الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ،
ــ
ولا تصح بالعود ونحوه من الآلات المحرمة، إلا أن تصلح لمنفعة مباحة فتصح.
وقال الماوردي: تصح الوصية بالشبابة التي ينتفع بها في الأسفار والحرب.
تتمة:
وصى له بقوس .. دفع إليه قوس بندق أو قوس ندف أو قوس رمي إلا أن يقرن به ما يدل على أحدها فيحمل عليه، ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسًا .. قال المتولي: للوارث أن يعطيه ما شاء من الثلاثة وغيرها.
وتوقف فيه الرافعي، وصوبه المصنف، واختاره الشيخ، وهو المنصوص في (الأم).
فلو قال: من قسيي، وله ندف وجلاهق فقط .. حمل على الجلاهق؛ لأنه أخص بالاسم.
و (القوس) يقع على العربي وهو: ما ترمى به النبل وهي السهام العربية، وعلى الفارسي وهو: ما يرمى به النشاب، وعلى قوس الحسبان وهو: قوس الرجل، وعلى الجلاهق وهو: ما يرمى به البندق، وعلى قوس القطن.
ولا يدخل الوتر في القوس على الأصح، وأما الريش والنصل .. فيدخلان في السهم.
قال: (فصل:
ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد: (الثلث والثلث كثير) متفق عليه.
وهذه العبارة أحسن من قول الرافعي: لا ينبغي أن يوصي بأكثر من ثلث ماله،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعبارة غيرهما أحسن منهما وهي: تكره الوصية بما زاد على الثلث.
وقال القاضي حسين: تحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن فعل ذلك قولًا شديدًا كما تقدم.
وروى ابن ماجه [2709]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم) لكنه ضعيف.
وقيل: إن كانت ورثته أغنياء .. استوفي الثلث، وإلا .. استحب النقص؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: فقراء يسألون الناس بأكفهم.
وجزم بهذا في (التنبيه)، وأقره عليه في (التصحيح)، وصرح بتصحيحه في (شرح مسلم)، وقال في (الروضة): الأحسن: أن ينقص من الثلث شيئًا، فإن استوفى الثلث .. جاز؛ لأن البراء بن معرور وصى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث ماله، فقبله ورده على ورثته.
ولا فرق بين أن يكون الموصي جاهلًا بقدر ثلث ماله أو عالمًا.
فرع:
أفتى الكمال إسحاق شيخ المصنف وتلميذ ابن الصلاح بأنه لو قال: أعطوا زيدًا ما بقى من ثلثي، ولم يكن قد أوصى بشيء .. أنه يعطى جميع الثلث، وفيه نظر.
ولو أوصى بثلثه ولم يذكر مصرفًا .. قال الشيخ أبو حامد وأتباعه: يكون للفقراء والمساكين، ووافقهم المصنف.
فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ .. بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ .. فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ: عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ،
ــ
قال: (فإن زاد ورد الوارث .. بطلت في الزائد)؛ لأنه حقه، وهذا بالإجماع فيمن له وارث خاص.
ولابد من أن يكون الوارث مطلق التصرف، فلو كان محجورًا عليه لسفه أو جنون أو صغر .. فلا عبرة بقوله.
قال: (وإن أجاز .. فإجازته تنفيذ)، وبه قال الأئمة الثلاثة؛ لأجل الاستثناء المذكور في الأحاديث، ولأن المريض إذا وهب أو وصى أو أعتق أو ما أشبه ذلك ثم شفي .. صح تصرفه بالاتفاق، وهذا أدل دليل على أنها تنفيذ.
فعلى هذا: تكون العطية من الميت للموصى له جائزة غير لازمة، فإذا أجازها الوارث .. لزمت وتنفذ حملًا على عطية الميت وليس للمجيز الرجوع، فإذا خلف زوجة –هي بنت عمه- وأباها وكان قد أوصى لها فأجاز أبوها الوصية .. فلا رجوع له إن جعلناها تنفيذًا، وإن جعلناها ابتداء عطية .. فله الرجوع.
قال: (وفي قول: عطية مبتدأة) أي: من الوارث، فإذا أجازها .. كانت كهبة من جهته لا أثر فيها لوصية الميت.
ولا يكفي قبول الوصية أولًا، بل لابد من قبول آخر في المجلس ومن القبض، وللمجيز الرجوع قبله.
وهل يعتبر لفظ التمليك ولفظ الإعتاق إذا كان الموصى به العتق؟ فيه وجهان: أحدهما: لا، بل تكفي الإجازة.
وأصحهما: نعم، ولا يكفي لفظ الإجازة كما لو تصرف تصرفًا فاسدًا من بيع أو هبة ثم أجازه.
وَالْوَصِيَّةُ بِالزَّيَادَةِ لَغْوٌ. وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ الْمَوْتِ،
ــ
قال: (والوصية بالزيادة لغو) يعني: تفريعًا على أنها عطية مبتدأة لا فائدة للوصية بالزيادة على الثلث؛ للنهي عنها، فلو لم يكن له وارث خاص .. فالوصية بالزائد باطلة؛ لعدم المجيز، خلافًا لأبي حنيفة وأحمد، فلو أجاز ثم قال: أجزت لأني ظننت أن المال قليل وقد بان خلافه .. فالقول قوله مع يمينه: أنه لا يعلم، وإن قال: ظننت أن المال كثير وقد بان خلافه .. ففيه قولان:
أحدهما: يقبل.
والثاني: لا يقبل، والصحيح الأول.
قال: (ويعتبر المال يوم الموت)؛ لأن الوصية تمليك بعده وحينئذ يلزم، فلو أوصى بعد من عبيده ولا عبد له ثم ملك عبدًا عند الموت .. تعلقت الوصية به، ولو زاد ماله بعد الوصية .. تعلقت الوصية به، وكذا لو تلف ماله أو لم يكن له مال ثم اكتسب مالًا.
ولو وصى لشخص بنصف ماله ولآخر بثلث ماله ورد الورثة. قسم الثلث بينما أخماسًا.
ولو وصى لرجل بالثلث ولآخر بالمال .. قسم الثلث أرباعًا، وقال أبو حنيفة بالسوية.
ويشترط فيها: أن يعرف المجيز قدر التركة وقدر الزائد على الثلث، فإن لم يعرف واحدًا منهما .. لم تصح إن جعلناها ابتداء عطية، وإن جعلناها تنفيذًا .. فهي كالإبراء عن المجهول، والصحيح: أنه لا يصح.
وَقِيلَ: يَوْمَ الْوَصِيَّةِ. وَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وتَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْراءٍ
ــ
قال: (وقيل: يوم الوصية) كما في نذر التصدق بثلث ماله ينظر إلى يوم النذر.
فعلى هذا: تنعكس الأحكام المتقدمة، فلو كان دين مستغرق .. لم تنفذ الوصية في شيء، لكنها تنعقد حتى ينفذها لو أبرئ أو قضي عنه، ومنه من قطع في اعتبار القدر بيوم الموت وخص الخلاف بمن لم يملك شيئًا أصلًا ثم ملكه.
قال: (ويعتبر من الثلث أيضًا عتق علق بالموت)؛ لأنه وصية، سواء علقه في صحته أو مرضه.
قال: (وتبرع نجز في مرضه كوقف وهبة وعتق وإبراء)؛ لإطلاق: (إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم) ففيه إشعار بأنه لم يعطهم التصرف ذلك الوقت في أكثر من الثلث لا منجزًا ولا معلقًا إذا كان تبرعًا، وتقدم: أن الحديث ضعيف، لكن الحكم متفق عليه عند الجمهور.
ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض .. اعتبر من الثلث؛ لأن القبض من تمام الهبة، ولا يشترط القبض في المحاباة وإن كانت في معنى الهبة؛ لأنها ضمنية، فلو اختلف الوارث والمتهب هل الهبة في الصحة أو المرض .. فالأصح: أن القول قول المتهب؛ لأن العين في يده والظاهر اللزوم، لكن يستثنى من العتق المنجز أم الولد في مرضه؛ فإنها تعتق من رأس المال كما سيأتي في آخر الكتاب مع أنه تبرع نجز في المرض.
فرع:
نكاح المريض صحيح؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه بلاغًا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال في مرض موته: (زوجوني لا ألقى الله عزبًا)، ولأنه استباحة عضو فتستوي فيه حالة الصحة والمرض كشراء الجواري، فإن أصدقها مهر مثلها ..
وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ: فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ .. أُقْرِعَ،
ــ
كان من رأس المال قل أو كثر، وإن كان الصداق أكثر من مهر المثل .. فالزيادة محاباة.
وقال الزهري: يصح النكاح ولا ترث.
وقال ربيعة: يكون مهرها من الثلث.
وقال مالك: لا يصح النكاح.
وقال الشافعي رضي الله عنه: له أن ينكح أربعًا، وروى في ذلك آثارًا عن الصحابة والتابعين.
فرع:
أوصى بتأجيل الحال .. حسب كله من الثلث، وللروياني احتمال في أنه لا يحسب إلا التفاوت بين الحال والمؤجل، وهو قوي؛ لأن الفائت على الورثة إنما هو التفاوت فقط.
قال: (وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت وعجز الثلث: فإن تمحض العتق .. أقرع)، سواء وقعت الوصيتان معًا أو مرتبًا، فمن قرع .. عتق منه ما يفي بالثلث؛ لحديث الذي أعتق ستة مملوكين.
والمعنى فيه: أن المقصود من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل إلى بعتق جميع الرقبة، وهذا بخلاف سائر التبرعات؛ لأن المقصود منها الملك، وذلك يحصل في بعض ما وصى به أو تبرع به.
وفي وجه: يقسط الثلث عليهم كغير العتق؛ لأن القرعة من خاصة العتق بمنجز.
وصورة العتق المعلق بالموت: إذا مت .. فأنتم أحرار، أو أعتقكم بعد موتي، وكذا إذا مت .. فسالم وغانم ومسعود أحرار.
هذا عند الإطلاق، أما إذا قال: أعتقوا سالمًا بعد موتي ثم غانمًا .. فإنه يقدم ما قدمه جزمًا.
أَوْ غَيْرُهُ .. قُسِّطَ الثُّلُثُ، أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ .. قُسِّطَ بِالْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ
ــ
قال: (أو غيره .. قسط الثلث) أي: على الجميع باعتبار القيمة؛ لاستوائها.
مثاله: الهبة والوقف والإبراء والمحاباة، وكما تقسم التركة بين أرباب الديون إذا ضاقت عن الوفاء؛ لاستوائهم في الاستحقاق وعدم المرجح، وقاسه الشافعي رضي الله عنه في (الأم) على العول في الفرائض.
مثاله: أوصى لزيد بمئة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين وثلث ماله مئة .. أعطى زيد خمسين ولكل من الآخرين خمسة وعشرون، ولا يقدم بعضها على بعض بالسبق؛ لأن الوصايا إنما تملك بالموت، فاستوى حكم المتقدم والمتأخر في الاستحقاق وعدم المرجح.
قال: (أو هو وغيره) كما إذا أوصى بعتق سالم ولزيد بمئة (.. قسط) أي: الثلث (بالقيمة)؛ لاتحاد وقت الاستحقاق.
قال: (وفي قول: يقدم العتق)؛ لقول سعيد بن المسيب: مضت السنة أن يبدأ بالعتاقة في الوصية. ولأن له سراية، وحق الله تعالى وحق الآدمي متعلقان به فهو أقوى.
قال الرافعي: هذا في وصايا التمليك مع العتق، أما إذا أوصى للفقراء بشيء ويعتق عبد .. فقال البغوي: هما سواء؛ لأن كلًا منهما قربة.
وقطع الشيخ أبو علي بطرد القولين؛ لوجود القوة والسراية، وقال في (الروضة): إنه أصح، وإذا سوينا .. فما خص العبيد إذا ضاق عنهم يقرع بينهم.
ويستثنى من إطلاق المصنف: ما لو دبر عبده وقيمته مئة وأوصى له بمئة وثلث ماله مئة .. فإنه تقدم وصية العبد فيعتق كله ولا شيء للوصية على الصحيح، خلافًا لما صححه البغوي من التقسيط.
أَوْ مُنَجَّزَةٌ .. قُدِّمَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ. فَإِنْ وُجِدَتْ دُفْعَةً وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إِبْرَاءِ جَمْعٍ .. أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ وقُسِّطَ فِي غَيْرِهِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ وَتَصَرَّفَ وُكَلَاءُ:
ــ
فرع:
الكتابة مع الهبة وسائر الوصايا كالعتق، فقيل: على القولين، وقيل: يسوى هنا قطعًا؛ لعدم القوة والسراية.
قال: (أو منجزة) بأن أعتق ووقف وتصدق وأبرأ ووهب مقبضًا وحابى في العقود.
قال: (.. قدم الأول فالأول حتى يتم الثلث)؛ لأن الأول لازم لا يحتاج إلى رضى الورثة ولا يملك المريض الرجوع فيه، وما بعده مما لا يخرج من الثلث يفتقر إلى رضاهم، فكان ضعيفًا، والقوى مقدم على الضعيف، سواء كان فيها عتق أو لا، وسواء اتحد الجنس أو اختلف.
قال: (فإن وجدت دفعة) إما منه أو بوكالة (واتحد الجنس كعتق عبيد أو إبراء جمع .. أقرع في العتق) أي: خاصة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الستة المملوكين.
وسكت المصنف عما إذا أشكل الأمر، والأصح في (باب الدعاوى) من (الروضة): يعتق من كل نصفه.
قال: (وقسط في غيره) كما لو وهب جماعة وقبلوا معًا وقبضوا معًا، أو حابى جماعة، والتقسيط في جميع ذلك باعتبار القيمة.
قال: (وإن اختلف) أي: الجنس؛ بأن وكل وكيلًا في العتق، وآخر في البيع بالمحاباة، وآخر في الهبة.
قال: (وتصرف وكلاء) أي: دفعة واحدة.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ .. قُسِّطَ، وَإِنْ كَانَ .. قُسِّطَ، وَفِي قَوْلٍ: يُقَدَّمُ [الْعِتْقُ]. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ؛ سَالِمٌ وَغَانِمٌ، فَقَالَ: إِنْ أَعْتَقْتُ غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ .. عَتَقَ وَلَا إِقْرَاعَ
ــ
وضبط المصنف بخطه (تصرف) بفتح الراء ورفع (وكلاء).
وتصويره بـ (الوكلاء)؛ لأنه أغلب، وقد يتصور منه بأن يقال له: أعتقت وأبرأت ووقفت؟ فيقول: نعم.
قال: (فإن لم يكن فيها عتق .. قسط) أي: الثلث على الجميع باعتبار القيمة، كما يفعل في الديون.
قال: (وإن كان) أي: فيها عتق (.. قسط، وفي قول: يقدم [العتق]) هما القولان السابقان، ثم المقارنة إنما هي وقت الملك؛ وذلك بالقبض في الهبة، وبالعقد في المحاباة.
وبقى قسم لم يذكره المصنف هنا، وهو: تبرعات منجزة، وأخرى معلقة بالموت، وحكمه: تقديم المنجزة؛ لأنها تفيد الملك في الحال، ولازمة لا يمكن المريض الرجوع فيها.
ولو أوصى بعتق عبد وعلق عتق آخر بالموت .. فهما سواء، وقيل: يقدم المدبر؛ لسبق عتقه، فإن غيره يحتاج إلى إنشاء عتق.
قال: (ولو كان له عبدان فقط؛ سالم وغانم، فقال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر، ثم أعتق غانمًا في مرض موته .. عتق) أي: غانم؛ لسبقه (ولا إقراع)؛ لاحتمال أن يخرج سالم فيلزم إرقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم.
وقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما.
ولا يخفى أن محل الخلاف: إذا لم يخرج من الثلث إلا أحدهما، فإن خرجا .. عتقا.
ولو قال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر في حال إعتاقي غانمًا، ثم أعتق غانمًا في مرضه .. فكذلك الجواب من غير فرق.
وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وبَاقِيهِ غَائِبٌ .. لَمْ تُدْفَعْ كُلُّهَا إِلَيْهِ فِي الْحَالِ،
ــ
تنبيهان:
أحدهما: هذه الصورة مستثناة من الإقراع، ولهذا ذكرها تلوها، وتستثنى ثانية ذكرها المصنف في (باب العتق): إذا قال: ثلث كل واحد حر بعد موتي، فيعتق من كل واحد ثلثه عند الإمكان، ولا قرعة في الأصح.
الثاني: قوله: (فقط) من زياداته على (المحرر)، وفيه إشكال؛ لأنه إما أن يريد لا مال له سواهما، أو لا عبيد له غيرهما.
إن أراد الأول .. لم يستقم قوله آخرًا: (أعتق)؛ فإنه حينئذ إنما يعتق من غانم ثلثاه إن تساوت قيمتها، وإن تفاوتا .. فقدر الثلث.
وإن أراد الثاني، وهو ظاهر تصوير (الشرح) و (الروضة) .. فينبغي حمله على ما إذا كان الثلث لا يخرج إلا من أحدهما، أما إذا احتملهما الثلث .. فيعتقان؛ غانم بالسراية، وسالم بالصفة.
فرع:
أقر في مرض موته بعتق عبد ولم يضف الإقرار إلى حال المرض أو حال الصحة .. حمل على أقرب زمان يمكن الحمل عليه، وذلك حال المرض، فتحسب قيمته من الثلث؛ لأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمان، قاله القاضي حسين وغيره.
قال: (ولو أوصى بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقيه غائب .. لم تدفع كلها إليه في الحال) باتفاق الأصحاب؛ لأن ما يحصل للموصى له ينبغي أن يحصل للورثة مثلاه، وربما يتلف المال الغائب.
وَالأًصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ أَيْضًا
ــ
قال: (والأصح: أنه لا يتسلط على التصرف في الثلث أيضًا)؛ لأن تسليطه يتوقف على تسليط الورثة على مثلي ما تسلط عليه، ولا يمكن تسليطهم؛ لاحتمال سلامة الغائب، فيخلص جميع الموصى به للموصى له، فكيف يتصرفون فيه؟!
والثاني: يتسلط؛ لأن استحقاقه لهذا القدر مستيقن، وصور الإمام المسألة بغائب يعسر الوصول إليه، وإلا .. فلا، وللأئمة تردد في أن هذه الغيبة هل تعد حيلولة مع إمكان التصرف؟ وبنوا عليه إخراج زكاته في حال غيبته.
والمراد بـ (التصرف): الناقل للملك كالبيع ونحوه، أما التصرف بالاستخدام والإيجار .. فلا يمتنع كما أشار إليه الماوردي.
وقال صاحب (الإنتصار): إذا أذن له الورثة في التصرف في الثلث .. صح، وفيه نظر.
ثم إذا تصرف الورثة في ثلثي الحاضر نقل الرافعي عن (أمالي السرخسي): أنه إن بان هلاك المال الغائب .. تعين نفوذ تصرفهم، ثم قال: وهذا يجب أن يخرج على وقف العقود.
قال المصنف: بل يخرج على ما لو باع مال أبيه على ظن حياته، والمصنف صرح في الشرط الثالث من شروط البيع بأن جميع ذلك من وقف العقود.
فرع:
لو أوصى بالثلث وله عين ودين .. دفع إليه ثلث العين، وكلما نض من الدين شيء .. دفع إليه ثلثه، ولو كان له مئة درهم حاضرة وخمسون غائبة وأوصى لرجل بخمسين من الحاضرة ومات وقبل الوصية .. أعطى خمسة وعشرين والورثة خمسين،