المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ــ ولا يعيل في الجد والإخوة وقد أعال - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ــ ولا يعيل في الجد والإخوة وقد أعال

‌فَصْلٌ:

لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ

ــ

ولا يعيل في الجد والإخوة وقد أعال هاهنا.

وقيل: لتكدر أقوال الصحابة وكثرة خلافهم فيها، فأبو بكر رضي الله عنه يسقط الأخت، وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما يجعلان للأم السدس والباقي كما ذكرنا فيكون العول إلى ثمانية، وعلي رضي الله عنه يقول كما نقول لكن يقرر نصيب الأخت عليها بعد العول ويصححها من تسعة.

تتمة:

لو كان فيها بنتان .. فللزوج الربع وللأم السدس وللجد السدس وللبنتين الثلثان وتسقط الأخت، وتعول من اثني عشر إلى خمسة عشر.

ولو كان بدل الأخت أختان .. لم تعل المسألة، وكان للزوج النصف وللأم السدس؛ لأن الأختين حجباها من الثلث إليه، يبقى الثلث يستوي فيه سدس الجملة والمقاسمة وهما خير من ثلث الباقي فيعطى الجد السدس والباقي بين الأختين، وكلام القاضي أبي الطيب يقتضي أنه يأخذه بالتعصيب.

ولو كان فيها بدل الأخت خنثى مشكل .. فهي من ستة إن كان ذكرًا، ومن سبعة وعشرين إن كان أنثى، فاضرب ثلث إحداهما في الأخرى تبلغ أربعة وخمسين: للزوج ثمانية عشر على أن الخنثى أنثى، وللأم على ذلك اثنا عشر، وللجد تسعة على أن الخنثى ذكر، وخمسة عشر موقوفة، إن تبين أنه ذكر .. فللزوج منها تسعة وللأم ستة، وإن تبين أنه أنثى .. فله منها ثمانية ولها سبعة.

قال: (فصل): عقده لموانع الميراث فقال:

(لا يتوارث مسلم وكافر)؛ لما روى الشيخان عن أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)

وانعقد الإجماع على أن الكافر لا يرث المسلم، واختلفوا في توريث المسلم منه، فالخلفاء الأربعة والجمهور منعوا ذلك، وقال معاذ وابن مسعود ومعاوية

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسعيد بن المسيب: يرث كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا، وحملوا الحديث على الحربي، وحكم بذلك الخلفاء بعد معاوية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز، فراجع السنة فمنع التوريث بذلك.

ولا فرق بين الولاء والنسب على المنصوص في (الأم) وغيرها.

وعن أحمد: أنه يرث بالولاء؛ لما روى النسائي وصححه الحاكم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته).

والجواب: أن معناه: أن ما بيده لسيده كما في الحياة لا الإرث الحقيقي من العتيق، وأما نقله القاضي عبد الوهاب عن الشافعي أن المسلم يرث عتيقه الكافر .. فلا يعرف للشافعي رضي الله عنه أصلاً.

ومن كفر أهل البدع .. لم يورث منهم أقاربهم المسلمين كما اتفق لأبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد أنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئًا؛ لأن أباه كان يقول بالقدر، فرأى من الورع أن لا يأخذ ميراثه، وقال: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ومات وهو محتاج إلى درهم، وحكي عنه: أنه كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة .. تحرك من إصبعه عرق فيمتنع من أكله بذلك.

والاعتبار باختلافه حالة الموت، فلو أسلم قبل القسمة .. لم يتغير الحكم من إرث وحرمان.

نعم؛ يستثنى ما لو مات كافر عن زوجة حامل ووقفنا الميراث للحمل فأسلمت ثم ولدت .. ورث الولد مع حكمنا بإسلامه؛ لأنه كان محكومًا بكفره يوم مات أبوه، وهذا معنى قول بعض الفقهاء: إن لنا جمادًا يرث وهو النطفة، وكان الشيخ يستحسن

ص: 169

وَلَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ وَلَا يُورَثُ

ــ

هذا الكلام، وفيه نظر من جهة أن الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانًا ولا خرج من حيوان.

قال: (ولا يرث مرتد) لا من مسلم ولا من كافر ولا من مرتد؛ إذ لا يمكن توريثه من مثله لأنه غير مبقىّ، ولا من مسلم؛ للخبر، ولا من كافر أصلي؛ للمنافاة بينهما، وهذا لا خلاف فيه.

تنبيه:

الرافعي والمصنف وغيرهما أطلقوا المسألة، وقيدها في (المطلب) بما إذا دام على الردة إلى الموت، فلو أسلم والمورث مسلم .. بان إرثه؛ لأنا وإن أزلنا ملكه .. فأقل أحواله: أنه كالحمل إذا كان عند الموت نطفة وانفصل حيًا. اهـ

واستبعده الشيخ وقال: كيف نورثه من مسلم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم) والمرتد كافر؟ بل صرح أبو منصور البغدادي بأنه لا يرثه بالإجماع، وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه، وقد أعاد ابن الرفعة الكلام على المسألة في إرث المكاتب، وسيأتي الرد عليه فيها.

والزنديق الذي لا يتدين بدين حكمه حكم المرتد في الميراث.

قال: (ولا يورث) بل يكون ماله فيئًا لبيت المال.

ووقع في عبارة الشافعي رضي الله عنه: ميراث المرتد لبيت مال المسلمين، وفي قوله:(ميراث) تجوز.

ووقع في (الكافي) للخوارزمي: المرتد لا يرث ولا يورث في الأصح، فأفهم خلافًا وهو منكر، والدليل على أنه لا يورث ما روى ابن ماجة [2608]:(أن رجلاً عرس بامرأة أبيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وغنيمة ماله) وإنما قتله؛ لأنه

ص: 170

وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا،

ــ

استحل حليلة أبيه فارتد، وغنم ماله يدل على أنه لا يورث، وسيأتي في أوائل حد الزنا.

وأما ما روي عن علي رضي الله عنه: أنه قتل المستورد العجلي حين تنصر وأعطاه النصارى في جيفته ثلاثين ألفًا فأبى أن يبيعهم إياه وأحرقه من أنه قضى بميراثه لأهله .. فهذه الزيادة لم تصح عنه.

وروى الشافعي: أن معاوية كتب إلى ابن عباس وزيد بن ثابت يسألهما عن ميراث المرتد فقالا: لبيت المال.

هذا بالنسبة إلى المال، أما القصاص: فلو قطع يد مسلم فارتد ثم مات بالسراية .. فالنفس هدر، ويجب قصاص الطرف يستوفيه من كان وارثه لولا الردة على الصحيح، وقياس ذلك يأتي في حد القذف.

قال: (ويرث الكافر الكافر وإن اختلفت ملتهما) كاليهودي والنصراني والمجوسي وعبدة الأوثان؛ لأن جميع الملل في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضُلَالُ} وقال: {لكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} وجميعهم في النار.

وفي قول حكاه القاضي: لا يرث أهل ملة منهم الأخرى، وحكاه الرافعي وجهًا؛ بناء على أن الكفر ملل.

ولا فرق بين أن يكونا حربيين أو لا، ولا بين أن يكون الحربيان متفقي الدار أو مختلفيها كالهند والروم، ووقع في (شرح مسلم) نقلاً عن الأصحاب: أنهما إن كانا حربيين في بلدين متحاربين .. لم يتوارثا، وهذا لا يعرف عن أحد من أصحابنا، إنما هو مذهب أبي حنيفة، وقد وقع هذا السهو لصاحب (التعجيز) في شرحه، وتبعه عليه بعض الفرضيين كما نبه عليه الماوردي وغيره.

والفرق المختلفة في الدين الواحد من الكفار كاليعقوبية والنسطورية من

ص: 171

لَكِنِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ

ــ

النصارى .. يتوارثون عندنا وعند عامة العلماء، وعن الأوزاعي: لا يتوارثون؛ لوقوع العداوة بينهم.

ويتصور أن يرث اليهودي من النصراني بالولاء والنكاح، وكذا بالنسب فيما إذا كان أحد الأبوين يهوديًا والآخر نصرانيًا، فإن الولد يخير بينهما بعد البلوغ كما قاله الرافعي قبل نكاح المشرك، حتى لو كان له ولدان اختار أحدهما اليهودية والآخر النصرانية .. جعل التوارث بينهما بحسب ذلك.

فرع:

إذا ورث الكافر الكافر .. فإنما يرثه على حكم الإسلام، فإذا ترافعوا إلينا .. لا تحكم إلا به، وحيث لا يكون وارث أو فضل شيء عن ذوي الفروض ولا عصبة .. يكون لبيت المال كما نفعل في مواريث المسلمين، ووكيل بيت المال هو المطالب لهم بذلك؛ لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتبَع أَهْوَاءَهُمْ} ولا خلاف عندنا في ذلك.

قال: (لكن المشهور: أنه لا توارث بين حربي وذمي)؛ لانقطاع الموالاة بينهما، والتوارث مبني على الموالاة والنصرة، ونقل الفرضيون الإجماع عليه،

والثاني: أنهما يتوارثان؛ لشمول الكفر.

وأما المعاهد والمستأمن .. فالأصح: أنهما كالذمي؛ لعصمتهما بالعهد والأمان.

وعلى هذا: يتوارث الذمي والمستأمن، وضرب الرافعي وغيره للمسألة مثالاً: يهودي مات عن ابن مثله وآخر نصراني وآخر يهودي معاهد وآخر يهودي حربي .. فالمال بينهم سوى الأخير.

ص: 172

وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ - وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُوَرَثُ

ــ

قال: (ولا يرث من فيه رق) هذا هو المانع الثاني، فلا يرث الرقيق؛ لأنه لو ورث .. لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت، وسواء في ذلك القن والمدبر وأم الولد والمكاتب والمبعض.

وفي وجه: أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية.

ويستثنى من كون الرقيق لا يورث: الكافر الذي له أمان إذا وجبت له جناية في حال حريته وأمانه، ثم نقض الأمان وسبي واسترق وحصلت السراية بالموت في حال رقه؛ فإن قدر الدية لورثته على الأصح، وليس لنا رقيق يورث كله إلا في هذه الصورة.

قال: (والجديد: أن من بعضه حر يورث) أي: ما ملكه ببعضه الحر؛ لأنه تام الملك على ما في يده فأشبه الحر.

والقديم - وبه قال أبو حنيفة ومالك وصححه الماوردي -: أنه لا يورث عنه كما لا يرث. وقال العراقيون: إن هذا أقيس؛ لأن منع الإرث إذا كان لمعنى مشترك شمل الجانبين، فكما لا يرث .. لا يورث كالمرتد والرقيق الكامل، ونقل هذا الخبري وابن اللبان عن زيد بن ثابت.

فإذا قلنا بالجديد .. ترثه زوجته وقريبه أو معتقه كالحر.

وفي القدر الموروث وجهان:

أصحهما: أنه جميع ما ملكه نصفه الحر.

والثاني: أن ما جمعه بنصفه الحر يقسط على مالك الباقي والورثة بقدر ما فيه من الرق والحرية؛ لأن سبب الإرث الموت، والموت حل جميع بدنه، وبدنه ينقسم إلى الرق والحرية، فيقسم ما خلفه كأكسابه.

وإذا قلنا القديم .. ففيه وجهان:

الأكثرون على أنه لمالك الباقي؛ لأنه نقص منع الإرث فصار كما لو كان كله رقيقًا.

والثاني: أنه لبيت المال.

ص: 173

- وَلَا قَاتِلٌ،

ــ

تنبيهان:

أحدهما: إذا لم يكن للنصف معتق، بل انعقد كذلك كما إذا وطئ الحر مبعضة وأتت بولد وقلنا: إن ولدها ينعقد كذلك، أو ضرب الإمام الرق على بعض شخص وجوزناه، فإذا لم يكن له قريب .. كان لبيت المال، وكذا إذا كان له معتق وعدم.

الثاني: لا خلاف أن مال العبد عند من يقول بملكه إذا مات لسيده كما كانت له رقبته، وليس بميراث؛ إذ لو كان ميراثًا .. لاشترط فيه اتفاق الدين، ولا يشترط بلا خلاف.

فرع:

اتفق الأصحاب على أن المكاتب لا يرث، واستشكل ابن الرفعة عدم إرثه مع استقلاله بقبول الهبة والوصية، قال: لا سيما إذا حصل وفاء النجوم وحصل العتق .. فإنا نتبين أن ما ملكه في حال كتابته قد استقر ملكه عليه فينبغي أن نحكم بإرثه لذلك، ويشهد له أن المرتد إذا مات له قريب ثم أسلم .. يحكم بإرثه له وإن كان حين الموت كافرًا؛ لأنه بان بإسلامه أن ما كان في ملكه حال ردته قد استقر بالإسلام.

وأجاب الشيخ بأن استقلاله بقبول الهبة والوصية إنما كان؛ لأنهما اكتساب، وحاجته في أداء النجوم تدعو إليه.

وملك الموهوب والموصى له فيه الخلاف، هل هو له أو للسيد؟ ومن يقول بأنه له يفرق بينه وبين الإرث بأن الإرث مبناه على الاستقرار بخلاف ملك المكاتب، وأما استشهاده بمسألة الردة .. فقد تقدم أن الذي قاله فيها مخالف للإجماع.

قال: (ولا قاتل) هذا هو المانع الثالث، فلا يرث القاتل سواء كان بمباشرة أو سبب، مضمونًا بقصاص أو دية أو كفارة، أو غير مضمون كوقوعه عن حد أو قصاص، صدر عن مكلف أو غيره، من مختار أو مكره؛ لعموم ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للقاتل من

ص: 174

وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُضْمَنْ .. وَرِثَ

ــ

الميراث شيء) صححه ابن عبد البر في كتاب (الإشراف على ما في الفرائض من الاختلاف) وصححه غيره وتلقاه العلماء بالقبول.

وفي (الموطأ) و (مسند أحمد) و (ابن ماجة) عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس لقاتل ميراث) ولأنه استعجل الشيء قبل أوانه فعوقب بحرمانه.

وقيل: القاتل خطأ يرث مطلقًا، وقيل: إلا من الدية كمذهب مالك.

وقيل: القاتل بالسبب يرث.

وقيل: إن لم يكن متهمًا بأن يكون حجامًا أو طبيبًا أو حاكمًا أو أحد الشهود.

قال: (وقيل: إن لم يضمن .. ورث) بأن قتله قصاصًا أو حدًا أو دفعًا أو صيالة؛ لأنه قتل بحق فأشبه قتل الإمام له في الحد، واختاره الروياني.

ودخل في كلامه من قتله الإمام حدًا بالرجم أو المحاربة، وفيه قولان أرسلهما الرافعي، وصحح في (الروضة) المنع.

ومن الأسباب المانعة: تردي الموروث في بئر حفرها عدوانًا، أو عثوره بحجر وضعه في الطريق، وكذا لو كان نائمًا فانقلب على ابنه فقتله، أو وقع عليه من علو فقتله .. لا يرثه على الأصح.

وقوله: (يضمن) بضم الياء؛ ليدخل فيه القاتل خطأ، فإن العاقلة تضمنه، قاله في (الدقائق) وهو بناء على أنه يجب عليهم ابتداء، والصحيح خلافه.

وقال الرافعي: يمكن أن يرث المقتول من القاتل بأن جرح الوارث مورثه ثم مات قبل موت المجروح بتلك الجراحة، فهذا مقتول ورث قاتله بلا خلاف.

وشملت عبارة المصنف الإرث بطريق العموم؛ فإن من مات لا عن وارث خاص .. ينتقل إرثه للمسلمين، ولا يصرف للقاتل منه شيء على الأصح.

ص: 175

وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعَاً، أوْ جُهِلَ أَسْبَقَهُمَا .. لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ

ــ

قال: (ولو مات متوارثان بغرق أو هدم أو في غربة معًا، أو جهل أسبقهما .. لم يتوارثا ومال كل لباقي ورثته) هذا هو المانع الرابع، وهو استبهام تاريخ الموت، وفي الحقيقة هو مانع من الحكم بالإرث، فجعل مانعًا من الإرث؛ لأنا إنما كلفنا بما نعلم، فإذا مات المتوارثان بهدم أو غربة أو معركة ولم يعلم السابق منهما .. لا توارث بينهما؛ لأن الله تعالى إنما ورث الأحياء من الأموات، وهنا لا تعلم حياة كل عند موت صاحبه فلم يرثه كالجنين إذا خرج ميتًا.

وأشار مالك في (الموطأ) إلى إجماع الصحابة فيه فروى عن ربيعة عن غير واحد من الصحابة: أنه لا يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة إلا من علم أنه مات قبل صاحبه، ورواه الدارمي في (مسنده) عن زيد بن ثابت، وفيه وفي (المستدرك) بإسناد صحيح: أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد ابن عمر ابن الخطاب في يوم فلم يدر أيهما مات قبل الآخر .. فلم ترثه ولم يرثها.

وقال أحمد: يرث كل من الآخر تليد ماله دون طريفه.

والمراد بالتليد: ما كان له، والطريف: ما ورثه.

وقوله: (متوارثان) ليس بحاصر؛ فإنه لو كان أحدهما يرث من الآخر دون عكسه كالعمة وابن أخيها .. فكذلك، والمسألة لها خمسة أحوال:

أحدها: أن يعرف ترتب موتهما وعين السابق منهما فيرث المتأخر المتقدم.

الثانية: أن لا يعلم هل تلاحق موتهما أو ماتا معًا.

الثالثة: أن يعلم ترتبهما لكن لم يعلم السابق.

الرابعة: أن يعلم وقوع موتهما معًا، ففي هذه الأحوال الثلاثة لا يرث أحدهما الآخر.

الخامسة: أن يعلم من سبق موته ثم ينساه .. فالمذهب: أن الإرث يثبت، ويوقف الميراث حتى يتبين الحال أو يصطلح ورثتاهما، وفيه وجه: أنه لا يرث أحدهما الآخر كما تقدم في الأحوال الثلاثة، واختاره الإمام وجزم به الغزالي، وهذه

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأحوال تقدم نظيرها في الجمعتين، ويأتي أيضًا في النكاحين من وليين وفي ولاية الإمامين.

تنبيهان:

أحدهما: قوله: (هدم) يجوز فيه التحريك والسكون، قال ابن الأثير في (النهاية) في قوله صلى الله عليه وسلم:(صاحب الهدم شهيد): الهدم بالتحريك: البناء المهدوم، فعل بمعنى مفعول، وبالسكون: الفعل نفسه، قال: ومنه الحديث: (من هدم بنيان ربه .. فهو ملعون) أي: من قتل النفس المحرمة؛ لأنها بنيان الله وتركيبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الأهدمين، وهو أن ينهار عليه بناء أو يقع في بئر أو أهوية.

الثاني: جملة الموانع التي ذكرها المصنف أربعة، وبقي منها الدور الحكمي وهو: أن يلزم من توريثه عدمه كما إذا أقر الأخ بابن لأخيه الميت،، فإنه يثبت النسب ولا إرث، والمصنف ذكرها في آخر (الإقرار).

ولو أعتق أمة تخرج من ثلثه فتزوجها ثم مات .. فالأكثرون على صحة النكاح ولا ترث؛ لأن إرثها يؤدي إلى نفيه، فإن اعتقها في المرض وصية لها والوصية لا تصح للوارث، فلو ورثناها .. لبطل عتقها، قال أبو حامد: وليس في مذهب الشافعي حرة مسلمة لا ترث زوجها إلا هذه.

ومنها: حرمان المحرم من إرث الصيد خاصة على وجه، والأصح: أنه يرثه ويزول ملكه عنه.

ومنها: كون الميت نبيًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) رواه الخلفاء الأربعة وابن عوف وابن أبي وقاص والزبير والعباس والأزواج الطاهرات التسعة: عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وزينب بنت جحش وزينب بنت

ص: 177

وَمَنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ .. تُرِكَ مَالُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيَّنَةٌ بِمَوْتِهِ، أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الْظِّنْ أَنَهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا، فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ

ــ

الحارث وميمونة وسودة وجويرية رضي الله عنهم.

وتوهم بعض الناس من قول المتولي: (النبوة صفة مانعة من الإرث) أن الأنبياء لا يرثون، كما لا يورثون، وليس الأمر كذلك، والمسألة ليست مسطورة، ولكن تقسيم الفرضيين الناس إلى من يرث ويورث ولا يرث ولا يورث ويرث ولا يورث وعكسه وذكروا من أمثلة من يرث ولا يورث الأنبياء صريح في ذلك، ولذلك لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يرث بناته اللاتي متن في حياته.

فإن قيل: ولم ينقل أنه ورث .. قلنا: الأصل أن الأب يرث إلا أن يقوم دليل على عدمه ولا دليل، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(وهل ترك لنا عقيل من رباع).

وعد الغزالي من الموانع اللعان؛ فإنه يقطع التوارث، وأما التوأمان المنفيان باللعان .. فالأصح: أنهما يتوارثان بأخوة الأم، وكذا ولد الزنا.

وفي (الحاوي) في (باب اللعان) وجه ضعيف: أنهما يتوارثان أيضًا بأخوة الأب، ولم يذكره هنا بل قال: يتوارثان بأخوة الأم بلا خلاف.

ولو حبس زوجته ليرثها .. ورثها على المشهور، وحكى ابن كج وغيره قولاً: إنه لا يرثها، نقله عنه الشيخان في (كتاب الخلع).

قال: (ومن أسر، أو فقد وانقطع خبره .. ترك ماله حتى تقوم بينة بموته، أو تمضي مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، فيجتهد القاضي ويحكم بموته).

لما أنهى الكلام في موانع الإرث .. عقبه الكلام في الأسباب المانعة من الصرف إليه في الحال للشك في استحقاقه، ولذلك عقد في (المحرر) لهذا فصلاً.

ص: 178

ثُمَ يُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ

ــ

وجملة أسباب التوقف أربعة: الشك في الوجود والنسب والحمل والذكورة.

الأول: المفقود الذي انقطع خبره وجهل حاله إما في سفر أو حضر، في قتال أو أسر، أو عند انكسار سفينة أو نحوه، والكلام في شيئين: إرثه من غيره وإرث غيره منه، وبدأ بالثاني، فإذا كان له مال .. لم يقسم على ورثته وإن طالت غيبته، بل ينتظر ظهور حاله؛ لأن الأصل الحياة فلا يورث إلا بيقين، أما عند البينة .. فظاهر، وأما مضي المدة مع الحكم .. فلتنزيلها منزلة قيام البينة.

وقيل: لا يقسم ماله أبدًا؛ إذ لا يعلم متى يموت، واختاره الأستاذ أبو منصور، وقد نص الشافعي على أن زوجة المفقود لا تزوج إلى أن يعلم حاله حتى يتحقق موته؛ إذ لا مدة معلومة لانتهاء عمره لأن أعمار الناس مختلفة.

والصحيح: أن المدة لا تتقدر، وقيل: تتقدر بسبعين سنة، وقيل: بمئة وعشرين؛ لأنه العمر الطبيعي عند الأطباء، حكاه صاحب (البيان) وبه قال أبو حنيفة.

وعن أحمد: أنه ينتظر أربع سنين، فإن لم يأت عنه خبر .. تزوجت زوجته وقسم ماله، ولابد من حكم الحاكم على الأظهر في (الشرح الصغير).

وقال في (الكبير): ينبغي أن يقال: إن اقتسموا بأنفسهم .. فيجوز أن يأتي خلاف.

وعلم من عبارة المصنف وغيره: أن الرجل إذا مات وخلف أولادًا بعضهم حضور وبعضهم أسارى في دار الحرب .. يرثه جميع أولاده الحضور والأسارى.

وقال النخعي: الأسارى لا يرثون؛ لأنه لا تصرف لهم فهم كالموتى.

وقال شريح: الأسارى أحق فيشترون بنصيبهم ويفكون من الأسر، والإجماع على خلاف قوله.

قال: (ثم يعطي ماله من يرثه وقت الحكم) فمن كان وارثه حينئذ .. أعطي له؛ لأن ذلك فائدة الحكم بموته، ووقع في (البسيط):(من يرثه قبيل الحكم)، قال

ص: 179

وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ .. وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالأَسْوَأِ

ــ

الشيخ: ويشبه أن لا يكون خلافًا؛ فإن الحكم ليس بإنشاء وإنما هو إظهار، فيقدر موته قبيله بأدنى زمان.

هذا كله إذا أطلق القاضي الحكم، أما إذا مضت مدة زائدة على ما يغلب على الظن انه لا يعيش فوقها، وحكم بموته في تلك المدة السابقة على حكمه بزمن معلوم .. فينبغي أن يصح، ويعطى وارثه إن كان في ذلك الوقت وإن كان سابقًا على الحكم، ويكون ذلك مستثنى من إطلاقه.

ومحل ما ذكره من الإعطاء: إذا كان الوارثون حاضرين محصورين، فإن لم ينحصروا .. وقف ماله ولم يدفع الحاكم شيئًا إلا إلى وارث ذي فرض لا يسقط بيقين وهم ثلاثة: الأبوان والزوج أو الزوجة.

فإن كان الميت رجلاً .. دفع إلى الزوجة تسع المال وإلى الأب أربعة أتساع ثلث المال وإلى الأم مثل ذلك، وإن كان الميت امرأة .. دفع إلى الزوج خمس تركتها وإلى الأب خمسي ثلثيها وإلى الأم مثل ذلك.

وإن كان له ابن حاضر وطلب نصيبه أو بنت .. لم يدفع إليهما شيئًا؛ لأنه لا قدر لما يستحقونه حتى ينفذ إلى البلدان التي وطئها ويسأل عن أولاده فيها، فإذا لم يوجد منازع ولا وارث .. دفع إلى الابن جميع التركة، قاله ابن سراقة.

قال: (ولو مات من يرثه المفقود) أي: قبل الحكم بموته (.. وقفنا حصته وعملنا في الحاضرين بالأسوأ)؛ لأن استحقاق الحاضرين معلوم واستحقاقه مشكوك فيه، ولا فرق في ذلك بين الوارث الحائز وغيره، فقول المصنف:(حصته) مراده: نصيبه، فإن كان الجميع .. وقفنا الجميع، وإن كان البعض .. وقفناه وأعطينا الحاضرين المحقق حتى يتبين إن كان عند الموت حيًا أو ميتًا، والذي يسقط بالمفقود لا يعطى شيئًا حتى يتبين حاله، ومن ورث في حياته .. أخذ، ومن نقص به ..

ص: 180

وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلاً يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ .. عُمِلَ بِالأَحوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِ غَيْرِهِ

ــ

نقصناه، ومن لا يختلف بهما .. يعطى نصيبه.

وقيل: يقدر موته في حق الجميع؛ للشك في استحقاقه.

وقيل: تقدر حياته في حق الجميع؛ إذ الأصل الحياة.

مثاله على الأصح:

زوج مفقود وأختان لأب وعم حاضرون: إن كان حيًا .. فللأختين أربعة من سبعة ولا شيء للعم، وإن كان ميتًا .. فلهما سهمان من ثلاثة والباقي للعم، فتقدر في حقهم حياته.

ابن مفقود وبنت وزوج حاضران: للزوج الربع بكل حال.

أخ لأب مفقود وشقيق وجد حاضران .. فمع حياته: للأخ الثلثان وللجد الثلث، ومع موته: المال بينهما سواء، فيقدر في حق الجد حيًا وفي حق الأخ ميتًا.

قال: (ولو خلف حملاً يرث أو قد يرث .. عمل بالأحوط في حقه وحق غيره).

لما كان الحمل مجهول الوجود والصفة .. حصل بسببه التوقف في الحكم بالإرث، فلذلك احتيج إلى بيان إرثه وبيان إرث غيره معه، فإن كان الحمل يرث لا محالة لو كان منفصلاً .. ورثناه، وقد يكون مشكوكًا في إرثه كحمل زوجة الأخ وزوجة العم وزوجة المعتق؛ فإنه إن كان ذكرًا .. ورث في الصور الثلاثة، وإن كان أنثى .. لم ترث، وكذلك لو ماتت عن زوج وأخت لأبوين وحمل من الأب، فإن جاء ذكرًا لم يرث، وإن جاء أنثى .. فلها السدس تكملة الثلثين.

ومقصود المصنف: بيان عمل الأحوط إذا كان هناك حمل كما يفعل في المفقود.

فائدة:

(الحمل) بفتح الحاء: ما في البطن، وبالكسر: ما حمل على ظهر أو رأس، وفي حمل الشجرة وجهان حكاهما ابن دريد وغيره، ووقع السؤال أنه هل يرث وهو جنين أو لا يرث حتى يولد؟ الصواب: الأول، وولادته حيًا شرط لاستقرار ملكه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.

ص: 181

فَإِنْ انْفَصَلَ حَيّاً لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودهُ عِنْدَ الْمَوْتِ .. وَرِثَ، وَإِلَاّ .. فَلَا. بَيَانُهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ، أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ .. وُقِفَ الْمَالُ. وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ .. أُعْطِيَهُ عَائِلاً إِنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ؛ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَاتٌ،

ــ

قال: (فإن انفصل حيًا لوقت يعلم وجوده عند الموت .. ورث، وإلا .. فلا) هذان شرطان لإرثه:

أحدهما: انفصاله حيًا، فإن انفصل ميتًا .. لم يرث بالإجماع.

والثاني: تحقق حياته عند تمام الانفصال، فلو خرج بعضه حيًا ومات قبل تمام الانفصال .. فهو كما لو خرج ميتًا، وكذا في سائر الأحكام، حتى لو ضرب بطنها حينئذ فانفصل ميتًا .. فالواجب الغرة على الصحيح، وعن القفال وغيره: يرث.

وتعلم الحياة المستقرة بصراخه - وهو الاستهلال - وكذا العطاس والتثاؤب والتقام الثدي.

وقال مالك: الاعتبار بالاستهلال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود يولد إلا ينخسه الشيطان فيستهل صارخًا إلا مريم وابنها) رواه البخاري.

ولما احتيج إلى بيان عمل الأحوط إذا كان هناك حمل كما يفعل في مسألة المفقود .. شرع المصنف فيه فقال:

(بيانه: إن لم يكن وارث سوى الحمل، أو كان من قد يحجبه .. وقف المال، وإن كان من لا يحجبه وله مقدر .. أعطيه عائلاً إن أمكن عول كزوجة حامل وأبوين؛ لها ثمن ولهما سدسان عائلات)؛ لاحتمال أن الحمل بنتان فيدفع إلى الزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف الثلثان عائلان، فإن كانا بنتين .. كان لهما، أو ذكرًا أو ذكورًا وإناثًا .. كمل للزوجة الثمن من غير عول وللأبوين السدسان بغير عول والباقي للأولاد، وهذا بيان الأحوط الذي قدمه أولاً.

وقوله: (عائلات) هو بالتاء المثناة من فوق يعني: الثمن والسدسين، وظاهر عبارة المصنف: أنه يمكن المعطى من التصرف فيما أعطيه؛ لأنه يستحقه على كل تقدير وهو الصحيح.

ص: 182

وَإِنْ لِمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ .. لَمْ يُعْطَوْا. وَقِيلَ: أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ

ــ

وفي (باب الوصية): لو كان له ثلاثة عبيد أحدهم حاضر واثنان غائبان، فأوصى بالحاضر لزيد .. لا يجوز للموصى له أن يتصرف في ثلث هذا العبد، وقياسه: التصرف؛ لأنه إن لم يظهرا .. فله هذا المقدار، وإن ظهرا .. فله بكماله.

والجواب: أن باب الوصية يمتنع (فيه) على الموصى له التصرف في الثلث إلا إذا كان الوارث له التصرف في الثلثين، وهنا لا تصرف للوارث في الثلثين، لأنه لو لم يظهر العبدان .. لم يكن هذا العبد هو الثلث بل أقل منه.

قال: (وإن لم يكن له مقدر كأولاد .. لم يعطوا) أي: في الحال شيئًا بناء على أن الحمل لا يتقدر بعدد وهو الأصح.

قال: (وقيل: أكثر الحمل أربعة فيعطون اليقين) هذا الوجه كان الشيخ أبو محمد يقول: إنه المذهب، وقال أبو منصور البغدادي: إنه قياس مذهب الشافعي رضي الله عنه.

قال شارح (التعجيز): وعلله الأطباء بأن في الرحم أربعة مواضع تشبه بالنقر والحفر، وهي أفواه يسيل منها دم الطمث إلى الرحم، وبه قال ابن اللبان.

فإن قيل: أربعة علماء ولدوا في بطن، من هم؟ فالجواب: هم محمد وعمر وإسماعيل وأخوهم بنو راشد السلمي، والصحيح: أنه لا ينحصر؛ فقد حكى القاضي حسين: أنه وجد خمسة في بطن.

وقال الشافعي رضي الله عنه: أخبرني شيخ باليمن: أنه ولد له خمسة أولاد في بطن واحد.

وعن ابن المرزبان أنه قال في امرأة بالأنبار: ألقت كيسًا فيه اثنا عشر ولدًا.

وحكى في (المطلب) عن محمد بن الهيثم عن زوجة كانت لسلطان بغداد وضعت

ص: 183

وَالْخُنْثى الْمُشْكِلُ إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إِرْثُهُ كَوَلِدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ .. فَذَاكَ،

ــ

كيسًا فيه أربعون ولدًا، وأنهم عاشوا وركبوا الخيل وقاتلوا مع أبيهم.

فلو خلف ابنًا وزوجة أو أمة حاملاً .. أعطيت الزوجة الثمن ولا شيء للابن على الأول، وله على الثاني الخمس أو خمس الباقي، ويمكن من التصرف فيه على الأصح.

قال: (والخنثى المشكل إن لم يختلف إرثه كولد أم ومعتق .. فذاك) أي: فلا إشكال في توريثه.

و (الخنثى المشكل): هو الذي له ما للرجال والنساء جميعًا، وجمعه خناثى كحبالى، ولا يكون مشكلاً إلا إذا كان الفرجان تامي الخلقة على الصفة الموجودة في الذكور والإناث، فلو كان له فرج المرأة على الهيئة التامة وله كهيئة الذكر من غير أن يكون له أنثيان أوله أنثيان من غير ذكر .. فهو امرأة وكذلك يكون العكس، كذا قال ابن المسلم في (كتاب الخناثى)، وهو كلام حسن يتقيد به إطلاق الرافعي وغيره.

وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول.

وروى البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يورث من حيث يبول) وعن علي مثله، لكن ضعفه البيهقي بمحمد بن السائب الكلبي.

ولما كان الخنثى يحزن بوجوده لم يذكره الله تعالى في القرآن.

قالوا: وكانت الخلقة مستمرة ذكرًا أو أنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى، فسئل فارضي العرب ومعمرها عامر بن الظرب العدواني عن ميراثه .. فلم يدر ما يقول فيه، فلما جن عليه الليل .. جعل يتقلب وتذهب به الأفكار، وأنكرت خادمة الحالة التي هو عليها فسألته فقال: سهرت لأمر ما أدري ما أقول فيه، فقالت ما هو؟ فقال: شخص له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث؟ فقالت له الأمة: ورثه من حيث

ص: 184

وَإِلَّا .. فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقَّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبيَّنَ ..

ــ

يبول، فعقلها وأصبح يعرضها عليهم ففرحوا بها، وجاء الإسلام على ذلك، وقضى به علي رضي الله عنه.

فإن بال من فرج الرجال .. فرجل، وإن بال من فرج النساء .. فأنثى، وإن بال منهما جميعًا .. فروي المزني عن الشافعي في (مختصره الأصغر): أنه يرث بالذي سبق منه البول، فإن خرج منهما معًا .. صار مشكلًا عند الشافعي وأبي حنيفة.

وقال الأوزاعي وأبو سيف ومحمد: يعتبر الأكثر، فمن أيهما خرج أكثر .. ورث، فإن استويا في السبق والكثرة .. فمشكل عند الجمهور.

وقال الحسن: تعد أضلاعه، فإن استوت من الجانبين .. فرجل، وإن زادت اليمنى على اليسرى .. فأنثى؛ لأن المرأة تزيد عل الرجل بضلع فللرجل ست عشرة ولها سبع عشرة، فإن لم تمكن معرفة أضلاعه لسمن أو غيره .. صار مشكلًا، وممن تابع الحسن على ذلك عمرو بن عبيد.

قال: (وإلا) أي: وإن اختلف إرثه (.. فيعمل باليقين في حقه وحق غيره، ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين) فإن ورث على أحد التقديرين دون الآخر .. لم يدفع إليه شيء، وكذا من يرث معه على التقديرين ويرث على أحدهما أقل .. دفع إليه الأقل ووقف الباقي، فإن مات مشكلًا .. فالمذهب: أنه لابد من الاصطلاح عليه.

وحكى أبو ثور عن الشافعي: أنه يرد إلى ورثة الميت الأول، فلو قال في أثناء الحال: أنا رجل وأنا امرأة .. قطع .. الإمام بالقبول بيمينه، ولا نظر إلى التهمة، وحكي عن نصه هنا، ونص فيما إذا جنى عليه على تصديق الجاني، فمنهم من نقل وخرج، ومنهم من أقرهما وفرق بأن الأصل براءة ذمة الجاني.

وذكر في (المحرر) أمثلة فقال:

ولد خنثى وأخ: يصرف إلى الولد النصف ويوقف الباقي، فإن بان أنثى .. أخذه الأخ، أو ذكرًا .. أخذه.

ص: 185

وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبِ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوِ ابْنُ عَمٍّ .. وَرِثَ بِهِمَا.

ــ

ولدان خنثى وبنت عم: للولدين الثلثان بالسوية ويوقف الباقي بين الخنثى والعم، فإن بان أنثى .. أخذه العم، أو ذكرًا .. أخذه.

زوج وأب وولد خنثى: للزوج الربع وللأب السدس وللولد النصف ويوقف الباقي، فإن بان أنثى .. أخذه الأب، أو ذكرًا .. أخذه.

وطريق تصحيح مسائل الخنثى على جميع الحالات: إن كان الخنثى واحدًا .. فله حالان: إما ذكر وإما أنثى، وإن كانا خنثيين .. فثلاثة أحوال، لأنهما إما ذكران أو أنثيان أو ذكر وأنثى، ولثلاثة خناثى أربعة أحوال، ولأربعة خمسة، وعلى هذا القياس.

وإذا ضبطت أصل كل واحد .. فخذ اثنين منهما فأنظر: أهما متماثلان أم متداخلان أم متوافقان أم متباينان؟ واعمل فيهما عملك عند الانكسار على فريقين، ثم قابل الحاصل معك بأصل ثالث، وهكذا تفعل حتى تأتي على آخرها.

ثم إن لم يكن في المسألة صاحب فرض .. صحت مما عندك، فإن كان .. ضربته في مخرج الفرض ثم قسمت، ولا تخفى الأمثلة، ثم إن الخنثى لا يكون أبًا ولا أمًا ولا جدًا ولا جدة ولا زوجًا ولا زوجة.

أما السبب الرابع من أسباب التوقف .. فالنسب، فإذا أشكل نسب المولود بأن وطئ اثنان امرأة بشبهة حرة أو أمة، أو الأمة المشتركة بينهما فأتت بولد يمكن أن يكون من كل منهما، أو تداعى اثنان فصاعدًا مجهول النسب صغيرًا أو مجنونًا ومات في زمن الإشكال قبل أن يلحق بأحدهما .. توقفنا في ميراث كل منهما منه، وصرفنا لأمة نصيبها إن كانت حرة، ونصيب الأب يوقف إلى تبين الحال، وقد أشار المصنف إلى ذلك في آخر (الإقرار).

قال: (ومن اجتمع فيها جهتا فرض وتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم .. ورث بهما) فيأخذ النصف بالزوجية والباقي بكونه ابن عم أو كونه معتقًا وهذا لا خلاف فيه؛ لأنه وارث بسببين مختلفين، ومثله: زوجة معتقة، ترث الربع أو الثمن الذي هو فرضها بالزوجية والباقي بالولاء، وكذلك ابن عم هو أخ لأم، يأخذ السدس فرضًا

ص: 186

قُلْتُ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوِ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ .. وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ، وَقِيلَ: بِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ ......

ــ

والباقي تعصيبًا، وإنما لم يذكره المصنف؛ لأنه إنما يتصور فيما إذا لم يكن فيه الورثة من يسقط إخوة الأم، فإن كان كما إذا خلفت المرأة بنتًا وابني عم أحدهما أخ لأم .. فالأصح: أن للبنت النصف والباقي بينهما ببنوة العم وتسقط أخوة الأم، وهذا إن دخل في قوله:(جهتا فرض)، لكنه يخرج بقوله:(ورث بهما)؛ لأنه لا فرض في هذه الحالة.

فإذا قيل: خمسة عشر ذكرًا ورثوا مالًا بالنسب، خمسة منهم أخذوا نصفه وخمسة ثلثه وخمسة سدسه .. فالجواب: أن الأولين أولاد عم وهم إخوة لأم، والخمسة الثانية أولاد عم فقط، والبقية إخوة لأم.

قال: (قلت: فلو وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنت هي أخت) أي: لأب، وصورتها: أن يطأ بنته فيولدها بنتًا ثم يموت عنهما .. فهما بنتان لهما الثلثان، فإذا ماتت الكبرى بعد ذلك والصغرى باقية .. فهي بنتها وأختها لأبيها، وهذا لا يتصور إلا إذا كان الميت أنثى؛ لأن الأخوات من الأب والأم أو للأب مع البنات عصبة، ولا يجوز أن يكون المراد: أختًا لأم؛ إذ لا يجمع بينهما بلا خلاف.

قال: (.. ورثت بالبنوة) أي: بالاتفاق فتأخذ النصف بها، وتسقط الأخوة والباقي للعاصب إن كان، وإلا .. فلبيت المال؛ لأنهما قرابتان يورث بكل منهما عند الانفراد فورث بأقواهما، ولم يورث بهما كالأخت للأب، والأم لا ترث بالقرابتين معًا، أي: لا ترث النصف بأختية الأب والسدس بأختية الأم بالإجماع.

قال: (وقيل: بهما والله أعلم) النصف بالبنوة الباقي بالأخوة، وبه قال أبو حنيفة، وخرجه ابن سريج؛ لأنهما سببان يورث بكل منهما عند الانفراد، فإذا اجتمعا .. لم يسقط أحدهما بالآخر كابن عم هو أخ لأم، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، وصححه ابن أبي عصرون والجرجاني.

وهذا إذا ماتت الكبرى أولًا، فلو ماتت الصغرى أولًا .. فالكبرى أمها وأختها لأبيها، فلها الثلث الأمومة وتسقط الأخوة قطعًا، ولم يخرج ابن سريج هنا الإرث بهما.

ص: 187

وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ .. فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا،

ــ

والفرق: أن الأخت ثم أخذت بالعصوبة، وهنا لو أخذت .. جمعت بين فرضين وهو ممتنع، لكن في اجتماع الفرض والتعصب في الصورة المستثناة إشكال؛ فإن الأخت للأب أنما تكون عصبة إذا كان معها بنت، وهنا ليس كذلك، إنما هي نفس البنت، وفي جعلها معصبة لنفسها نظر أشار إليه القفال كما نقله عنه القاضي في (أسرار الفقه).

قال: (ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لأم .. فله السدس والباقي بينهما) أي: بالعصوبة؛ لما تقدم.

وصورة المسألة: أن يتعاقب أخوان على امرأة فتلد لكل منهم أبنًا لأحدهما ابن من امرأة أخرى، فابناه ابنا عم الآخر أحدهما أخوه لأمه، ومثله في الحكم ابنا عم أبيه وأحدهما أخ لأم، أو ابنا عم أحدهما زوج.

وما ذكره هو المذهب المنصوص، وفيه قول مخرج: إنه يأخذ جميع المال كما هو الراجح في الولاء، والفرق: أن الأخ للأم يرث في النسب فأعطي فرضه والباقي بينهما، وفي الولاء لا إرث له بالفرضية فرجح بهما.

فروع:

الأول: خلفت المرأة ابني عم أحدهما أخ لأم والآخر زوج .. فعلى الصحيح: للزوج النصف وللآخر السدس والباقي بينهما بالسوية، ولو خلفت ثلاثة بني أعمام أحدهما زوج والثاني أخ لأم .. فعلى الصحيح: للزوج النصف وللأخ السدس والباقي بين الثلاثة بالسوية، وإذا رجحنا الأخ للام .. فللزوج النصف والباقي له.

الثاني: ابن عم لأب وأم وابن عم لأب هو أخ لأم .. على المشهور: للأخ السدس والباقي لابن العم الشقيق، وعلى المخرج: المال لابن العم للأب الذي هو أخ لأم.

الثالث: ابنا عم أحدهما أخ لأم وأخوان لأم أحدهما ابن عم .. تصح من تسعة

ص: 188

فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ .. فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الأَخُ. وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ .. وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطُ. وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، أَوْ لَا تُحْجَبَ، أَوْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا: فَالأَوَّلُ: كِبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ؛ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌ، أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتِلدُ بِنْتًا .....

ــ

أسهم: لان العم الذي ليس بأخ سهمان، وللأخ الذي ليس بابن عم سهم، ولابني العم اللذين هما أخوان لأم ستة لكل واحد ثلاثة أسهم، سهمان بالتعصيب وسهم بالفرض.

قال: (فلو كان معهما بنت .. فلها النصف والباقي بينهما سواء) أي: بالسوية؛ لأن أخوة الأم سقطت بالبنت.

قال: (وقيل: يختص به الأخ)؛ لأن البنت منعت من الأخذ بقرابة الأم، وإذا لم تأخذ بها .. رجحت عصوبته كالأخ لأبوين مع الأخ لأب.

قال: (ومن اجتمع فيه جهتا فرض .. ورث بأقواهما فقط) وبه قال مالك، وحكي عن زيد بن ثابت وابن عباس؛ لأنهما قرابتان يورث بكل منهما فرض عند الانفراد، فإذا اجتمعا .. لم يورث بهما الفرضان كالأخت لأب وأم لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بأخوة الأم.

وقال أبو حنيفة وأحمد: يرث بهما جميعًا، وبه قال من أصحابنا ابن سريج وابن اللبان.

وعلى المذهب: الفرق بين هذه وبين من اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب حيث يرث بهما: أن الجمع بين الفرض والتعصيب له شاهد بالاعتبار من جهة الشرع وهو الأب والجد مع البنت، وأما الجمع بين فرضين فلم يشهد له بالاعتبار شيء.

قال: (والقوة بأن تحجب إحداهما الأخرى، أو لا تحجب، أو تكون أقل حجبًا: فالأول: كبنت هي أخت لأم؛ بأن يطأ مجوسي، أو مسلم بشبهة أمه فتلد بنتًا) فهذه ترث بالبنوة ولا ترث بالأخوة، وهذا محل إجماع؛ لأن الأخت لأم لا ترث مع البنت، ولو كانت أم هي جدة .. فهي من أمثلة المسألة، فترث بالأمومة وتسقط بالجدودة.

ص: 189