المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الوصايا 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000   ــ كتاب الوصايا لما كانت متعلقة بالموت. ذكرت عقيب المواريث. واشتقاقها من: - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كتاب الوصايا 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000   ــ كتاب الوصايا لما كانت متعلقة بالموت. ذكرت عقيب المواريث. واشتقاقها من:

‌كتاب الوصايا

0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

ــ

كتاب الوصايا

لما كانت متعلقة بالموت. ذكرت عقيب المواريث.

واشتقاقها من: وصى يصي، أي: وصل يصل؛ لأن الموصي وصل ما كان في حياته بما عبد مماته، أو أنه وصل خير دنياه بخير عقباه، والفعل منها: أوصى يوصي إيصاء، والاسم: وصية ووصاية، وجمع الوصية: وصايا، كهدية وهدايا، وعرية وعرايا.

وهي في الشرع: تبرع بحق، أو تفويض تصرف خاص مضافين إلى ما بعد الموت.

وكانت في أول الإسلام واجبة لجميع الأقربين؛ لقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} ، ثم نسخت بآية المواريث، إلا في حق الله تعالى أو للآدميين من زكاة أو حج أو كفارة أو رد وديعة أو دين؛ فيجب أن يوصي به إذا لم يعلم به غير ممن يثبت به بعد موته.

وهي الآن جائزة في ثلث ماله الباقي بعد كفنه ومؤنة تجهيزه وقضاء ديونه، مستحبة في الجملة على المذهب.

واستدل الشافعي رضي الله عنه على صحتها لغير الأقربين بأن النبي صلى الله عليه

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وسلم في ستة مملوكين كانوا لرجل لا مال له غيرهم عند الموت أعتق اثنين وأرق أربعة، وهذا حديث صحيح، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتقهم في المرض وصية، والذي أعتقهم رجل من العرب، والعرب إنما كانت تملك من لا قرابة بينها وبينه من العجم، ولو كانت الوصية تبطل لغير القرابة .. بطلت للعبيد المعتقين، وهذا الدليل من الشافعي أبهى من الدر منظرًا وأحلى من الشهد مخبرًا رضي الله عن الشافعي وعن أئمة المسلمين أجمعين.

وافتتح الباب في (المحرر) بقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} ، وبقوله عليه الصلاة والسلام:(ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) وهو في (الصحيحين)[خ2738 - م1627] من رواية ابن عمر، وإنما قدمت الوصية على الدين؛ لئلا يتهاون بها لكونها تبرعًا، أو لأنها تشق على الورثة وقد لا تطيب نفوسهم بها، فقدمت اعتناء بها، فمن له مال .. تستحب له الوصية بالإجماع.

لكن تعجيل الصدقة في الصحة وفي الحياة أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم .. قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا).

وإذا أراد أن يوصي .. فالأفضل: أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم يقدم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم بالجوار كالصدقة المنجزة.

ص: 214

تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ

ــ

والأولى: المبادرة إليها؛ ففي (سنن ابن ماجه)[2700 - 2701] عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة، ومات مغفورًا له).

وفيه [2704] وفي (مسند أحمد)[2/ 277] و (سنن الدارقطني) عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة، فإذا جار في وصيته .. فيختم له بسوء علمه؛ فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته .. فيختم له بخير علمه؛ فيدخل الجنة).

وفي (الدارقطني)[4/ 149] عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حضرته الوفاة فأوصى فكانت وصيته على كتاب الله .. كان كفارة لما ترك من زكاته).

وفيه [4/ 151] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإضرار في الوصية من الكبائر).

وروى النسائي [4/ 64]: أن الرجل الذي أعتق ستة مملوكين لا يملك غيرهم لما بلغ خبره النبي صلى الله عليه وسلم .. غضب وقال: (لقد هممت أن لا أصلي عليه) وهذا معنى قول مسلم: وقال له قولًا شديدًا.

وتقدم في أول (الجنائز) حديث عن ابن عمر بمعناه، ورأيت بخط ابن الصلاح رحمه الله: أن من مات عن غير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون سواه، فيقول بعضهم لبعض: ما بال هذا؟ فيقال: إنه مات عن غير وصية.

وأجمع المسلمون على مشروعيتها.

ولها أربعة أركان: الموصي، والموصى له، والموصى به، والصيغة، وكذلك ذكرها المصنف.

قال: (تصح وصية كل مكلف حر) بالإجماع؛ لأنها تبرع، فلا تصح من ضدهما، والمراد: مختار، فلا تصح من المكره؛ للأدلة المتقدمة، وكان من حقه

ص: 215

وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهبِ،

ــ

أن يستثني السكران؛ فإن ليس بمكلف على رأيه.

قال: (وإن كان كافرًا) ذميًا كان أو غيره؛ لعموم الآية والأخبار، ولأن ذلك كالإعتاق والتمليك، وهما يصحان من الذمي والحربي، فتصح وصيته بما تصح وصية المسلم به وإن اعتقده معصية كعمارة مساجدنا، مع اعتقادنا: أنه لا قربة له فيه إذا مات كافرًا.

وإن أوصى بما نراه معصية وهو يعتقده طاعة .. لم ننفذه إذا رفع إلينا كعمارة الكنائس، وسيأتي، ويشكل على صحة وصيته أنهم قالوا: لا يصح منه النذر، وأما حديث ابن عمر .. فخرج مخرج الغالب، وصرح الماوردي بصحة وصية الحربي.

ولو وصى المرتد وقلنا: يبقى ملكه .. صح في الأصح.

قال: (وكذا محجور عليه بسفه على المذهب)؛ لصحة عبارته، واحتياجه إلى الثواب، وفقدان المعنى الذي لأجله حجر عليه، وبدليل وقوع طلاقه وقبول إقراره بالعقوبات، ونقل الأستاذ أبو منصور والحافظ أبو عمر الإجماع على ذلك، فلذلك كان أصح الطريقين فيه: القطع بالصحة، وأشهرهما: أنها على القولين في الصبي المميز؛ لأنه مثله في أنه لا عبارة له في التبرع.

ووصية المفلس إن ردها الغرماء .. باطلة، وإن أمضوها .. جازت إن قلنا: حجره حجر مرض، وإن قلنا: حجر سفه .. فهي على الخلاف في السفيه.

ص: 216

لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمَيً عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ- وَفِي قَوْلٍ: تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ

ــ

هذا إذا مات في الحجر مع بقاء حق الغرماء، أما إذا ارتفع الحجر عنه .. فلا يظهر لإجازتهم وردهم معنى.

واحترز عن السفيه الذي لم يحجر عليه الحاكم؛ فإنها تصح منه على الأصح، كسائر تصرفاته إلا على قولنا: إن الحجر يعود بنفس التبذير إذا بلغ رشيدًا من غير توقف على حكم، فيكون كالمحجور عليه.

قال: (لا مجنون ومغمي عليه)؛ إذا لا عبارة لهما، فلا تصح وصيتها ولا تدبيرها كما لا يصح إعتاقهما، ولا هبتهما ولا بيعهما.

وفي معنى (المجنون): المبرسم والمعتوه الذي لا يعقل.

ويتثنى من (المغمى عليه): ما إذا كان بسبب سكر أثم به وكلامه منتظم معه؛ فتصح منه كسائر تصرفاته.

قال: (وصبي)؛ لأنها عقد تمليك كالهبة.

قال: (وفي قول: تصح من صبي مميز)؛ لأنها لا تزيل الملك في الحال وتفيد الثواب بعد الموت فصحت كسائر القربات، وبهذا قال مالك وأحمد؛ لما روى مالك في (الموطأ) [2/ 762] عن عمرو بن سليم الزرقي: أنه قيل لعمر رضي الله عنه: إن ههنا غلامًا ابن عشر سنين لم يحتلم من غسان، ووارثه بالشام، وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنة عم؟ فقال عمر:(فليوص لها) فأوصى لها بمال يقال له: بئر جشم.

قال عمرو بن سليم: فبعت ذلك المال بثلاثين ألفًا.

وابنة عمه التي أوصى لها: هي أم عمرو بن سليم.

ص: 217

- وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إِنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ .. صَحَّتْ

ــ

قال الشيخ: وقول الأصحاب: إن الصبي لا عبارة له .. كلمة شائعة على ألسنة الفقهاء، والمستند إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث

)، وهو يدل على: أنه لا يصح منه ما فيه ضرر عليه أو ما يلزمه به شيء، والوصية ليس فيه واحدة منهما.

ولا حق للوارث في الثلث حتى يمنع من الوصية فيه لأجله.

وعبادات الصبي صحيحة، وصحتها دليل صحة عبارته فيما لا ضرر فيه، فلذلك اختار ما قضى به عمر من صحة وصيته، وليس كإعتاقه وهبته في حال الحياة؛ لما فيهما من الضرر عليه، وممن رجح هذا من الأصحاب: الصميري والقاضي أبو حامد والمحاملي وشيخه أبو حامد والأستاذ أبو منصور وصاحب (الانتصار) والشيخ عز الدين في (القواعد) وآخرون.

وعلى هذا: إذا أعتق أو وهب في مرضه أو حابى .. فوجهان: في (الحاوي) وجه المنع ورجحه الشيخ: إمكان الرجوع في الوصية، بخلاف هذا.

وجعل الدرامي محل الخلاف: إذا أوصى ثم مات، فلو بلغ بعدها ثم مات .. صحت قولًا واحدًا، كما سيأتي في العبد إذا أوصى ثم عتق في قول.

قال: (ولا رقيق)؛ إذ لا ملك له، ولأن الله تعالى جعل الوصية حيث التوارث، والعبد لا يورث، فلم يدخل في الأمر بها.

قال: (وقيل: إن عتق ثم مات .. صحت)؛ لأنه صحيح العبارة، وأمكن تنفيذ وصيته؛ لأن الاعتبار بحال الموت والمدبر ومعلق العتق كالقن.

وأما المكاتب .. فمقتضى إطلاق المصنف: عدم صحة وصيته وإن أذن السيد، وليس كذلك؛ لما سيأتي من صحة تبرعه بإذنه، وقد صرح بصحة وصيته الصيمري وابن المنذر وغيرهما.

ص: 218

وَإِذَا أَوْصَى لِجهَةٍ عَامَّةٍ .. فَالشَّرْطُ: أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ،

ــ

وأما المبعض .. فقياس توريثه: الصحة فيما جمعه بنصيبه الحر، وهما واردان على إطلاق الكتاب.

قال: (وإذا أوصى لجهة عامة)، هذا هو الركن الثاني، وهو الموصى له.

قال: (.. فالشرط: أن لا تكون معصية) بل قربة كالفقراء وبناء المساجد، أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء؛ لأن القصد بها تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان.

قال: (كعمارة كنيسة) إنشاءًا أو ترميمًا، سواء أوصى بذلك مسلم أو ذمي كما تقدم، لكن صرح الشيخ عز الدين في (الأمالي) بأن إيصاء المسلم بذلك ردة، ونقله عن الشيخ أبي الحسن الأشعري.

أما الكنيسة التي ينزلها المارة من أهل الذمة أو للسكنى .. فتصح؛ إذ لا معصية، لأنه رباط لا كنيسة.

وحكى الماوردي في هذه وجهًا: أنه لا تجوز الوصية بها؛ لأن في ذلك جمعًا لهم يؤدي إلى التعبد، واختاره الشيخ.

وإذا أوصى بشراء أرض وتكون أجرتها للنصارى أو المساكين منهم .. فتجوز، ولو أوصى ببناء بقعة لبعض المعاصي وكتابة كتب السحر .. لم تصح من مسلم ولا ذمي، ولو أوصى بمال يستأجر به من يخدم الكنيسة أو دهن يستصبح به فيها .. لم تصح، نص عليه، كما لا يصح الوقف عليه.

وقال جماعة منهم الشيخ أبو حامد والقاضي والفوراني: إن قصد بالاستصباح التعظيم .. لم تصح، وإن قصد به الإضاءة على من يأوي إليها أو على المجتازين .. صحت، واختار الشيخ في هذه الحالة المنع أيضًا؛ لأن في ضمن انتفاعهم تعظيم البقعة.

ص: 219

أَوْ لِشَخْصٍ .. فَالشَّرْطُ: أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ؛

ــ

قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارًا أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم.

وكذا لا تصح وصية الكافر بكتابة التوراة والإنجيل ولا قراءتها، وألحق الماوردي به كتب شريعتهم وكتب النجوم والفلسفة، وبالغ العبادي فقال: ولا تجوز قراءة التوراة والإنجيل؛ لأنهما مغيَّران.

ولو أوصى أن يعطى الرهبان والشمامسة ثلثه .. جازت الوصية؛ لأن الصدقة عليهم جائزة.

وكذا لا تصح وصية بخمر وخنزير، سواء أوصى بهما لمسلم أو كافر، وتصح الوصية منهما بعمارة المسجد الأقصى وقبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبوقودها.

وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين؛ لما فيها من إحياء الزيارة التبرك بها، وكذا الوصية لفك أسارى المسلمين والكفار.

قال الرافعي: ويشبه أن يجيء في الكفار خلاف؛ لتردد الوصية بين القربة والتمليك، وفكهم لا يلتحق بالقرب.

قال: (أو لشخص) أي: ولو تعددت أفراده كزيد وعمرو (.. فالشرط: أن يتصور له الملك)؛ لأنها تمليك وسواء في ذلك الصغير والكبير، والكامل والمجنون، والموجود والمعدوم، فلا تصح لميت مطلقًا خلافًا لمالك، لكن لو أوصى بماء لأولى الناس به وهناك ميت .. قدم على المتنجس والمحدث الحي في الأصح.

قال الرافعي في (باب التيمم): ولا يشترط في استحقاق الميت: أن يكون ثم وارث يقبل عنه، كما لو تطوع إنسان بتكفينه .. لا حاجة إلى قابل.

وفي وجه: أنه يشترط.

ص: 220

فَتَصِحُّ لِحَمْلِ وَتَنْفُذُ إِنِ انْفَصَلَ حَيًّا وَعُلِمَ وُجُدُهُ عِنْدَهَا بِأَنِ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنِ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ .. لَمْ يَسْتَحِقَّ،

ــ

تنبيه:

في (المغني) وغيره من كتب الحنابلة: أن الوصية لا تصح لجنيَّ؛ لأنه لا يملك بالتمليك كالهبة، وإطلاق المصنف يوافق ذلك، فيتوجه هنا امتناع التمليك منع نكاح الجنية؛ لأنه في مقابلة مال كما سيأتي في أول (النكاح).

قال: (فتصح لحمل) ولو كان نطفة أو علقة، سواء كان حرًا أو رقيقًا، من زوج أو سيد أو وطء شبهة أو زنا؛ لأنا نحكم له بالإرث، والوصية أوسع؛ لأن المكاتب والكافر تجوز الوصية لهما ولا يرثان، أما إذا أوصى لمن تحمله هذه .. فأصح الأوجه: لا تصح؛ لأن تمليك المعدوم ممتنع.

والثاني: تصح كما تصح بالحمل الذي سيوجد.

والثالث: إن كان الحمل موجودًا عند الموت .. صح، وإلا .. فلا.

قال: (وتنفذ إن انفصل حيًا وعلم وجوده عندها) المراد: أن تكون فيه حياة مستقرة، فإن انفصل ميتًا ولو بجناية جان .. فلا وإن لم يعلم كونه موجودًا عند الوصية.

وهذا الشرطان لابد منهما، وقد تقدم مثلهما في الميراث، والموت هناك كالوصية هنا.

قال: (بأن انفصل لدون ستة أشهر) يعني: من حين الوصية، فيعلم وجوده عندها؛ لأنها أقل مدة الحمل، سواء كان لها زوج أم لا.

قال: (فإن انفصل لستة أشهر فأكثر والمرأة فراش زوج أو سيد .. لم يستحق)؛ لاحتمال الحدوث بعد الوصية، والأصل: عدم الحمل وعدم الاستحقاق، وقيده الإمام بما إذا ظن أنه يغشاها، أو أمكن بأن كان معها في البلد ولا مانع، وهو ظاهر.

ص: 221

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ .. فَكَذَلِكَ، أَوْ لِدُونِهِ .. اسْتَحَقَّ فِي الأَظْهَرِ

ــ

وعبارة المصنف والرافعي هنا تقتضي إلحاق الستة بما فوقها، وذكروا في (كتاب الطلاق والعدد) ما يقتضي إلحاقها بما دونها؛ لأنه لابد من تقدير زمن للعلوق.

لكن يستثنى من إطلاقه: ما لو انفصل قبل ستة أشهر توأم ثم انفصل بعدها توأم آخر وبينه وبين الأول دون ستة أشهر؛ فإنه يدخل في الوصية وإن زاد ما بينهما وبين انفصاله على ستة أشهر.

ويكتفى من السيد بالإقرار بوطئها، وتصير بذلك فراشًا له.

قال: (فإن لم تكن فراشًا وانفصل لأكثر من أربع سنين .. فكذلك)؛ للعلم بأنه لم يكن موجودًا حين الوصية.

قال: (أو لدونه) قال الشيخ: أتى بالضمير مذكرًا؛ ليعود على (أكثر)، فيستفاد منه: أنه لو انفصل لأربع سنين يغير زيادة .. استحق، وهي فائدة جليلة، والحكم على وفقها؛ لأن الأربع أقصى مدة الحمل وأقله في حكمها. ولو قال: لدونها .. بقى حكم الأربع مسكوتًا عنه.

قال: (.. استحق في الأظهر) كما يثبت النسب، ولأن الظاهر وجوده حينئذ، ووطء الشبهة نادر، والزنا إساءة ظن بأمه.

ص: 222

وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ،، فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ،

ــ

والثاني: لا يستحق؛ لاحتمال الحدوث بعد الوصية، ويخالف النسب؛ لأنه يكتفى فيه بالإمكان.

هذا كله إذا لم يشترط نسبًا، فإن اشترطه كقوله: أوصيت لحمل هذه المرأة من زيد .. فإنه يعتبر مع ذلك بثبوت نسبه بالشرع من زيد، حتى لو ثبت منه ثم نفاه باللعان .. لم يستحق، خلافًا لأبي إسحاق.

فروع:

الأول: قال الشيخ: صورة المسألة فيما يقتضيه كلام القاضي أبي الطيب في متوفى عنها أو مطلقة، أما من لم يُعرف لها زوج ولا سيد .. فينبغي القطع فيها بعدم الاستحقاق؛ لانتفاء الظهور حينئذ وانحصار الطريق في الشبهة أو الزنا، قال: وهذا لم أر من صرح به، بل قلته تفقهًا.

الثاني: أوصى بحمل لحمل، فإن ولدا لدون ستة أشهر .. صحت الوصية، وإن ولدا لأكثر من أربع سنين .. لم تصح، وكذا إن ولد أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من أربع سنين.

الثالث: لو أتت بولدين .. فهي لهما بالسوية، سواء كان ذكرين أو آنثيين، أو ذكرًا وأنثى، وكذا إن زادوا، إلا أن ينص على خلافه.

الرابع: يقبل الوصية للحمل وليه بعد انفصاله حيًا، فإن قبل قبله .. لم يكف عند القفال، وقال غيره: قولان، كمن باع مال أبيه ظانًا حياته فبان ميتًا.

قال: (وإن أوصى لبعد فاستمر رقه .. فالوصية لسيده) كما لو اصطاد أو احتطب، وعبارة (المحرر):(وإن وصى لعبد إنسان)، وهي أحسن؛

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لإشعارها بغير عبد الموصي، وهي مقصود المصنف.

واتفق الأصحاب على صحة هذه الوصية، فلو قتل العبد الموصى له .. لم تبطل الوصية، ولو قتله سيده .. صارت وصية لقاتل، ولو أوصى لعبد نفسه، فإن كانت الوصية برقبته .. صحت، وهي وصية مقصودها العتق، والأصح: افتقارها إلى القبول؛ لاقتضاء الصيغة كالهبة.

ولو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي .. لم تفتقر إلى قبول؛ لأن الله حقًا مؤكدًا في العتق فكان كالجهات العامة، ولو أوصى له بجزء من رقبته يحتمله الثلث .. صح ونفذت الوصية فيه وعتق ذلك الجزء، وكذا لو قال: أوصيت له بثلث مالي ولا مال له سواه.

ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك أو بثلث أموالي .. فالأصح: أن رقبته تدخل في الوصية؛ لأنها من جملة أمواله.

وإن كان العبد لوارث الموصي، فإن باعه قبل موت الموصي .. فالوصية للمشتري، وإن اعتقه .. فالوصية للعتيق، وإن استمر في ملكه .. فهي وصية للوارث، وسيأتي حكمها.

وكذلك لو أوصى لعبد أجنبي فاشتراه وارثه ثم مات، فإن كانت الوصية برقبته .. صحت.

تنبيهان:

أحدهما: أطلقوا هنا كونها للسيد، وفصلوا في (الوقف) و (الهبة) بين أن يقصد العبد نفسه .. فتبطل في الجديد، أو السيد أو يطلق .. فلسيده، ولم يقل أحد هنا بهذا التفصيل.

والفرق: أنه قد يعتق قبل موت الموصي، أو يحمل كلامهم هنا على حالة الإطلاق كما قاله ابن الرفعة.

الثاني: هل يفتقر قبول العبد الوصية إلى إذن السيد؟ وجهان: أصحهما: المنع،

ص: 224

فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي .. فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ .. بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيّةَ بِمَ تُمْلَكُ؟

ــ

وهل تصح من السيد مباشرة القبول بنفسه؟ وجهان: أصحهما: المنع أيضًا؛ لأن الخطاب ليس معه.

ولو كان العبد طفلًا أو مجنونًا ونحوه وقلنا: لا يصح قبول السيد .. فهل يوقف إلى تأهله أو يقبل السيد هنا كولي المجبر؟ لا نقل فيه، ويبعد القول بفساد الوصية.

قال: (فإن عتق قبل موت الموصي .. فله)؛ لأنه وقت الملك حر.

هذا إذا عتق كله، فإن عتق بعضه .. فقياس ما قالوه- فيما إذا أوصى لمبعض ولا مهيأة: أن الموصى به بينهما-: أن يستحق هنا بقدر حريته والباقي لسيده.

قال: (وإن عتق بعد موته ثم قبل .. بُني على أن الوصية بم تملك؟) فإن قلنا: بالموت أو موقوفة .. فللسيد، وإن قلنا بالقبول .. فللعبد.

وكذلك الحكم لو وصى لبعد هو لزيد فباعه لعمرو .. فينظر في وقت البيع، ويجاب بمثل هذا التفصيل.

واحترز بقوله: (ثم قبل) عما إذا قبل ثم عتق .. فهي للسيد.

هذا كله في الرقيق أصالة، فلو أوصى لحرٍّ فرقَّ .. لم تكن الوصية لسيده مطلقًا، بل متى عتق .. فهي له، وإن مات رقيقًا بعد موت الموصي .. كانت فيئًا على الأصح.

فرع:

قال لمبعض: أوصيت لبعضك الحر أو الرقيق خاصة .. قال القفال: هي باطلة، وقال غيره: تصح وينزل تقييد الموصي منزلة المهايأة، فتكون الوصية للسيد إن أوصى لنصفه الرقيق، وله إن أوصى لنصفه الحر، وصححه في (الروضة)، وهو نظير الكفالة ببعض البدن.

أما إذا أطلق الوصية للمبعض، فإن لم تكن مهايأة وقبل بإذن السيد .. فالموصى به بينهما بالسوية كما لو احتطب أو احتش، وإن قبل بغير إذنه .. فكذلك على الأصح،

ص: 225

وَإِنْ أَوْصَى لَدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ .. فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ قَالَ: لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا .. فَالْمَنْقُولُ: صِحَّتُهَا

ــ

وإن كان بينهما مهايأة .. انبنى على الخلاف في الأكساب النادرة، والأصح: أنها تدخل فلا تفتقر إلى إذن السيد، ثم الموصى به لمن وقع الإيصاء والموت والقبول في نوبته، فلو وقع بعضها في هذه وبعضها في هذه .. فطريقان.

أحدهما: أن الاعتبار بيوم الوصية، وأصحهما: أنه لا اعتبار به بل ينبني على أن الملك في الوصية بم يحصل.

فرع:

وصى للرقاب .. دفع للمكاتبين؛ لأنه المفهوم من عرف الشرع، فلو لم يكن في الدنيا مكاتب .. فالمنقول عن الشافعي: أنه يوقف الثلث؛ لجواز أن يكاتب عبد بعد ذلك، وفي (البحر) احتمال في بطلان الوصية.

قال: (وإن أوصى لدابة وقصد تمليكها أو أطلق .. فباطلة)؛ لأنها لا تقبل الملك، وفرقوا بينه وبين الوصية المطلقة للعبد؛ بأن العبد يخاطب ويتأتى منه القبول، وربما عتق قبل موت الموصي فيثبت له الملك، بخلاف الدابة، لكن قد تقدم في الوقف المطلق عليها وجهان في كونه وقفًا على مالكها.

قال الرافعي: فيشبه أن تكون الوصية على ذلك الخلاف، وحكاه ابن يونس عن جده.

وقد يفرق؛ بأن الوصية تمليك محض، فينبغي أن يضاف إلى من يملك.

قال في (الروضة): والفرق أصح، وضعفه ابن الرفعة؛ بأن الوقف وإن لم يكن فيه تمليك الرقبة .. فهو ينقل المنفعة، ورده الشيخ؛ بأن المنفعة تابعة للعين وإنما يملكها عند التناول.

قال: (وإن قال: ليصرف في علفها .. فالمنقول: صحتها)؛ لأن علفها على مالكها فهو المقصود بهذه الوصية، فإذا ردها .. ارتدت، وعبارة (المحرر): الظاهر: صحتها.

ص: 226

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في (الدقائق): ليس مقصوده نقل خلاف في صحتها بل أشار إلى احتمال خلاف، ثم أصح الوجهين: اشتراط قبول المالك.

والثاني: لا، واختاره الشيخ أبو زيد والقفال، وتجعل هذه للدابة؛ ففي الحديث الصحيح:(في كل كبد حرى أجر).

قال الرافعي: وحينئذ لا يتجه فرق بين البهائم المملوكة والوحوش والصيود المباحة، وهذا يعترض بما تقدم في (الوقف) عن صاحب (التتمة): أنه لو وقف على علف الطيور المباحة .. لم يصح بلا خلاف، وأن موضع الخلاف: ما إذا كانت البهيمة مملوكة.

ثم الأصح: أنه يتعين الصرف في العلف، ونظيره: ما إذا أعطى إنسانًا حافيًا درهمًا يشترى به نعلًا.

وعلى هذا: يصرفه عليها الوصي، فإن لم يكن وصي .. فالقاضي أو نائبه، ولا يسلم إلى مالكها، وعلى مقابله يسلم إليه، ولا يلزمه إنفاقه عليها.

فلو انتقلت الدابة إلى مالك آخر .. قال الرافعي: فقياس كونها للدابة: الاستمرار لها، وقياس كونها للمالك: أن تكون للمنتقل عنه.

قال المصنف: بل القياس: أنها للمنتقل إليه كالوصية للعبد، وصحح ابن الرافعة قول الرافعي.

قال الشيخ: وهو الحق إن انتقلت بعد استقرارها بالقبول أو بالموت إن قيل به، وإن انتقلت قبل الموت .. فالحق قول المصنف، وهو قياس العبد في التقديرين.

ولو ماتت قبل البيان .. روجع وارثه، فإن قال: قصد تمليك الدابة .. بطلت إن صدقه المالك أو كذبه أو حلف الوارث، وإن قال: قصد الصرف في مصالحها .. صحت، وإن قال: لا أعلم نيته .. حلف على نفي العلم وبطلت، كما لو قال الموصي: لم تكن له نية.

ص: 227

وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ وَيُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ، وَلِذِمِّيٍّ،

ــ

وضبط المصنف (علفها) بإسكان اللام وفتحها، وهم صحيحان.

قال: (وتصح لعمارة مسجد) وكذا لمصالحه، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك لعمارة الكعبة؛ لأنها قرية مقصودة، وفي معناها: المدارس والربط والخوانق والخانات المسبلة ونحوها، سواء من المسلم والذمي.

وفي احتمال للبغوي: أنها لا تصح من الذمي؛ لأنه لا يعتقدها قربة.

وصورة المسألة: أن يوصي لمسجد موجود، فإن وصى لمسجد سيبنى .. لم تصح قطعًا.

قال: (وكذا إن أطلق في الأصح ويحمل على عمارته ومصالحه)؛ عملًا بالعرف، ويصرف إلى الأهم والأصلح بالاجتهاد.

والثاني: تبطل كالوصية للدابة، فإن قال: أردت تمليك المسجد .. فنقل الرافعي عن بعضهم: أنها لا غية، ثم قال: ولك أن تقول: سبق أن للمسجد ملكًا وعليه وقفًا وذلك يقتضي صحة الوقف، قال المصنف: وهو أفقه وأرجح.

قال: (ولذمي) بلا خلاف كما يجوز التصدق عليه، وروى البيهقي [6/ 281] عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم:(أنها قالت لأخ لها يهودي: أسلم .. ترثني، فأبى أن يسلم، فأوصت له بالثلث وكانت باعت حجرتها من معاوية بمئة ألف، فجاءت تركتها مئة ألف قيمة الأرض، فأبوا أن يعطوه حتى علمت عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إليهم: اتقوا الله وأعطوه وصيته، فأخذ ثلثها وهو ثلاثة وثلاثون ألفًا ونيف).

وقيل: إن الوصية كانت لابن أخيها، وهو يهودي أيضًا.

وعن محمد بن الحنفية وعطاء وقتادة في قوله تعالى: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} : هو وصية المسلم للقريب الذمي.

ولا يخفى أن محل الصحة بما يجوز له تملكه، فلا تصح بالمصحف والعبد المسلم على النص.

ص: 228

وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌ فِي الأَصَحِّ، وَلِقَاتِلٍ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

قال: (وكذا حربي ومرتد في الأصح) كالهبة لهما والصدقة عليهما.

والثاني: المنع، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنا أمرنا بقتلهما فلا معنى للوصية لهما.

واستدل له المتولي بقوله تعالى: {ولا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم} ، فاقتضت الآية: أن الذين قاتلونا لا يجوز لنا أن نبرهم، ولا فرق في الحربي الموصى له بين أن يكون دخل إلينا بأمان أو كان في دار الحرب.

ولفظة (المرتد) من زيادة الكتاب.

ومحل الخلاف في الحربي: إذا أوصى له بغير السلاح، فإن أوصي له به .. فهو كبيعه.

وظاهر عبارته: استواؤهما في الخلاف، وبعضهم جعل المرتد أولى بالصحة، وبعضهم جعله أولى بالمنع، وكأن صورتها: ما إذا أوصى لشخص وهو حربي أو مرتد.

ولو أوصى لمن يرتد .. فهي باطلة قطعًا، وقياسه لو أوصى لمن يحارب: عدم الصحة، وهو كذلك، أو لمسلم فارتد: تصح قطعًا.

والأصح: أنه لا يصح الوقف على الحربي والمرتد.

وفرقوا بين الوقف والوصية؛ بأن الوقف صدقة جارية فاعتبر فيها الدوام، وبأن معنى التمليك في الوصية أظهر منه في الوقف فألحقت الوصية بسائر التمليكات.

واعترض ابن الرفعة على الأول؛ بأنه يقتضي: أن لا يصح الوقف على الزاني المحصن، ولم نر من قال به.

قال: (ولقاتل في الأظهر)؛ لأنها تمليك بإيجاب وقبول فأشبهت الهبة والبيع، وبهذا قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين.

والثاني: أنها باطلة، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه استحقاق ثبت بالموت فيمتنع بالقتل كالميراث، ولما روى الدارقطني [4/ 236] والبيهقي [6/ 281] عن علي رضي الله

ص: 229

وِلِوَارِثٍ فِي الأَظْهَرِ إِنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ،

ــ

عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس لقاتل وصية) لكنه حديث باطل منكر، والقياس المذكور منتقض بأم الولد إذا قتلت سيدها؛ فإنها تعتق.

والثالث: إن وصى لشخص فقتله .. بطلت لاستعجاله كالوارث، وإن جرحه ثم أوصى له .. صحت.

وفي وجه آخر: أنها تصح للقاتل بحق دون غيره، ولا فرق على القولين بين العمد والخطأ بحق أو غيره.

ومحل الخلاف: إذا أوصى للقاتل الحر، فإن أوصى للقاتل الرقيق .. فإنها تصح قطعًا، قال ابن يونس وشارح (التعجيز) وابن الرفعة.

ولا حاجة إلى هذا، فإن الوصية لسيده وليس قاتلا، فلهذا صحت قطعًا.

ولا خلاف أنه لو أوصى لمن يقتله .. أن الوصية باطلة؛ لكونها معصية.

ولو أوصى لقاتل زيد، فإن كان بعد قتله .. صح ويكون ذكر القتل للتعريف، وإن كان قبل قتله .. فلا؛ لأن فيه إغراء، اللهم إلا أن يكون القتل بحق فتظهر الصحة.

ولو قتل رب الدين المؤجل المديون .. حل، أو قتلت أم الولد سيدها .. عتقت قطعًا.

ولو قتل المدبر سيده .. فطريقان:

أحدهما: أن ينبني على أن التدبير وصية أو تعليق عتق، إن قلنا: وصية .. فهو على الأقوال، وإن قلنا: تعليق عتق .. عتق.

وثانيهما: إن صححنا الوصية للقاتل .. عتق، وإلا .. فلا.

قال: (ولوارث في الأظهر إن أجاز باقي الورثة) أي: المطلقين التصرف، سواء كانت الوصية بالثلث أو دونه كما في الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، ففي (البيهقي) [6/ 284]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة) قال الذهبي: إنه صالح الإسناد.

ص: 230

وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي،

ــ

وقال الشافعي رضي الله عنه: لم يختلف أهل العلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: (لا وصية لوارث) ووجدتهم مجمعين عليه.

والثاني: أنها باطلة وإن أجاز الوارث، واختاره المزني؛ لما روى أبو داوود [3560] والترمذي [2120] وابن ماجه [2714] عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).

وفي رواية: (لا تجوز وصية لوارث)، وهو أصرح من الأول.

والمشهور: أنه لا فرق في الوصية للوارث بين الثلث وما زاد.

وفي (رفع التمويه) لابن يونس: أن من أصحابنا من قال: القولان محلهما إذا جاوز الثلث، أما إذا لم يجاوزه .. فيصح قولًا واحدًا كما في الأجنبي، وهذا شاذ لا يعول عليه.

وإذا قلنا بالصحة .. فهي موقوفة على الإجازة.

وهل هي تنفيذ أو ابتداء عطية؟ قولان هنا وفي الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث: أصحهما: أنها تنفيذ كما سيأتي، وللقولين فروع تأتي في الزيادة على الثلث.

ثم المراد بـ (الوارث): الخاص، فلو مات من غير وارث خاص .. فوصيته بالثلث صحيحة، وبما زاد عليه باطلة.

وأغرب القاضي حسين فحكى: أن وصية من لا وارث له خاص لا تصح لآحاد المسلمين؛ بناء على أن ماله يكون موروثًا للمسلمين وأن الوصية للوارث باطلة.

ولو كان في الورثة صغير أو مجنون أو محجور عليه بسفه .. لم تصح منه الإجازة، ولا من الحاكم عليه، ولا من وليه؛ لما في ذلك من تضييع حقه.

والحيلة في الوصية للوارث أن يقول: أوصيت لزيد بألف إن تبرع لولدي بألف مثلًا؛ فإنه يصح، وإذا قبل .. لزمه دفعها إليه.

قال: (ولا عبرة بردهم وإجازتهم في حياة الموصي)؛ لأنه لا يتحقق استحقاقهم قبل الموت؛ لجواز أن يشفى المريض، ولا بد من معرفة الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة، فإن جهل أحدهما .. لم تصح إن قلنا: ابتداء عطية، وإن قلنا:

ص: 231

وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْم الْمَوْتِ .. وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ، وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ وَتفْتَقِرُ إِلَى الإِجَازَةِ فِي الأَصَحِّ. وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ

ــ

تنفيذ .. فالأظهر: البطلان كالإبراء عن المجهول.

قال: (والعبرة بكونه وارثًا بيوم الموت)؛ لجواز أن يموت المريض قبله أو يموت قبل المريض فلا يكون وارثًا، فلو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن ثم الموصي .. فهو وصية لوارث، ولو لم يكن له ابن فحدث بعد الوصية الأخ .. فهي لغير الوارث.

قال: (والوصية لكل وارث بقدر حصته) أي: مشاعًا (لغو)؛ لأنهم مستحقون لها وإن لم يوص، وخرج الرافعي فيه وجهًا: أنه يصح.

قال: (وبعين هي قدر حصته صحيحة ونفتقر إلى الإجازة في الأصح)؛ لاختلاف الغرض في الأعيان ومنافعها، ومن ثم لم يجز إبدال مال الغير بمثله، وهكذا لو أوصى أن تباع عين من ماله لزيد .. صحت الوصية على الأصح.

والثاني: لا تفتقر إليها؛ لأن حقوقهم في قيمة التركة لا في عينها؛ لأن المريض لو باع التركة بقيمة مثلها .. صح.

ويجرى الخلاف فيما لو أوصى بأن تباع عين من ماله من إنسان بعينه بثمن مثلها.

ويستثنى من الافتقار إلى القبول: ما إذا وقف على ولده الحائز في مرض موته عينًا .. فالأصح: إن احتملها الثلث .. صح ولم يكن للوارث إبطال الوقف في شيء منها، وإن زادت على الثلث .. صح في قدر الثلث وله رد الزائد.

ولو كان له وارثان فأكثر، فوقف عليهما دارًا على قدر حصصهما، كابن وبنت، وقف عليه ثلثين، وعليها ثلثًا .. فالأصح: صحتها موقوفة على الإجازة، فإذا خرجت من الثلث .. صحت، وإلا .. رد على المذهب، وإن وقفها بينهما نصفين، فإن احتملها الثلث وأجازاها .. فهي بينهما كما وقفها.

قال: (وتصح بالحمل)، هذا هو الركن الثالث وهو الموصى به، فتصح بالمجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع، وبما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق، لأن الموصى له يخلف الميت في ثلثه كما يخلفه الوارث في

ص: 232

بِشَرْطِ انْفِصَالِهِ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا، وَبِالْمَنَافِعِ، وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الأًصَحِّ،

ــ

ثلثيه، فلما جاز أن يخلف الوارث الميت في هذه الأشياء .. جاز أن يخلفه الموصى له، فلو قال: أوصيت بحمليها وكانت حينئذ حائلًا .. لم تصح.

قال: (بشرط انفصاله حيًا لوقت يعلم وجوده عندها) أي: عند الوصية كما تقدم عند الوصية للحمل، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بالبهائم.

وعبارة المصنف تقتضي: أنه لو انفصل ميتًا .. لغت، وليس كذلك، بل لو انفصل حمل الأمة مضمونًا بجناية .. لم تبطل الوصية والأرش للموصى له؛ لأنه انفصل متقومًا، بخلاف ما لم أوصى بحمل بهيمة فضرب شخص بطنها فوضعت ميتًا .. فإن الموصى له لا يستحق شيئًا؛ لأن دية الجنين بدل عنه والواجب في حمل البهيمة ما نقص من قيمتها، ولو ذبح الوارث البهيمة الموصى بحملها .. الظاهر: أن الجنين يكون للموصى له به كما لو انفصل حيًا ثم ذبح؛ لان ذكاته ذكاة أمه.

وهل يصح القبول في حال الاجتنان؟ فيه وجهان؛ بناء على أن الحمل يعرف أم لا؟

ولو قال: إن ولدت ذكرًا فهو وصية لزيد أو أنثى فلعمرو فولدتهما .. دفع لكل منهما وصيته، وإن ولدت خنثى .. فهل يوقف إلى أن يصطلحا أو لا شيء لهما؟ وجهان.

قال: (وبالمنافع) أي: المباحة؛ لأنها كالأعيان في الملك بالعقد وبالإرث فكانت كالأعيان في الوصية، وتجوز بالعين دون المنفعة، وبالمنفعة دون العين، وبالعين لواحد وبمنفعتها لآخر؛ لأن المنفعة والعين كالعنين، وتجوز بمنفعة مقدرة بمدة ومؤبدة، والمطلق مؤبد.

قال: (وكذا بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصح)؛ لأن المعدوم يجوز أن يملك بعقد المساقاة والإجارة فجاز أن يملك بعقد الوصية؛ لأنها أوسع بابًا من غيرها.

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثاني: أنها باطلة؛ بناء على أن الاعتبار بحال الوصية ولا ملك يومئذ بل لا وجود، والتصرف يستدعي متصرفًا فيه ولم يوجد، ويحكى هذا عن أبي حنيفة رحمه الله.

والثالث: تصح بالثمرة دون الحمل؛ لأنها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها بخلاف الولد.

وكان الأحسن أن يقول: سيحدث؛ لأجل العطف بـ (أو)، ولكنه جار على مذهب الكوفيين، والبصريون لا يعيدون الضمير بعده إلا مفردًا.

فروع:

أوصى بحمل هذه الشجرة هذا العام .. صح، وكذا بما تحمله كل عام.

وإن أطلق الوصية بما تحمل .. فهل تعم كل سنة أو تختص بالسنة الأولى؟

قال ابن الرفعة: الظاهر: العموم.

وبناه شيخنا على أن (ما) هذه هل تعم أو لا؟ فيها اختلاف: فمن قال بعمومها كالإمام فخر الدين .. صححها بكل السنين، ومن قال: لا تعم إلا إذا كانت استفهامية أو شرطية .. قال: تتناول سنة واحدة.

وإذا احتاجت الثمرة الموصى بها أو الشجرة إلى السقي .. لم يجبر واحد من الوارث والموصى له عليه، فلو أراد الوارث أن يبيع الشجرة الموصى بثمرتها مطلقًا أو عمومًا .. قال الأصحاب: له ذلك كبيع الدار المستأجرة، وهذا إنما يظهر إذا كانت المدة معينة، وإلا .. فهي كبيع الموصى بمنفعتها دائمًا.

ص: 234

وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ

ــ

قال: (وبأحد عبديه)؛ لأن الوصية تحتمل الجهالة فلا يقدح فيها الإبهام، أما لو أوصى لأحد الرجلين .. فلا تصح في الأصح كسائر التمليكات، فلو قال: أعطوه أحد الرجلين .. صح، كقوله لوكيله: بعه من أحدهما، والتعيين فيما إذا أوصى بأحد عبديه، وفيما إذا قال: أعطوه أحد الرجلين للوارث، وله أن يعين من العبدين السليم والمعيب أو الصغير أو الكبير؛ لصدق الاسم، ولو كان لا يملك إلا أحدهما فقال: أوصيت بأحدهما .. انصرفت الوصية للملوك، قال القاضي حسين، وينبغي أن يكون على الخلاف في نظائره من الحصر والإشاعة.

قال: (وبنجاسة يحل الانتفاع بها)؛ لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها من يد إلى يد بالإرث والهبة.

واحترز عما لا يحل الانتفاع به كالخنزير وفرعه، والكلب العقور، والخمر غير المحترمة.

قال: (ككلب معلَّم) يعني: لصيد أو لحرث أو ماشية؛ لجواز اقتنائه، وهذا لا خلاف فيه، إلا من تقييده بـ (المعلَّم) يفهم المنع في الجرو القابل للتعليم، والأصح: جوازه؛ بناء على جواز اقتنائه، لكن يشترط أن يكون جرو كلاب الصيد ونحوها، فلو كان الموصى له ليس صاحب صيد ولا زرع ولا ماشية .. ففيه وجهان في (الحاوي):

أحدهما: أنها باطلة؛ اعتبارًا بالموصى له.

والثاني: جائزة؛ اعتبارًا بالكلب فإن منتفع به، ولأن الموصى له ربما أعطاه من ينتفع به.

وأقرب الوجهين فيما يظهر: المنع، وهو الذي صححه المصنف في (شرح المهذب) بالنسبة لجواز اقتنائه.

ولو كان عنده كلاب معلَّمة .. تخير الوارث كأحد العبيد، ولا يختص المنع بغير

ص: 235

وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ

ــ

المعلم، بل أوصى بما لا يصلح للصيد كالسبع والذئب .. لم يصح.

قال: (وزبل)؛ لأنه ينتفع به، وكذلك الزيت النجس وجلد الميتة القابلة للدباغ.

قال: (وخمر محترمة)؛ لأنه يجوز إمساكها لتتخلل بنفسها على الأصح، ومن هذا القبيل شحم الميتة لدهن السفن، وجزم الماوردي وابن الصباغ بجواز الوصية بالميتة؛ لأنه قد يطعمها البزاة.

وقال في (شرح المهذب): يكره اقتناء الزبل للزرع.

وفي وجه: أنه مباح.

وقال ابن الرفعة: لو استحكمت الخمر وأيس من عودها خلًا إلا بصنع الآدمي .. فالأشبه: تحريم إمساكها، وقياسه: بطلان الوصية بها.

فروع:

أوصى له بجرة فيها خمر .. أريق الخمر وسلمت إليه، كذا نص عليه، ولا تصح الوصية بالمنفعة المحرمة، ولا بالقصاص، ولا بحد القذف، ولا بحق الشفعة وإن لم تبطل بالتأخير؛ لكون الثمن مؤجلًا.

ولا تصح الوصية بالأصنام والأزلام، ولا بالحيات والعقارب والحشرات والذباب، وتصح بالفهد والفيل والنمر والشاهين والصقر والباز.

وتصح بنجوم الكتابة، فإن انفسخت بالعجز .. فلا شيء للموصى له، ولو كان قبض بعضها قبل انفساخها .. استرده الوارث.

والوصية بالمصحف وبالعبد المسلم وبالسلاح للكافر كبيعها.

ص: 236

وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ .. أُعْطِيَ أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلْبٌ .. لَغَتْ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا .. فَالأَصَحُّ: نُفُوذُهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ

ــ

قال: (ولو أوصى بكلب من كلابه .. أعطى أحدها)، والتخيير في التعيين إلى الوارث.

هذا إذا كانت كلها معلمة للمنفعة المباحة، وكذلك الحكم لو قال: كلب من مالي، وإن لم يكن الكلب مالًا؛ لأن المنتفع به منها تعتوره الأيدي، فهو كالمال، فقد يستعار له اسم المال، ودل على هذه الاستعارة ضرورة جعله الكلب بعضها.

ولا يدخل في اسم الكلب والحمار الأنثى على ما قاله الغزالي، وصوبه المصنف وإن كان الرافعي توقف؛ لأنه يقال: كلب وكلبة.

قال: (فإن لم يكن له كلب .. لغت) سواء قال: من كلابي، أو من مالي، وسواء كان له مال آخر أو لم يكن؛ لأن الكلب يتعذر شراؤه، بخلاف: أعطوه عبدًا من مالي، حيث يشترى له؛ لإمكانه.

وفي وجه: أنها تصح ويعطى مثل الكلب من الجوارح الطاهرة، فلو لم يكن له كلب .. قال القمولي: يظهر أنه على الوجهين المتقدمين.

ولو كان له كلب أو كلاب ينتفع بها .. صحت ويتعين الإعطاء منها، بخلاف ما إذا قال: عبدًا من مالي وله عبيد؛ فإنه يجوز أن يشترى عبد منه ويعطاه.

قال: (ولو كان له مال وكلاب ووصى بها أو ببعضها .. فالأصح: نفوذها وإن كثرت وقل المال)؛ لأن المعتبر: أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، والمال وإن قل خير من ضعف الكلب الذي لا قيمة له.

والثاني: أن الكلاب ليست من جنس المال فيقدر أنه لا مال له وتنفذ الوصية في ثلث الكلاب.

والثالث: تقوم الكلاب أو منافعها على الاختلاف الآتي، فإن قال: أعطوه كلبًا

ص: 237

وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ .. حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ .. لَغَتْ إِلَّا أَنْ يَصْلُحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ.

ــ

من كلابي، وليس له إلا كلب واحد .. فالأصح: أنه يدفع إليه ثلثه.

ولو وصى بثلث ماله لرجل وبالكلاب لآخر .. قال القاضي أو الطيب: تنفذ الوصية بجميع الكلاب؛ لأن ثلثي المال الذي يبقى للورثة خير من ضعف الكلاب، واستبعده ابن الصباغ؛ لأن ما يأخذه الورثة من الثلثين هو حصتهم بحسب ما نفذت الوصية فيه وهو الثلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرة أخرى في الوصية بالكلاب، وصحح في (الروضة) قول ابن الصباغ.

قال: (ولو أوصى بطبل وله طبل لهو وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب وحجيج .. حملت على الثاني)؛ لأن الموصي يقصد حيازة الثواب، والظاهر: أنه يقصد ما تصح الوصية به، يعطى الجلد الذي عليه إن لم يصدق اسم الطبل إلا به، وإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية بها .. فهي باطلة ..

و (طبل اللهو): الكوبة المذكورة في (الشهادات).

و (طبل الحرب): ما يضرب للتهويل.

و (طبل الحجيج): الذي يضرب للإعلام بالنزول والارتحال، ومثله في الحكم طبل الباز، وكذلك (طبل العطارين) وهو: السفط الذي يوضع فيه العطر.

قال: (ولو أوصى بطبل اللهو .. لغت)؛ لأنه معصية، سواء كانت من جوهر نفيس أم لا.

وقال الإمام والغزالي: إذا كانت من جوهر نفيس .. صحت وكأنه أوصى برضاضة إذا كسر، والتعليق لا يقدح في الوصية، كما إذا قال: أوصيت له برضاضه؛ فإنه يصح قولًا واحدًا وكأنه علقه بكسره.

قال: (إلا أن يصلح لحرب أو حجيج) إما على الهيئة التي هو عليها، وإما بعد التغيير الذي يبقى معه اسم الطبل.

ولو قال: إلا أن يصلح لمباح .. كان أخصر وأعم؛ فإن طبل الباز كذلك.

وتصح بالدف؛ لأن الضرب به مأمور به في النكاح ففيه منفعة مباحة.

ص: 238