المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

تنقسم البدعة إلى صغيرة وكبيرة اعتباراً بتفاوت ودرجاتها. وهذا مبني على القول بأن المعاصي تنقسم إلى صغيرة وكبيرة وهو الصحيح إن شاء الله.

وقد اختلف العلماء في تمييز الصغيرة من الكبيرة بالنسبة للمعاصي، ولا يتسع المقام لذكر هذا الخلاف، وأقرب وجه يلتمس لهذا ما تقرر عند أهل العلم من أن الكبائر منحصرة في الإخلال بالضروريات المعتبرة في كل ملة. وهي الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، وكل ما نص عليه راجع إليها، وما لم ينص عليه جرت في الاعتبار والنظر مجراها، وهو الذي يجمع أشتات ما ذكره العلماء وما لم يذكروه مما هو في معناه. فلذلك نقول في كبائر البدع: ما أخل منها بأصل من هذه الضروريات فهو كبيرة، وما لا فهي صغيرة.

وإن كان قياس البدع على العبادات في انقسامها إلى صغيرة وكبيرة قد يرد عليه اعتراض خلاصته أنه قد يقال: إن جميع البدع راجعة إلى الإخلال بالدين إما أصلاً وإما فرعاً، لأنها إنما أحدثت لتلحق بالمشروع زيادة فيه، أو نقصاناً منه، أو تغييراً لقول فيه، أو ما يرجع إلى ذلك، وليس ذلك مختصاً بالعبادات دون العادات، إن قلنا بدخولها في العادات بل تمنع الجميع. وإذا كانت بكليتها إخلالاً بالدين فهي إذاً إخلال بأول الضروريات وهو الدين، وقد أثبت الحديث الصحيح أن كل بدعة ضلالة، وقال في الفرق:((كلها في النار إلا واحدة)) (1) ، وهذا وعيد أيضاً للجميع على التفصيل. هذا وإن تفاوتت مراتبها في الإخلال بالدين فليس ذلك بمخرج لها عن أن تكون كبائر، كما أن القواعد الخمس أركان الدين، وهي متفاوتة في الترتيب، فليس الإخلال بالشهادتين كالإخلال بالصلاة، ولا الإخلال بالصلاة كالإخلال بالزكاة، ولا الإخلال بالزكاة كالإخلال برمضان، وكذلك سائرها مع الإخلال، فكل منها كبيرة، فقد آل النظر إلى أن كل بدعة كبيرة.

ويجاب عن هذا الاعتراض بأنه يمكن إثبات البدعة الصغيرة من أوجه أحدها: أن نقول: الإخلال بضرورة النفس كبيرة بلا إشكال، ولكنها على مراتب أدناها لا يسمى كبيرة، فالقتل كبيرة، وقطع الأعضاء من غير إجهاز كبيرة دونها، وقطع عضو واحد كبيرة دونها، وهلم جراً إلى أن تنتهي إلى اللطمة. ثم إلى أقل خدش يتصور، فلا يصح أن يقال في مثله كبيرة كما قال العلماء في السرقة، إنها كبيرة لأنها إخلال بضرورة المال. فإن كانت السرقة في لقمة أو تطفيف بحبة فقد عدوه من الصغائر، وهذا في ضرورة الدين أيضاً.

واستطرد الشاطبي رحمه الله في بيان هذا الوجه إلى أن قال:

(1) رواه ابن ماجه (3993) وأحمد (3/ 120)(12229) والطبراني في ((الأوسط)) (8/ 22) وأبو يعلى (7/ 32) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (ص: 16): إسناده صحيح، وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 27): إسناده جيد قوي على شرط الصحيح، وقال السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/ 569): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). والحديث روي من طرق عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

ص: 490

(قال ابن رشد: جائز عند مالك أن يروح الرجل قدميه في الصلاة، قاله في المدونة، وإنما كره أن يقرنهما حتى لا يعتمد على إحداهما دون الأخرى، لأن ذلك ليس من حدود الصلاة إذ لم يأت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أحد من السلف، والصحابة المرضيين، وهو من محدثات الأمور

انتهى). فمثل هذا إن كان يعده فاعله من محاسن الصلاة وإن لم يأت به أثر فيقال في مثله: إنه من كبار البدع. كما يقال ذلك في الركعة الخامسة في الظهر ونحوها، بل إنما يعد مثله من صغائر البدع إن سلمنا أن لفظ الكراهية فيه ما يراد به التنزيه، وإذا ثبت ذلك في بعض الأمثلة في قاعدة الدين، فمثله يتصور في سائر البدع المختلفة المراتب، فالصغائر في البدع ثابتة كما أنها في المعاصي ثابتة.

والثاني: أن البدع تنقسم إلى ما هي كلية في الشريعة، وإلى جزئية، ومعنى ذلك أن يكون الخلل الواقع بسبب البدعة كلياً في الشريعة، كبدعة التحسين والتقبيح العقليين، وما أشبه ذلك من البدع التي لا تختص فرعاً من فروع الشريعة دون فرع، بل نجدها تنتظم ما لا ينحصر من الفروع الجزئية، أو يكون الخلل الواقع جزئياً، وإنما يأتي في بعض الفروع دون بعض، كبدعة التثويب بالصلاة الذي قال فيه مالك: التثويب ضلال، وبدعة الأذان والإقامة في العيدين، وبدعة الاعتماد في الصلاة على إحدى الرجلين، وما أشبه ذلك. فهذا القسم لا تتعدى فيه البدعة محلها، ولا تنتظم تحتها غيرها حتى تكون أصلاً لها (1).

فالقسم الأول: أعني البدعة الكلية، لاشك أنها من الكبائر، ويكون ما عدا ذلك - أي الجزئية - من قبيل اللمم أي الصغائر التي يرجى فيها العفو، وهذا كله مع عدم الإصرار.

والثالث: أن المعاصي قد ثبت انقسامها إلى الصغائر والكبائر، ولا شك أن البدع من جملة المعاصي – على مقتضى الأدلة المتقدمة – ونوع من أنواعها، فاقتضى إطلاق التقسيم أن البدع تنقسم أيضاً، ولا نخصص وجوهاً بتعميم الدخول في الكبائر، لأن ذلك تخصيص من غير مخصص، ولو كان ذلك معتبراً لاستثنى من تقدم من العلماء القائلين بالتقسيم قسم البدع، فكانوا ينصون على أن المعاصي ما عدا البدع تنقسم إلى الصغائر والكبائر، إلا أنهم لم يلتفتوا إلى الاستثناء وأطلقوا القول بالانقسام، فظهر أنه شامل لجميع أنواعها.

وإذا قلنا إن من البدع ما يكون صغيرة فذلك بشروط:

أحدها: أن لا يداوم عليها، فإن الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه، لأن ذلك ناشئ عن الإصرار عليها، والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، ولذلك قالوا: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار. فكذلك البدعة من غير فرق، إلا أن المعاصي من شأنها في الواقع أنها قد يصر عليها، وقد لا يصر عليها، وعلى ذلك ينبني طرح الشهادة وسخطة الشاهد بها أو عدمه، بخلاف البدعة فإن شأنها المداومة والحرص على أن لا تزال من موضعها، وأن تقوم على تاركها القيامة، وتنطلق عليه ألسنة الملامة. ويرمى بالتسفيه والتجهيل، وينبز بالتبديع والتضليل، ضد ما كان عليه سلف هذه الأمة، والمقتدى بهم من الأئمة. والدليل على ذلك: الاعتبار والنقل، فإن أهل البدع كان من شأنهم القيام بالنكير على أهل السنة إن كان لهم عصبة، أو لصقوا بسلطان تجري أحكامه في الناس وتنفذ أوامره في الأقطار، ومن طالع سير المتقدمين وجد من ذلك ما لا يخفى.

(1)((الاعتصام)) للشاطبي (2/ 60).

ص: 491

وأما النقل فما ذكره السلف من أن البدعة، إذا أحدثت لا تزيد إلا مضياً، وليست كذلك المعاصي. فقد يتوب صاحبها وينيب إلى الله، بل قد جاء ما يؤيد ذلك في حديث الفرق حيث جاء في بعض الروايات ((تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه)) (1) ومن هنا جزم السلف بأن المبتدع لا توبة له. وسيأتي لذلك مزيد بيان عند الكلام في خطورة البدع.

والشرط الثاني: أن لا يدعو إليها. فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة، ثم يدعو مبتدعها إلى القول والعمل على مقتضاها، فيكون إثم ذلك كله عليه، فإنه الذي أثارها، وسبب كثرة وقوعها والعمل بها، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن كل من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً.

والشرط الثالث: أن لا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس، أو المواضع التي تقام فيها السنن. وتظهر فيها أعلام الشريعة، فأما إظهارها في المجتمعات ممن يقتدى به، أو ممن يحسن به الظن، فذلك من أضر الأشياء على سنن الإسلام فإنها لا تعدو أمرين:

إما أن يقتدى بصاحبها فيها، فإن العوام أتباع كل ناعق، لاسيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها للناس، والتي للنفوس في تحسينها هوى، وإذا اقتدى بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه، لأن كل من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، فعلى حسب كثرة الأتباع يعظم الوزر.

وأما اتخاذها في المواضع التي تقام فيها السنن فهو كالدعاء إليها بالتصريح. لأن إظهار البدع في أماكن إقامة الشعائر الإسلامية يوهم أن كل ما أظهر فيها فهو من الشعائر، فكأن المظهر لها يقول: هذه سنة فاتبعوها.

والشرط الرابع: أن لا يستصغرها، ولا يستحقرها، وإن فرضناها صغيرة فإن ذلك استهانة بها، والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب، فكان ذلك سبباً لعظم ما هو صغير.

فإذا توافرت هذه الشروط فإن هذه البدع تكون صغيرتها صغيرة، فإن تخلف شرط منها أو أكثر صارت كبيرة، أو خيف أن تصير كبيرة كما أن المعاصي كذلك (2). ا. هـ. تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار لصالح بن سعد السحيمي – ص: 102

(1) رواه أبو داود (4597)، وأحمد (4/ 102)(16979) ، والدارمي (2/ 314)، والحاكم (1/ 218). من حديث معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذه أسانيد تقام به الحجة في تصحيح هذا الحديث. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (96) – كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال ابن كثير في ((النهاية)) (1/ 27): إسناده حسن. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

(2)

انظر: ((الاعتصام)) (2/ 57 - 71).

ص: 492