المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه - الموسوعة العقدية - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌6 - ومن فضلهم: أنهم ورثة الأنبياء

- ‌7 - أنهم ممن أراد الله عز وجل بهم الخير

- ‌8 - أن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين يصلون على معلم الناس الخير

- ‌9 - أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس

- ‌10 - العلماء هم الدعاة إلى الله عز وجل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التحذير من زلة العالم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الناس تجاه زلة العالم

- ‌أولاً: اعتقاد عدم عصمة العالم وأن الخطأ لا يستلزم الإثم

- ‌ثانيا: أن نثبت له الأجر ولا نقلده على خطئه

- ‌ثالثا: عدم الاعتماد عليها وترك العمل بها

- ‌رابعا: أن يلتمس العذر للعالم، ويحسن الظن به، ويقيله عثرته

- ‌خامسا: أن يحفظ للعالم قدره، ولا يجحد محاسنه

- ‌سادسا: إسداء النصح له

- ‌المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء، وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً

- ‌المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة

- ‌المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: الأدلة على وجوب الإمامة

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المطلب الثالث: الإجماع

- ‌المطلب الرابع: القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

- ‌المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى

- ‌المطلب السادس: الإمامة من الأمور التي تقتضيها الفطرة وعادات الناس

- ‌المبحث الأول: الإسلام

- ‌المبحث الثاني: البلوغ

- ‌المبحث الثالث: الحرية

- ‌المبحث الرابع: أن يكون ذكرًا

- ‌المبحث الخامس: العلم

- ‌المبحث السادس: العدالة

- ‌المبحث السابع: الكفاءة النفسية

- ‌المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية

- ‌المبحث التاسع: عدم الحرص عليها

- ‌المبحث العاشر: القرشية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الواجبات الأساسية

- ‌المقصد الأول: إقامة الدين

- ‌المقصد الثاني: سياسة الدنيا بهذا الدين

- ‌المبحث الثاني: واجبات فرعية

- ‌المبحث الأول: حق الطاعة

- ‌المبحث الثاني: النصرة والتقدير

- ‌المبحث الثالث: المناصحة

- ‌المبحث الرابع: حق المال

- ‌المبحث الخامس: مدة صلاحية الحاكم للإمامة

- ‌المطلب الأول: أداء الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌المطلب الثاني: الجهاد معه

- ‌المطلب الثالث: الحج معه

- ‌المبحث الأول: مسببات العزل

- ‌المبحث الثاني: حكم الخروج على الأئمة

- ‌تمهيد

- ‌مبحث: حكم تعدد الأئمة

- ‌المبحث الأول: معنى المعروف والمنكر لغة

- ‌المبحث الثاني: معنى المعروف والمنكر شرعاً

- ‌المبحث الثالث: المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما، وانفراد أحدهما

- ‌المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثاني: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المطلب الأول: الأدلة على فضله من القرآن الكريم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار المترتبة على تركه

- ‌المطلب الأول: الحكم العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفرع الأول: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا

- ‌الفرع الثاني: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحبا

- ‌الفرع الثالث: حالة كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرما

- ‌المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة

- ‌تمهيد

- ‌الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية

- ‌الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح

- ‌الفرع السادس: العمل عند تزاحم المفاسد

- ‌المطلب الثاني: تقليل العلائق مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك

- ‌المطلب الثالث: الإسرار بالنصح

- ‌المطلب الرابع: قصد النصح لجميع الأمة

- ‌المطلب الخامس: قصد رحمة الخلق والشفقة عليهم

- ‌المطلب السادس: ستر العورات والعيوب

- ‌المطلب السابع: الاغتمام بمعصية المسلم والتأسف لتعرضه لغضب الله

- ‌المطلب الثامن: الغيرة على المسلمين

- ‌المطلب التاسع: تواضع الآمر الناهي في أمره ونهيه

- ‌المطلب الأول: كونه منكراً

- ‌المطلب الثاني: أن يكون موجوداً في الحال

- ‌المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

- ‌المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها

- ‌المطلب الأول: القدرة والاستطاعة

- ‌المطلب الثاني: ضابط الاستطاعة

- ‌المطلب الأول: تغيير المنكر باليد وأدلته

- ‌الفرع الأول: المنكرات التي يجوز إتلافها باليد

- ‌الفرع الثاني: هل يضمن المنكر ما أتلفه

- ‌المطلب الثالث: شروط تغيير المنكر باليد وضوابطه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: النهي بالوعظ والنصح والتخويف من الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: الغلظة بالقول

- ‌المطلب الرابع: التهديد والتخويف

- ‌المطلب الأول: أهمية التغيير بالقلب

- ‌المطلب الثالث: فوائد الإنكار بالقلب وثمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف الهجر لغةً وشرعاً

- ‌المطلب الثاني: أنواع الهجر

- ‌المطلب الثالث: أقسام الناس بالنسبة للهجر

- ‌المطلب الرابع: الهجر المحرم

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة الإنكار على السلطان

- ‌المطلب الثاني: كيفية الإنكار على السلطان

- ‌المبحث السابع: تغيير الابن على والده

- ‌المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده

- ‌المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها

- ‌المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها

- ‌الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية

- ‌الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين

- ‌الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)

- ‌الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)

- ‌الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)

- ‌المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة

- ‌المبحث الثاني: شروط الولي

- ‌المطلب الأول: أقسام الأولياء

- ‌تمهيد

- ‌مسألة: من أفضل الأولياء

- ‌المبحث الرابع: الشهادة لمعين بالولاية

- ‌المطلب الأول: تعريف الكرامة لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الكرامة اصطلاحا

- ‌المطلب الأول: ما جاء في الكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في كرامات الصحابة والتابعين

- ‌المطلب الأول: أنواع الخوارق من ناحية القدرة والتأثير

- ‌المطلب الثاني: أنواع الخوارق من ناحية كونها نعمة أو نقمة

- ‌المطلب الثالث: أنواع الخوارق من ناحية المدح أو الذم أو الإباحة

- ‌المطلب الرابع: أنواع الخوارق من ناحية كونها كمالا أو نقصا

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية

- ‌المبحث الخامس: الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الفصل الأول: المسح على الخفين

- ‌الفصل الثاني: مسائل فقهية أخرى

- ‌المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة

- ‌المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا

- ‌المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن

- ‌المبحث الثاني: الأدلة العقلية

- ‌المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن

- ‌المبحث الأول: المادة التي خلق منها الجن

- ‌أولا: قدرتهم على التشكل

- ‌ثانيا: مدى إمكانية رؤيتهم

- ‌المطلب الثاني: الجن يتناكحون ويتناسلون

- ‌المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون

- ‌المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة

- ‌المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت

- ‌المطلب السادس: ما تعجز عنه الجن

- ‌المبحث الثالث: الأماكن التي يسكنها الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أصناف الجن من حيث أصل خلقتهم، وقوتهم

- ‌المطلب الثاني: أصناف الجن من حيث إنتسابهم إلى قبائل وأماكن

- ‌المطلب الثالث: أصناف الجن من حيث الإيمان والكفر، والصلاح والفساد

- ‌المطلب الأول: تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: أوصاف إبليس

- ‌1 - الرجيم:

- ‌2 - المارد:

- ‌3 - الوسواس الخناس:

- ‌المطلب الثالث: الجنس الذي منه إبليس

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على تكليف الجن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة

- ‌المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة

- ‌المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة

- ‌المبحث الأول: أهداف الشيطان

- ‌المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس

- ‌المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان

- ‌المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء

- ‌المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح

- ‌المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي

- ‌المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها

- ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: الأدلة من أقوال السلف الصالح

- ‌المطلب الأول: البدعة لغة

- ‌المطلب الثاني: البدعة اصطلاحاً

- ‌المطلب الأول: الأدلة من النظر على ذمِّ البدع

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من النقل على ذم البدع

- ‌المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة

- ‌المبحث الرابع: أنواع البدع

- ‌المطلب الأول: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌المطلب الثاني: انقسام البدعة إلى فعلية وتركية

- ‌المطلب الثالث: انقسام البدعة إلى اعتقادية وعملية

- ‌المطلب الرابع: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية

- ‌المطلب الخامس: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

- ‌المطلب السادس: تقسيم البدعة إلى صغيرة وكبيرة

- ‌المطلب السابع: انقسام البدعة إلى عبادية وعادية

- ‌المبحث الخامس: حكم البدعة

الفصل: ‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

‌الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه

يلاحظ الباحث في آيات القرآن الكريم أن الآيات التي جاءت في ذم الفرقة أكثر عدداً من الآيات التي جاءت في الحث على الجماعة، ولا غرابة في ذلك لأن الجماعة هي الأصل وملازمتها هو الواجب والمطلوب، أما مفارقة الجماعة فأمر طارئ وحادث وهو مع ذلك أمر خطير وشنيع، فلذلك جاءت الآيات الكثيرة التي تحذر منه وتحمل في ثناياها الوعيد الشديد لمن ترك الجماعة وفارقها.

وفيما يلي ذكر هذه الأدلة:

الدليل الأول:

قوله تعالى: وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران: 105 - 107].

قال ابن جرير رحمه الله يعني بذلك جل ثناؤه: (ولا تكونوا يا معشر الذين آمنوا كالذين تفرقوا من أهل الكتاب، واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه، من بعد ما جاءهم البينات، من حجج الله، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه، فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمر الله، ونقضوا عهده وميثاقه، جرأة على الله، وأولئك لهم يعني ولهؤلاء الذين تفرقوا، واختلفوا من أهل الكتاب، من بعد ما جاءهم عذاب من عند الله عظيم، يقول جل ثناؤه: "فلا تفرقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم)(1).

ثم ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قوله: وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ [آل عمران: 105]: ونحو هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله)(2).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: (ينهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم)(3).

ثم ساق الإمام ابن كثير رحمه الله حديث الافتراق الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله ثم قال: (وقد ورد هذا الحديث من طرق) وذلك إشارة إلى توثيقه وتقويته.

وقال القرطبي رحمه الله: (فمن بدل أو غير أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه، وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون ومبتدعون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، كل يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بالآية، والخبر كما بينا، ولا يخلد في النار إلا كافر جاحد ليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. وقد قال ابن القاسم: وقد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء. وكان يقول: تمام الإخلاص تجنب المعاصي)(4).

(1)((جامع البيان)) (4/ 39).

(2)

((جامع البيان)) (4/ 39).

(3)

((تفسير القرآن العظيم)) (1/ 390).

(4)

((الجامع لأحكام القرآن)) (4/ 168).

ص: 448

وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ: (هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين، وقيل: هم المبتدعة من هذه الأمة، وقيل: الحرورية، والظاهر الأول، والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف)(1).

أما قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ. فقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة – قاله ابن عباس رضي الله عنهما (2).

والقول الذي ذكره ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما منقول عن الإمام مالك رحمه الله كما نص على ذلك الشاطبي بقوله: (وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: ما آية من كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إلى قوله بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟ فرأيته يتأولها لأهل الأهواء. ورواه ابن القاسم وزاد: قال مالك: إنما هذه الآية لأهل القبلة)(3). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – جمال بن أحمد بادي – ص: 29

الدليل الثاني:

قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام: 153].

قال ابن جرير رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام: 151]. وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده (مستقيماً) يعني: قويماً لا أعوجاج به عن الحق (فاتبعوه). يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقاً سواه، ولا تركبوا منهاجاً غيره، ولا تبغوا ديناً خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية، وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات (فتفرق بكم عن سبيله) يقول: فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق، ولا أديان أتباعكم إياها (عن سبيله)، يعني عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم) (4).

ثم ذكر ابن جرير رحمه الله بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً. فقال: هذا سبيل الله، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطاً، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. ثم ذكر بسنده أيضاً أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا

الآية) (5).

(1)((فتح القدير)) (1/ 370).

(2)

((تفسير القرآن العظيم)) (1/ 390).

(3)

((الاعتصام)) (2/ 290).

(4)

((جامع البيان)) (8/ 87 - 88).

(5)

((جامع البيان)) (8/ 88 - 89).

ص: 449

وقال ابن كثير رحمه الله: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. وفي قوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13]. ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا. قاله مجاهد وغير واحد)(1).

ثم ساق ابن كثير رحمه الله حديث ابن مسعود وذكر تخريجه.

وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: (قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية، والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد)(2).

إلى أن قال رحمه الله: "وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا: قُلْ تَعَالَوْاْ إلى ثلاث آيات، ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه)) (3). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – جمال بن أحمد بادي – ص: 33

الدليل الثالث:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159].

ذكر ابن جرير رحمه الله أن علي بن أبي طالب قرأ: (فارقوا دينهم)(4).

قال: "وكأن عليا ذهب بقوله (فارقوا دينهم) خرجوا فارتدوا عنه من المفارقة، وأما الجمهور فقرأوا (فرقوا) (5). ثم قال:(والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القراء، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه، وذلك أن كل ضال فلدينه مفارق)(6).

ثم ذكر بعد ذلك الأقوال عن السلف في المقصودين بتلك الآية. فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى (7). ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول (8) ثم قال: (وقال آخرون: عنى بذلك: أهل البدع من هذه الأمة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه)(9). ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول (10).

(1)((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 190).

(2)

((فتح القدير)) (2/ 178).

(3)

((فتح القدير)) (2/ 178).

(4)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

(5)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

(6)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

(7)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

(8)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

(9)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

(10)

((جامع البيان)) (8/ 104 - 105).

ص: 450

ثم قال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية: (فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم، ملة إبراهيم المسلم، فهو برئ من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد نه برئ، وهو داخل في عموم قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(1). إلى أن قال: (وأما قوله: إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ فإنه يقول: أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك دونك، ودون كل أحد إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم، وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم)(2).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه (وكانوا شيعاً) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى: 13] الآية. وفي الحديث: ((نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد)) فهذا هو الصراط المستقيم هو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برءآء منها كما قال الله تعالى: لَّسْتَ مِنْهُمْ) (3).

وقال البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (قوله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ. قرأ حمزة والكسائي: (فارقوا) بالألف هنا وفي سورة الروم، أي خرجوا من دينهم وتركوه وقرأ الآخرون:(فَرَّقُواْ) مشدداً، أي جعلوا دين الله وهو واحد، دين إبراهيم عليه السلام الحنيفية، أدياناً مختلفة فتهود قوم وتنصر قوم يدل عليه قوله عم وجل: وَكَانُواْ شِيَعًا. أي: صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي، وقيل: هم أصحاب البدع والشبهات من هذه الأمة) (4). ثم استشهد بحديث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا موعظة بليغة رفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، وقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا: فقال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)).

ثم ذكر حديث الافتراق. ثم قال: "قوله عز وجل: لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. قيل: لست من قتالهم في شيء نسختها آية القتال، وهذا على قول من يقول: المراد منه اليهود والنصارى، ومن قال أراد بالآية أهل الأهواء قال: المراد من قوله لست منهم في شيء أي أنت بريء منهم وهم منك براء، تقول العرب إن فعلت كذا فلست مني ولست منك أي: كل واحد منا بريء من صاحبه، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ يعني: في الجزاء والمكافأت، ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ. إذا ردوا للقيامة"(5).

(1)((جامع البيان)) (8/ 106).

(2)

((جامع البيان)) (8/ 107).

(3)

((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 196).

(4)

((معالم التنزيل)) (2/ 145)، ط دار المعرفة -بيروت- الأولى سنة 1406هـ.

(5)

((معالم التنزيل للبغوي)) (2/ 145).

ص: 451

وقال الشوكاني رحمه الله: (قرأ حمزة والكسائيس (فارقوا دينهم) وهي قراءة علي بن أبي طالب، أي تركوا دينهم خرجوا عنه، وقرأ الباقون فرقوا بالتشديد إلا النخعي فإنه قرأ بالتخفيف. والمعنى: أنهم جعلوا ينهم تفرقاً فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه، قيل المراد بهم اليهود والنصارى، وقد ورد في معنى هذا، في اليهود قوله تعالى: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: 4]. وقيل المراد بهم المشركون عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة، وقيل الآية عامة في جميع الكفار وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله، وهذا هو الصواب لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب وطوائف المشركين وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام، ومعنى شيعاً فرقاً وأحزاباً، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحداً مجتمعاً، ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ويباين الحق) (1).

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: (يتوعد تعالى، الذين فرقوا دينهم، أي شتتوه وتفرقوا فيه، وكل أخذ لنفسه نصيباً من الأسماء، التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئاً، كاليهودية والنصرانية، والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئاً، ويجعله دينه، ويدع مثله. أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة، من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة.

ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف في أصل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية) (2). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – جمال بن أحمد بادي – ص: 39

الدليل الرابع:

قال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: 118 - 119].

قال ابن جرير رحمه الله: يقول تعالى ذكره: "ولو شاء ربك يا محمد لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة، ودين واحد". كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً. يقول: لجعلهم مسلمين كلهم.

وقوله: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. يقول تعالى ذكره: (ولا يزال الناس مختلفين إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. ثم اختلف أهل التأويل في الاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به، فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان، فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء، ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى من بين يهودي ونصراني ومجوسي، ونحو ذلك. وقال قائلوا هذه المقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيمان)(3).

ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول، فذكر عن عطاء والحسن أقوالهم في ذلك. ثم قال:(وعن مجاهد وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ قال: أهل الباطل. إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. قال: أهل الحق)(4).

ثم ذكر ابن جرير رحمه الله بسنده عن قتادة: (قوله وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. فأهل رحمة الله أهل جماعة وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم)(5).

(1)((فتح القدير)) (2/ 183).

(2)

((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (2/ 510)، ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية.

(3)

((جامع البيان)) (12/ 141).

(4)

((جامع البيان)) (12/ 141).

(5)

((جامع البيان)) (12/ 142 - 143).

ص: 452

ثم قال ابن جرير رحمه الله: (وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرزق، فهذا فقير، وهذا غني)(1). ونسب هذا القول إلى الحسن البصري رحمه الله.

ثم قال ابن جرير: -أيضا- (وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. فآمن بالله، وصدق رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله، وتصديق رسله، وما جاءهم من عند الله. وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 119]. ففي ذلك دليل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس، إنما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار، ولو كان خبراً عن اختلافهم في الرزق لم يعقب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم)(2).

وقال ابن جرير رحمه الله: (وأما قوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ. فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خلقهم)(3) ثم ذكر بأسانيده من قال بهذا القول.

وذكر بسنده عن الحسن البصري رحمه الله قال: (خلق هؤلاء لجنته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه)(4).

وذكر عن الحسن أيضاً: (قال وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، قال: أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافاً يضرهم)(5). وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: خلقهم فريقين. فريقاً يرحم فلا يختلف، وفريقاً لا يرحم يختلف، وذلك قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود: 105])(6).

وذكر عن عطاء رحمه الله في قوله: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. قال: يهود نصارى ومجوس إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. قال: من جعله على الإسلام وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: مؤمن وكافر (7).

وذكر عن أشهب أنه قال: سئل مالك عن قوله: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير (8).

ثم قال ابن جرير رحمه الله: (وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خلقهم)(9).

ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول. ومنهم مجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة وابن عباس (10).

ثم قال ابن جرير: (وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم، لأن الله جل ذكره، ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل. والآخر أهل حق ثم عقب ذلك بقوله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ فعم بقوله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ صفة الصنفين، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له)(11).

(1)((جامع البيان)) (12/ 142 - 143).

(2)

((جامع البيان)) (12/ 141 - 143).

(3)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(4)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(5)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(6)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(7)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(8)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(9)

((جامع البيان)) (12/ 143).

(10)

((جامع البيان)) (12/ 143 - 144).

(11)

((جامع البيان)) (12/ 144).

ص: 453

ثم رد على شبهة الجبرية بقوله: (فإن قال قائل: فإن كل تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفين غير ملومين على اختلافهم، إذ كان لذلك خلقهم ربهم، وأن يكون المتمتعون هم الملومين؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت. وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. فهداه للحق، ولعلمه، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد خلقهم، فمعنى اللام في قوله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ بمعنى (على) كقولك للرجل. أكرمتك على برك بي، وأكرمتك لبرك بي) (1).

وقال ابن كثير رحمه الله: (وقوله: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ أي ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم، قال عكرمة مختلفين في الهدى، قال الحسن البصري مختلفين في الرزق يسخر بعضهم بعضاً، والمشهور الصحيح الأول. وقوله: إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. أي المرحومين من أتباع الرسل الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين، أخبرتهم به رسل الله إليهم ولم يزل ذلك دأبهم حتى كان النبي وخاتم الرسل والأنبياء فاتبعوه وصدقوه وآزروه ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة لأنهم الفرقة الناجية كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن من طرق يشد بعضها بعضاً)(2).

ثم ساق حديث الافتراق، وسيأتي ذكر طرقه وتخريجه في الفصل الثالث من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

ثم ذكر الأثر التالي عن طاوس: (عن ابن أبي نجيح عن طاوس أن رجلين اختصما إليه فأكثروا فقال طاوس: اختلفتما وأكثرتما فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا فقال طاووس: كذبت. فقال: أليس الله يقول: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ؟ قال لم يخلقهم ليختلفوا ولكن خلقهم للجماعة والرحمة)(3).

وقال القرطبي رحمه الله: (وقيل: الإشارة بذلك للاختلاف والرحمة، وقد يشار بـ (ذلك) إلى شيئين متضادين، كقوله تعالى: لَاّ فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [البقرة: 68]. ولم يقل بين ذينك ولا تينك، وقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]. وقال: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء: 110] وكذلك قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ [يونس: 58].

وهذا أحسن الأقوال إن شاء الله تعالى، لأنه يعم، أي ولما ذكر خلقهم) (4).

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: (يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء. ولكنه اقتضت حكمته أن لا يزالون مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، متبعين للسبل الموصلة إلى النار، كل يرى الحق فيما قاله، والضلال في قول غيره.

إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. فهداهم على العلم بالحق والعمل به، والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة، وتداركتهم العناية الربانية، والتوفيق الإلهي. وأما من عداهم، فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم.

(1)((جامع البيان)) (12/ 144).

(2)

((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 465).

(3)

((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 465).

(4)

((الجامع لأحكام القرآن)) (9/ 114 - 115).

ص: 454

وقوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذي هدى الله، والفريق الذي حقت عليه الضلالة. ليتبين للعباد عدله، وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات، التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء) (1). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق - جمال بن أحمد بادي - ص: 45

الدليل الخامس:

قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 30 - 32].

يقول ابن جرير رحمه الله: (وقوله مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا. يقول: ولا تكونوا من المشركين الذين بدلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه وَكَانُوا شِيَعًا يقول: وكانوا أحزاباً فرقاً كاليهود والنصارى)(2).

ويقول ابن كثير رحمه الله: (فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء ومثل باطلة.

وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء وهذه الأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة وهم أهل السنة والجماعة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل صلى الله عليه وسلم، عن الفرقة الناجية منهم فقال:((من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي))) (3).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ مع أن الدين واحد، وهو إخلاص العبادة لله وحده وهؤلاء المشركون، فرقوه. منهم من يعبد الأوثان والأصنام، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين، ومنهم يهود، ومنهم نصارى.

ولهذا قال: وَكَانُواْ شِيَعًا. أي: كل فرقة، تحزبت وتعصبت، على نصر ما معها من الباطل، ومنابذة غيرهم ومحاربتهم كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. من العلوم المخالفة لعلوم الرسل فَرِحُونَ به، ويحكمون لأنفسهم بأنه الحق، وأن غيرهم على باطل.

وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقاً، كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين، في التفرق، بل الدين واحد، والرسول واحد، والإله واحد.

وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها الله وربطها أتم ربط. فما بال ذلك كله يلغى ويبنى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية، أو فروع خلافية، يضلل بها بعضهم بعضاً، ويتميز بها بعضهم على بعض؟

فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان، وأعظم مقاصده، التي كاد بها المسلمين؟

وهل السعي في جمع كلمتهم، وإزالة ما بينهم من الشقاق، المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضل الجهاد في سبيل الله، وأفضل الأعمال المقربة إلى الله؟) (4). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق - جمال بن أحمد بادي - ص: 52

الدليل السادس:

(1)((تيسير الكريم الرحمن)) (3/ 470).

(2)

((جامع البيان)) (21 - 42).

(3)

((تفسير القرآن العظيم)) (3/ 433).

(4)

((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنام)) (6/ 128).

ص: 455

قوله تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13].

قال ابن جرير رحمه الله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض)(1) إلى أن قال: (وقوله وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به، كما اختلف الأحزاب من قبلكم)(2). ثم ذكر بسنده عن قتادة (قوله وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ تعلموا أن الفرقة هلكة، وأن الجماعة ثقة)(3).

وقال ابن كثير رحمه الله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: وصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالأئتلاف والجماعة ونهاهم عن الإفتراق والاختلاف)(4).

وقال البغوي رحمه الله: (بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة)(5).

وقال الشوكاني رحمه الله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أي: توحيد الله والإيمان به وطاعة رسله وقبول شرائعه)(6).

إلى أن قال رحمه الله: (وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: لا تختلفوا في التوحيد والإيمان بالله وطاعة رسله وقبول شرائعه، فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع وتوافقت فيها الأديان، فلا ينبغي الخلاف في مثلها وليس من هذا فروع المسائل التي تختلف فيها الأدلة، وتتعارض فيها الأمارات وتتباين فيها الأفهام، فإنها من مطارح الاجتهاد ومواطن الخلاف)(7).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (قال: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.

وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل، وتحزبكم أحزاباً وشيعاً، يعادي بعضكم بعضاً، مع اتفاقكم على أصل دينكم) (8). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – جمال بن أحمد بادي – ص: 55

(1)((جامع البيان)) (25/ 15).

(2)

((جامع البيان)) (25/ 15).

(3)

((جامع البيان)) (25/ 15).

(4)

((تفسير ابن كثير)) (4/ 109).

(5)

((معالم التنزيل)) (4/ 122).

(6)

((فتح القدير)) (4/ 530).

(7)

((فتح القدير)) (4/ 530).

(8)

((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (6/ 599).

ص: 456