)
[13152])) ((المغني)) لابن قدامة (2/ 517 - 518)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/ 481).
(3)
[13153])) ((المبسوط)) للسرخسي (10/ 12)، و ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 49).
(4)
[13154])) رواه أبو داود (2980)، وسكت عنه، وقال ابن حزم في ((المحلى)) (3/ 327): إسناده في غاية الصحة، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (582) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 89) كم قال ذلك في المقدمة.
(5)
[13155])) ((المحلى)) لابن حزم (6/ 210).
(6)
[13156])) ((السياسة الشرعية)) لابن تيمية (ص: 33).
ويجب قسمها بالعدل، فلا يحابى أحد لا لرياسة، ولا لجاه، ولا لفضل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده. ففي (صحيح البخاري) أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رأى له فضلاً على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
((هل تُنْصَرون وترزقون إلا بضعفائكم)) (1) والعدل في القسمة أن يقُسم للرجل سهم وللفرس سهمان، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر (2).
أما إن رأى الإمام أن في تفضيل بعض المجاهدين على بعض مصلحة دينية يعلمها هو، لا لهوى النفس، فله ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة (3).
4 -
الفيء:
وهذا يقسم على من ذكرهم الله في سورة الحشر قال تعالى: مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ] الحشر: 7 - 10 [.]
وعن عمر بن الخطاب رضي الله قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه من خيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم فكان ينفق على أهله نفقة سنته). وفي لفظ: (يحبس لأهله قوت سنتهم ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله)(4).
وعلى هذا فيصرف الفيء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع مصالح المسلمين، ومنها الإنفاق على ذوي الحاجات ودفع الأرزاق للجند والعلماء والقضاة وسائر موظفي الدولة، كما يعطى منه إلى عموم المسلمين، وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم في سيرتهم وهديهم، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:(والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدًا مملوكًا، ولكنا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته)(5).
(1)[13157])) رواه البخاري (2896).
(2)
[13158])) الحديث رواه ابن ماجه (2321)، وابن حبان (11/ 139)(4810). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(3)
[13159])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 35).
(4)
[13160])) رواه البخاري (2904).
(5)
[13161])) رواه أبو داود (2950)، وأحمد (1/ 42)(292). من حديث مالك بن أوس. والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 106) كما قال ذلك في المقدمة، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/ 149).
وقد روي عنه أيضًا: (والله لئن بقيت لهم إلى قابل ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظَّه من هذا المال وهو يرعى مكانه)(1).
ويفهم من هذا كله أن عموم المسلمين لهم نصيب من مال الفيء، فيعطون منه بعد سد النفقات الضرورية للدولة.
5 -
ويلحق بالفيء ويكون مصرفه مصرف الفيء الأموال التي ليس لها مالك معين، مثل من مات من المسلمين وليس له وارث، وكالغصوب، والعواري، والودائع وغير ذلك من أموال المسلمين التي تعذر معرفة أصحابها (2)، أو التي لا صاحب لها.
وجوه صرف الأموال:
الواجب على الإمام عند صرف الأموال أن يبتدئ في القسمة بالأهم فالأهم من مصالح المسلمين، كعطاء من يحصل للمسلمين منهم منفعة عامة أو المحتاجين فمن هؤلاء:
1 -
المقاتلة: وهم أهل النصرة والجهاد، وهم أحق الناس بالفيء، فإنه لا يحصل إلا بهم، حتى اختلف الفقهاء في مال الفيء هل هو مختص بهم أو مشترك في جميع المصالح؟ (3) وكذلك إذا قتل أو مات من المقاتلة فإنه ترزق امرأته وأولاده الصغار حتى يكبروا (4).
2 -
ذوو الولايات كالولاة والقضاة والعلماء والسعاة على المال جمعًا وحفظًا وقسمةً، وجميع القائمين على مصالح المسلمين.
3 -
كذلك يصرف في الأثمان والأجور لما يعم نفعه من سداد الثغور بالكراع والسلاح، وعمارة ما يحتاج إلى عمارته من طرقات الناس كالجسور والقناطر وطرقات المياه والأنهار ونحو ذلك.
4 -
ومن المستحقين ذوو الحاجات: فإن الفقهاء قد اختلفوا هل يقدَّمون في غير الصدقات من الفيء ونحوه - على غيرهم؟ على قولين في مذهب الإمام أحمد وغيره منهم من قال يقدَّمون، ومنهم من قال: المال استحق بالإسلام، فيشتركون فيه كما يشترك الورثة في الميراث، قال ابن تيمية: (والصحيح أنهم يقدَّمون، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدِّم ذوي الحاجات كما قدَّمهم في مال بني النضير، وقال عمر رضي الله عنه: ليس أحد أحق بهذا المال من أحد
…
) (5). وذكر كلام عمر الآنف الذكر.
5 -
كما يجوز - بل يجب - الإعطاء لتأليف من يحتاج إلى تأليف قلبه، وإن كان لا يحل له أخذ ذلك، كما خصَّص الله في القرآن نصيبًا للمؤلفة قلوبهم من الصدقات، وكما كان يعطيهم صلى الله عليه وسلم من الفيء ونحوه فقد أعطى الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وعلقمة العامري، وزيد الخير الطائي وقال:((إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم)) (6).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا النوع من العطاء وإن كان ظاهره إعطاء الرؤساء وترك الضعفاء كما يفعل الملوك فالأعمال بالنيات، فإذا كان القصد بذلك مصلحة الدين وأهله، كان من جنس عطاء النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وإن كان المقصود العلو في الأرض والفساد كان من جنس عطاء فرعون .. )(7)
(1)[13162])) رواه أحمد (1/ 42)(292). من حديث مالك بن أوس. وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/ 149).
(2)
[13163])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 62).
(3)
[13164])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 74).
(4)
[13165])) ((مجموع الفتاوى)) (28/ 586).
(5)
[13166])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 51).
(6)
[13167])) رواه مسلم (1064). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(7)
[13168])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 55).
أما عن حقوق العاملين في الدولة فعلى الدولة تأمين الزواج للموظف والمسكن والخادم والمركب، كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناده إلى جبير بن نفير عن المستورد بن شداد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا، قال: قال أبو بكر: أخبرتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق)) (1).
وكذلك من مات وعليه دين، وليس له مال يفي بدينه، أو له أولاد قُصَّر فإن الإمام يؤدي ما عليه من دين من بيت مال المسلمين، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم:((من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فعلينا)) (2) وفي رواية عن جابر بن عبد الله: ((أنا أولى بكُلِّ مؤمن من نفسه فأيّما رجل مات وترك دينًا فإليّ، ومن ترك مالاً فلورثته)) (3).
ومن واجبات الإمام بالإضافة إلى ما سبق:
ثانيًا: اختيار الأكفاء للمناصب القيادية:
نظرًا لثقل الأعباء المنوطة بالإمام فإنه لا يستطيع وحده القيام بتدبيرها جميعًا، ولذلك كان لابد له من ولاة ومعاونين يقومون وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – ((إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه)) (4).
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لم يبعث نبيًا إلا وله بطانتان. بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي)) (5).
ويدخل في الحكم الوزراء والبطانة جميع الولاة الذين يقوم بتوليتهم، كالقضاة، وولاة الحرب، والحسبة، والمال. وغيرهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل)(6).
(1)[13169])) رواه أبو داود (2945)، والطبراني (20/ 305)(17483)، والحاكم (1/ 563). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (497) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 484) كما قال ذلك في المقدمة.
(2)
[13170])) رواه البخاري (2398) بلفظ: ((فإلينا)) بدلاً من ((فعلينا)).
(3)
[13171])) رواه مسلم (867) بلفظ: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي)).
(4)
[13172])) رواه أبو داود (2932)، وأحمد (6/ 70)(24459)، وأبو يعلى (7/ 416)(4439)، وابن حبان (10/ 345)(4494)، والبيهقي (10/ 111)(20816). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (487) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال النووي في ((رياض الصالحين)) (ص: 278): إسناده جيد على شرط مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 469) كما قال ذلك في المقدمة.
(5)
[13173])) رواه الترمذي (2369)، وأحمد (2/ 289)(7874)، والحاكم (4/ 145)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/ 144). قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (487) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
(6)
[13174])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 6).
كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله)) (1). وفي رواية: ((من قلد رجلاً عملاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين)) (2). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين)(3) فليس على الإمام إلا أن يستعمل أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو صالح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه الولاية بحقها، فقد أدى الأمانة وقام بالواجب في هذا وصار في هذا الموضع من أئمة العدل المقسطين عند الله.
هذا وابن تيمية رحمه الله لم يقصر واجب ولي الأمر على تولية الأصلح فقط، بل تعدَّى ذلك إلى وجوب الإعداد والتأهيل ليتوفر لأعمال الدولة من يتولاها من القادرين على القيام بها، حيث يقول:(ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال، حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم من أمور الولايات والإمارات ونحوها، كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه، وإن كان في الحال لا يُطلب منه إلا ما يقدر عليه .. )(4) فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية ونحو ذلك، أو لرشوة يأخذها من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى الله عنه في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27] لذلك تعتبر تولية الولاة والاستعانة بالأعوان مسؤولية جسيمة يجب أن لا تسلَّم إلا لأربابها الذين يقْدِرون عليها، وإنها من أعظم الأمانات، ومن أخطر الأمور توسيدها لغير أهلها، بل ذلك من علامات الساعة، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا ضُيِّعَت الأمانة، انتظر الساعة. قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) (5).
(1)[13175])) رواه الطبراني (11/ 114)(11238)، والبيهقي (10/ 118) (20861) ولفظ الطبراني:((ومن تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله ورسوله)). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 214): رواه الطبراني وفيه أبو محمد الجزري حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2)
[13176])) رواه الحاكم (4/ 104) بلفظ: ((من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين)) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(3)
[13177])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 7).
(4)
[13178])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 21).
(5)
[13179])) رواه البخاري (59).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
…
)) الحديث (1). وروي عن عمران بن سُليم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((من استعمل فاجرًا وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله)) (2).
محاسبتهم:
هذا مع أن من واجب الإمام حسن اختيار ولاته والتدقيق والتحري في ذلك، فإن عليه أيضًا تتبُّع أخبارهم، ومحاسبتهم على كلِّ صغيرة وكبيرة، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي حميد الساعدي ((أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية - وفي رواية الأتبية - على صدقات بني سُليم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا؟ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي. فهلاّ جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا؟ فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئًا - قال هشام: بغير حقه - إلا جاء الله يحمله يوم القيامة. ألا فَلأَعْرِفَنَّ ما جاء الله رجلٌ ببعير له رغاء، أو ببقرة لها خوار، أو شاة تَيْعَر (3) - ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه - ألا هل بلغت؟)) (4).
وعن الأحنف بن قيس - وكان أحد ولاة عمر رضي الله عنه قال: (قدمت على عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنَّا كنا لنُحَدَّث: إنما يهلك هذه الأمة كلُّ منافق عليم)(5).
ثالثًا: الإشراف بنفسه على تدبير الأمور وتفقُّد أحوال الرعية:
أن الإمام هو المسؤول الأول عن كل صغيرة وكبيرة في الدولة، ومع أنه يُشْرَع له اتخاذ الوزراء والأعوان على تدبير الأمور، إلا أنه يجب عليه أن يشرف بنفسه على هؤلاء الوزراء والأعوان، وأن لا يتَّكل عليهم، فعليه أيضًا أن يقوم بالإشراف على أحوال الرعية ويتفقد أحوالهم، وأن لا يحتجب عنهم حتى يعرف أوضاعهم، فيعين محتاجهم، وينصر مظلومهم، ويقمع ظالمهم، قال أبو يعلى في تعداده لواجبات الإمام:(العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال، ليهتمَّ بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشُّ الناصح، وقد قال تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى [ص: 26] فلم يقتصر سبحانه على التفويض دون المباشرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (6).) (7).
(1)[13180])) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) ، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2)
[13181])) ((مناقب عمر)) لابن الجوزي (ص: 78). وقد عزاه السيوطي في ((جامع الأحاديث)) (31475) إلى ((المداراة)) وقال: ولا يحضرني اسم مخرج إلا أنه قديم يكثر الرواية فيه عن أبي خيثمة. انظر: ((كنز العمال)) (5/ 761)(14306).
(3)
[13182])) شاة تيعر: أي: تصيح. واليعار صوت الغنم. وقيل: صوت المعزى، وقيل هو: الشديد من أصوات الشاء. ((لسان العرب)) (5/ 301) مادة (يَعَرَ).
(4)
[13183])) رواه البخاري (7197).
(5)
[13184])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/ 94)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (24/ 310).
(6)
رواه البخاري (5200)، ومسلم (1829). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(7)
[13186])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: 28)
والذي يدلّ على ما سبق ذكره من وجوب مباشرة الإمام بنفسه وعدم الاحتجاب عن رعيته والنصح لهم ما رواه أبو داود بإسناد إلى أبي مريم الأزدي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ولَاّه الله عز وجل شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخُلَّتِهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره)) (1). واختلف في مشروعية الحاجب للحكام
…
(2)
رابعًا: الرفق بالرعية والنصح لهم وعدم تتبع عوراتهم:
كما أن من واجبه أيضًا الرفق بهذه الرعية التي استرعاه الله أمرها، والنصح لهم، وعدم تتبع سوءاتهم وعوراتهم، وقد ورد في هذا الواجب أحاديث وآثار كثيرة منها:
ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: ((اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)) (3).
قال النووي: (هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحثِّ على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى)(4).
ومنها ما رواه البخاري بسنده إلى الحسن قال: إن عبيد الله بن زياد زار مَعْقِل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية من المسلمين فيموت وهو غاشّ لهم إلا حرَّم الله عليه الجنة)) (5). وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل الجنة معهم)) (6).
وعن الحسن أن عائذ بن عمرو كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن شرَّ الرّعاء الحُطَمَةَ (7)، فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم)) (8).
ومنها ما رواه أبو داود بسنده عن أبي أمامة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ابتغى الأمير الرِّيبة في الناس أفسدهم)) (9).
(1)[13187])) رواه أبو داود (2048)، والبيهقي (10/ 101)(20045). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (487) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/ 567): رجال إسناده كلهم ثقات.
(2)
[13188])) فمنهم من أجازه ومنهم من معه. انظر: ((تكملة المجموع)) لمحمد نجيب المطيعي (20/ 132)، و ((المغني)) لابن قدامة (11/ 387).
(3)
[13189])) رواه مسلم (1828).
(4)
[13190])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (12/ 213).
(5)
[13191])) رواه البخاري (7150)، ورواه مسلم (142) واللفظ له.
(6)
[13192])) رواه مسلم (142) بلفظ: ((ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة)).
(7)
[13193])) الحُطمة: العنيف المتعسف قليل الرحمة. انظر: ((لسان العرب)) (12/ 139) مادة (حطم).
(8)
[13194])) رواه مسلم (1830).
(9)
[13195])) رواه أبو داود (4889)، وأحمد (6/ 4)(23866)، والحاكم (4/ 419). والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 469) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) (1).
خامسًا: أن يكون قدوة حسنة لرعيته:
من طبيعة النفس البشرية أنها دائمًا مولعة بتقليد الأقوى سواء كان في الخير أو الشرّ، وحيث إن الإمام هو الذي في يده زمام السلطة والتدبير، فإن نفوس الرعية تكون مولعة فيما يذهب إليه، لذلك وجب عليه أن يكون قدوة حسنة لأتباعه حتى يسيروا على نهجه، ويقلِّدوه في سنَّته الحسنة، لأنَّ عيونهم معقودة به وأبصارهم شاخصة إليه، فإن أي صغيرة تبدو منه تتجسم لدى العامّة، ويتخذون منها ثغرة ينفذون منها إلى الانحراف، وقلَّ أن يردَّهم بعد ذلك نصح أو تخويف.
(ولذلك لما دخل قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قصر كسرى وهو يتلوا قوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ [الدخان: 25 - 28] أرسل سعد كل ما في قصر كسرى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأخذ عمر رضي الله عنه يقلِّب هذه النفائس ويقول: إن قومًا أدُّوا هذا لأمناء. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لقد عففت فعفَّت رعيتك، ولو رتعت لرتعت) ثم قسم عمر ذلك في المسلمين (2).
وقد روى البخاري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه في حديثه للأحمسية لما سألته: ما بقاء هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: (ما استقامت بكم أئمتكم)(3).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم)(4)، وقال:(الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا)(5). لذلك كان من سيرته رضي الله عنه كما ذكر ذلك سالم بن عبد الله عن أبيه قال: (كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم لأهله فقال: لا أعلمن أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة)(6).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يُعْرف أن أولي الأمر كالسوق ما نفق فيه جُلب إليه، هكذا قال عمر بن عبد العزيز، فإن نفق فيه الصدق والبرّ والعدل والأمانة جُلب إليه ذلك، وإن نفق فيه الكذب والجور والخيانة جُلب إليه ذلك)(7) الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: 336 - 373
(1)[13196])) رواه أبو داود (4888)، والطبراني (19/ 365)(16529). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/ 250)، وابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 300): إسناده صحيح، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 469) كما قال ذلك في المقدمة.
(2)
[13197])) ((الكامل في التاريخ)) (2/ 362)، و ((البداية والنهاية)) (7/ 78).
(3)
[13198])) رواه البخاري (3834).
(4)
[13199])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3/ 292)، والبيهقي (8/ 162)(16428).
(5)
[13200])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3/ 292)، وابن أبي شيبة (7/ 94).
(6)
[13201])) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3/ 289)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (44/ 268).
(7)
[13202])) ((السياسة الشرعية)) (ص: 32).