الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى
1 -
الطهارة:
- إذا كان الإسلام وسطاً بين الملل، فإن أهل السنة وسط بين النحل؛ ففي الطهارة كان الإسلام وسطاً بين تشدد اليهود وتفريط النصارى، كما أن أهل السنة وسط بين الإفراد والتفريط في هذا الباب.
يبين شيخ الإسلام وسطية الإسلام في باب الطهارة قائلاً: (فإن التشديد في النجاسات جنساً وقدراً هو دين اليهود، والتساهل هو دين النصارى، ودين الإسلام هو الوسط)(1).
ويقول في موضع آخر: (ومن تدبر حال اليهود والنصارى مع المسلمين، وجد اليهود والنصارى متقابلين: هؤلاء في طرف، وهؤلاء في طرف يقابله، والمسلمون هم الوسط
…
إلى أن قال: فالنصارى حللوا الخنزير وغيره من الخبائث. كما أسقطوا الختان وغيره، وأنواع الطهارة من الغسل وإزالة النجاسة وغير ذلك. واليهود بالغوا في اجتناب النجاسات) (2).
وأما عن وسطية أهل السنة بين الإفراط والتفريط الواقع عند طوائف المبتدعة، فأهل السنة مجانبون للتشدد والإفراط، فيأمرون بالصلاة في النعال مخالفة لليهود (3)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) (4).
وقال ابن القيم: (ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين: الصلاة في النعال، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلاً منه وأمراً)(5).
ويجيز أهل السنة الصلاة في السراويل خلافاً للخوارج.
قال البربهاري: (ولا بأس بالصلاة في السراويل)(6).
وقال الملطي: (ومن شذوذ الحرورية في الفروع إذا تطهر منهم الرجل لا يبرح ولا يمشي حتى يصلي في مكانه؛ لأنه إذا مشى تحرك شرجه، ولا يصلون في السراويل)(7).
وجانب أهل السنة تعنت الرافضة الذين زعموا أن سؤر الكافر نجس، بل قالوا بتنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة، وكل ذلك تأثراً باليهود السامرة التي تحرم وتنجس ما باشره غيرهم من المائعات (8).
ومن تشدد الرافضة: إيجابهم الابتداء باليمين في اليدين والرجلين عند الوضوء (9)، ولذا قال الإمام النووي:(وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة، ولو خالفها فاته الفضل وصح الوضوء، وقال الشيعة هو واجب، ولا اعتداد بخلاف الشيعة)(10).
كما جانب أهل السنة أيضاً التفريط في باب الطهارة؛ فالرافضة – مثلا- خالفوا الأدلة في اعتبار المذي من موجبات الوضوء، فحكم الرافضة بطهارة المذي وعدم انتقاض الوضوء بخروج المذي (11).
(1)((مجموع الفتاوى)) (21/ 18، 19)، وانظر:((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 188).
(2)
((الجواب الصحيح)) (2/ 52، 53) = باختصار، وانظر:((منهاج السنة النبوية)) (5/ 171).
(3)
انظر: ((اقتضاد الصراط المستقيم)) (1/ 181)، و ((مجموع الفتاوى)) (22/ 166).
(4)
[14257])) رواه أبو داود (652) ، والحاكم (1/ 391) ، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/ 432) ، من حديث شداد بن أوس، والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/ 131): لا مطعن في إسناده، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(5)
((إغاثة اللهفان)) (1/ 230، 231).
(6)
((شرح السنة)) (ص: 27).
(7)
((شرح صحيح مسلم للنووي)) (3/ 160).
(8)
انظر تفصيل ذلك في ((منهاج السنة النبوية)) (1/ 37، 5/ 174)، و ((فقه الشيعة الإمامية)) لعلي السالوس (ص: 77).
(9)
انظر: ((فقه الإمامة)) لعلي السالوس (ص: 94).
(10)
((شرح صحيح مسلم)) للنووي (3/ 160).
(11)
انظر: ((مختصر التحفة الإثني عشرية)) للآلوسي (ص: 212)، و ((فقه الإمامية)) للسالوس (ص: 90).
وأوجب الشيعة مسح الرجلين ببقية البلل إلا في حال التقية (1)، وقال بعض طوائف المعتزلة بالتخيير بين مسح الرجلين وبين غسلهما.
قال النووي: (أجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين، وانفردت الرافضة عن العلماء، فقالوا: الواجب في الرجلين المسح، وهذا خطأ منهم؛ فقد تظاهرت النصوص بإيجاب غسلهما)(2).
وقال شيخ الإسلام: (ومن مسح على الرجلين فهو مبتدع مخالف للسنة المتواترة وللقرآن، ولا يجوز لأحد أن يعمل بذلك مع إمكان الغسل)(3).
وقال في موطن آخر: (فالقدم كثيراً ما يفرط المتوضئ بترك استيعابها، حتى قد اعتقد كثير من أهل الضلال أنها لا تغسل، بل فرضها مسح ظاهرها عند طائفة من الشيعة، والتخيير بينه وبين الغسل عند طائفة من المعتزلة)(4).
2 -
الصلاة:
أ- ومن ذلك ترك الجهر بالبسملة – في الصلاة الجهرية – حيث قال الإمام سفيان الثوري في اعتقاده: (وإخفاء البسملة أفضل من الجهر)(5).
وقال ابن بطة: (من السنة ألا تجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)(6).
وذلك مخالفة للرافضة الذين يستحبون الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات (7)، وكان سفيان الثوري إمام أهل الكوفة، وقد ظهر فيهم الرفض، حتى قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:(لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً)، ولذا أظهر سفيان مخالفتهم بترك الجهر بالبسملة، لاسيما أن الرافضة قد وضعوا أحاديث في الجهر بالبسملة (8) وهذه المسألة خلافية بين أهل السنة أنفسهم؛ فمنهم من استحب الجهر بالبسملة محتجاً بأدلة، ومنهم من استحب إخفاءها لأدلة (9).
والمقصود من إيرادها بيان ما كان عليه أئمة السلف من مجانبة المبتدعة والحذر من موافقتهم؛ ففي هذه الحالة تكون مصلحة مخالفتهم والتمييز عنهم بترك الجهر بالبسملة آكد من مصلحة هذا المستحب – أي الجهر بالبسملة – كما حقق ذلك شيخ الإسلام تحقيقاً دقيقاً فقال: (الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع (10)، لا الرافضة ولا غيرهم وأصول الأئمة كلهم توافق هذا.
إلى أن قال: فالجهر بالبسملة هو مذهب الرافضة، وبعض الناس تكلم في الشافعي بسببها، ونسبه إلى قول الرافضة والقدرية؛ لأن المعروف في العراق أن الجهر كان من شعار الرافضة، حتى إن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة؛ لأنه كان عندهم من شعار الرافضة .. ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا هو السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق قول الرافضة.
(1) انظر: ((فقه الإمامية)) للسالوس (ص: 101).
(2)
((شرح صحيح مسلم)) للنووي (3/ 107)، وانظر:(3/ 129، 133).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (21/ 134).
(4)
((مجموع الفتاوى)) (21/ 136).
(5)
أخرجه اللالكائي في ((أصول السنة)) (1/ 152).
(6)
((الإبانة الصغرى)) (ص: 288)، وانظر:((الإبانة الكبرى)) (ت الوابل)(2/ 287).
(7)
انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 423)، و ((فقه الأمامية)) للسالوس (ص: 181).
(8)
انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 423).
(9)
انظر: ((المجموع)) للنووي (3/ 298)، و ((المغني)) (2/ 149).
(10)
وقدر قرر ذلك الإمام النووي. انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (5/ 264).
ثم قال: إنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحباً، ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم، فإنه لم يترك واجباً بذلك، لكن قال في إظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميز السني من الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب، وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب، لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائماً) (1).
ومما يؤكد هذا التحقيق أن المروي عن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – أن الجهر بالبسملة غير مسنون (2)، ومع ذلك استحب الجهر بها لمصلحة راجحة، حتى إنه نص على أن من صلى بالمدينة يجهر بها؛ لأن أهل المدينة كانوا ينكرون على من يجهر بها (3).
ب- ومن مسائل الصلاة: المبادرة بصلاة المغرب إذا دخل وقتها.
قال ابن بطة: (ومن السنة المبادرة بصلاة المغرب إذا غاب حاجب الشمس قبل ظهور النجوم)(4).
وذلك مخالفة لليهود ومن تأثر بهم من الرافضة كما في مقالة الإمام الشعبي –رحمه الله: (واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم .. وكذلك الرافضة)(5).
قال النووي: (قد ذكرنا إجماعهم على أن أول وقتها غروب الشمس، وحكى الماوردي وغيره عن الشيعة أنهم قالوا: لا يدخل وقتها حتى تشتبك النجوم، والشيعة لا يعتد بخلافهم)(6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله عن الرافضة: (فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالاً في غاية الفساد، مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود، وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل المغرب)(7).
وقال في موضع آخر: (وهكذا روى أبو داود من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال أمتي بخير –أو على الفطرة- ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)) ورواه ابن ماجة من حديث العباس (8)، ورواه الإمام أحمد من حديث السائب بن يزيد (9).
وقد جاء مفسراً تعليله: (لا يزالون بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى طلوع النجم، مضاهاة لليهود
…
) قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الصلت بن بهرام، عن الحارث بن وهب، عن أبي عبد الرحمن الصنابحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال أمتي على مسكة ما لم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم مضاهاة لليهودية)) (10).
(1)((منهاج السنة النبوية)) (4/ 149، 150، 154) = باختصار.
(2)
انظر: ((المغني)) (2/ 149).
(3)
انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 407).
(4)
((الإبانة الصغرى)) (ص: 287).
(5)
((منهاج السنة النبوية)) (1/ 31).
(6)
((المجموع)) (3/ 38).
(7)
((منهاج السنة النبوية)) (5/ 173).
(8)
[14282])) رواه الإمام أحمد 3/ 449. قال الخطيب البغدادي ((تاريخ بغداد)) (14/ 15): غريب وقال ابن عبد الهادي ((تنقيح تحقيق التعليق)) (1/ 255) [فيه] عبد الله بن الأسود القرشي قال أبو حاتم شيخ.
(9)
[14283])) رواه ابن ماجه (689) ، والطبراني في ((الأوسط)) (2/ 214) و ((الصغير)) (1/ 56) ، والحاكم (1/ 304) ، من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال النووي في ((المجموع شرح المهذب)) (3/ 35): إسناده جيد، وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (11/ 142):[فيه] عمر وهو تالف، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(10)
[14284])) رواه أحمد (4/ 349)(19090) ، والطبراني (8/ 80)، قال ابن رجب في ((فتح الباري لابن رجب)) (3/ 240): مرسل، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 316): رجاله ثقات.
ومما يحسن إلحاقه بهذه المسألة: ما قرره ابن تيمية من مشروعية الفصل بين الفرض والنفل في صلاة الجمعة، لما جاء في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ((نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام)) (1) ثم علل ابن تيمية ذلك بقوله:(فإن كثيراً من أهل البدع لا ينوون الجمعة بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلموا، وما سلموا، فيصلون ظهراً، ويظن الظان أنهم يصلون السنة، فإذا حصل التمييز بين الفرض والنفل كان في هذا منع لهذه البدعة)(2).
د- يقرر أهل السنة مشروعية إقامة صلاة التراويح – كما هو مبسوط في موضعه– خلافاً للروافض القائلين بأنها بدعة حدثت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3).
قال الإمام أبو حنيفة في كتابه الفقه الأكبر: (والتراويح في ليالي شهر رمضان سنة)(4).
وقال الملا علي قاري في شرحه للفقه الأكبر: (وفيه رد على الروافض)(5).
وقال أبو عبد الله محمد بن خفيف في (عقيدته): (والتراويح سنة)(6).
وقال قوام السنة الأصفهاني: (ومن السنة صلاة التراويح في شهر رمضان في الجماعة)(7).
ولما سئل ابن تيمية عمن يصلي التراويح قبل العشاء الآخرة، كان من جوابه:(ولكن الرافضة تكره صلاة التراويح؛ فإذا صلوا قبل العشاء الآخرة لا تكون هي صلاة التراويح .. فمن صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة)(8).
وإذا تقرر – عند أهل السنة – استحباب صلاة التراويح خلافاً للرافضة، فإن أهل السنة وسط في هذا الباب بين غلاة المتعبدة الذين أوجبوا قيام الليل، وبين الروافض الجفاة، كما بين ذلك ابن تيمية بقوله:(وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل، فتصير الصلاة عندهم سبعاً، وهو دين النصارى، والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة، لا خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم، ولا يصلون إلا خلف المعصوم، ولا معصوم عندهم)(9).
هـ- ومسائل الصلاة التي قررها أهل السنة في كتب العقيدة كثيرة يتعسر حصرها، لكن أشير في خاتمة هذا المبحث إلى بعضها على سبيل الاختصار:
- قرر أهل السنة مشروعية قصر الصلاة في السفر – كما جاءت به السنة – وكما قال الإمام المزني – في عقيدته: (وإقصار الصلاة في الأسفار)(10).
كما قرر ذلك البربهاري (11)، وقوام السنة الأصفهاني (12)، خلافاً لبعض الخوارج الذين لا يجيزون القصر إلا مع الخوف (13).
- توسط أهل الحديث في مسألة القنوت بين من كره القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها (14)، وبين من استحبها عند النوازل وغيرها، كما حكاه ابن القيم (15).
قال ابن بطة: (ومن السنة ألا تجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا تقنت في الفجر إلا أن يدهم المسلمين أمر من عدوهم، فيقنت الإمام فيتبعه)(16).
(1) رواه مسلم (883).
(2)
((مجموع الفتاوى)) (24/ 203).
(3)
انظر: ((بحار الأنوار)) (8/ 284)، و ((فقه الشيعة الإمامية)) للسالوس (ص: 221).
(4)
((شرح الفقه الأكبر)) (ص: 106).
(5)
((شرح الفقه الأكبر)) (ص: 106).
(6)
((الفتوى الحموية)) (ص: 444).
(7)
((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 409).
(8)
((مجموع الفتاوى)) (23/ 120، 121)، وانظر:((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 81).
(9)
((منهاج السنة)) (5/ 175).
(10)
((شرح السنة)) للمزني (ص: 89).
(11)
انظر: ((شرح السنة)) (ص: 27).
(12)
انظر: ((الحجة)) (2/ 477).
(13)
انظر: ((مجموع الفتاوى))؛ لابن تيمية (24/ 22)، و ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 72).
(14)
كالإباضية فهم لا يرون القنوت. انظر: ((تهذيب الآثار)) لابن جرير (2/ 28).
(15)
انظر: ((زاد المعاد)) (4/ 375).
(16)
((الإبانة الصغرى)) (ص: 488).
- ومن المسائل التي يمكن إلحاقها ها هنا: أن لا يفرد بالصلاة على أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله خلافاً للروافض.
وقد قال ابن عباس – رضي الله عنهما: (لا أعلم صلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قاله لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فهذا مكروه منهي عنه (1).
ولذا قال البربهاري: (ولا تفرد بالصلاة على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آهل فقط)(2).
ومما سطره ابن القيم أثناء تحريره مسألة (الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه) ما يلي: (وإن كان شخصاً معيناً أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولاسيما إذا جعلها شعاراً له، ومنع منها نظيره أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه؛ فإنه حيث ذكره قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع لا سيما إذا اتخذ شعاراً لا يخل به، فتركه حينئذ متعين)(3).
3 -
الجنازة:
أ- قرر أهل السنة مشروعية الصلاة على من مات من أهل القبلة.
كما قال الإمام الطحاوي: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم)(4).
وقال البربهاري: (والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة)(5).
وقرر قوام السنة الأصفهاني هذه المسألة بقوله: (فمن مذهبهم الصلاة على من مات من أهل القبلة)(6).
وإذا تقرر مشروعية الصلاة على من مات من أهل القبلة، ففي ذلك رد على الخوارج – ومن تبعهم الذين يكفرون مرتكب الكبيرة فلا يصلون عليه، كما أن في هذا التقرير إجراء لأحكام الإسلام على أهل القبلة باعتبار ظواهرهم والله عز وجل يتولى سرائرهم.
ب- ومما قرره علماء أهل السنة في هذا المقام أن الأموات – من المسلمين- ينتفعون بدعاء الأحياء وصدقاتهم كما جاءت بذلك الأدلة الصحيحة.
قال الأشعري: (ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم، ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك)(7).
وقال الطحاوي: (وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات)(8).
وفي هذا التقرير رد على المبتدعة الذين ينكرون ذلك، وكما قال النووي:(وأما ما حكاه الماوردي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب فهو مذهب باطل قطعاً وخطأ بين مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه)(9).
وقال ابن أبي العز الحنفي: (وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء ألبتة لا الدعاء ولا غيره)(10).
وصرح الشوكاني بأنهم المعتزلة (11).
4 -
الحج:
قرر أئمة أهل السنة أن متعة الحج سنة ثابتة، فتوسطوا بين من أوجبها وحرم ما عداها – كالشيعة - وبين من حرم المتعة – كالناصبة.
قال قوام السنة الأصفهاني: (ومتعة الحج سنة ثابتة)(12).
(1) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 73)، و ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 302).
(2)
((شرح السنة)) (ص: 58).
(3)
((جلاء الأفهام)) (ص: 290)، وانظر:((المجموع)) للنووي (6/ 146)، و ((فتح الباري)) (11/ 170).
(4)
((شرح الطحاوية)) (2/ 529).
(5)
((شرح السنة)) (ص: 31)، وانظر:((الواضحة)) لابن الحنبلي (ص: 1085).
(6)
((الحجة)) (2/ 477).
(7)
((الإبانة)) (ص: 62).
(8)
((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 663).
(9)
((شرح صحيح مسلم)) للنووي (1/ 90).
(10)
((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 663).
(11)
انظر: ((نيل الأوطار)) (5/ 114).
(12)
((الحجة)) (2/ 266).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولكن بعض الخارجين عن الجماعة يوجب أو يمنع ذلك؛ فمن الشيعة من يوجب المتعة ويحرم ما عداها، ومن الناصبة من يحرم المتعة ولا يبيحها بحال)(1).
وما ظهر للإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله استحباب متعة الحج قرر ذلك وأظهره (حتى قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد: يا أبا عبد الله! قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة، فقال: يا سلمة! كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدفع عنك، والآن، فقد ثبت عندي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثاً صحاحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أتركها لقولك؟)(2).
فالأصل أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، لكن إن كان في فعل المستحب مفسدة راجحة مثل مشابهة المبتدعة، فإن مصلحة التميز عنهم آكد من مصلحة هذا المستحب (3)، كما سبق تقريره.
5 -
النكاح:
توسط أهل السنة في هذا الباب بين من أحل ما حرم الله تعالى؛ كمن أباح نكاح المتعة، وأشنع من ذلك من أباح نكاح التحليل، وبين من حرم ما أحل الله تعالى؛ كمن حرم نكاح المحصنات من أهل الكتاب، فأحل أهل السنة ما أحل الله تعالى ورسوله وحرموا ما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقرر أهل السنة في عقائدهم حرمة نكاح التحليل والمتعة؛ حيث قال ابن بطة: (ومن السنة أن يعلم أن المتعة حرام إلى يوم القيامة)(4).
وقال البربهاري: (واعلم أن المتعة – متعة النساء- والاستحلال حرام إلى يوم القيامة)(5).
وقال قوام السنة الأصفهاني: (ومتعة النساء حرام إلى يوم القيامة)(6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه صلى الله عليه وسلم حرم المتعة بعد إحلالها)(7).
وتحدث شيخ الإسلام عن شناعة نكاح التحليل، فكان مما قاله:(يوجد في نكاح التحليل من الفساد أعظم مما يوجد في نكاح المتعة (8)؛ إذ المتمتع قاصد للنكاح إلى وقت، والمحلل لا غرض له في ذلك؛ فكل فساد نهى عنه المتمتع فهو في التحليل وزيادة؛ ولهذا تنكر قلوب الناس التحليل أعظم مما تنكر المتعة، والمتعة أبيحت أول الإسلام، وتنازع السلف في بقاء الحل، ونكاح التحليل لم يبح قط، ولا تنازع السلف في تحريمه.
ومن شنع على الشيعة بإباحة المتعة مع إباحته للتحليل فقد سلطهم على القدح في السنة، كما تسلطت النصارى على القدح في الإسلام بمثل إباحة التحليل، حتى قالوا: إن هؤلاء قال لهم نبيهم: إذا طلق أحدكم امرأته لم تحل له حتى تزني؛ وذلك أن نكاح التحليل سفاح كما سماه الصحابة بذلك) (9).
وبسط ابن القيم الحديث عن قبائح التحليل ومفاسده، فكان مما قاله: (وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلى ربها مفسدة التحليل، وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رمد بل عمى في عين الدين، وشجى في حلوق المؤمنين، من قبائح تشمت أعداء الدين به، وتمنع كثيراً ممن يريد الدخول فيه بسببه، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدونها من أفضح الفضائح، وقد قلبت من الدين رسمه، وغيرت منه اسمه، وضمخ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل.
(1)((مجموعة الفتاوى)) (22/ 368).
(2)
((منهاج السنة النبوية)) (4/ 152).
(3)
انظر: ((منهاج السنة النبوية)) (4/ 149، 154).
(4)
((الإبانة الصغرى)) (ص: 295).
(5)
((شرح السنة)) (ص: 41).
(6)
((الحجة)) (2/ 438) = باختصار، وانظر (2/ 266).
(7)
((منهاج السنة النبوية)) (4/ 190).
(8)
ذكر شيخ الإسلام أن نكاح التحليل أعظم فساداً من نكاح المتعة من عشرة أوجه. انظر: ((إغاثة اللهفان)) (1/ 417 - 421).
(9)
((مجموع الفتاوى)) (30/ 223، 224)، وانظر:(32/ 156، 33/ 39).
إلى أن قال: ثم سل من له أدنى اطلاع على أحوال الناس: كم من حرة مصونة أنشب فيها المحلل مخالب إرادته فصارت له بعد الطلاق من الأخدان، وكان بعلها منفرداً بوطئها، فإذا هو والمحلل فيها ببركة التحليل شريكان، فلعمر الله كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء، وألقاها بين براثن العشراء، ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها
…
) (1).
وجاء تقرير حرمة نكاح المتعة خلافاً للروافض الذين يزعمون أن (متعة النساء خير العبادات وأفضل القربات، ويوردون في فضائلها أخباراً كثيرة موضوعة ومفتراة)(2).
وقد حكى الإجماع على تحريم نكاح المتعة غير واحد من الأئمة، كما بينه الحافظ ابن حجر بقوله:(قال ابن المنذر: لا أعلم اليوم أحداً يجيزها إلا بعض الروافض، ولا معتمد لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته؛ فقد صح عن علي أنها نسخت، ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه. وقال القرطبي: الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض)(3).
وأباح جمهور السلف الصالح نكاح المحصنات من أهل الكتاب، كما جاء في قوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] وحرم الرافضة ما أحل الله فمنعوا نكاح الكتابيات (4).
قال ابن تيمية عن أولئك الروافض: (هؤلاء يحرمون نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم، وهذا ليس من أقوال أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالفتيا، ولا من أقوال أتباعهم، وهو خطأ مخالف للكتاب والسنة والإجماع القديم)(5).
6 -
الأطعمة والأشربة:
أ- عني أهل السنة بأكل الحلال تقريراً وتحقيقاً، فأثبتوه في عقائدهم، حتى قال الفضيل بن عياض:(إن لله عباداً يحيي بهم البلاد والعباد، وهم أصحاب سنة، من كان يعقل ما يدخل جوفه من حله كان في حزب الله تعالى)(6).
وقال سهل بن عبد الله التستري: (أصولنا ستة: التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق)(7).
ووصف شيخ الإسلام الصابوني أهل الحديث أنهم يتواصون بالتعفف في المآكل والمشارب والمنكح والملبس (8).
وقال قوام السنة الأصفهاني: (ومن مذهب أهل السنة التورع في المآكل والمشارب والمناكح)(9).
(1)((إعلام الموقعين)) (3/ 41، 43).
(2)
((مختصر التحفة الإثني عشرية)) (ص: 227).
(3)
((فتح الباري)) (9/ 173).
(4)
ومع أن الرافضة حرموا نكاح الكتابيات، إلا أنهم غلب عليهم الإباحية والفجور، فقارفوا عارية الفرج والزنا – باسم المتعة – وأباحوا وطء الناس النساء في أدبارهن كما هو مقرر في كتبهم. انظر:((أصول الشيعة)) للقفاري (3/ 1234، 1237).
(5)
((مجموع الفتاوى)) (35/ 213)، وانظر:(32/ 181).
(6)
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (8/ 104)، واللالكائي (1/ 65).
(7)
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (10/ 190)، وانظر ((الحلية)) (9/ 310).
(8)
انظر: ((عقيدة السلف)) للصابوني (ص: 297).
(9)
((الحجة)) (2/ 528).
ب- ومع تحرز أهل السنة في الأطعمة والأشربة وحرصهم على أكل الحلال .. إلا أنهم لم يتشددوا في ذلك فلم يحرموا ما أحل الله تعالى؛ كما وقع فيه بعض أهل البدع، بل كانوا وسطاً بين أهل الفجور والشهوات، وبين أصحاب الرهبانية والتشدد الذين حرموا ما أحل الله من الطيبات، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ [المائدة: 87 - 88].
قال شيخ الإسلام: (نهى سبحانه عن تحريم ما أحل من الطيبات، وعن الاعتداء في تناولها، وهو مجاوزة الحد، وقد فسر الاعتداء في الزهد والعبادة بأن يحرموا الحلال ويفعلوا من العبادة ما يضرهم، فيكونوا قد تجاوزوا الحد وأسرفوا، وقيل لا يحملنكم أكل الطيبات على الإسراف وتناول الحرام من أموال الناس، فإن آكل الطيبات والشهوات المعتدي فيها لابد أن يقع في الحرام لأجل الإسراف في ذلك)(1).
ج- رد أهل السنة على الذين حرموا ما أحل الله تعالى، فقرروا أن البيع والشراء حلال، وكذا سائر المباحات من أنواع المكاسب والمطاعم، كما ردوا على ما ادعاه بعضهم من إطباق الحرام وخلو الأرض من الحلال.
ولما غلب على طوائف من المتصوفة تحريم الحلال وترك المكاسب المباحة (2)، قام بالرد عليهم المشتغلون بعقائد الصوفية الأوائل.
ومن ذلك ما قرره ابن خفيف بقوله: (ومما نعتقده أن الله أباح المكاسب والتجارات والصناعات، وإنما حرم الله الغش والظلم، وأن من قال بتحريم المكاسب فهو ضال مضل مبتدع .. وإنما حرم الله ورسوله الفساد لا الكسب والتجارة، فإن ذلك على أصل الكتاب والسنة جائز إلى يوم القيامة.
وأن مما نعتقده أن الله لا يأمر بأكل الحلال ثم يعدمهم الوصول إليه من جميع الجهات؛ لأن ما طالبهم به موجود إلى يوم القيامة، والمعتقد أن الأرض تخلو من الحلال، والناس يتقلبون في الحرام فهو مبتدع ضال، إلا أنه يقل في موضع ويكثر في موضع، لا أنه مفقود من الأرض) (3).
وقال الكلاباذي: (أجمعوا على إباحة المكاسب من الحرف والتجارات والحرث، وغير ذلك مما أباحته الشريعة عن تيقظ وتثبت وتحرز من الشبهات)(4).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل نقل عن بعض السلف من الفقهاء أنه قال: أكل الحلال متعذر لا يمكن وجوده في هذا الزمان.
فكان من جوابه: (هذا القائل الذي قال: أكل الحلال متعذر، لا يمكن وجوده في هذا الزمان. غالط مخطئ في قوله باتفاق أئمة الإسلام، فإن مثل هذه المقالة كان يقولها بعض أهل البدع، وبعض أهل الفقه الفاسد، وبعض أهل النسك الفاسد، فأنكر الأئمة ذلك، حتى الإمام أحمد في ورعه المشهور كان ينكر مثل هذه المقالة (5).
إلى أن قال: ومثل هذا كان يقوله بعض المنتسبين إلى العلم من أهل العصر، وبناء على هذه الشبهة الفاسدة، وهو أن الحرام قد غلب على الأموال لكثرة الغصوب والعقود الفاسدة ولم يتميز الحلال من الحرام.
ووقعت مثل هذه الشبهة عند طائفة من مصنفي الفقهاء، فأفتوا بأن الإنسان لا يتناول إلا مقدار الضرورة، وطائفة لما رأت مثل هذا الحرج سدت باب الورع
…
) (6).
(1)((مجموع الفتاوى)) (14/ 457، 458).
(2)
انظر تفصيل ذلك مع الرد عليهم في كتاب ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (الباب العاشر).
(3)
((الفتوى الحموية)) لابن تيمية (ص: 458).
(4)
((التعرف لمذهب أهل التصوف)) (ص: 102، 103).
(5)
انظر تفصيل ذلك في كتاب ((الحث على التجارة)) للخلال.
(6)
((مجموع الفتاوى)) (29/ 311، 312) = باختصار، وانظر:(29/ 593).
د- قرر أهل السنة – في عقائدهم – إباحة المكاسب والطيبات، خلافاً لليهود ومن سلك سبيلهم من الرافضة والمعتزلة.
يقول البربهاري: (واعلم أن الشراء والبيع حلال، ما بيع في أسواق المسلمين حلال، ما بيع على حكم الكتاب والسنة من غير أن يدخله تغيير أو ظلم)(1).
وقال ابن بطة: (ولا تحرم شيئاً مما أحله الله فإن فاعل ذلك مفتر على الله، راد لقوله معتد ظالم
…
ثم إن الروافض تشبهت باليهود في تحريم ما أحل الله
…
وحرموا الجري (ضرب من السمك لا يأكله اليهود) ولحم الجزور) (2).
وقال أبو عمرو الداني: (وأكل الحلال فريضة، لقوله تعالى: كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ [المؤمنون: 51] وتجنب الشبهات واتقاؤها من كمال الورع، وفي ذلك السلامة من الحرام لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) (3)، والحلال موجود وغير معدوم، قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] وقال: وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ [البقرة: 188]، والتجارة رزق الله، وحلال من حلال الله تعالى، ولو كان الحلال معدوماً على ما يزعمه بعض المعتزلة لصار الحرام مباحاً للضرورة) (4).
وقال قوام السنة الأصفهاني: (والشراء والبيع حلال إلى يوم القيامة على حكم الكتاب والسنة)(5).
هـ- قرر جمهور أهل السنة أن كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام. سواء كان من العنب أو غيره، خلافاً لأهل الكوفة الذين فرقوا بين ماء العنب وغيره، فلم يحرموا من غيره إلا القدر المسكر خاصة، وأما القليل الذي لا يسكر فلا يحرم عندهم (6).
(وأظهر الإمام أحمد بن حنبل مذهب أهل الحديث ومخالفة الكوفيين فيما خالفوا فيه السنة، وصنف كتاب الأشربة، وكان يقرؤه على الناس، لكثرة من يشرب المسكر هناك، حتى كان يدخل الرجل بغداد – مع أنها كانت أعظم مدائن الإسلام – فيقول: هل فيها من يحرم النبيذ؟ - يعني المختلف فيه – يقولون: لا، إلا أحمد بن حنبل، كما ذكر ذلك الخلال)(7).
وعقد الإمام البخاري – في كتاب الأشربة – باباً بعنوان: (باب الخمر من العنب وغيره) ومراده الرد على الكوفيين الذين فرقوا بين ماء العنب وغيره .. كما قاله ابن المنير (8).
وجاء هذا التحريم مقرراً في كتب الاعتقاد كما قال أبو عمرو الداني: (وكل شراب من عنب أو زبيب أو تمر أو تين أو عسل أو حنطة أسكر كثيره فقليله حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البتع –وهو شراب يصنع من العسل-: ((كل شراب أسكر كثيره فهو حرام)).) (9).
وقال شيخ الإسلام الصابوني: (ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة: المتخذ من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة، أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره)(10).
وقال قوام السنة الأصفهاني: (وكل شراب يسكر كثيره فقليله حرام)(11).
8 -
الحدود:
(1)((شرح السنة)) (ص: 96)، وانظر:(ص: 112، 113).
(2)
((الإبانة الصغرى)) (ص: 292).
(3)
رواه البخاري (52) ومسلم (1599).
(4)
((الرسالة الوافية)) (ص: 145، 146).
(5)
((الحجة)) (2/ 266).
(6)
انظر: ((المغني)) لابن قدامة (12/ 495)، و ((مجموع الفتاوى)) (34/ 186).
(7)
((نظرية العقد)) لابن تيمية (ص: 84، 85) = بتصرف يسير.
(8)
انظر: ((فتح الباري)) (10/ 35).
(9)
((الرسالة الوافية)) (ص: 146) والحديث أخرجه أبو داود (3683) والترمذي (1985) والنسائي (5625) وابن ماجه (3518) سكت عنه أبو داود [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه الألباني ((صحيح سنن أبي داود)) (3681)
(10)
((عقيدة السلف)) (ص: 297).
(11)
((الحجة)) (2/ 266).
قرر أهل السنة حد الرجم – في حق الزاني المحصن – في عقائدهم كما جاءت بذلك الأدلة الثابتة، خلافاً للحرورية وبعض المعتزلة المنكرين للرجم.
قال الإمام أحمد بن حنبل في اعتقاده: (والرجم حق على من زنا وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه البينة)(1).
وقال البربهاري: (والرجم حق)(2).
وقال ابن بطال: (أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامداً عالماً مختاراً فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج)(3).
وقال ابن قدامة: (وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلاً كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الخوارج)(4).
نخلص من خلال استقراء هذه الفروع الواردة في كتب الاعتقاد إلى النتائج الآتية:
أولاً: ساق أئمة السلف جملة من الفروع والعبادات في ثنايا مصنفاتهم في العقيدة باعتبار أن دين الله تعالى يشمل الأصول والفروع، والاعتقادات والأعمال، كما جاء في مثل قوله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ
…
الآية [البقرة: 177].
وكما جاء في مثل حديث عمرو بن عبسة –رضي الله عنه حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأي شيء أرسلك؟ فقال رسول الله: ((أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأصنام، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء)) (5).
وإذا كان اسم الدين يشمل العقائد والأعمال، فكذلك اسم الشريعة ينتظم كل ما شرعه الله من العقائد والأعمال – كما هو اصطلاح غالب أهل الحديث -، كما أن (السنة)، كذلك فتستوعب كل ما سن الرسول وما شرعه في العقائد والأعمال (6).
وإذا تقرر ذلك فلا إشكال في إيراد مسائل الفروع ضمن مصنفات لأهل السنة التي تسمى (السنة) أو (الشريعة) ونحوهما، وإن كانوا قد يطلقون (السنة) أو (الشريعة). على ما يتعلق بمسائل الاعتقاد فقط.
ثانياً: يظهر من خلال الفروع الواردة وسطية أهل السنة في باب الفروع، كما كانوا وسطاً في باب الاعتقاد، فسلموا من الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء.
يقول شيخ الإسلام – في هذا الصدد-: (وقد تأملت ما شاء الله من المسائل التي يتباين فيها النزاع نفياً وإثباتاً حتى تصير مشابهة لمسائل الأهواء
…
فوجدت كثيراً منها يعود بالصواب فيه إلى الوسط .. وكذلك هو الأصل المعتمد في المسائل الخبرية العلمية التي تسمى أصول الدين) (7).
ويقول –في موضع آخر-: (الانحراف عن الوسط كثير في أكثر الأمور في أغلب الناس)(8).
(1) أخرجه اللالكائي (1/ 162)، وانظر:((اعتقاد ابن المديني)) كما جاء في اللالكائي (1/ 168).
(2)
((شرح السنة)) (ص: 27).
(3)
((فتح الباري)) (12/ 118)، وانظر:(12/ 148).
(4)
((المغني)) (12/ 309)، وانظر:((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/ 339).
(5)
رواه مسلم (832).
(6)
انظر تفصيل ذلك في: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (19/ 134، 306)، و ((الاستقامة)) (2/ 310، 311)، و ((النبوات)) (1/ 329)، و ((كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة)) لابن رجب (ص: 20).
(7)
((مجموع الفتاوى)) (21/ 141) = باختصار.
(8)
((مجموع الفتاوى)) (3/ 359)، وانظر:((مدارج السالكين)) (2/ 308)، و ((الموافقات)) (2/ 167).
ثالثاً: يتبين من خلال النظر في الفروع المذكورة أن الإفراط والتشديد يفضي إلى التفريط والتساهل، وأن تحريم الحلال يؤول إلى ارتكاب الحرام.
كما وضحه ابن تيمية بقوله: (وهكذا من غلا في الزهد والورع حتى خرج عن الحد الشرعي، ينتهي أمره إلى الرغبة الفاسدة وانتهاك المحارم كما قد رئي ذلك وجرب)(1).
فالرافضة – مثلاً – حرمت نكاح المحصنات من أهل الكتاب، فاستحلت الزنا والفواحش باسم المتعة، وقد أشار ابن بطة إلى ذلك بقوله: (ثم إن الروافض تشبهت باليهود في تحريم ما أحل الله، وردوا على الله قوله
…
ولعل الأكثر منهم ممن يحرم هذا يزني ويشرب الخمر) (2).
كما آل أهل الورع الفاسد – الذين زعموا أن أكل الحلال متعذر – إلى الإباحية، فصار الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا، وسبب ذلك كما بينه ابن تيمية بقوله عنهم:(لأنهم ظنوا مثل هذا الظن الفاسد وهو أن الحرام قد طبق الأرض، ورأوا أنه لابد للإنسان من الطعام والكسوة، فصاروا يتناولون ذلك من حيث أمكنهم، فلينظر العاقل عاقبة ذلك الورع الفاسد، كيف أورث الانحلال من دين الإسلام)(3).
رابعاً: نلحظ من خلال إيراد تلك الفروع ما كان عليه السلف الصالح من تعظيم السنة وتوقيرها، وذلك بإظهارها ونشرها لاسيما عند خفائها واندراسها.
ومن ذلك أن الإمام سفيان الثوري كان يقول: (إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي، وإذا كنت بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر)(4).
وكما مر آنفاً أن الإمام أحمد بن حنبل أظهر في بغداد تحريم النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – فألف كتاب الأشربة، حتى إن الرجل يدخل بغداد فيقول: هل فيها من يحرم النبيذ؟ فيقولون: لا، إلا أحمد بن حنبل.
ومما يحسن ذكره هاهنا ما سطره ابن تيمية قائلاً: (وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان: أحدهما: تكلمهم في علي، والثاني: تأخير الصلاة عن وقتها.
ولهذا رئي عمر بن مرة الجملي بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر له بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها، وحبي علي بن أبي طالب، فهذا حافظ على هاتين السنتين حين ظهر خلافهما، فغفر الله له بذلك، وهكذا شأن من تمسك بالسنة إذا ظهرت البدعة، مثل من تمسك بحب الخلفاء الثلاثة حيث يظهر خلاف ذلك وما أشبهه) (5).
خامساً: يتمثل من خلال الفروع المذكورة شذة حرص السلف الصالح على إظهار مخالفة الكفار والمبتدعة، وأن إظهار مجانبة سبيل الكافرين والمبتدعين أمر مقصود سواء كان في العقائد أو الفروع.
ومن ذلك أن مقالة ابن عباس رضي الله عنهما: لا أعلم صلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنما قالها لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره، كما سبق إيراده.
وكان أئمة السلف يذكرون ما يتميزون به في عقائدهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما يتميز به أهل السنة عن الكفار والمبتدعين)(6).
فإن كان هؤلاء الأئمة يذكرون تميزهم في الاعتقاد، فكذلك يذكرون تميزهم في الفروع عن المخالفين من المبتدعة والكافرين.
(1)((منهاج السنة النبوية)) (3/ 400).
(2)
((الإبانة الصغرى)) (ص: 293) = باختصار، وكما قال عنهم الملطي: (اعلموا أن في الرافضة اللواط والأبنة والحمق والزنا
…
) ((التنبيه)) (ص: 44).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (29/ 312).
(4)
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (7/ 260)، وانظر:(7/ 26).
(5)
((منهاج السنة النبوية)) (8/ 239).
(6)
((شرح الأصفهانية)) (ص: 14)، وانظر:((الحجة لقوام السنة)) الأصفهاني (2/ 473).
لاسيما وأن الأدلة الشرعية تذم عموم الابتداع في الدين سواء كان في العقائد أو غيرها كما حرره الشاطبي (1).
كما أن ظهور البدع سبب في خفاء السنة وانطماسها، كما في حديث غضيف بن الحارث– رضي الله عنه – قال: بعث إلى عبد الملك بن مروان فقال: إنا قد جمعنا على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة، وعلى القصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة)) (2).
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على القصة: (وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة، فما ظنك بما لا أصل له فيها. فكيف بما يشتمل على ما يخالفها؟)(3).
سادساً: وكما حذر السلف من مخالفة الكفار والمبتدعين، حذروا أيضاً من أرباب الأقوال الإمام الأوزاعي:(من أخذ بقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في الصرف، وبقول أهل المدينة في الغناء، فقد جمع الشر كله)(4).
وكما قال عبد الله بن المبارك: (لا تأخذوا عن أهل مكة في الصرف شيئاً، ولا عن أهل المدينة في الغناء شيئاً)(5).
وذلك أن أهل الكوفة عرفوا بإباحة النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – كما أن أهل مكة أجازوا الصرف، حيث نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه أجاز ربا الفضل (6). كما عرف بعض أهل المدينة بالترخص في الغناء (7).
فهذه الرخصة – كما يقول ابن القيم – (تتبعها حرام، ويوهن الطلب، ويرجع بالمترخص إلى غثاثة الرخص)(8).
سابعاً: نلحظ من خلال النظر في تلك الفروع – المذكورة في كتب الاعتقاد – تفاوتها كما ونوعاً، وتنوعها حسب تباين هذه الكتب زماناً ومكاناً وحالاً، فمن الفروع ما يكثر إيراده دون غيره، ومن الفروع ما يذكر في مصنف دون مصنف آخر، فهذا التفاوت والتباين حسب الأحوال والملابسات التي تصاحب تأليف هذه المصنفات.
ثامناً: يبدو– من خلال تتبع الأمثلة المذكورة في الفروع – أن أعظم طوائف المبتدعة انحرافاً في الأصول والاعتقاد هم أعظم انحرافاً في الفروع؛ فالرافضة – مثلاً – أشد ضلالاً من الخوارج والمعتزلة في الاعتقاد، ومن ثم كانت مخالفتهم وشذوذهم في المسائل الفقهية سواء في العبادات أو المعاملات أكثر وأظهر.
تاسعاً: يظهر من خلال بعض الفروع الواردة – ما كان عليه السلف الصالح من ذم الحيل المفضية إلى الحرام وما فيها من المخادعة والاستخفاف بشرع الله تعالى، والصد عن سبيل الله تعالى، وشماتة أعداء الإسلام وتسلطهم، كما هو ظاهر في نكاح التحليل، كما يظهر أيضاً عناية السلف الصالح بقاعدة سد الذرائع علماً وتحقيقاً.
قال الشاطبي: (سد الذرائع مطلوب مشروع، وهو أصل من الأصول القطعية في الشرع)(9).
(1) انظر: ((الاعتصام)) (2/ 198).
(2)
رواه أحمد 4/ 105 قال الشوكاني ((نيل الأوطار)) (3/ 333): في إسناده ابن أبي مريم وهو ضعيف وبقية وهو مدلس. وقال الألباني ((ضعيف الترغيب)) (37): ضعيف
(3)
((فتح الباري)) (13/ 253، 254).
(4)
((الاستقامة)) لابن تيمية (1/ 274).
(5)
((شرح السنة)) للبربهاري (ص: 52).
(6)
قال ابن قدامة: (والمشهور أن ابن عباس رجع إلى قول الجماعة)((المغني)) (6/ 52).
(7)
ولما سئل الإمام مالك عن ذلك الترخص قال: إنما يفعله عندنا الفاسق. انظر: ((الاستقامة)) (1/ 274).
(8)
((مدارج السالكين)) (2/ 58).
(9)
((الموافقات)) (3/ 61).
وقال ابن القيم: (وإذا تدبرت الشريع وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس فتح باب الحيل الموصلة إليها، فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك، فبين البابين أعظم تناقض، والشارع حرم الذرائع، وإن لم يقصد بها المحرم، لإفضائها إليه، فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه؟)(1).
وحذر ابن القيم من التوثب على محارم الله تعالى باسم الحيل فقال: (فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلصه من الله ما أظهره مكراً وخديعة من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يوماً تنسف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتبلى فيه السرائر، ويصير الباطن فيه ظاهراً، ويحصل ويبدو ما في الصدور، كما يبعثر ويخرج ما في القبور، وتجري أحكام الرب تعالى هنالك على القصود والنيات، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الأقوال والحركات، يوم تبيض وجوه بما في قلوب أصحابها من النصيحة لله ورسوله وكتابه، وما فيها من البر والصدق والإخلاص للكبير المتعال، وتسود وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة والغش والكذب والمكر والاحتيال، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يعلبون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون)(2). مسائل الفروع الواردة في مصنفات العقيدة جمعاً ودراسة لعبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف– ص: 4
(1)((إغاثة اللهفان)) (1/ 531).
(2)
((إعلام الموقعين)) (3/ 163، 164) = باختصار يسير.