المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: إِذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، أَوْ بِدَارٍ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٦

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: إِذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، أَوْ بِدَارٍ

‌فَصْلٌ:

إِذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، أَوْ بِدَارٍ فَتَحُوهَا وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ كُفَارٍ صُلْحاً أَوْ بَعْدَ مِلْكِهَا بِجِزْيَةٍ وَفِيهَا مُسْلِمٌ .. حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ. وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ كُفَارٍ. فَكَافِرٌ إِنْ لمَ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ، وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ .. فَمُسْلِمٌ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (فصل:

إذا وجد لقيط بدار الإسلام وفيها أهل ذمة، أو بدار فتحوها وأقروها بيد كفار صلحًا أو بعد ملكها بجزية وفيها مسلم) أي: يمكن أن يولد له ذلك اللقيط (.. حكم بإسلام اللقيط)؛ تغليبًا للدار، ولإمكان كونه من مسلم، فإن كان المسلمون بها أكثر .. فالظاهر: أنه مسلم، وإن لم يكن إلا مسلم واحد .. فلا يمكن دعوى الظهور ولكن الاحتمال، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، كذا رواه أحمد، فلذلك يحكم بكونه مسلمًا، لا سيما والدار دار إسلام، وقد أطلق الرافعي دار الإسلام على الثلاثة التي ذكرها المصنف.

واحترز بقوله في الثالثة: (وفيها مسلم) عن دار كان فيها مسلمون سكنوها ثم ارتحلوا عنها وغلب عليها المشركون، وليس فيها الآن من يعرف بالإسلام، أو كان فيها مسلم لا يمكن أن يكون منه .. فالمنبوذ بها كافر في الأصح.

وقال الشيخ أبو إسحاق المروزي: إنه مسلم؛ لأن الدار دار إسلام، واختاره الشيخ.

قال: (وإن وجد بدار كفار .. فكافر إن لم يسكنها مسلم)؛ لأن الإسلام إنما يعلو إذا احتمل، ولا احتمال هنا، وقال الفوراني: إذا اجتاز بها مسلم .. فهو مسلم، وإن قال: ليس هذا مني .. قُبل في نفي نسبه عنه، ولا يقبل في ترك الإسلام.

قال: (وإن سكنها مسلم كأسير وتاجر .. فمسلم في الأصح)؛ تغليبًا للإسلام.

ص: 65

وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَة بِنَسَبِهِ .. لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْدَّعْوَى .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ،

ــ

والثاني: كافر؛ تبعًا للدار.

قال الإمام: ويشبه أن الخلاف في قوم ينتشرون في البلد، أما الذين في المطامير .. فيتجه أن لا أثر لهم كما لا أثر للمجتازين، فعلى الأول: لابد أن يكون ممن يمكن أن يولد له كما سبق، وإلا .. فلا، ولو قال ذلك المسلم: ليس هذا الولد مني .. قبل قوله في نفي نسبه عنه دون إسلامه.

ثم المحكوم بإسلامه بالدار إذا بلغ ووصف الكفر .. فهو كافر أصلي، وقيل: قولان كتابع أبيه وسابيه. والثاني: مرتد.

وحيث حكمنا بكفر اللقيط فكان أهل البلد أصحاب ملل مختلفة .. قال الرافعي: القياس: أن يجعل من خيرهم دينًا، وقال في (المطلب): ينبغي أن يكون على الخلاف فيما إذا اختلف دين أبويه هل يتبع أشرفهما دينًا أو لا؟

وذكر شارح (التعجيز) عن جده: أن اللقيط إذا وجد ببرية .. يكون مسلمًا ترجيحًا للإسلام، وهذا ظاهر إذا كانت يدارنا، فإن كانت بحيث لا يطرقها مسلم .. فلا.

قال: (ومن حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمي بينة بنسبه .. لحقه)؛ لأنه كالمسلم في لحوق النسب.

قال: (وتبعه في الكفر) ويرتفع ما ظنناه من إسلامه؛ لأن الدار حكم باليد والبينة أقوى من اليد المجردة، والغالب في ولد الكافر أن يكون كافرًا.

قال: (وإن اقتصر على الدعوى) أي: استلحقه من غير بينة (.. فالمذهب: أنه لا يتبعه في الكفر) بل يثبت نسبه اتفاقًا، ولا يلزم منه الكفر؛ لجواز كونه من

ص: 66

وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا تُفْرَضَانِ فِي لَقِيطٍ: إِحْدَاهُمَا: الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ .. فَهُوَ مُسْلِمٌ، فَإِنَ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا .. فَمُرْتَدٌ. وَلَوْ عَلِقَ بَيْنَ كَافِرِيْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا .. حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، ......

ــ

مسلمة، هذه أصح الطرق عند الأكثرين، وقيل: قولان: ثانيهما يتبعه في الكفر تبعًا لنسبه كما لو أقام به بينة، وخص الماوردي الخلاف بما إذا استلحقه قبل أن تصدر من اللقيط صلاة أو صوم، وإلا .. لم يتبعه قطعًا.

قال: (ويحكم بإسلام الصبي بجهتين أخريين لا تفرضان في لقيط) وإنما ذكرا في (باب اللقيط) استطرادًا.

قال: (إحداهما: الولادة، فإذا كان أحد أبويه مسلمًا وقت العلوق .. فهو مسلم)؛ لأنه جزء من مسلم بالإجماع، وكذا إذا كانت الأم مسلمة؛ لأن الولد خلق منهما جميعًا، وسيأتي الحكم في ولد المرتدين في بابه.

قال: (فإن بلغ ووصف كفرًا .. فمرتد) وهذا لا خلاف فيه أيضًا؛ لأنه كان مسلمًا ظاهرًا وباطنًا، وهذه التبعية أقوى التبعيات.

قال: (ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما .. حكم بإسلامه) سواء أسلم قبل الوضع أو بعده، طفلاً كان أو مميزًا، فيحكم بإسلامه في الحال حتى يتعلق القصاص والدِّية بقتله، ويرث من قريبه المسلم ويرثه لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتهُم ذُريَّتُهُم بِإِيمَانٍ).

وقوله: صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه) فجعل موجب كفره كفرهما جميعًا.

وقال مالك: لا يتبع الأم إذا أسلمت إلا أن يكون من زنا، أو يكون جنينًا في بطنها.

وحكي الشيخ نجم الدين الخبشاني في (شرح الوسيط) عن بعض العلماء: أنه يتبع الأم ولا يتبع الأب، ونقله ابن حزم أيضًا عن بعض المدنيين، وقال في (كتاب الجهاد): إن ولد الحربية والذمية من زنا أو إكراهٍ مسلمٌ ولابد؛ لأنه ولد في الإسلام وليس له أبوان يخرجانه منه، ولم يذكر في ذلك خلاف عن أحد.

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فرع:

في معنى الأبوين الأجداد والجدات، سواء كانوا وارثين أم لم يكونوا، فإذا طرأ إسلام الجد .. تبعه الطفل إذا لم يكن الأب حيًا، فإن كان حيًا فوجهان:

أحدهما: لا يتبعه في الإسلام؛ لأن الجد لا ولاية له في حياة الأب، والجدة لا حضانة لها في حياة الأم، وإلى هذا ذهب القاضي حسين وجماعة.

قال الرافعي: وأقربهما: التبعية؛ لأن سببها القرابة وهي لا تختلف بحياة الأب وموته كسقوط القصاص وحد القذف.

ولو أسلم الجد للأم والأب حي .. اطرد الوجهان، وفي (الروضة): موضع قول الرافعي: (أقربهما التبعية) الأصح.

وحكى الماوردي في تبعية الولد لجده أو جدته ثلاثة أوجه: ثالثها: إن كان الأب أو الأم موجودًا .. لم يتبع، وإلا .. يتبع.

وقال الرافعي في (كتاب السير): إذا أسلم الجد أو الجدة .. هل يصون صغار أحفاده؟ وجهان: أظهرهما: نعم، قال الروياني: إن محلهما إذا كان أبوه حيًا، فإن كان ميتًا .. صانهم وجهًا واحدًا.

ووجه ابن أبي هريرة منع التبعية بأن إسلام الجد لو كان إسلامًا له .. لوجب أن يحكم بإسلام جميع الأطفال بإسلام جدهم آدم عليه السلام.

وأجاب ابن الرفعة بأن كلامنا في إسلام جد بعد وجود ولد الولد، وآدم عليه السلام كان موجودًا قبل وجود ذريته فلا يلزم ما ذكر.

وجوابه: أن من أتبع ولد ولد لجده إذا أسلم قال: إذا كان الجد مسلمًا انعقد بعد إسلامه له ولد ولد .. انعقد على الإسلام كما صرح به القاضي حسين في (باب دعوى الأعاجم)، ورجح ابن الرفعة قول القاضي حسين، واختاره الشيخ، وبه جزم الحليمي، وأفتى به قاضي القضاة تقي الدين بن رزين، وقال: إنه الحق، وإن كلام الرافعي خارج عن المذهب.

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كل هذا في ولد موجود قبل إسلام الجد، وكذا فيما انعقد بعد إسلامه كما تقدم عن القاضي حسين، أما إذا مات الجد والأب حي ثم حدث له بعد ذلك ولد .. قال الشيخ: لم يتعرض له الرافعي ولا غيره فيما وقفت عليه إلى الآن لهذه المسألة، ويحتمل أن يقال: لا يستتبع؛ لأن الاستتباع يليق بالحي لا بالميت.

وعلى هذا: لا يرد الاستدلال بآدم عليه السلام، ويحتمل أن يقال: يستتبع، وعلى هذا يرد، ويجاب عنه بأن الكلام في جد يعرف النسب إليه بحيث يحصل بينهما التوارث، قال: والأمر مشكل من الطرفين إن قيل بالاستتباع .. فقد يصر الولد على الامتناع والقتل صعب، وإن قيل بعدم الاستتباع .. فتمكين من يحتمل إسلامه من الكفر أصعب. اهـ.

لكن عبارة (الحاوي الصغير) صريحة في التبعية بذلك، وبها أفتى عامة مشايخ العصر، ونقل في (المحلى) عن الأوزاعي: أن عم الصغير إذا أسلم .. يكون مسلمًا.

فائدة:

من مات وهو صغير على أقسام:

أولاد الأنبياء في الجنة بالإجماع.

وأولاد غيرهم كذلك على المشهور، وقيل بالوقف، وأولاد المشركين فيهم هذا القولان.

وقيل: على الأعراف، وقيل: يمتحنون في الآخرة، وقيل: في النار.

واستدل لكونهم في الجنة - وهو الصحيح - بقوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح): (وأولاد المشركين).

وقال أحمد: إذا مات الذمي وزوجته حامل .. حكم بإسلام الجنين، وأجراه

ص: 69

فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا .. فَمُرْتَدٌ، وَفِي قَوْلٍ: كَافِرٌ أَصْلِيٌّ

ــ

بعض أصحابه فيما إذا مات وهو صغير بعد انفصاله، والجمهور على أنه كافر؛ لأنه ثبتت له التبعية بالعلوق.

قال: (فإن بلغ ووصف كفرًا .. فمرتد)؛ لسبق الحكم بإسلامه، فأشبه من أسلم بنفسه ثم ارتد.

قال: (وفي قول: كافر أصلي)؛ لأنه كان محكومًا بكفره أولاً، وأزيل ذلك بطريق التبعية، فإذا استقل .. انقطعت ووجب أن يعتبر بنفسه، فإن حكمنا بكونه مرتدًا .. لم ينقض شيئًا مما أمضيناه من أحكام الإسلام، وعلى مقابله: ينقضها على الأصح ويستدرك ما يمكن استدراكه، حتى يرد ما أخذ من تركة قريبه المسلم، ويأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرمناه منه، ونحكم بأن عتقه عن الكفارة لم يقع مجزئًا.

كل هذا إذا لم يصف الإسلام بعد بلوغه، فإن وصفه .. فمرتد قطعًا.

ومن فوائدهما كما ذكره الرافعي في (الظهار): وجوب التلفظ بالإسلام بعد البلوغ على الثاني دون الأول، ولذلك قال في (كتاب التوبة) من (الإحياء): إن المسلم تبعًا لأبويه لا يغني عنه إسلامهما شيئًا ما لم يسلم بنفسه، ونص عليه الحليمي أيضًا، وإذا جعلناه كافرًا أصليًا .. ألحقناه بدار الحرب.

ويتفرع على القولين: تجهيزه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين إذا مات قبل البلوغ وبعد الإفصاح، ورأى الإمام أن يتساهل في ذلك وتقام فيه شعائر الإسلام، قال في (الروضة): وهو المختار أو الصواب؛ لأن هذه الأمور مبنية على الظواهر، وظاهره الإسلام، وهو كما قال.

فرع:

المحكوم بكفره إذا بلغ مجنونًا .. حكمه حكم الصغير، حتى إذا أسلم أحد أصوله .. تبعه؛ لأنه بالجنون عاد إلى حكم الطفولية، ولهذا تعود ولاية الأب عليه في ماله ونكاحه، وإذا بلغ عاقلاً ثم جن .. فكذلك على الأصح.

ص: 70

الْثَانِيَةُ: إِذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلاً .. تَبعَ الْسَّابِيَ فِي الإِسْلَامِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ،

ــ

قال: (الثانية: إذا سبى مسلم طفلاً .. تبع السابي في الإسلام إن لم يكن معه أحد أبويه)؛ لأنه صار تحت ولايته وليس معه من هو أقرب إليه فتبعه كما تبع الأبوين.

قال الإمام: وكأن السبي لما أبطل حريته .. قلبه قلبًا كليًا فعدم ما كان، واستفتح له وجود تحت يد السابي وولاية، فأشبه تولده من الأبوين المسلمين، والمجنون في ذلك كالطفل.

وحكى جماعة من الأصحاب وجهًا: أن المسبي باق على كفره لا يتبع السابي، وفي (المهذب) و (الحاوي): أنه ظاهر المذهب، ونبه في (الروضة) على ضعفه وشذوذه؛ لئلا يغتر به، وأن الصواب المقطوع به في كتب المذهب: الجزم بإسلامه.

وقال ابن حزم: من سُبي من صغار أهل الحرب سواء سبي مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما .. فهو مسلم، قال: وهو قول الأوزاعي والثوري والمزني.

ثم لا فرق بين أن يكون السابي بالغًا أو طفلاً عاقلاً أو مجنونًا فلذلك أطلقه المصنف.

وإذا قلنا: إنه محكوم بإسلامه فهل هو ظاهرًا وباطنًا كما في الحكم بإسلامه تبعًا لأحد أبويه، أو ظاهرًا فقط؟ وجهان حكاهما الماوردي في (كتاب السير)، وقال: ظاهر المذهب: الأول، ويظهر أثرهما فيما إذا وصف الكفر بعد البلوغ، أما إذا كان معه أبواه أو أحدهما .. فإنه لا يتبع السابي قطعًا، وأسقطه المصنف اكتفاء بالمفهوم، وصرح به في (المحرر)، قال الشيخ: ولا يعرف فيه خلافًا في المذهب إلا ما نقله ابن حزم عن المزني.

قال في زوائد (الروضة): وقول الأصحاب: (معه أحد أبويه) يحتمل أن يكون ذلك مثالاً، والمراد: أحد أصوله، أو على حقيقته ويجري في الأجداد والجدات الخلاف.

ص: 71

وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ .. لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فيِ الْأَصَحِّ

ــ

والمراد بالمعية: أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة، لا كونهما في ملك واحد، فإن كانا في عسكرين .. تبع السابي، ولو سبي معهما ثم ماتا .. لم يحكم بإسلامه؛ لأن التبعية محلها ابتداء السبي، وإذا دخل دار الإسلام مع أبويه أو أحدهما ثم انفرد .. لم يحكم بإسلامه.

قال: (ولو سباه ذمي) أي: وحمله إلى دار الإسلام (.. لم يحكم بإسلامه في الأصح)؛ لأن أولاده كفرة، ودار الإسلام لم تؤثر فيهم فأولاد غيره إذا سباهم أولى.

والثاني: يحكم بإسلامه؛ لأنه إذا سباه .. صار من أهل دار الإسلام، والذمي من أهلها فيحكم بإسلامه تبعًا للدار، ولصاحب هذا الوجه أن يجيب عن حجة الوجه الأول بأن دار الإسلام لم تؤثر في أولاد الكافر؛ لأن تبعية النسب أقوى وقد عارضتها وفي المسبي الدار منفردة.

واستشكل الشيخ صورة المسألة، ثم صورها بما إذا سرقه ذمي وقلنا: المسروق لا يخمس به السارق وهو منفرد به، أما إذا قلنا: لا يختص به .. فيكون للمسلمين فيه شيء ويده نائبة عنهم فيه، فيقوى فيه القول بكونه مسلمًا؛ لأن الحق عليه للمسلمين.

فروع:

إذا أسلم الذمي السابي له هل يصير مسلمًا؟ قل من تعرض له، قال الشيخ: ينبغي أن يكون مسلمًا؛ لأن له عليه ولاية وكفالة وملكًا.

وموضع الخلاف إذا سباه في جيش المسلمين، فأما إذا سباه الذمي وحده .. فهو على دين سابيه قطعًا، صرح به الماوردي في (كتاب السير)، وحاوله ابن الرفعة تفقهًا.

ص: 72

وَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالاً عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

ولو سباه مسلم وذمي .. حكم بإسلامه تبعًا للمسلم تغليبًا للإسلام، قال القاضي حسين.

وإذا اشترى كافر عبدًا صغيرًا ثم أسلم السيد هل يحكم بإسلام الطفل؟ خرجه البغوي في (فتاويه) على الوجهين، قال: ويحتمل أن يرتب فيقال: إن لم يحكم بإسلامه في السبي .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان، وكذلك الحكم لو سباه حربي وأسلم فيه الوجهان.

ومن سباه ذمي وحكمنا بعدم إسلامه على الأصح ثم سبي أبواه ثم أسلما .. لم يصر مسلمًا بإسلامهما؛ لأن كفره لم يكن من قبلهما فيزول بزوالهما عنه، قاله الحليمي.

وهذه مسألة حسنة يقال فيها: طفل محكوم بكفره أسلم أبواه فلم يتبعهما في الإسلام، قال الشيخ: وعلى مقتضاها: لو لم يسبيا ولكنهما أسلما إما في دار الحرب وإما خرجا منها بأنفسهما ثم أسلما .. فإنه لا يتبعهما في الإسلام؛ لانفراده عنهما قبل ذلك وإبقائه على الكفر.

وإذا باع الذمي المسبي المنفرد بنفسه من مسلم .. لم نحكم بإسلامه أيضًا على الأصح؛ لأن ملك المسلم طرأ وهو رقيق، ومهما حكمنا بإسلامه تبعًا للسابي فبلغ وأعرب بالكفر .. فحكمه حكم من حكم بإسلامه تبعًا لأبويه.

قال: (ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالاً على الصحيح)؛ لأنه غير مكلف فأشبه المجنون وغير المميز ولا يصح إسلامهما اتفاقًا، ولأن نطقه بالشهادتين إما خبر وإما إنشاء، فإن كان خبرًا .. فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء .. فهو كعقوده وهي

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باطلة، وأيضًا نطقه إما إقرار أو شهادة وليس من أهلهما، ولأن إسلامه التزام؛ لأن معناه: انقدت لله تعالى وألزمت نفسي أحكامًا، فهو كالضمان والتزام الصبي لا يصح، وهذا هو المشهور المنصوص قديمًا وجديدًا.

والثاني: يصح إسلامه استقلالاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليًا إلى الإسلام قبل بلوغه فأجاب، ولا يلزم من كونه غير مكلف أن لا يصح كالصلاة والصوم وسائر العبادات، وقد قال الإمام: إنه ضعيف نقلاً قوي توجيهًا، قال: وقد صححوا إحرامه، والفرق بينه وبين الإسلام عسر، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وبه قال الإصطخري وابن أبي هريرة، وحكم به الشيخ زين الدين ابن الكتناني أيام نيابته القضاء، وكذلك قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، واختاره الشيخ أولاً ثم رجع عنه واختار رأي الجمهور.

وأجابوا عن قياسه على العبادات بأنها تقع منه نفلاً والإسلام لا يتنفل به، وعن إسلام علي بأنه كان ابن خمسة عشرة سنة، وهو بعيد لقوله (من الوافر):

سبقتهمُ إلى الإسلام طرًّا .... صغيرًا ما بلغت أوان حلمي

لكن هذا الشعر لم يصح عنه.

والجواب الصحيح: ما نقله البيهقي في (المعرفة): أن الأحكام إنما صارت متعلقة بالبلوغ بعد الهجرة في عام الخندق، أما قبل ذلك .. فكانت منوطة بالتمييز.

كل هذا في أحكام الدنيا، أما ما يتعلق بالآخرة .. فقال الأستاذ أبو إسحاق: إذا أضمر الإسلام كما أظهره .. كان من الفائزين بالجنة وإن لم تتعلق بإسلامه أحكام

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدنيا، قال الرافعي: ويعبر عن هذا بأن إسلامه صحيح باطنًا وظاهرًا، واستشكله الإمام؛ لأن من نحكم له بالفوز لإسلامه كيف لا نحكم بإسلامه؟ ثم قال: وقد يجاب عنه بأنا قد نحكم بالفوز في الآخرة وإن لم نحكم بالإسلام في الدنيا كمن لم تبلغه الدعوة، واعترض ابن الرفعة على الرافعي بأن قول الإمام:(من لم يحكم له بالفوز لإسلامه) يخرج عن هذه الصورة وهو اعتراض حسن.

وتعبير المصنف بـ (الصحيح) يقتضي ضعف الخلاف، وهو قوي كما تقرر فكان ينبغي التعبير بالأصح.

تتمة:

إذا فرعنا على الصحيح .. حيل بينه وبين أبويه وأهله الكفار؛ لئلا يفتنوه، فإن بلغ ووصف الكفر .. هدد وطولب بالإسلام، فإن أصر .. رد إليهم، وهذه الحيلولة مستحبة على الأشبه عند المتولي والرافعي، وواجبة عند الغزالي والشيخ، فليتلطف بأبويه ليؤخذ منهما، فإن أبيا .. فلا حيلولة على الأول.

وفي كلام الرافعي في (باب الحضانة) ما يقتضي أن الحيلولة واجبة، ونقل الإمام في (باب الهدنة) إجماع الأصحاب عليه، ويجري هذا فيما لو كان رقيقًا لذمي وأسلم، لكن جزم الإصطخري في (أدب القضاء) بأنه يباع عليه كالبالغ، وإذا قلنا بصحة إسلام المميز .. ورثناه من قريبه المسلم، وحكمنا له بسائر أحكام الإسلام.

وعلى هذا: لو ارتد .. قال الرافعي: صحت ردته لكن لا يقتل حتى يبلغ، فإن تاب وإلا .. قتل، وقال المصنف: الحكم بصحة ردته - قال الرافعي -: بعيد بل غلط.

قال الشيخ: وفي التغليط نظر؛ لأن الحكم ببطلانها يقتضي توريثه من قريبه المسلم وهو بعيد، فقياس الحكم بإسلامه الحكم بردته لكنه لا يقتل قبل البلوغ.

ص: 75